كرم ضيافة سعودي
زيارة بوش للسعودية: الأهداف والأوامر!
محمد فلالي
في جولته المقررة للمنطقة سيزور بوش السعودية في 14
يناير الجاري، وقد كان واضحاً أن الزيارة إيّاها ستثير
لغطاً كبيراً في الشارع العربي كما السعودي. فالرئيس الأميركي
يزور دولاً خليجية لأول مرة في فترتي رئاسته كما هي الحال
مع السعودية. ومع أن بوش قد حدّد هدف زيارته للخليج بأنها
من أجل (احتواء النفوذ الإيراني) وسبق له أن حدّد هدف
زيارته للأراضي المحتلة بأنها من أجل إيجاد حل للأزمة
الفلسطينية قائمة على مشروع دولتين، فإن الزيارة المتوقعة
لن تكون فاتحة انقلاب في الأوضاع القائمة في المنطقة.
هناك في الأراضي المحتلة استقبل بوش بالمظاهرات والتنديد
وعصي عباس التي كسرها رجال شرطته على رؤوس المتظاهرين
بمن فيهم مناضلين كبار. وكانت حصيلة نشاط بوش هو اعتباره:
يهودية الدولة الإسرائيلية بما ينطوي على ذلك إخراج العرب
من اسرائيل أو اهتضام حقوقهم كمواطنين في دولة زعمت وزعم
حلفاؤها أنها (ديمقراطية). كما حلّ بوش ـ حتى قبل التفاوض
ـ مسألة المهجرين الفلسطينيين، بأن يمنحوا تعويضاً مالياً،
كما اتفق مع أولمرت على ضرورة التصدّي لإيران، وتقوية
جناح المعتدلين العرب الذي أصبح يواجه نفس الخطر الإيراني
الذي تواجهه اسرائيل، حسب إشارات شيمون بيريز.
في السعودية حيث يوصم بوش بـ (الشيطان) و (فرعون) ولأن
حرية التعبير معدومة، لم يستطع أحدٌ أن يقول ما قاله الفلسطينيون:
(لا لبوش).. مع أن المشاعر العامّة جارفة بهذا الإتجاه،
خاصة وأن بصمات الرئيس الأميركي السيئة في العراق وأفغانستان
وفلسطين ولبنان واضحة المعالم.
القليلون الذين شتموا بوش، لم يطالبوا الحكومة السعودية
بالغاء زيارته، أو السماح لهم بالتعبير كتابة أو تظاهراً
ضدها. يبدو ان الصحافة السعودية متحفظة في التعرض لبوش
وسياساته في هذه الفترة التي يزور فيها المنطقة، حتى النقد
المعتاد بدأ يختفي على استحياء، وكأن النقد في حد ذاته
مخالف لـ (كرم الضيافة) السعودي!
ماذا يريد بوش؟ يمكن أن نعرف ما لا يريده بوش وما لا
يمكنه أن يفعله: هو لن يتحدث عن الديمقراطية والإصلاح
السياسي الذي زعمه قبل سنوات خمس. هو لن يتحدث عن قضايا
حقوق الإنسان، والمعتقلين الإصلاحيين في سجون نايف. وهو
لن يتطرق الى التطرّف الوهابي الذي يعتقد السعوديون والأميركيون
أنه جاء من تحريض المناهج الدراسية وخطب الأئمة الوهابيين.
أما ما يريده الرئيس الأميركي فيمكن تصنيفه في أربعة
أمور واضحة:
أولها في الأهمية، ما ذكره بوش من (احتواء لايران).
هذا الإحتواء سياسة أميركية مطبّقة منذ ثلاثة عقود، فما
الجديد الأميركي؟ وما عسى أن تفعل السعودية أكثر مما فعلته
سابقاً؟ إن أميركا تحاصر ايران سياسياً واقتصادياً منذ
اليوم الأول لسقوط الشاه، ولكنها في خضم صراعها حول الملف
النووي الإيراني، تريد من حلفائها السعوديين المساهمة
في (توفير المشروعية) للجهد الأميركي عبر:
ـ التنديد بالمشروع الإيراني النووي، سلمياً كان أو
عسكرياً، والتأكيد على مخاطره البيئية وعلى موازين القوى
في المنطقة. ويلاحظ هنا أن السعودية لم تحسم مواقفها الصريحة،
فهي تدرك أن لإيران الحق قانوناً في (التخصيب السلمي)
من أجل الطاقة، وإن تحول المشروع الى عسكري غير مقبول.
