رشاوى وتطرّف ديني
معركة السعودية في بريطانيا
سعد الشريف
تواجه شركة بي أيه إي دعوى قضائية في الولايات المتحدة
على خلفية دعاوى سعودية. فالعاصفة التي تحوم حول تهمة
الفساد لمزوّد السلاح البريطاني بي أيه إي أخذت منحى قانونياً
جديداً، إثر قيام أكبر المؤسسات القانونية في الولايات
المتحدة برفع دعوى ضد مدراء شركة بي أيه إي.
مايك ترنر، المدير التنفيذي، وبقية الهيئة الإدارية
بين المدافعين في حقل العمل القضائي في واشنطن، إلى جانب
الأمير بندر بن سلطان، المتهّم بتلقّي مئات الملايين من
الجنيهات الاسترلينية في رشاوي تعد جزءَ من اتفاقية شركة
بي أيه إي لتزويد طائرات عسكرية ومعدّات أخرى للسعودية.
وقد نقل ستيفن فولي من صحيفة (الاندبندنت) اللندنية
في الحادي والعشرين من سبتمبر عن باتريك دانييل، المدّعي
العام في مؤسسة (Coughlin Oughlin Stoia
Geller Rudmas & Robbins) التي رفعت الدعوى القضائية
قوله (في ظل إنتهاك منظّم للقوانين المناهضة للفساد الوطنة
والدولية، إقترن بتجاهل فاضح للواجبات الائتمانية، فإن
مدارء بي أي أيه السابقين والحاليين قد تسببوا بأضرار
خطيرة وطويلة الأمد للشركة وقوّضوا موقعها التنافسي).
لقد أصبحت سمعة بي أيه إي رثّة بشكل كبير، وفيما لا
تزال الأسئلة الكبرى بدون إجابات حول معايير إدارة الشركة.
ومن خلال هذه الدعوى القضائية، فإن الرؤوساء والمديرين
التنفيذيين سيدعون الى المحكمة وسيكونون مسؤولين بصورة
شخصية إزاء أعمالهم. وقد نفت بي أيه إي قيامها بأية رشاوى
غير قانونية، وتحرّكت للدفاع عن سمعتها في يونيو الماضي
خلال موعد مع هيئة أخلاقية مستقلة. الغريب، أن الأمير
بندر نفسه قد أنكر تلك الاتهامات.
مكتب التحقيقات في الغش التجاري الخطير أوقف التحقيق
العام الماضي، على قاعدة الحفاظ على الأمن القومي. وقالت
بي أيه إي، بأنها لم تتلقَ إخطار سابق بالدعوى القضائية،
وأنها ليست على استعداد للقبول بمقتضاها ولكنها (تنوي
وبصورة صارمة الدفاع عن مثل هذه الدعاوى القضائية).
القضية المرفوعة تتّهم مدراء شركة بي أيه إي (بخرق
متعمد وطائش وغير أبالي للواجبات الائتمانية، والانضباط،
والتطابق والإلتزام بالعلاقة مع الشركة)، وسوء التمثيل
المتكرر لكيفية إدارة شركة بي أيه إي.
المدّعي في القضية هو نظام تقاعد الموظفين في هاربر
وودز، وهو نظام التقاعد العام في ميتشجن، والذي يملك حصة
صغيرة من الأسهم في بي أيه إي.
فساد الحكومة البريطانية وصفقات الاسلحة مع السعودية
ليست أمراً مثيراً للضحك، بحسب صحيفة (ذي جارديان) في
الرابع والعشرين من سبتمبر. إنها محاولة مضحكة بصورة خطيرة
لإعادة مكتب التحقيق في الغش التجاري الى لمسرح من أجل
دعم الحملة لإعادة فتح التحقيق في مزاعم الرشوة ضد بي
أيه إي في معاملاتها مع السعودية.
فقد أوقف توني بلير التحقيق في ديسمبر 2006 بزعم الأمن
القومي. ولكن هذه الدعوى لم ترق للمراقبين والصحافيين
في بريطانيا، الذين قالوا بأن هذه المقاربة تنطوي على
هجوم ضد القيم الأصلية لبريطانيا ـ أي حق رئيس الوزراء
وشركات الأسلحة الكبرى لأن تكون فوق القانون.
إنه أمر مثير للضحك ولكنه يحمل في طياته غرضاً مميتاً
حتى لو تمكّن الممثلون الواردة أسماؤهم في لائحة المتابعة
والتحقيق قاموا بعمل إعجازي من اجل تبديد الشكوك المتراكمة
حول الأسباب التي تدعو لذلك.
