تكفيريون يحاورون تكفيريين
حملة (السكينة) وحوار الحلفاء!
عبد الوهاب فقي
بعد أن طويت صفحة (الحوار الوطني) لأسباب لم تعد مجهولة،
حيث كان الهدف من إطلاقه سنة 2003 تسوية مشكلة الدولة
مع العالم الخارجي، بتنا نرى الآن شكلاً حوارياً من نوع
آخر، وهو حوار داخل إطار السلفية الجهادية، بهدف تسوية
مشكلة الدولة مع حليفها السلفي، وإفرازاته الخارجية المنفلتة
من عقال العائلة المالكة. في سياق حملة (الحوارات) التي
تجريها (لجنة المناصحة) التابعة لوزارة الداخلية من أجل
إقناع مقاتلي الجماعات المسلّحة التابعة لشبكة القاعدة
والمعتقلين في السجون السعودية بالتخلي عن مناجزة الدولة،
تأتي حملة (السكينة) التي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية
والأوقاف، وتضطلع بمحاورة العناصر الخارجة على الدولة
السعودية، عبر شبكة الإنترنت، أو اللقاءات المباشرة.
صالح آل الشيخ: توفير المظلة للحملة
|
وكانت الحملة قد دعت الرجل الثاني في تنظيم القاعدة
أيمن الظواهري في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي للحوار
إنطلاقاً من مرجعية النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وفهم
السلف الصالح لها في قرون الإسلام الأولى، حسب تصريح المتحدث
الرسمي بإسم الحملة الشيخ خالد المشوح. دعوة حملة (السكينة)
جاءت في إطار الرد على استعداد الظواهري لخوض حوار مع
الأشخاص ووسائل الإعلام حول قضايا الأمة، فأبدى المشوح
في لقاء مع صحيفة (الحياة) في 25 ديسمبر الماضي إستعداده
للحوار، على أساس أن التقينات الحديثة توفّر إمكانية ذلك،
بل ذهب إلى حد إجراء أي حوار بالطريقة التي يختارها الظواهري
(إذا كان الحوار الإلكتروني مدعاة للشك لدى القاعديين
ممن لا يهمهم إلا سلامتهم الشخصية، فإننا نرحّب بالتحاور
معه عبر أي وسيلة شاء، شريطةَ أن تكون منطلقات الحوار
علميةً). وقال (إذا وافق فإنّ لدينا من العلماء والمفكرين
المؤهلين مَنْ يمكنه إقامة حوار حيادي غير متحيز، يقوم
على أسس وضوابط شرعية معه). وكشف المشوح عن حوارات سابقة
أجرتها لجان المناصحة مع شخصيات أخرى. وقال (وفي شبكة
'الفجرب طلبْنا محاورته أو مناظرته، لكننا لم نجد منه
إجابة بعد).
في 30 يناير 2006، كشف وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد الدكتور صالح آل الشيخ عن تكليف الوزارة
12 داعية من الوزارة للحوار مع حملة الأفكار المغالية،
وتولوا الرد على 1800 شبهة من قبل أرباب الفكر المنحرف،
على حد قوله. وكشف الوزير حينذاك بأن عدد الأئمة والخطباء
الذين تم إيقافهم سنة 2006 بلغ 25 شخصاً، فيما كان عدد
الموقوفين سنة 2005 قد بلغ 140 إماماً وخطيباً. وفي 8
أكتوبر 2006، أعلنت حملة (السكينة) عن إطلاق أضخم موقع
إلكتروني لمحاربة الإرهاب والتطرف ومناقشة قضايا (التكفير)
و(الولاء والبراء)، ووجود الكفار في جزيرة العرب، على
حد صحيفة (الرياض).
