أردية الطهر والعفاف الوهابية
لا يعقل أن لا يرى الوهابيون، ما يراه غيرهم من المواطنين،
من فساد آل سعود، في مسلكهم الشخصي والسياسي.
قبل عصر القنوات الفضائية والإنترنت، كنّا نعتقد أن
رجال المؤسسة الدينية الرسمية الوهابية، جاهلون بما يفعله
آل سعود، وكما اعتقد ـ خطأ ـ جهيمان حين كتب بأن آل سعود
يضللون المفتي، ولا يختارون إلا الأعمى حتى لا يرى (مخازيهم)،
وأن آل سعود حين يلتقون بالمفتي وغيره من المشايخ يكثرون
من العطور التقليدية، ويقبلون ناصية المفتي، وينادونه
بـ (شيخنا) وغير ذلك، حتى لا يفكر في المساوئ التي سمعوها
عنهم، كما يقول جهيمان.
كما اعتقد جهيمان خطأ بأن أكثر المشايخ مداهنين، وبعضهم
لا يرى ما يجري، فإن الحكم على هؤلاء اليوم أسهل من الأمس،
فهم يرون ويسمعون ومع ذلك يشرعنون الفساد والظلم، ويدافعون
عن آل سعود مهما عظمت جرائرهم.
كنا نعتقد بأن ما ينشر عن آل سعود في الخارج لا يصل
الى الوهابيين. لم يروا صور فهد وهو يسكر، ولم يروه وهو
يلبس الصليب على شاشة التلفزيون! الرسمي، ولم يسمعوا عن
سرقات الأمراء وخساراتهم الملايين على طاولات القمر. لم
يسمعوا عن تعدياتهم على أموال الناس وأعراضهم، لم يقرأوا
ما تقشعر منه الأبدان من أفعالهم، ولا من سياساتهم.. لم
يعرفوا حجم ارتباط آل سعود بالغرب، ولا تفريطهم بثروات
النفط، ولا بالرشاوى التي يقدمونها، ولم يسمعوا يوماً
عن القوات الغربية المرابطة في السعودية، ولم يصدقوا ما
يذاع وينشر عن سياساتهم التي يندى لها الجبين تجاه العديد
من القضايا العربية والإسلامية.
هذا التبرير كان يمكن أن يصدق جزئياً قبل عصر الإنترنت
والفضائيات وانفتاح العالم على بعضه.
اليوم كيف لا يرى الوهابيون ما يفعله آل سعود؟
كيف يرون العود في عين الآخر، ولا يرون الجذع في عين
آل سعود؟!
كيف يرون حزب الله عميلاً لاسرائيل، وحماس عميلة لإيران،
في حين لا يقرأون عن العلاقات التي نسجها بندر مع أولمرت؟!
كيف ينثرون آيات التمجيد لآل سعود الذين قدموا مبادرة
فهد في فاس، ومبادرة عبدالله التي تطبع العلاقة مع اسرائيل،
ويرون في سوريا دولة تفرط بالحقوق العربية؟!
كيف يرون الطائفية في العراق وايران ولبنان، ولا يرونها
في ديارهم؟!
كيف اكتشفوا علاقات ايران باليهود والصليبيين الأميركيين
للإضرار بالمسلمين، ولم يكتشفوها في علاقة آل سعود بالأميركيين
والغربيين وهي أقوى وأوثق وأقرب وأعمق تاريخياً؟
كيف يصبح عدو الوهابية عميلاً لأعداء الإسلام من (يهود
ونصارى حسب قولهم) ولا ينظرون الى تلك الصلة الحميمة بين
أولئك الأعداء وآل سعود، وحلفاء آل سعود كملك الأردن ورئيس
مصر؟
كيف قبلوا أن يبرروا قمع حماس وحصار غزة، في حين أن
البديل بالنسبة لهم شخص مثل محمود عباس كان الى الأمس
القريب ينعته الوهابيون بأنه (ماسوني، بهائي، علماني،
كافر)؟
يتحدث الوهابيون عن فساد في هذه الجهة وتلك، ولكنهم
لا ينطقون ببنت شفة عن الفساد المحلي، فساد الدولة وفساد
الأمراء.
ويعيب الوهابيون على العالم دينهم، ورؤاهم الدينية،
ولا ينظرون الى منتجهم التكفيري.
وكل قيادات الكون فاسدة وغير شرعية، اللهم إلا قيادة
آل سعود.. لماذا؟ وبماذا يختلف هؤلاء عن حكام أية دولة
خليجية؟ إنهم أكثر فساداً من أي قيادة عربية.. لا توجد
طبقة حاكمة فاسدة مثل الطبقة الحاكمة في السعودية، فكيف
يراها الوهابيون أنها أصلح القيادات؟!
يستطيع الوهابيون أن ينتقدوا أية مسؤول، لكنهم لا يقتربون
من أي أمير، إذ ما أن يذكر أحدهم إلا ودعوا له بطول العمر،
وعددوا محاسنه وصفاته، وخدماته للإسلام!
بالمختصر المفيد..
الوهابيون يرون ما نرى ويراه العالم. لم يعد بينهم
وبين المعلومة حجاب. إن ما يسمعونه في داخل المملكة ومن
المواطنين أنفسهم يكفي مبرراً لأن يشهروا السلاح الذي
شهروه على من لم يقم بمعشار ما قام به آل سعود.
كل الحكاية أن الوهابيين لا يحتكمون الى معايير دينية
في حبهم وبغضهم، في ولائهم وعدائهم. إنهم لا يحتكمون الى
معايير علمية ولا تنقصهم المعلومات ولكنهم حين يدافعون
عن آل سعود فإنما يدافعون عن مصالحهم الخاصة الضيقة.
لهذا اصبحت الوهابية رديفاً للإستبداد، رداءً يتغطى
به كل فاسد ومنحرف وعميل.
هذه هي الحقيقة، وعلى الوهابيين أن يبرروا صمتهم عن
آل سعود، وأن لا يستنزلوا الآيات والأحاديث على كل الناس
عدا آل سعود. وعليهم أن لا يأتوا بالبراهين التي تبرر
جبنهم وخنوعهم وتقديمهم لمصالحهم على ما يزعمون أنه دينهم.
ففساد آل سعود لا يمكن أن تغطيه كل أردية الطهر والعفاف
الوهابية.
|