لقد أحال ثوماس مارك من دراما اليمامة السوداء كوميديا
نقدية لإنهاء العفاف المصطنع لدى الحكومة البريطانية وامتثالها
الواهي بالقيم الليبرالية، فقد وجد مارك في تصرفّات رجال
الحكومة المتورّطين في فساد اليمامة علامات إرشاد الى
طريق الجناح اليساري المعمم الذي انغمس في الفساد وغطْى
غريمه اليميني عبر وقف التحقيقات. لقد اختارت شخصيات الدراما
طرقاً متباينة في مقاربة عملية الإفساد السعودي للقيم
البريطانية، فبينما نظر اليها أحدهم من وجهة دينية مسيحية
وعدّها عملية توصيم للحق المسيحي، فإن الآخر وضعها في
سياق الاستهلاكية الاخلاقية. ولكن رفض أي من تلك التصرفات
لتعريف وبصورة مباشرة الغرض من تلك الدراما يبدو مختلفاً.
ولكن تبقى تلك الكوميديا على درجة من السخرية والمثيرة
للضحك، وإن كانت على غير صلة مباشرة باليمامة. ما يحاول
مارك ستيل توظيفه في عقد مقابلة بين الإلتزام السياسي
لكل ما هو متعلق بثقافتنا الظاهرة بصورة عامة ـ وهي ثقافة
قد تخفّض أشخاصاً بحجم نعوم تشومسكي، وجون بيلجر، وريتشارد
داوكينس الى درجة الغباء عبر وضعهم في برنامج (الأخ الأكبر)
للشهرة.
واستمراراً مع موضوع الأخ الأكبر، فإن ستيوارت لي يستعيد
عادته الرائعة حول إيقاعه المتغطرس حيث نأت شركة كارفون
بنفسها عن عنصرية جايد جودي. فحين سئل: هل تقتفي قيم عيسى
أو بوذا، أو ماركس؟ أجاب قائلاً: لا، فأنا أتّبع قيم متجر
كارفون.
ثوماس أقرب الى النقطة الجوهرية.. فلديه نكات حول الصخرة
الشمالية، وحلاً بارعاً للنائب الذي يمسك بمصالح محددة.
فعليهم أن يغنّوا الجلجلات لكل شركة ترعاهم (كلما تحدثوا).
ولكن راسل براند يسرق المشهد ويحتله، وبين الممثلين على
المسرح، يقدّم الوضع المعقّد لقضية بي أيه إي/ السعودية،
ما لم يمارس الجهل لكل القضية. لم يكن متأكّداً ما إذا
كان يعني لإثبات العكس، وليس متأكّداً من هو المسؤول،
بالرغم من أن هناك أميراً متورطاً والذي يشبه الى حد كبير
شخصاً من حرب النجوم. فلأول مرة طيلة هذه الليلة، فإن
القضية والكوميديا تأتيان دفعة وحدة، ومحمّلتان بكل الدلالات
المطلوبة في قضية تبدو مفتوحة على كل الدلالات والإحتمالات.
صحيفة الأوبزورفر، وضعت في الثالث والعشرين من سبتمبر،
قضية اليمامة بكل الفضائح المنبعثة من داخلها في سياق
عملية توهين لبريطانيا، وتقليل من شأن قيمها الليبرالية.
فقد كت نيك كوهين أن الإثراء يتواصل من السعودية. فعلاوة
على 21 مليار جنيه صفقة اليمامة العسكرية، فقد وافق السعوديون
على دفع 4.3 مليار جنيه (ثمانية مليارات ونصف المليار
دولار)، في منتصف سبتمبر الماضي من أجل شراء 72 طائرة
يوروفايترز. قطع الغيار قد تجلب ملياراً آخر من الجنيهات
الاسترليني (ملياري دولار أميركي)، وهناك فائض من المليارات
في المصدر الذي جاءت منه. مال كثير، ولكن ماهو الثمن؟
كانت الأيام الأخيرة لتوني بلير مؤلمة حيث كان واضحاً
بأنها وقعت بين خيارين: حكم القانون من جهة والاعتماد
الصناعي البريطاني على طلبات التسلح السعودي واعتماد الغرب
على النفط السعودي من جهة ثانية، فكان الخيار هو زوال
حكم القانون.