وأطلقت (السكينة) مؤخراً مركز معلومات إلكترونياً ضخماً،
يحوي تعريفاً بالحملة، والشبهات السائدة، وفتاوى العلماء
في موضوع التكفير، ومراجعات عدد من التكفيريين، إضافة
الى مكتبة مرئية، وصوتية، ورقمية. وفي المكتبة الرقمية
يمكن العثور على بحوث ومقالات موجّهة ليس من بينها المصنفات
الكبرى والأساسية للمدرسة السلفية، التي تمثل المرجعية
الفكرية للتطرف في هذا البلد. نقرأ عناوين مثل: أحكام
التعامل مع غير المسلمين، وآداب الحوار وقواعد الإختلاف،
وإسلامية لا وهابية، وبحوث حول الإرهاب من جوانب متعددة،
وبحوث أخرى حول الدفاع عن العائلة المالكة مثل الدعاء
لولاة الأمر، والذب عن عرض الملك عبد العزيز الملك الطاهر
والإمام البار، والمعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم،
ومعاملة الحكّام في ضوء الكتاب والسنة. ولم تغفل الحملة
أثر عقيدة (الولاء والبراء) على نشوء تيار عنفي، حيث أعيد
قراءة العقيدة في مقالات مثل: الولاء والبراء بين الغلو
والجفاء في ضوء الكتاب والسنة، الولاء والبراء. الملفت
في المقالات البحثية بنزعتها الإنتقائية، أن الحملة ساهمت
في قلب الحقائق التاريخية والفكرية كما هي مدوّنة في مصادرها
الأساسية الخاصة بالمدرسة السلفية وكذلك سيرة العائلة
المالكة منذ الحقبة السعودية الأولى (كما نجد نموذجاً
عنها في هذا العدد في قصة إحتلال الحجاز). فقد وضع د.
صالح بن عبد الله الفريح، عضوء الجمعية العلمية للدراسات
الدعوية والأستاذ المساعد بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية
بكلية الدعوة وأصول الدين ـ جامعة ام القرى بحثاً بعنوان
(جهود أئمة الدعوة السلفية بنجد في التصدي للعنف والإرهاب
من خلال الدعوة إلى فقه إنكار المنكر)، وكان الفريح حاذقاً
حيث لم يسلّط الضوء على موقف أئمة الدعوة السلفية من التكفير،
الذين تورّطوا فيه، ومن بين البحوث الخلافية أيضاً (دور
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تقنين معالجة
الإرهاب وقضاياه)، مع أن رسائل الدكتوراه التي صدرت عن
الجامعة اشتملت على أحكام بتكفير فئات وطوائف إسلامية،
وأدباء وشعراء وغيرهم. وفيما أجهد المشرفون على حملة (السكينة)
أنفسهم في وضع بحوث حول (سماحة الإسلام في التعامل مع
غير المسلمين) لم نجد بحثاً واحداً حول أدب الإختلاف داخل
دائرة الإسلام والموقف منه، رغم أن بحوثاً تحدثت عن وسطية
الإسلام ودعوته للحوار، ولكن لا تتحدث عن الحكم الشرعي
من التنوع داخل الإسلام.
من الواضح أن الدفاع عن العقيدة السلفية والدولة يمثل
هدفاً جوهرياً لنشوء الحملة، كما يظهر بجلاء في بحث (معاملة
الحكام في ضوء الكتاب والسنة)، ولكن الحملة غير معنية
بالتراث السلفي التكفيري، وليس من بين مصنّفاتها ما يشير
الى مراجعة فكرية وتراجعات داخل المدرسة السلفية، إذ تسكت
عما حوته كتب العقيدة وخصوصاً الشروحات على كتاب (التوحيد)
للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا كتب (الولاء والبراء في
الإسلام) التي صنّفها علماء كبار في المذهب الوهابي، وإليها
يرجع العناصر الجهادية.
في الحوارات الإلكترونية الأولى بين دعاة حملة (السكينة)
مع حملة الأفكار المتطرفة ما يشي بطبيعة أهداف الحملة
وكذلك القضايا مورد إهتمام قطاع كبير من الشباب السلفي.
ففي الحوار الذي نشرته صحيفة (الوطن) في 22 يوليو 2004
بين أحد التكفيريين وأحد دعاة الحملة، صرّح الأخير بأن
(من نتائج الحملة توقّف 9 أشخاص عن إثارة الفتن وسب ولاة
الأمر والعلماء). مايلفت الحوار إليه أن التكفيري قسّم
العالم إلى معسكرين: معسكر إيمان ومعسكر كفر، وهو ذات
التقسيم الوارد في كتب العقيدة السلفية. لم يكن حواراً
عميقاً، وقد يعكس مستوى المتحاورين، ولكونه يمثّل أحد
منجزات (السكينة)، فإن مطالعة محتوياته تبدو على درجة
من الأهمية لما يعكسه من أفكار متطرفة، شائعة في الوسط
السلفي.