لكن السعودية لا تريد حتى المشروع السلمي النووي، لأنه
يعطي لإيران قوة سياسية وعلمية هائلة ويزيد من رصيدها
السياسي ونفوذها، خاصة بعد أن تحول الملف الى قضية سياسية،
إن انتصرت ايران فيها عدّ ذلك خسارة للسعودية نفسها. وقد
سبق أن عرضت السعودية ـ بالتنسيق مع واشنطن ـ مشروعاً
يتم من خلاله تزويد ايران ودول الخليج باليورانيوم المخصب
عبر تأسيس كونسورتيوم، وقد رفضت ايران العرض، فمن يمتلك
القرار والقدرة على تخصيب اليورانيوم سيكون (أحمقاً) إن
هو قبل أن يشتريه من الآخرين ويكون تحت رحمة قرارهم السياسي.
ـ يريد بوش إيجاد قطيعة سياسية واقتصادية خليجية (وليست
سعودية فحسب) مع ايران. وهذا ما لا يريده السعوديون والخليجيون
عامة، لأن القطيعة الإقتصادية تضرّ بمصالح بعض الدول (الإمارات
مثلاً) والتي وصل التبادل التجاري بينها وبين ايران الى
المليارات من الدولارات، فضلاً عن أن تخفيض التبادل التجاري
يبعث إشارات سياسية ويرفع حدّة الصرع الإيراني مع دول
الخليج العربية، هي في الأساس غير مقتنعة به أو لا تريده.
ولكن دول الخليج يمكن وفق الضغوط التي جاء بها بوش أن
تخفض من التبادل التجاري أو تجمّده، وكذلك بإمكانها أن
تخفف من الإتصالات السياسية بين الطرفين دون أن يؤدي ذلك
الى قطع العلاقات. وفي الجملة فإن دول الخليج عامة تعتقد
بأن العلاقات الإقتصادية وتطوير العلاقات السياسية مع
ايران يضمن لها أمرين: تحييد التدخل الإيراني في أراضيها
وهو ممكن في حال وجود صراع سياسي، وثانياً: يمنع الدول
الخليجية من الإنحياز الكامل للأجندة الأميركية التي قد
تطور هجوماً عسكرياً على ايران يترتب عليه رد فعل عسكري
إيراني ضد منشآتها الحيوية، خاصة النفطية.
ثاني الأهداف التي جاء بها بوش، هو تحصيل دعم سعودي
أكبر لما يسمى بعملية السلام مع اسرائيل، ولكن السعودية
ليس لديها الشيء الكثير الذي تقدمه، فقد قدمت مبادرتها
للسلام على حساب الفلسطينيين، ولكنها تلقت صفعة في أنابوليس
لم تستفق منها حتى الآن. يبدو أن بوش وحسب ما قرر بشأن
المهجرين الفلسطينيين يريد من السعودية ودول الخليج تمويل
(صندوق) التعويضات للمهجرين الفلسطينيين، ولربما ساهم
السعوديون في توطين بعض الفلسطينيين في أراضيهم أو أراضي
الغير (الأردن/ لبنان/ وسوريا).
ثالث الأهداف، ما يتعلق بالنفط وارتباط العملة السعودية
بالدولار. يريد بوش أن تنتج السعودية نفطاً في حدودها
القصوى، ويبدو ان السعودية تقوم بذلك الآن، ولكن هناك
دفع أميركي أكثر لكي تهيئ السعودية نفسها وتأهيل حقولها
وآبارها النفطية لتزيد الحد الأقصى من الإنتاج في السنتين
القادمتين. أما مسألة ارتباط العملة السعودية بالدولار،
فيفترض أن يطرحها السعوديون على ضيفهم بوش، فهذا الموضوع
سبب حرجاً سياسياً واقتصادياً للسعودية كونه يستقطع نحو
ربع إيرادات السعودية من النفط، وقد انعكس انخفاض الدولار
على حياة كل مواطن سعودي، فارتفعت الأسعار للبضائع المستوردة
الى أضعاف في بعض الأحيان. موضوع العملة السعودية والدولار
سياسي بامتياز، ولم تستطع السعودية ودول الخليج في اجتماع
مجلس التعاون الاخير حلّه او حتى الإقتراب منه. فهل يمكن
أن يقتنع بوش بالرؤية السعودية ويتم على الأقل تخفيض الدولار
مقابل العملة السعودية، وليس فك الإرتباط النهائي به؟.
رابع الأهداف، له صله بالملفين العراقي واللبناني،
حيث سيحثّ بوش الملك السعودي على استخدام كل امكاناتها
لمواصلة دعم فريق 14 آذار، وكذلك بذل الجهد لدى الجهات
المتشددة ولدى القوى السنيّة العربية في العراق للإنخراط
في العملية السياسية، وسيقدم بوش على الأرجح تطميناته
للسعوديين بأن اميركا ستقلم أظافر ايران في العراق.
|