إثارات لا تهدأ مصدرها (الوهابية)
متى يسترخي المجتمع؟
محـمـد فـلالـي
تكاد تكون كل الإثارات التي تنفجر محلياً وتكون متداولة
لدى الرأي العام المحلي السعودي، وكل الإثارات الإعلامية
والسياسية الخارجية، ذات صلة بالمؤسسة الدينية الرسمية
أو بجهة حكومية لها علاقة بالموضوع الديني، الأمر الذي
يعكس حقيقة أن (المؤسسة الدينية) الرسمية و (الفكر الديني)
المتبنّى رسمياً ـ أي الوهابية، ومشاغبو ذلك التيار، هم
مثار جدل داخلي، ومثار توتير للوضع المحلّي، كما أنهم
في ذات الوقت يلعبون ـ اليوم ـ دور المهيّج الخارجي على
الحكم السعودي، بأفعالهم وتصرفاتهم وأخطائهم المتكررة.
ما هي الموضوعات المثيرة التي تسبب الجدل والهياج والإنشقاق
والعداوة المجتمعية داخلياً، وما هي المواضيع التي تثير
الخارج والتي ترتبط بتلك الموضوعات حيناً وتستكمل حلقات
الجدل الداخلي حيناً آخر؟!
خلال الفترة الوجيزة الماضية، أثيرت قضية فتاة القطيف،
وهي قضية لها علاقة بفساد القضاء السعودي، وهو فساد لا
ينكره المسؤولون السياسيون، ومظاهره واضحة المعالم، والقضايا
التي تثار كثيرة. وهذه ليست القضية الأولى، وهناك عشرات
القضايا مرت بنا خلال الحقبة الماضية لها علاقة بهذا القضاء
وعدم كفاءته وانحيازه وتعصبه، وأحكامه التي تجعل اللبيب
حيراناً. نذكر هنا بقضايا تطليق فتاتين من زوجيهما بدون
طلب منهما، وبدون رضاهما، بحجة أن زوج إحداهما اسماعيلي
المذهب، أي أنه غير مكافئ لزوجته في المذهب، في حين جرى
تطليق زوج الثانية بحجة أنه غير مكافئ لها في النسب، باعتباره
ينتمي الى قبيلة (أدنى)!
هذا مثال بسيط عن القضاء السعودي، بحيث أن قصصه خرجت
عن إطارها المحلي، ما أزعج المسؤولين السعوديين، والوهابيين
المتطرفين، واعتبروا ذلك (مؤامرة) على (الدين الوهابي
الصحيح). وكان يجب ان يصلحوا القضاء، لا أن يتعصبوا لقضاتهم
الذين هم (كلهم) وهابيون، و(غالبيتهم الساحقة) من نجد،
التي لا تشكل ربع سكان المملكة!
ومن النماذج المثيرة، الفتاوى التي يتحفنا بها رموز
الوهابية بين الفينة والأخرى، إما بتكفير مواطن، أو مجموعة
مواطنين، إما لأنه ليبرالي، أو علماني، أو حداثي، أو صوفي،
أو شيعي رافضي، أو لأي سبب آخر. وأحياناً يتعدى الأمر
الى تكفير آخرين خارج الحدود: الزيدي والأباظي، بل ويحمل
الأمر شكلاً آخر أخطر، حين يفتي (ابن جبرين مثلاً) بجواز
تدمير المقامات المقدسة للشيعة في العراق، وهي التي أشعلت
ـ في حادثة سامراء ـ لهيب الحرب الأهلية بين العراقيين،
لم يخرجوا من أتونها حتى اليوم، حيث القتل على الهوية.
لقد احتج العراقيون على تلك الفتاوى وفتاوى غيرها، مثل
جواز قتل القيادات وضرورة مجاهدة الأكثرية هناك. ومثل
تلك الفتاوى، وما يقوم به السلفيون (ومن ورائهم الحكومة)
من تمويل وبعث أبناء الوهابية النجدية الى العراق وأفغانستان
(مجدداً الآن) سبب استياءً لدى حلفاء آل سعود في واشنطن
وفي أكثر من عاصمة عربية.
ومن الموضوعات الدينية التي تثار في الداخل أو الخارج
ولها صلة بالتيار الديني، قضية نهر البارد ومشاركة السعوديين
الوهابيين فيها، وهي قضية حديثة كما نعلم، إضافة الى ما
طرأ من اعترافات نشرتها الصحافة اللبنانية من اعترافات
سعوديين بقتل رفيق الحريري، وما أعلنه المحقق الدولي براميتز
من إشارات تدل على أن القاتل جاء على الأرجح من بلد صحراوي
(السعودية).
ومن القضايا ذات الصلة الدينية ولها صدى داخلي وخارجي
موضوع تغيير المناهج الدينية التي سببت مشاكل داخلية كونها
تكفر أكثر سكان المملكة أنفسهم، فضلا عن تكفيرها من هم
خارجها، وأنها تدعو الى التشدد والتقاطع والتنابذ والقتل
واستخدام العنف، تلك المناهج متهمة داخلياً وخارجياً بتفريخ
العنف والتطرف وتصديرهما فكراً وبشراً.