داعية (السكينة) يرى بأن حوادث التطرف والتفجيرات تهدف
إلى (تمرير مبررات للأعداء لخلخلة هذه البلد والهجوم على
العقيدة والدعوة)!. ويضيف (يظنون أنهم أرغموا الكفار!،
بالعكس زدات تعزيزات الكفار وما تضرروا)، وهنا تظهر لغة
التكفير واضحة في لهجة داعية (السكينة)، فيما يترحّم على
(المتفجّرين المفجرين)، دون حاجة إلى توضيح ما يعنيه الترحّم
في اللغة السلفية الدارجة.
الغريب أن داعية (السكينة) أسهب في عرض أسماء مشايخ
سلفيين متّهمين بالتكفير مثل الشيخ الفوزان، والشيخ إبن
جبرين، ليحاجج بهم في مجال (الحرص على الناس وعلى الحق
والخير)، ويرى بأن مرجعية هؤلاء العلماء (ورثة الأنبياء)
هي المدخل إلى العلم الشرعي الصحيح، وطالبه بالتعاون مع
الدعاة والعلماء في الإصلاح. ومع ذلك، لم يتردد داعية
(السكينة) في تذكيره محاوره، الذي حمل إسم (زمن الداجلة)،
الى خطورة التكفير وأن (أمره عظيم)، فيما يصرف (السكينوي)
النظر عن تراث تكفيري يحيط به.
وما يلفت أيضاً، أن الحوار في بساطته وسطحيته، ينتهي
دائماً إلى انتصار (السكينة) بقليل من العناء الفكري،
فقد أقرّ التكفيري بهزيمته ليست الفكرية، فهو لم يورد
نصوصاً سلفية في الجهاد ومواقف العلماء من مسلمي اليوم
كما
أخبر عنها الشيخ بن عثيمين في شرحه على كتاب (التوحيد)،
ولم يحاججه من كتب السلف في عقيدة الولاء والبراء، ولكن
أذعن لأمر خارج سياق المناظرة العقدية، كما يوحي كلامه
(ليت هناك أحداً يناقشهم مثلك يا أخي كل اللي يتكلمون
في التلفزيون والإذاعات يشتمون وما عندهم إلا خوارج ومجرمون..)،
ووعده بإيصال محاضرة للشيخ صالح آل الشيخ، وزير الشؤون
الإسلامية حول (الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن).
ما جعل خيار التكفيري أو ما أسماه داعية (النصيحة)
بالإرهابي حاسماً (رؤية) في المنام. وبحسب قوله (رأيتني
أخرج من بطني أشياء غريبة ومخيفة.. ثم شربت ماءً بارداً
وقلت ويني من زمان عن هذا الماء..)!.
ثمة جبهة أنثوية تشتغل عليها حملة (السكينة)، وتؤكّد
المشاركات في حملة (السكينة) بأن غالبية اللواتي تحاورت
معهن كن منتميات إلى تنظيم القاعدة، وتشبّعن بفكرة تكفير
الدولة. وذكرت صحيفة (الحياة) في 15 يوليو 2005 عن نساء
متعاطفات أو داعمات للفكر المتطرف أنهن تأثرن بفكر القاعدة
وعملنا في مشاريع جهادية، بسبب غياب (الحقائق الشرعية
والواقعية الصحيحة..)، وكل ذلك يجري في بلد تتكاثر فيه
وسائل الدعوة، ويكثر فيه الدعاة! وكشفت إحدى المشاركات
في حملة (السكينة) عن عملية إقحام للمرأة في مواضيع الجهاد
(وهناك من سافرن إلى أفغانستان بالفعل.. والمرأة شاركت
وبقوة في جميع الفعاليات الجهادية أو التهييجية أو التكفيرية،
وهي مشاركة قد لا تكون مباشرة لكنها مؤثّرة وفاعلة..).
وكانت هدى الصالح من صحيفة (الشرق الأوسط) قد ذكرت
في 3 مارس 2007 بأن 40 بالمئة من المنتديات والمواقع الأصولية
في السعودية تديرها نساء، بناء على معلومات من حملة (السكينة).
