السعودية وإيران ومظلّة أمن الخليج
إختلاف منهجـين أم مصالح أمـّتـين؟
محمد شمس
أثار الجدل حول تحرّش مزعوم لزوارق إيرانية صغيرة بسفن
حربية أميركية في مضيق هرمز وما تبعها من ردود فعل أميركية
تحذيرية، الحديث مجدداً عن أمن دول الخليج، وأمن الملاحة
في الخليج. ذلك الأمن المطلوب ضاع في صخب الأحداث التي
مرّت بها المنطقة منذ الحرب العراقية الإيرانية وما تبعها
من حرب تحرير الكويت ومن ثم حرب احتلال العراق الى هذا
اليوم، حيث التهديد الأميركي بشن حرب جديدة في المنطقة
ضد إيران بحجة الملف النووي الإيراني أو بأي حجّة أخرى،
بحيث أن ما يقال عن أنه استفزاز صغير قد يشعل نار حرب
كبيرة تهدد إمدادات النفط، كما تهدد منشآته على الجانبين،
وتدخل الدول الخليجية العربية عنوة في حرب قد لا تكون
لها ناقة فيها ولا جمل.
حاملة طائرات أميركية في الخليج
|
الأزمة: المقدمات والتاريخ
(أمن الخليج) لم يكن في يوم من الأيام مسؤولية دوله
على ضفتي الخليج. فقضية الأمن قد تمّ تدويلها منذ القرن
الثامن عشر الميلادي، وأصبحت بريطانيا سيدة الخليج وحامي
حمى مشيخاته والمنظم للعلاقات بين كثير من دوله حتى غروب
القوة البريطانية وانسحابها رسمياً في عام 1971م.
كان الوجود البريطاني قد حدّ من دور الدول المطلة على
الخليج في المساهمة في صناعة مظلّة لأمنه وأمنهم، باعتباره
يشكل ما يشبه بحيرة تطل عليها ثمان دول خليجية (دول مجلس
التعاون والعراق وإيران) كانت بحاجة الى تحديد حدودها
البحرية وتقاسم ثرواته النفطية وحماية الإمدادات النفطية
التي تنتجها كل هذه الدول. في فترة الوجود البريطاني،
تم تحييد القوة الإيرانية لفترة طويلة، وهي القوة الأكثر
تأهيلاً وطموحاً لأخذ مكان الدور البريطاني، وقد ورث شاه
ايران الإرث البريطاني، وحاول الإستفراد بدور (شرطي الخليج)
لكن تحت (المظلّة الأميركية) التي كانت تنزع لعدم التواجد
المباشر في تلك المياه الدافئة.
القوى المهيأة للعب دور في توفير مظلّة أمن الخليج
كانت ولاتزال ثلاث قوى تختلف من حيث حجم القوة العسكرية
والبشرية والمصالح والطموحات. هذه القوى هي: إيران والعراق
والسعودية، حيث تلعب العلاقات بينهما دوراً أساسياً في
تشكيل منظومة تحمي مصالح الجميع، كان الشاه يحاول الإستفراد
بها، في حين أراد الأميركيون ونجحوا في توسيع دائرة مشاركة
السعودية ضمن الإستراتيجية الأميركية التي سميت حينها
بـ (العمودين المتساندين) بحيث تشمل تلك الإستراتيجية
ليس فقط حماية أمن الخليج بالنيابة عن الغرب من أية عمليات
تخريب أو تهديد للدول الخليجية الصغيرة، بل لتمتد لتكون
جزءً عضوياً من استراتيجية أميركية/ غربية أبعد تشمل مكافحة
التمدد (الشيوعي) لما سمي حينها بمياه الخليج (الدافئة).
