محاكمة عبد الله الحامد
الإصلاحي الذي لا يهدأ تفانياً
سعد الشريف
عبد الله الحامد، أستاذ الأدب المقارن السابق في جامعة
الإمام محمد بن سعود بالرياض، يعد أحد أبرز الرموز الإصلاحية
في المملكة. بدأ نشاطه الإصلاحي العلني منذ تشكيل (لجنة
الحقوق الشرعية) في مايو 1993، وخضع للإعتقال مرات عدّة
على خلفية المشاركة في التوقيع على عرائض تطالب بالإصلاح
الديني والسياسي، ثم عاود نشاطه في يناير 2003 حين شارك
في التوقيع على وثيقة (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله)، وهي
أول وثيقة وطنية ضمّت أكبر طيف سياسي وإجتماعي وفكري في
المملكة، وواصل نشاطه الإصلاحي بكتابة العرائض الإصلاحية
بالتعاون مع رموز إصلاحية وطنية من مختلف التيارات السياسية
والفكرية في البلاد.
وخاض الدكتور الحامد نقاشاً حامياً مع وزير الداخلية
الأمير نايف بحضور جمع من الإصلاحيين من أجل سحب عريضة
(الملكية الدستورية). وأقدمت بعدها بأيام قليلة أجهزة
الأمن، أي في السادس عشر من مارس 2004، على إعتقال مجموعة
من الرموز الإصلاحية الناشطة وكان من بينهم الى جانب الدكتور
عبد الله الحامد الإصلاحي الوطني محمد سعيد الطيب، والدكتور
متروك الفالح، والأستاذ الشاعر علي الدميني، والناشط السياسي
نجيب الخنيزي، وعدنان الشخص وآخرين.
بقي الحامد في المعتقل مع الدكتور متروك الفالح والشاعر
علي الدميني بعد رفضهم التوقيع على تعهّدات بعدم مزاولة
أي نشاط سياسي إصلاحي، أو الإدلاء بتصريح أو إجراء مقابلات
لوسائل الإعلام الخارجية. وقد طال أمد الاعتقال، حتى وصول
عبد الله العرش الذي وقع تحت ضغط من حليفه الأميركي فقرر
على الفور إبلاغ الأمير نايف بالإفراج عنهم بدون تعهّدات
خطيّة منهم.
واصل الإصلاحيون نشاطهم، وكتبوا عن مظلوميتهم، ونشروا
بيانات تتحدث عن مشروعة المطالب الاصلاحية التي بشّروا
بها ودعوا إليها، كما في رسالة الدكتور متروح الفالح المفتوحة
الى منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني في العالم، وكتاب
الاستاذ علي الدميني عن تجربته في السجن. الدكتور الحامد
رفع وتيرة المطالبة بأن وضع ما يشبه بلائحة إتهامية ضد
وزارة الداخلية وضد شخص الأمير نايف الذي حمّله مسؤولية
ما وقع عليهم من ظلم ومعاناة.
ألحق الحامد تلك العريضة ـ اللائحة، بعريضة مماثلة
صدرت في الأول من شهر رمضان المبارك وشارك في التوقيع
عليها أكثر من مائة وخمسين شخصية إصلاحية وإجتماعية وثقافية
وإعلامية، وتدور حول موضوعي: حقوق الإنسان والإصلاح السياسي،
بالتأكيد على قضية المعتقلين التسعة من الاصلاحيين الذين
لا يزالوا قيد التوقيف بعد أن تجاوزت وزارة الداخلية المدة
القانونية لتوقيفهم.
من جهة ثانية، ساهم الدكتور الحامد في تحريك قضية المعتقلين
التسعة عبر تشجيع عوائلهم بالمطالبة بالإفراج عنهم أو
محاكمتهم بصورة عادلة، فقامت زوجات المعتقلين بتنظيم إعتصام
أمام سجن المباحث في بريدة من أجل الضغط على الحكومة السعودية،
فقامت السلطات الأمنية باعتقال النسوة، أما الدكتور الحامد
فكان نصيبه المحاكمة.