وأوضح (القسم النسائي) الى وجود (أمهات وربات منازل وأكاديميات
إلى جانب أميات، جميعهن منتسبات للفكر المغالي ممن تناوبن
في الدخول للمنتديات الفكرية والدينية أو المواقع الأصولية
الثقافية وغيرها). وكشفت مسؤولات في (حملة السكينة) أن
70 في المائة من معتنقات الفكر الجهادي والحماسي حاصلات
على درجات أكاديمية، واعترفت الحملة بدور (الدعوة إلى
'الجهاد' في حلقات تعليم النساء وجمع التبرعات لـ'القاعدة')،
وترجعها الحملة الى حالة الفوضى في النشاط الدعوي في الفترات
السابقة قبل أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية بوضع ضوابط
في مجال الدعوة النسائية. ووصفت الناشطات في القسم النسائي
التابع لحملة السكينة الفكر المتطرف بين النساء بأنه أشد
بالمقارنة مع الذكور. وأضافت بأن القاعدة العريضة لمعتنقات
الفكر القاعدي يتبنين الفكر المتطرف بتفاصيله كافة. وأشارت
الى أن الإيقاع بالعلماء عبر توجيه القاعدة لصغيرات السن
بتوجيه أسئلة عبر القنوات الفضائية الى الوعاظ حول مسألة
القتال في العراق وتكفير بعض الشخصيات والزعماء.
ولخّصت الحملة معتقدات وشبهات المتعاطفات مع الفكر
القاعدي بتفاعلهن مع ما يؤمنن به ويعتقدن فيه كمسألة (الكرامات)
أو التأثر بتفجير النساء لأنفسهن في بعض الدول الإسلامية،
الأمر الذي ينتهي إلى تبني مبدأ التفجير في أي مكان.
ونشرت صحيفة (الشرق الأوسط) في 25 نوفمبر 2005، تصريحات
للمسؤول الإعلامي في حملة (السكينة)، وصف فيها الفكر والتطرف
بالأسوأ عند انطلاق الحملة، عبر شبكة الإنترنت حيث كان
هدف الحملة هو الحد من انتشار الفكر التكفيري والتطرف
الديني عبر الإنترنت (حيث كانت كثير من المواقع على الإنترنت
تروج لهذا الفكر علناً). وقال بأن الحملة حققت (نجاحات
بسيطة) هي حصيلة محاورة دامت 53760 ساعة حوار عبر الإنترنت
شملت 972 شخصاً من منتهجي الفكر التكفيري، وطرحت ما يقرب
من 34600 مادة متنوعة من موضوعات، وحوار، ومقاطع صوتية
لمحاضرات وفتاوى عبر مواقع الإنترنت. وكان يقول المشوح
بأن ثمة وجوداً لدعاة (السكينة) في مواقع حوارية عديدة
على شبكة الإنترنت، من بينها موقع الساحة السياسية الشهير
الذي ينطلق من الإمارات ويديره متطرّفون من أتباع الفكر
التكفيري.
وتقوم فكرة الحوار على أساس عقد إتفاقيات غير مكتوبة
مع أتباع الفكر التكفيري بهدف تفنيد الشبهات والرد عليها.
وغالباً ما تتم الحوارات بصورة سريّة، كأحد الضمانات التي
يطرحها التكفيريون، ويكون نص الحوار ملكاً لهما ولا ينشر
إلا بعد موافقة الطرفين. وقد إعتراف أعضاء الحملة، حسب
الصحيفة، بأن (أن كل من حاوروهم لم يصلوا إلى حالة الاقتناع
الفكري التام والعودة عن هذا الفكر تماماً..). ويقول المشوح
بأن بعضهم (رغم مدد الحوار الطويلة التي قضيناها معهم
والتي قد تصل إلى 60 ساعة حوار مع شخص واحد إلا أنهم قطعوا
الحوار مع محاورينا). ويفسّر المشوح سبب ذلك بأن (كثيراً
ممن تمّت معهم الحوارات هم في مرحلة الشك بين فتاوى العلماء
وبين من يدفعهم لهذا الفكر الضال ويثير عليهم الشبهات..).
ويقسّم المشوح منظومتي الأفكار التكفيرية الى نوعين:
الأولى خارجية مرتبطة بأوضاع المسلمين ومآسيهم في فلسطين
والعراق وتدخّل الدول الكافرة كما يرون في شؤون إضافة
الى قضايا الجهاد المختلفة. الثانية داخلية وترتبط بمفاهيم
الحاكمية، وتطبيق الشريعة ووضع الكفار في جزيرة العرب.