إيران الشاه والسعودية كانا محور الإستراتيجية الغربية/
الأميركية، مع غلَبَة للدور الإيراني باعتبار الموقع الجغرافي
والقوة البشرية والعسكرية وحقيقة أن ايران تحتل كامل الشاطئ
الشرقي للخليج بمسافة تزيد على 400 كيلومتراً. أما العراق
فقد استثني من التفاهمات، أولاً لطبيعة النظام الثورية
المشاكسة للغرب آنئذ، وثانياً لميوله باتجاه المعسكر الشرقي،
وثالثاً لدعمه قوى المعارضة في ايران والسعودية. وقد اتفقت
السعودية وايران الشاه ـ في المقابل ـ على إيجاد القلاقل
في العراق من خلال دعم حركة الملا مصطفى البرزاني كيما
يقرّ بالترتيبات الأمنية الجديدة، والتي كان أحد عناوينها
تحديد الحقوق المائية في شط العرب، ولم تنته تلك الأزمة
إلا بخضوع العراق وتوقيع صدام حسين في الجزائر مع الشاه
الإتفاقية المشهورة عام 1975م.
لم يدم عمر الإستراتيجية الأميركية (العمودين المتساندين)
سوى سنوات قلائل حتى قامت الثورة على الشاه وأسقطته عام
1979م، وبالتالي سقطت تلك الإستراتيجية، لأن النظام الجديد
كان ـ ولازال ـ معادياً للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي
فإن أية تفاهمات أمنيّة تجري تحت مظلّة أميركية لحماية
أمن الخليج، لم يكن مقبولاً أن يكون (الإيراني) شريكاً
فيها، أو لا تقبل إيران أصلاً المشاركة فيها.
أراد أن يكون شرطياً فأطيح به
|
من يحمي الخليج إذن، أو بالأصح من يوفّر المظلّة الأمنية
للخليج؟
الإيرانيون والعراقيون متفقون في وجهة النظر القائلة
بأن (أمن الخليج) يصنعه (أهل الخليج). وبالتالي فإن هذا
الكلام يستبطن حقيقة واضحة، وهي التمييز بين (توفير أمن
للخليج ودوله) وبين المشروع الغربي العام القائم على صراع
القوى الكبرى ضمن ما سمي بـ (الحرب الباردة). هذا يعني
بصورة أوضح: إبعاد القوى العظمى عن مياه الخليج: أميركية
أو غربية أو سوفياتية. أي أن دعوة العراق وإيران كانت
قائمة على رفض المظلّة الأميركية فيما يتعلق بمشاريع (حماية
الخليج). وهذا إن كان مقبولاً من دولتين: العراق وإيران،
فإنه كان مرفوضاً من قبل السعودية. والسبب هو أن الأخيرة
ستكون مساهمتها أضعف في مشروع الحماية الذاتي المقترح
من القوتين الأخريين، ولهذا انعكاس على نفوذ السعودية
السياسي ومكانتها بين دول الخليج الصغيرة الأخرى. أما
إيران والعراق، فقد رأيا أن العامل الدولي لا يعمل لصالحهما
في الأساس، فهو عامل (تقييد) سياسي واستراتيجي وأمني.
كيف يكون الحل إذن؟
تمت هندسة جديدة للتحالفات على حساب إيران الثورية،
وتمّ إبرام صفقة واسعة للغاية هدفها إخراج إيران من معادلة
أمن الخليج بشكل كامل، بل ومحاولة إسقاط نظام حكمها من
خلال ترتيبات أميركية سعودية عراقية عبّرت عن نفسها من
خلال شن الحرب عليها. اشتركت في تلك الحرب كل الدول الغربية
التي أمدت صدام بالمال والسلاح (خاصة فرنسا) كما واصل
الإتحاد السوفياتي وقوفه الى جانب العراق وتزويده بالأسلحة.
كان هناك ما يشبه الإجماع الدولي على تحطيم إيران. وبالفعل
تم تحييدها بشكل شبه كامل طيلة الحرب العراقية الإيرانية
1980-1988م.