وفي الثامن من سبتمبر جرت محاكمة الدكتور عبد الله
الحامد، وأخيه عيسى الحامد في محكمة مدينة بريدة بتهمة
تحريض نساء المعتقلين على الإعتصام ومحاولة إختراق الطوق
الأمني الذي فرضته المباحث العامة في منطقة القصيم عند
تطويقها لمنزل المواطنة ريما الجريش، إحدى المعتصمات أمام
سجن المباحث في بريدة. وبخلاف ما أشيع عن أن المحاكمة
ستكون علنية الا أنها كانت مغلقة وخضعت لرقابة مشددة.
وفي تصريح لمحامي نشط وإصلاحي لوكالة رويترز في الرابع
من سبتمبر فإن الحامد وشقيقه تلقيا أمراً بالمثول أمام
محكمة لمواجهة اتهامات من بينها تحريض النساء على الاحتجاج.
وقال خالد العمير الممثل القانوني للرجلين إنهما تلقيا
أمراً قبل ثلاثة أيام للمثول أمام المحكمة لمواجهة إتهامات
بتحريض النساء على تنظيم إعتصام ومحاولة إختراق طوق أمني.
وأضاف العمير أن عقوبة الرجلين في حالة إدانتهما غير معروفة
ولكنها قد تصل إلى السجن لمدة عام على الأقل.
واحتجز الحامد عدة أيام في يوليو الماضي مع نساء تجمعن
خارج مكاتب أمن الدولة في بريدة للمطالبة بمحاكمة ازواجهن
أو الإفراج عنهم وللشكوى من سوء المعاملة في السجن. وقالت
وزارة الداخلية آنذاك أن الحامد وشقيقه إخترقا طوقاً أمنياً
حول منزل احدى المحتجات. وقد حكم على الحامد عام 2005
بالسجن سبع سنوات لإدانته باتهامات بالتحريض وتحدي الأسرة
المالكة.
وفي قضية المحاكمة الأخيرة، فإن خلفية التهمة الموجّهة
للحامد تعود الى قيامه بالحضور لمنزل السيده ريما الجريش
أثناء التفتيش بصفته وكيلاً شرعياً لزوجها محمد الهاملي،
المعتقل منذ مايزيد عن الثلاث سنوات. وقد ترافع عن المتهمين
كل من الاصلاحي والبروفسور متروك الفالح، والاستاذ خالد
العمير بصفتهما وكيلين عن الدكتور عبد الله الحامد وأخيه
عيسى.
وكما كان متوقعاً، فقد كانت المحاكمه بمثابة مجابهة
سياسية بين التيار الاصلاحي والحكومة، وبحسب بعض المراقبين
فإن المواجهة القانونية بين القضاة والمحامين كانت ذات
ظلال سياسية واضحة، حيث أراد منها الاصلاحيون أن تكون
محاكمة لوزارة الداخلية وتدابيرها القمعية ضد الإصلاحيين
وعرض أجندة الاصلاح السياسي.
وكانت المحكمه برئاسة القاضي ابراهيم بن عبدالله الحسني
القاضي في المحكمه الجزئيه في بريده المعروف عنه بأنه
من أسوأ القضاة والمشهور بأحكامه المتشدده التي تفتقد
للإجراءات النظاميه. تجدر الإشارة الى أن إثنتين من النساء
المعتصمات أمام إمارة منطقة القصيم، وهو امتداد للإعتصام
الأول الذي حدث أمام سجن المباحث الذي يحاكم الدكتور عبدالله
الحامد بشأنه هن من عائلة القاضي الحسني الذي يحاكم الدكتور
الحامد بتهمة تحريض النساء، وكذلك الشخص المقبوض عليه
الآن لدى المباحث والمتهم بإحضار بعض النساء لمكان الإعتصام
هو أيضا من عائلة القاضي الحسني، إضافة إلى قرابة هذا
القاضي لبعض المعتقلين الذي حدث الإعتصام لأجلهم.