ومن القضايا موضوع الحريات الدينية في المملكة، وهي
حريات لم يتمتع بها المواطن غير الوهابي فكيف يتمتع بها
غير المسلم الأجنبي! وهو ما ظل يثار دائماً في الغرب من
امتهان كرامة العمال الأجانب (7 مليون) كثير منهم ينتمون
الى المسيحية ولا يسمح لهم حتى بالإجتماع.. وهو موضوع
يثار دائماً في تقارير المنظمات الحقوقية، فضلاً عما يثار
من اضطهاد الصوفية والشيعة والإسماعيلية والزيدية وغيرها.
وقد أثير الموضوع في زيارة الملك عبدالله للبابا، كما
أثير مؤخراً في تقرير الحريات الدينية الأميركي السنوي،
وشمل نحو عشرة آلاف كلمة، ركزت على هذه المواضيع بالتفصيل.
ومن القضايا التي لها صلة بالمؤسسة الدينية وغيرها
ما يثار دائماً من تعرض الحجاج المسلمين من شبه القارة
الهندية ومصر والعراق والشام وإيران وغيرها الى مضايقات
شديدة، بحيث يعود كل هؤلاء الحجاج ليرسموا صورة سيئة عن
الوهابية والبلد الذي يحتضنها.
وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي زودت
بأدوات التوحش والإعتداء، لاتزال تفجر في كل أسبوع تقريباً
قضية من القضايا التي تهز الرأي العام، فهذا اعتدي عليه
ضرباً، وذاك اقتحم بيته، وثالث أهينت زوجته في سيارته،
ورابع أخذ الى مراكز الهيئة وتم تعذيبه وقتله (انظر الموضوع
المتعلق بالموضوع في هذا العدد) الى حد أخرج فئات من المواطنين
عن حدود الرد العادي، حيث بدأت الإنعكاسات تتكشف من أن
بعض رجال الهيئة تم قتلهم او التعرض لهم بالإعتداء، كما
أن بعضهم ووجهوا بالضرب إما دفاعاً عن النفس أو تنفيساً
عن قهر مزمن. ووصل تعدي رجال الهيئة حتى على الدبلوماسيين
الأجانب، وعلى الزائرين والحجاج، وعلى غيرهم ممن للهيئة
والتيار الوهابي عامة تجاههم ضغينة، بحيث بدا وكأن هناك
تصفية حسابات شخصية أو على قاعدة طائفية مذهبية أو حتى
مناطقية وعرقية (الذي قتل في مايو الماضي على يد رجال
الهيئة أسود البشرة، وكان المهاجمون من رجال الهيئة يصمونه
وإخوانه بالعبيد!).
قضايا العنف والإرهاب في الداخل والخارج، كلها لصيقة
بالتيار الديني السعودي، وكلها لصيقة بالفكر الوهابي،
الأمر الذي سببب توتيراً في العلاقات مع عدد من الدول:
تونس، موريتانيا، المغرب، سلطنة عمان، العراق، سوريا،
لبنان فضلاً عن روسيا، وأميركا وبريطانيا، وغيرها. منذ
9/11 انفتح العالم على الفكر الذي قاد للعنف والقتل، فكان
أن وجدت جذوره في الداخل السعودي، وثار جدل داخلي احتضنته
بعض الصحف السعودية مؤكدة على أن السعودية أضحت مفرخة
للإرهاب، فقام الوهابيون يبرؤون أنفسهم، ومناهجهم، وشخصياتهم،
ولكن دونما أثر، ففي كل يوم يأتي لنا الدليل تلو الآخر
على عمق المشكل الديني/ الوهابي وآثاره المدمرة في استدعاء
العداوات الخارجية كما الداخلية.
ولعلنا نضيف الى الأمثلة، الفتاوى التي أثارت الرأي
العام المحلي، والمتعلقة بتكفير الأفراد، وتهديدهم بالقتل
وبينهم كتاب ومفكرين وأساتذة جامعات وغيرهم.. فضلاً عن
نظرائهم من خارج الوطن، وإضفاء صفة (الشرعية) على أهداف
التعرض لأولئك.
المهم مما ذكر آنفاً، هو تأكيد بعض الحقائق..
أولاً ـ أن الدين بنسخته الوهابية عامل تمزيق للمجتمع
السعودي، إما على أساس طائفي، أو على أساس مناطقي، أو
على أساس فكري وسياسي.
ثانياً ـ إن الوهابية عامل استدعاء للتدخل الخارجي
بسبب عدوانها على الآخر، ليس الداخلي فحسب، بل والخارجي
ايضاً. ويكون ذلك الإعتداء إما على شكل القيام بعمليات
عسكرية، أو على شكل تمويل جماعات عنف، أو على شكل ترويج
لأفكار الكراهية والتحريض على العنف والقتل.
ثالثاً ـ إن الوهابية أداة بيد الحكم السعودي يستخدمها
في معاركه الداخلية والخارجية. والوهابية لذلك لم تجعل
المجتمع مسترخياً أبداً، ويبدو أن سلطان الدولة (آل سعود)
لا يريد للمجتمع أن يهدأ، ويريده مجتمعاً منقسماً يحمي
وحدة السلطة، لا يستطيع أن يحث الخطى باتجاه النضال من
أجل الإصلاح السياسي والديني.
رابعاً ـ الوهابية قد تستطيع تفتيت المجتمع لتوحد السلطة،
ولكنها تساهم من جانب آخر، في تفتيت الدولة والتشجيع على
تقسيمها، وهي بهذا تشكل الوسيلة المثلى لإعادة نجد الى
حجمها الطبيعي، وعودة الحجاز كدولة مستقلة، كما المناطق
الأخرى في الأحساء والقطيف ونجران وعسير وجازان.
|