طيلة تلك الحرب التي اتخذت عنوان تحطيم إيران أو (احتواؤها)
تشكل تحالف سعودي ـ عراقي نادر في تاريخ العلاقة بين البلدين
بمساعدة ومظلّة أميركية لتوفير الحماية لإمدادات النفط
وحماية دول الخليج. نتذكر أن السفن الأميركية والغربية
والمدمرات الحربية وحاملات الطائرات بدأت آنئذ تمخر عباب
مياه الخليج بكثافة لم يشهدها التاريخ، كما أن الإيرانيين
حاولوا التمرد على تلك المنظومة حين تعرضت سفنها وناقلاتها
للتفتيش والقصف العراقي بطائرات فرنسية، فما كان منها
إلا أن قامت ببث الألغام البحرية، واشتعلت ما سميت آنئذ
بـ (حرب الناقلات).
لقد تسلل الأميركيون أثناء تلك الحرب، وزاد نفوذهم
البحري والسياسي وبالتالي دورهم (المباشر) في حماية الخليج،
أو حماية مصالحهم في الخليج، في حين تُرك لصدام حسين أمر
محاربة ايران بالسلاح، وللسعودية ودول الخليج دور التمويل.
صحا الخليجيون بعد عامين من توقف الحرب على وقع الدبابات
العراقية وهي تقرع أبواب قصور الأمراء في الكويت وذلك
في أغسطس 1990م، فعاد العراق الى خانة (الإتهام والعداء)
وتحوّل من (حام) لدول الخليج وأمن الخليج الى (مهدد) من
وجهة النظر الخليجية والأميركية، وبالتالي كانت هناك قوّتان
من أصل ثلاث قوى خليجية لا ترى الطريقة الأميركية في كيفية
توفير مظلة أمن الخليج، بل هي معادية للنفوذ الأميركي.
الأميركيون أخرجوا من المعادلة إيران والعراق معاً،
دون أن يكون البديل متوفراً، فالسعودية لا تستطيع حماية
أمن الخليج لوحدها، كما هو معلوم بالضرورة، ولا تستطيع
مجابهة إيران والعراق مجتمعين أو منفردين، فكيف ستنجح
السياسة الأميركية في توفير مظلة آمنة للخليج وفق قاعدة
أميركية جديدة سمّوها (الإحتواء المزدوج)؟
البديل كان واضحاً منذ الحرب العراقية الإيرانية: التدخل
الأميركي المباشر، وأن تصبح أميركا نفسها حامية الخليج
بأساطيلها وقواعدها الجوية والبحرية في كل دوله. وهذا
ما كانت تعمل عليه طيلة ربع القرن الماضي، بحيث أن أسطولها
البحري الخامس قد وسع نشاطه واتخذ له مقراً دائماً في
البحرين، وهناك قواعد السيدية في قطر، وقواعد مصيرة ورأس
مسندم في سلطنة عُمان، وحتى الكويت والسعودية اللتان كانتا
متحفظتين بقدر على التواجد العسكري الكبير على أراضيهما
وافقتا ـ بعد احتلال العراق للكويت ـ على تأسيس قواعد
عسكرية أميركية دائمة أو شبه دائمة، انطلقت وأديرت منها
(القواعد الأميركية في السعودية) الحرب لاحتلال أفغانستان
والعراق.
كان من الطبيعي، في ظل الصراع بين القوى الأساسية الثلاث
في الخليج (العراق والسعودية وإيران): الخلاف العراقي/
الإيراني منذ قيام الثورة وحتى الآن بعد احتلاله اميركياً،
وفي ظل الخلاف السعودي الإيراني، والسعودي العراقي، أن
يسقط المشروع الإيراني القائل بأن (حماية الخليج يوفرها
سكانه على الضفتين) وأنه لا حاجة لتواجد قوى أجنبية فيه
تبتزّ وتهدّد الجميع. المشروع الإيراني سقط رغم التأييد
النظري له من قبل العراق ما قبل الإحتلال، فضلاً عن معارضته
من العراق ما بعد الإحتلال الأميركي المباشر، حيث لا يمتلك
العراق قراره ومصيره!.
بالنسبة للسعودية فإنه لا يوجد لديها مشروع خاص لحماية
الخليج، وهي أقرب الى تغليب الصراع مع البلدين الآخرين:
العراق وإيران، منها الى التفاهم معهما على أساس المصالح
المشتركة.