وقد كان متوقّعاً أن يكون، كما هو تقدير الاصلاحيين
عموماً لما سيجري، هدف المحاكمة هو (الإنتقام) من الحامد
واخيه لانهما شاركا مع آخرين في ارسال خطاب الى الملك
عبدالله بن عبد العزيز (عددوا فيه تجاوزات في وزارة الداخلية
لحقوق المتهم والسجين).
وعقدت الجلسة الأولى أمام محمكة بريدة التي تقع على
مسافة 320 كلم الى الشمال من الرياض، وكانت الجلسة مغلقة.
وبحسب لائحة الاتهام، التي وجهت الى عبد الله وعيسى الحامد
تحريض النساء على الاعتصام (لاثارة الفتنة والفوضى) و(التدخل
في مهام قوى الامن في وضع كان يمكن أن يشكّل خطراً). وطلب
الادعاء العام عقوبة (شديدة ورادعة) بحق الرجلين إلا انه
لم يكن ممكنا معرفة العقوبة المطلوبة بالتحديد.
إنسحاب الأمير طلال وصمود الإصلاحيين
ما إن أعلن الأمير طلال بن عبد العزيز عن نيّته تشكيل
حزب سياسي بالمملكة بهدف كسر (إحتكار السلطة من جانب بعض
أعضاء الأسرة المالكة)، حتى بادر الدكتور عبد الله الحامد
وعدد من الإصلاحيين بترحيبهم بدعوة الأمير طلال واستعدادهم
للإنضمام الى الحزب.
وجاء في تصريحات خاصة لموقع (إسلام أون لاين) على شبكة
الإنترنت في السادس من سبتمبر، ترحيب الدكتور الحامد بدعوة
الأمير طلال على أساس أن يكون (الحزب أرضية تسمح لجميع
السعوديين بالتعبير عن وجهات نظرهم، وأن يشاركوا في اتخاذ
القرار). وأشار الحامد الى أن (هناك عدداً من الأمور المشتركة
بين الحركة الإصلاحية في المملكة وخاصة الدعاة إلى الملكية
الدستورية وما يدعو إليه الأمير طلال). وأشار الحامد الى
أن حركة الأمير طلال في الستينيات وظهور ما يسمّى بـ (الأمراء
الأحرار)، كانت حركة (فوقية وليست شعبية، لذا تم وأدها
بسهولة، أما الآن فالوضع مختلف فهناك تحرّك شعبي، ولكن
نحتاج الى مساندة فوقية)، على حد قوله. ولفت الحامد الى
(هناك اتجاهاً في الأسرة المالكة بدأ يدرك أن الحكم بعصا
من حديد يضرّ أكثر مما ينفع، يبدو أنهم تنبهوا إلى خطورة
القمع بعد أن تسرّبت حكايات عن تعذيب منهجي في السجون).
وشدد الحامد على ضرورة وجود آلية عملية لإبراز فكرة الحزب.
وتساءل (هل يستطيع الأمير طلال بالفعل إنشاء حزب سياسي
أم لا؟، لا بد أن نعرف أولاً هل هذه التصريحات نوع من
التنفيس أو الاحتجاج أو تبرئة الذمة؛ لذا اتصلت بمكتب
الأمير طلال حتى أتبين حقيقة الأمر، ولكن وجدته مسافرًا
للخارج).
ولكن لم يمهل الأمير طلال من توسّم به خيراً وإصلاحاً
طويلاً، فقد أعلن من القاهرة وبعد يومين من دعوته تراجعه
عن فكرة تشكيل الحزب السياسي، وخذل من أحسن الظن به كما
في كل مرة يطلق زوبعة في فنجان العائلة المالكة لأغراض
باتت معلومة، فإن التهميش الذي لحق به داخل مؤسسة الحكم
يدفعه أحياناً لاستعمال مثل هذه الفرقعات التحذيرية التي
يريد بها تنبيه غرمائه في العائلة بأنه يملك سلاحاً صوتياً
قابلٍ لأن يحمل في يوم ما حشوة تفجيرية.