وبحسب المشوح فإن أعمار المنتسبين للفكر التكفيري تتراوح
بين 16 و30 عاماً وقليلاً منهم من تجاوز 40 عاماً، وغالبيتهم
سعوديون بنسبة تصل الى ما يربو عن 95 بالمئة، ولم تخض
الحملة حوارات سوى مع قلة من دول الخليج.
وفي 30 أغسطس 2006، نشرت صحيفة (عكاظ) خبراً مفاده
أن حملة السكينة أعادت 478 شخصاً ممن يعتنقون الفكر الضال
وفكر التكفير والتفجير على مدى عامين (2004 ـ 2006). وقال
المشوح للصحيفة بأن عدد الأشخاص الذين حاورتهم الحملة
بلغ 1430 شخصاً، وتمّت مقابلة 30 منهم بشكل مباشر، بعد
عودتهم لطريق الحق!
وكشف المشوح عن رصد أكثر من 3 آلاف موقع على الإنترنت
تعتبر (محاضن للشباب). وقال بأن عدد العاملين في الحملة
يزيد على 65 شخصاً ما بين متفرّغين ومتعاونين يقومون بمحاورة
4 أشخاص يومياً على مدى 8 ساعات، فيما تبلغ عدد المنتديات
التي تدخلها الحملة حوالي 450 منتدى وموقعاً على شبكة
الإنترنت. ولفت المشوح الى أن بعضاً ممن حاوروهم هم من
حملة شهادات الماجستير والدكتوراه. وأكّد على أن أبرز
العقائد المحرّضة للشباب تكمن في مسألة (الولاء والبراء)
و(الجهاد)، وكثير منهم لديه رغبة الإنتماء لخلايا إرهابية.
من بين الإجابات الموجّهة التي تحاول أن تصرف النظر
عن المنابع الفكرية للتطرف في الدخل، الحديث عن دور تنظيمات
وشخصيات في الخارج تقوم بدور الموجّه والصانع للفكر التكفيري
مثل المقدسي في الأردن مؤلف كتاب (الكواشف الجلية في كفر
الدولة السعودية)، بالرغم من أن المقدسي قد تربى على الفكر
السلفي التفكيري في الداخل قبل أن يتحوّل هو نفسه الى
علماً من أعلام الفكر التكفيري.
يتحدث المشوح عن عملية التنقّلات لعناصر القاعدة على
شبكة الانترنت وبين المنتديات الحوارية، وقال بأن 80 بالمئة
من شباب القاعدة يدخلون إلى 20 بالمئة من المواقع، ويغيّرون
الموقع كل 3 إلى 4 أيام، بطريقة غاية في التعقيد، الأمر
الذي يجعل إستدراج العناصر التكفيرية إلى حوارات خاصة
وثنائية وسرية عملية صعبة.
وكانت الحملة قد أوقفت عملها خلال صيف 2006، وكانت
توقعات بأن مهمتها قد فشلت، ما طرح سؤالاً على جديّة جهودها
وجدواها، ولكن المشوح ذكر بأن الحملة عملت على شباب المراكز
الصيفية والمخيمات الشبابية، حيث تمت دعوة عدد من الدعاة
لبث مفاهيم جديدة حول (العلاقة بالآخر) و(التسامح) وغيرها.
إضافة الى ذلك، تصميم موقع الحملة على شبكة الإنترنت،
الذي انطلق في نهاية عام 2007. الملفت أن الهدف من الموقع
هو تحويله الى مرجعية ليس لأصحاب الفكر التفكيري وإنما
لـ (طلبة العلم والمشايخ والدعاة وأئمة المساجد والخطباء)،
بحجة وضعهم أمام طبيعة الشبهات المثارة والتعرّف على طريقة
تفكير الجماعات التكفيرية!
يدرك دعاة حملة السكينة بأن منابع التطرف ليست مقتصرة
على ما يبث على شبكة الإنترنت من خلال مواقع تابعة أو
خاضعة لنفوذ القاعدة، فثمة منابع محلية تسهم بدرجة فاعلة
في صنع مناخ للتطرف، وإشاعة مفاهيم راديكالية مستمدة من
المصادر الفكرية السلفية. وقد لفت مدير حملة السكينة الشيخ
عبد المنعم المشوح الى دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر في تهيئة جو مناسب للتطرف والغلو باتّباعها
طريقة خاطئة في الدعوة. بل يرى بأن ثمة تيارات وجماعات
(أكثر تركيزاً وخطورة من القاعدة، ولهم تأثيرهم القوي
على الفكر وعلى المجتمعات)، ولفت الى أشكال جديدة وممارسات
(قد تكون أكثر غلواً مما سبق)، وأن بعض الأكاديميين يعيشون
أزمة وعي.