الثورة الإيرانية: سقوط الإستراتيجية الأميركية
|
الحجّة التي تقولها السعودية ودول الخليج هي التالية:
إن من يهدد أمن الخليج هو العراق أو إيران أو كليهما،
وإن توتير المنطقة جاء منهما، وأنهما تالياً وفّرا المبرر
لتواجد أميركي عسكري مستديم في دول الخليج التي تخشى على
نفسها. ليصل المنطق الى مداه، بأن الوجود الأميركي ـ بغض
النظر عن صفته ـ مبرر وهو يوفر الطمأنينة أكثر للسعودية
ودول مجلس التعاون الخليجي، من أي ترتيبات أمنية ثلاثية
عراقية إيرانية سعودية.
معنى هذا، أن السعودية تستشعر خطراً عليها، وفي نفس
الوقت لا تريد درء الخطر بالتفاهم مع مصدر الخطر، الذي
هو جار لا يمكنها تغييره، بل بالتحالف ضدّه أو تخويفه
بقوات معادية له هي قوات أجنبية خارجية لا تتمتع بصفة
الديمومة ولا تحلّ مشكل الأمن، ولو كان الوجود الأميركي
يحل المشكلة، لما كان هناك نقاش أصلاً عن الحديث حول (أمن
الخليج) ولما كانت هناك دعوات ودراسات حول الترتيبات الأمنية
المستقبلية في الخليج.
السعودية في المدى المنظور تنظر الى نظامي الحكم في
العراق وإيران بعين القلق، وسيستمر هذا القلق بغض النظر
عن صحة مبرراته من عدمها، وهو قلق لا يتوازى مع الخطر
الحقيقي الذي يتهدد السعودية ونفوذها السياسي في محيطها
الإستراتيجي. سعت السعودية منذ البداية الى تشكيل قوتها
الخاصة بها سياسياً والى حدّ ما أمنيّاً عبر اهتبال فرصة
انشغال العراق وايران بالحرب فشكلت مجلس التعاون الخليجي
لتقوي موقفها أمام القوتين الأخريين، ولكن قوة مجلس التعاون
بدت فاشلة على كل الأصعدة الأمنية والسياسية، كما فشلت
سياسة التسلح التي عنت ولاتزال تعني مجرد مسكن نفسي لدول
الخليج. في الحرب الأميركية على العراق لتحرير الكويت
عام 1991م، والتي شاركت فيها مصر وسوريا، جرى الحديث عن
قوة عربية تبعث على اطمئنان الخليجيين الصغار تتشكل من
(دول الخليج ومصر والعراق أو ما سمي حينها 6+2) ولكن السعودية
لم تكن تريد أن يكون لمصر بالذات دوراً في الخليج ينافسها
على السيادة على دوله الصغيرة ويقلص من نفوذها، فضلاً
عن أنه لا يستطيع مواجهة العراق ولا إيران.
المستقبل مظلم للسعودية
لم يكن الوضع ليستقيم بتهميش العراق وإيران، ولا يمكن
أن يتم ذلك خاصة بالنسبة للأخيرة، فمنذ عام 1988، عام
نهاية الحرب، كان واضحاً أن إيران بدأت ببناء قوتها الذاتية
التسليحية والتي ظهر جزء غير قليل من صناعتها للعلن: طائرات
حربية وهليوكبتر، صواريخ بعيدة المدى اعتبرت سلاح الفقراء،
دبابات وآليات، وغواصات ومدمرات وسفن وزوارق حربية. لا
يمكن لسياسة الإحتواء المزدوج أن تنجح، ولا يمكن لإخراج
العراق من المعادلة أن يخرج إيران في المحصلة النهائية
إن لم يكن يقويها، وحتى خروج العراق المحتل من معادلة
أمن الخليج تعتبر طارئة ومؤقتة.