حين أمر المدّعي العام اللورد جولدسميث مكتب التحقيق
في الغش التجاري الخطير بوقف التحقيق بشأن المزاعم بأن
بأن بي أيه إي قد دفعت رشى للأمراء السعوديين، فإنه أبدى
بأن عدم التسامح له حدوده وأن حزب العمال الجدد كان مستعدّاً
لأن يكون متساهلاً في الجريمة وكذلك أسباب الجريمة في
سبيل المحافظة على حلوى السعوديين.
وشأن فضيحة حجم المزاعم التي وجدت السلطات من المناسب
تجاهلها، كذلك الإتهامات التي قالت بأنها ستقوم بمتابعتها.
وفيما تم تجاهل التحقق من صحة الغش المزعوم، فإن قضية
شرطة ويست ميدلاندز ضد القناة الرابعة بسب تحقيقها في
تمويل السعودية للمساجد المتطرّفة في لندن وبريطانيا بصورة
عامة تتواصل حتى الآن. في المدى البعيد، ماذا يمكن أن
يحصل للقناة الرابعة يعتبر بالغ الأهمية أكبر من تقديم
رشى لمكتب التحقيق في الغش التجاري.
ويمضي الأمر ليصيب كبد فشل بريطانيا في التوصّل الى
شروط مع محاولة السعودية لتغيير المسلمين في أوروبا الى
الوهابية والعقائد المتآخية معها. فليس هناك ما يعادل
حجم المجهود الدعائي الذي تقوم به السعودية في التاريخ
البريطاني.
صحيح، أن الاتحاد السوفييتي قد موّل بصورة سرية مؤيديه
في القرن العشرين، ولكن الحزب الشيوعي البريطاني لم يكن
أكثر من كونه مذهباً صغيراً، وفي كل الأحوال فإن (ذهب
موسكو) الأمس كان عملة صغيرة بالقياس الى بترودولارات
السعودية اليوم. وإذا قابل الأثرياء النافذون المسيحيون
التحيّة بمثلها وأغدقوا المال في السعودية من أجل تغيير
المسلمين الى الأصولية البروتستانتية، فإننا سنسمع عن
صفقة جيدة في هذا الشأن.
وعلى أية حال، فإن الإحتفال العلني للأديان غير الإسلامية
وكذلك التبشير بها يعتبران عملين غير قانونيين في السعودية،
وأن المسلم المتحوّل الى ديانة أخرى يواجه عقوبة الإعدام،
ولذا فإن فرص الأوروبيين للعمل بالمثل في السعودية تعتبر
محدودة.
فالمرور هو باتجاه واحد فحسب، ولكن قلة تجرؤ على الإفصاح
عن الشكوى حيث تجري الأمور. فعدم الرغبة الرسمية في التسبب
بأي إزعاج لمزوّدي النفط ومشتري السلاح ليس السبب الوحيد
للصمت. فالمسلمون البريطانيون يشعرون بالتهديد.
وبحسب شخصية بارزة، يسمح لها بالظهور أحياناً في وسائل
الإعلام لتقديم رؤية مقابلة للمجلس الإسلامي في بريطانيا
أبلغ الأبزورفر بأنه لم يستعمل قط كلمات من قبيل (السعودية)
أو (الوهابية). وحين أراد مناقشة هذا الأمر فإنه يحيل
بصورة غائمة الى (التمويل الخارجي للعقائد المتطرّفة).
فهو يدرك بأنه في حال أفصح عن ذلك، فإنه سيمنع من دخول
السعودية. فالقائمة السوداء هي القرار المرعب بالنسبة
له ولآخرين حيث أن عليه واجباً دينياً بأداء فريضة الحج
في مكة.
كما تخشى هذه الشخصية من أن تخضع للمحاكمة، كما الحال
بالنسبة لأي شخص آخر. فقوانين الطعن الصارمة في بريطانيا
أصبحت مصدر تهديد للأمن والإنسجام العنصري. وبحسب أحد
المحامين فإن (المال السعودي أصبح الآن مصدراً رئيسياً
للدخل لشركات الطعن في لندن، وأن رسوم المدارس والمساكن
الثانية تعتمد عليها).
على الضد من الخلفية الخانقة للصحافيين والناشطين المسلمين
الذي يعضّون ألسنتهم ويسحبون أيديهم فإن القرار غير المسبوق
لشرطة ويست ميدلاندز وخدمة الإدعاء الملكية لتعقّب القناة
الرابعة يجب أن يوضع في نظر الإعتبار.