وفيما يبدو، فإن الحامد شأن نفر من الإصلاحيين مازالوا
يراهنون على شخصيات من داخل العائلة المالكة تنتفض لكسر
إحتكار السلطة من قبل الجناح السديري الذي يعتبره الإصلاحيون
عموماً معارضاً عنيداً للإصلاح، وهو الذي بيده مفاصل السلطة.
الإصلاحي خالد بن سليمان العمير، وهو أحد دعاة الدستور
والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان اعتبر دعوة الأمير
طلال (بالجريئة)، مشيرًا إلى أنها تنطلق من نفس القواعد
التي تنطلق منها الحركة الإصلاحية في المملكة.
وعبّر العمير عن ترحيب الإصلاحيين بالانضمام لحزب الأمير
طلال ـ في حال قيامه ـ (طالما الهدف واحد وهو بناء دولة
مؤسسات ومحاربة الفساد، فالسعوديون بحاجة ماسة إلى مؤسسات
المجتمع المدني بما فيها الأحزاب). وشدّد على ضرورة تضافر
جهود الإصلاحيين للإعلان عن حزب معلن يعمل تحت سقف الدولة،
ولكن الإشكالية الكبرى هي أن النظام يحظر إنشاء أحزاب
سياسية.
واتفق الحامد والعمير على أن الأنشطة الإصلاحية التي
زادت وتيرتها خلال هذا العام عبر إصدار سلسة بيانات إصلاحية،
كان لها دور في زيادة الحراك السياسي والاجتماعي الذي
شكّل محفزًا لكثير من التوجهات الإصلاحية داخل الأسرة
المالكة بالإعلان عن نفسها. ويعتقد العمير بأن الأسرة
المالكة مليئة بالأمراء الإصلاحيين، ولكن العرف السياسي
يمنعهم من الإعلان عن أنفسهم.
إصلاحيون آخرون اعتبروا إنسحاب الأمير طلال على وجه
السرعة وتخليه عن دعوته قد أحدثت ضرراً بالغاً بالحركة
الإصلاحية، فقد نجح الأمير في الحصول على تأييدات مجانية
من الإصلاحيين تمكّنه من المتاجرة بها وتوظيفها في معركته
داخل العائلة المالكة، في مقابل إحداث خلخلة داخل بنية
الصف الإصلاحي الذي لم يجنٍ سوى ارتجاجات إعلامية غير
ذات قيمة، بل قد تترك أثراً سلبياً على تعاطي الإصلاحيين
مع بعضهم في قضية لم تعد بحاجة الى استعارات رمزية من
أجل شرعنة وجودها أو تفعيلها شعبياً وسياسياً.
وقد تبين من (زلزال) طلال أنه لم يكن سوى غضبة شخصية
وآنية كرد فعل على تخفيض موقعه داخل مجلس العائلة حيث
كان يحتل الموقع الثالث وأصبح في الموقع الرابع، بعد أن
حلّ الأمير سلمان، حاكم الرياض، مكانه، وهو ما اعتبره
خطوة أولى لإقصائه تدريجياً عن الحكم، وحقه في توارث العرش
باعتباره إبناً لإبن سعود، بل قد يحرمه في المستقبل أيضاً
من إختيار ولي العهد للملك القادم، وهو الذي نجح في إقناع
الملك عبد الله بعدم تعيين نائب ثانٍ عنه، وأن يجعل الأمر
متروكاً لكل الأجنحة بالتشاور من أجل كسر احتكار الجناح
السديري للحكم في المستقبل. ولكن الملك عبد الله خذل أخاه
هذه المرة، حين تم تخفيضه في مجلس العائلة، فقرر اللجوء
الى خياره المفضّل في مثل هذه الخلافات أي إطلاق التصريحات
الناريّة، حيث بات بهذه الطريقة قادراً على إحداث دوي
لإسماع أخوته إحتجاجه ومطالبه.
إذاً، لا يجب التعويل كثيراً على تصريحات الأمير طلال،
وخصوصاً في موضوع الإصلاح السياسي، فله من التصريحات ما
يكفي والتي تتعارض جملة وتفصيلاً مع مشروع الإصلاح كما
يراه ويأمله الإصلاحيون.
|