أما السعودية فهي بسياساتها أضعفت نفسها أكثر مما أضعفت
إيران، فاستدعاء القوات الأميركية وتحييد العراق باحتلاله،
جعل المنافسة على الخليج تبدو وكأنها بين (أميركا وإيران)
ليست السعودية فيه سوى ملحق صغير. السعودية بسياستها الخرقاء
جلبت لها منافساً (أجنبياً) همّش دورها على مستوى دول
الخليج (دول مجلس التعاون) بحيث أن السعودية نفسها لم
تعد قوّة ثالثة. وكما سعت أميركا عبر سياسة الإحتواء لإيران،
والإحتلال للعراق، من إضعاف الإستراتيجية الإيرانية والعراقية،
فإن أميركا في نفس الوقت قد أخذت دور السعودية وهمّشتها،
أولاً عبر العلاقات الأمنية والعسكرية المباشرة مع كل
دولة خليجية صغيرة، وثانياً عبر تكسير أية إمكانية لتطوير
استراتيجية أمنية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي تكون
للسعودية فيها دور الرائد، وثالثاً لأن السعودية نفسها
لم تعد حجراً اساسياً في استراتيجيتها الأمنية الخليجية،
حيث تقلصت أهميتها بسبب القواعد العسكرية الجوية والبحرية
والبرية.
حرب إيران والعراق: تزايد الوجود الأميركي
|
أميركا تريد سيطرة مباشرة تبعد القوى الثلاث، بحيث
لا يعدّ انتصار مشروعها في العراق نصراً للسعودية، بل
مشجعاً لأميركا على استثنائها بشكل نهائي، وهذا ما فُهم
من خروج القوات الأميركية من قواعدها في السعودية الى
دول الخليج المجاورة (السيدية في قطر). لهذا لا نرى اليوم
للسعودية دوراً ذا قيمة أو نفوذاً ذا سطوة سياسية كانت
أم أمنية أم عسكرية في أي من دول الخليج الصغيرة. اذا
احتاجت تلك الدول الى الحماية فهناك أميركا، وليس السعودية
التي هي بنفسها بحاجة الى حماية سواء من الأميركي الرابض
في الخليج أو من التهديد المحتمل من ايران او العراق.
واذا احتاجت تلك الدول الخليجية الى مظلّة سياسية فالأساطيل
والقواعد الأميركية توفرها وليس السعودية. وعليه فإن الثمن
يدفع لأميركا مباشرة، وليس للسعودية التي تقلصت أهميتها
في عيون تلك الدول.
بدت السعودية في رد فعلها على الإعلان الأميركي من
(تحرش) زوارق إيرانية بسفن حربية أميركية في مضيق هرمز،
أنها أقرب الى الرؤية الأميركية والى تحميل ايران المسؤولية،
بل والى أنها تعتبر إيران مصدر عدم استقرار وتهديد. هذا
ما فهم من تصريحات وزير الخارجية السعودي لوسائل الإعلام
في 9/1/2008. والسعودية هنا لم تشذّ عن سيرتها الماضية
التي جردتها من قواها ونفوذها حتى بين دول مجلس التعاون،
بل هي مستمرة في سياسة متفرجة يلعبها الكبار، ولا تعتبر
السعودية فيها سوى برغي صغير في ماكنة أحد المتصارعين
(أميركا). ويفضح التعليق السعودي على ما جرى في هرمز (قلة
حيلة) المسؤولين السعوديين وعجزهم بل وتركهم الحبل على
الغارب دونما محاولة لاستعادة دورهم أو اتخاذ خطوة تقترب
من المفهوم الإيراني القائم على المشاركة في توفير الدول
المطلة على الخليج لأمنه واستقراره.
ربما كانت أحداث 9/11 قد قلّصت هامش المناورة السعودية،
التي راحت تخطب ودّ الأميركيين وتستميت لاستعادة التحالف
القديم (كما في مواجهة الشيوعية) وإن كان على قاعدة مختلّة
بشكل شديد تضحي السعودية من خلالها بالكثير من اتزانها
وسيادتها ومصالحها كما مصالح غيرها. واقرب نموذج لذلك:
التنازلات الكثيرة التي قدمتها السعودية في القضية الفلسطينية
(المبادرة العربية للسلام/ الحرب على حماس والجهاد الإسلامي/
حصار غزة) وكذلك تضحية السعودية بنفوذها في لبنان لصالح
فرنسا وأميركا، وقبولها بحصار سوريا سياسياً، وها هي الآن
لديها الإستعداد بقدر ما الى دعم الأميركيين في المواجهة
مع إيران والتي قد تتخذ طابع المواجهة العسكرية الذي سيشمل
السعودية نفسها، ويعرّض منشآتها النفطية لخطر الصواريخ
الإيرانية.