وكما هو الحال بالنسبة لكتاب (آيات شيطانية) وبريك
لين، وبيهزتي، والرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، فإن
من الصعوبة بمكان أن تجد لماذا مسجد تحت الرقابة يثير
الإهتياج حين نعود أدراجنا الى الأصل. فالكاميرا تظهر
أبو أسامة، في مسجد جرين لين الخاضع تحت النفوذ السعودي
في بيرمنجهام، وهو يتهجم على الكفّار (أي غير المؤمنين
بالإسلام)، وقوله في المرأة: (إن الله خلق المرأة ناقصة
حتى لو حصلت على درجة الدكتوراه. وأن عقلها قاصر).
إن لقطات وطلقات رجال الدين السعوديين وهم يكيلون جلد
الكفّار كلها حقيقية. وكذلك النشرات وأقراص دي في دي التي
تهاجم النساء، واليهود، والمسيحيين وتفسّر لماذا أن مرض
الأيدز مؤامرة غربية. وهذه المواد متوفرة في مكتبة عامة
في مسجد ريجنتس بارك في لندن، والذي بني بالمال السعودي
ويدار من قبل دبلوماسي سعودي.
وحيث يكذب بلو بيتر على الأطفال، فإن الإستنكارات على
زيفية التلفزيون تثير الغضب في هذه اللحظة. ولكن القوانين
التي تحكم الوثائق التلفزيونية تبقي صارمة الى حد كبير.
وقد التزمت القناة الرابعة بهذه القوانين. فقد أثبتت القناة
كل إدعاء وأعطت للأشخاص الذين انتقدتهم حق الرد. ومع ذلك،
فإن شرطة ويست ميدلاندز أحالت القضية الى مؤسسة رقابة
التلفزيون، وفي غضون ذلك، بعثت برسالة الى الصحافيين الآخرين
الذين يفكّرون في فضح التطرف الديني من أجل التراجع إذا
ما أرادوا ألا تشملهم القضية أيضاً.
وبحسب الصحافي في (الأوبزرفر)، إنني أستطيع، إذا شئت،
المضي في ختام الكلام اليائس حول بلد مصاب بالعمى بفعل
الطمع والمستغبى بالنسبية أن يسمح لضباط الشرطة ومحامي
الطعن بإثارة أولئك الذين يغطّون موضوع الأئمة مثيري الكراهية.
لحسن الحظ، هناك قلة من عناصر التفاؤل. فـ (أوفكوم)
ستصدر قراراً فيما يرتبط بالمسجد الخاضع للرقابة خلال
أسابيع قليلة وفيما يبدو فإنها ستستبعد مزاعم شرطة ويست
ميدلاندز المثيرة للضحك بأن القناة الرابعة وجّهت إتهامات
لخطباء أبرياء. فالفيلم الوثائقي الذي استغرق 56 ساعة
والذي تم على يد معدّي البرامج الوثائقية يظهر بأن الطاقم
لم يضع رجالاً متسامحين في خانة المتعصّبين المولوين عبر
التوسّل بعمل كاميرا خادعة أو القيام بتحرير ماكر للبرامج
ولكنهم غطّوا ما وجده صحافيوها.
إن خدمة الإدّعاء الملكية، التي لعب محاموها دوراً
خسيساً في هذا الهجوم على الصحافة التحقيقية، تبدو أنها
قد توصّلت الى أنها ذهبت بعيداً جداً وأنها أبلغت كل شخص
سيستمع بأن شكوى (أوفكوم) هي وحدها المسؤولة في شرطة ويست
ميدلاندز.
وما يدعو لمزيد من البهجة، فإن المسلمين البريطانيين
المعتدلين سيقودون قريباً هجوماً مضاداً على النفوذ السعودي
نتيجة الإستجواب طويل الأمد الذي قاموا به. لقد وجدوا
الشجاعة لعمل ما لم يقم به المدّعي العام، والمحكمة العليا،
وشرطة ويست مدلاندز، وخدمة الإدعاء الملكية ووقفوا الى
جانب أفضل القيم لهذه البلاد.
نشير الى أن المسلمين البريطانيين المعتدلين قد بدأوا
حملة توعية عامة بالإسلام، ووضعوا الملصقات على حافلات
السيارات والأماكن العامة التي تحاول التمييز بين الإسلام
الذي يعتنقه المسلمون البريطانيون والنموذج الديني المتطرف
القادم من الخارج، أي من السعودية.
|