أهم السمات الفكرية بين الجماعات الفكرية هي: الوقيعة
في العلماء الكبار، ومحاولة إنتقاصهم، واتهامهم، وفي المقابل
تقديم رموزهم كبديل للمرجعية العلمية الشرعية، تكفير الأنظمة،
والحكومات، والرؤساء، وإٍسقاط ولايتهم وبالتالي طاعتهم،
إتّباع المُتشابه وترك المُحكم، وغيرها من شبهات وأصول
خاطئة لديهم..
في الموضوعات المتداولة بين الجماعات التكفيرية ما
يشير الى ما سمعه أفرادها في المدارس والمساجد حول الموقف
من غير المسلمين أو المسلمين غير الحائزين على مسمى أهل
السنة والجماعة، وهم غالبية المسلمين، ولذلك كانت الجماعات
التكفيرية الجهادية تتبنى مسألة قتل الأجانب، وقتل المسلمين،
والإغتيالات تحت عنوان التترس بالكفار، وتكفير الدولة،
والعلماء، والمجتمع.
إن مجرد تراجع ما يقرب من 700 شخص عن الفكر التكفيري،
بحسب المشوح في تصريحه لصحيفة (الجزيرة) في 6 أبريل 2007،
لا يعني، إن تحقق ذلك فعلياً، انكساراً لموجة التطرف الفكري
الذي يتغذى على مصادر تزداد عدة وتعقيداً، فكثير من حملة
الفكر التكفيري يتلقون أفكارهم من الوسط الديني الذي يعيشون
فيه، وليسوا بحاجة إلى من يستدرجهم إلى أمكنة سرية أو
خارجية كيما يحصلوا فيها على أفكار في التشدد أو يتم فيها
التحريض على اقتراف أعمال عنفية، فكل المواد متاحة ومتداولة.
تقول أم أسامة، إحدى ضحايا الفكر التكفيري، والتي تراجعت
لاحقاً أن (مسألة تكفير الدولة السعودية، هذه كانت لدينا
من المسلمات التي لا نقبل فيها أخذاً ورداً، وكان الإعتماد
في ذلك على مسألة الولاء والبراء). وتوصّلت الى المواجهة
العسكرية وحدها لا تقضي على التطرف بل ثمة مواجهة فكرية،
ولكن مواجهة من أي نوع؟ وماهي مداخلها، وماهي استهدافاتها؟
يقول أحد المتراجعين عن الفكر التكفيري بأن (البرامج
التلفزيونية التي تعالج قضايا الإرهاب لم تناقش القضايا
الجوهرية). ويرى بأن (الفكر التكفيري موجود (في الداخل)
ويستقطب الشباب الصغار في السن ما بعد الخامسة عشرة حتى
مرحلة العشرين..).
ما يثير الإستغراب، أن المتراجع يشكو من غياب الأشخاص
الذين يمكن التحاور معهم من أجل استجلاء المفاهيم الدينية
الصحيحة، في بلد يعدّ فيه العلماء وحملة العلم الشرعي
بعشرات الآلاف. يقول (يا ليتنا وجدنا من نسمع منه الكلام
الصحيح ونناقشه ويناقشنا في قضايا كثيرة، فلماذا لا تكون
هناك جلسات حوار ونقاش حول هذه القضايا..).
في الرد على سؤال: متى سينحسر الفكر المتطرف في المملكة؟،
كان الجواب سلبياً، وسيبقى كذلك طالما أن تشخيص الأزمة
يعتمد على تحويل الأنظار إلى جهة ما خارجية تعبث في الوعي
الديني لدى الشباب في الداخل، وهي من تقوم بزرع أفكار
في التطرف، وتشجّع على العنف، فيما يتم تجاهل المنابع
الفكرية المحلية ممثلة في شخصيات دينية وإجتماعية نافذة،
وكتلة ضخمة من الفتاوى التكفيرية المدوّنة في كتب، وعلى
المواقع الدينية الرسمية على شبكة الإنترنت، وكذلك الخطابات
المفتوحة، والكتب الدينية الشعبية.
|