ليس هناك من بدائل أمام السعودية في توفير المظلّة
الآمنة للخليج، فإما التفاهم مع العراق وإيران، وإما استمرار
الصراع وعدم الإستقرار الذي يسببه وجود القواعد والقوات
الأميركية وحاملات طائراتها في الخليج. لم ترد دول الخليج
على الدعوات الإيرانية لوضع ترتيبات أمنية، وهي دعوات
تكررت طيلة العقود الماضية، لأن الضوء الأخضر ليس بيد
تلك الدول. وإذا كان موقف الدول الخليجية الصغيرة متفهماً
من جهة أنها اختارت أهون الشرين بالنسبة لها (الخضوع لأميركا)،
وبالرغم من أن تلك الدول لا تريد حرباً أميركية على إيران،
فإنها لا تمتلك قرارها، لكن السعودية لها وضع مختلف من
جهة أنها دولة كبيرة ومؤثرة، نظر اليها وكأنها باعت سيادتها
بثمن بخس كانت قادرة على توفيره (أي الثمن/ الحماية الأميركية)
بطريقة أفضل وبكلفة أقل بل بمردود سياسي أعلى وأمني أكثر
استقراراً من المشروع الأميركي.
ظهر في فترة من الفترات وكأن المسؤولين السعوديين غير
راضين بوضعهم، فأشار سعود الفيصل في ديسمبر 2006 بأن بلاده
لا تمانع في وضع ترتيبات أمنية للخليج، ولكنه أراد اتفاقاً
يكون تحت مظلّة دولية وتشارك فيه ـ يا للغرابة ـ الهند
بالتحديد، وكأن هناك خشية سعودية من أنها لن تنال نصيبها
في عملية تقاسم مسؤولية الأمن وبالتالي النفوذ السياسي
في المنطقة، ولهذا جاء الإقتراح بمثابة تعويم للقوة الإيرانية
المنافسة.
لكن السؤال الذي يزعج السعوديين اليوم أكثر من غيره
هو أنه إذا كانت السعودية ودول الخليج ترى في المواجهة
والحرب الأميركية مع ايران مشكلة قد تجر معها خراب الدار،
فإن تلك الدول أيضاً تخشى أن يتفق الأميركيون والإيرانيون
على تقاسم النفوذ في الخليج والعراق وغيرهما على حساب
السعودية بالذات التي فرطت مسبقاً بحقوقها واستقلالها.
كأن السعوديين يرون بأن الحرب مع إيران أهون بكثير من
التفاهم معها على ترتيبات أمنية. أي أنهم يريدون ـ في
الحالة المثالية ـ توتراً وصراعاً منضبطاً بين دول الخليج
ـ وأميركا الى جانبهم ـ مع إيران لا يصل الى حد الحرب،
ولا يتراجع الى حدّ إعادة العلاقات الأميركية الإيرانية
بحيث تشمل الإتفاقات رسم جديد لخطوط المصالح في منطقة
الخليج.
لكن الخيارين الحادين الحرب وتقاسم النفوذ هما المسيطران
الآن، وحالة اللاحرب واللاسلم تخدم إيران أكثر من غيرها
كونها تبني قوة سياسية وعلمية وعسكرية وتكنولوجية هائلة
لا قدرة لدول الخليج على مجاراتها ومنافستها.
من هنا يمكن القول بأن لا حلّ دائم أمام السعودية إلا
بإعادة تشكيل ترتيبات أمنية خليجية بمشاركة إيران والعراق.
في غير هذه الحالة فإن السعودية ودول الخليج عامة ستكون
خاسرة في كل الأحوال.
|