سوريا والسعودية
بوابة لبنان غير صالحة لإعادة الدفء بين المتخاصمين
يحي مفتي
فشلت المبادرة العربية التي بنيت في اجتماع وزراء الخارجية
العرب الأخير، والتي هندسها وزيرا خارجية السعودية وسوريا،
والتي على أساسها قام عمرو موسى بتسويقها في زيارته لبنان.
عاد عمرو موسى من بيروت الى القاهرة على أن يعود إليها
لاحقاً في حال تطورت مواقف المتخاصمين بحيث يسمح للجامعة
العربية بتجاوز العقبات الأصلية التي تكمن خلفها المشكلة
بين المعارضة والموالاة. قبل أن يغادر بيروت في 11/1/2008،
حذر عمرو موسى بأن لبنان يتجه للمجهول وان البلد ينزلق
الى مخاطر حادّة.. أعقبه فيما بعد تحذير للرئيس مبارك
بأن على اللبنانيين ان يتفقوا وأن المبادرة العربية هي
الأخيرة، وأن الدول العربية ستنفض يدها من الموضوع اللبناني
إن لم يتحلّى المتخاصمون بالمسؤولية.
مالذي جرى بين سعود الفيصل والمعلم في القاهرة؟
هل اتفقا حقّاً على حل المشكل اللبناني على قاعدة (لا
غالب ولا مغلوب)؟ وما هي الصيغة الأساسية التي فهمها المتخاصمون
والتي جعلتهم يتراجعون عن ترحيبهم بها، لتموت المبادرة
العربية الى حين؟
في اجتماع القاهرة، حيث التقى المعلم بسعود الفيصل،
رشحت عدّة قضايا أفادت بأن ما اتفق بشأنه الوزيران لم
يكن إلا تكتيكاً منهما، وأنهما لم يغيرا مواقفهما ولم
يبلغاها الى الأطراف المتخاصمة هناك في لبنان بطريقة ضاغطة.
بالرغم من أن هناك إجماعاً بين السياسيين اللبنانيين
يفيد بأن المشكلة في لبنان ليست بين خصوم محليين، بل خصوم
إقليميين ودوليين، أي ان ما يجري في لبنان قد تم تدويله
منذ زمن بعيد. وبالرغم من أن بعض السياسيين يعتقد أن بيضة
القبان للإتفاق بين المعارضة والموالاة تكمن في اتفاق
سوري سعودي مسبق (كما يروّج لذلك دائماً الرئيس نبيه برّي)..
فإن الثابت حتّى الآن بأن الظروف الإقليمية والدولية ليست
ناضجة بما فيه الكفاية لتحقيق مصالحة لبنانية، حيث تبدو
القضية وكأن عدم حلّها سببه (توازن القوى) بصورة من الصور،
بحيث لا يستطيع أي فريق أن يكسّر الطرف الآخر، ولو كان
ذلك ممكناً لحدث وأن حلّت المشكلة في الأساس. ولا نقصد
بتوازن القوى، حصّة كل طرف من الشارع (عدد الأصوات) فحسب،
بل نقصد مجمل القوة السياسية والعسكرية والتحالفاتية والمالية،
فنقص هنا عند هذا الطرف قد يسدّه ميزة في جانب آخر.
المهم أن اجتماع المعلم بالفيصل والذي أفرز مشروعاً
هلامياً: (انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهوية، وحكومة
يتمتع فيها رئيس الجمهورية بالصوت المرجح، ونظام انتخابي
جديد).. لم يكن بالإمكان تسويقه بدون أن يعني شيئاً واحداً
يتعلق بالحكومة: (أن لا تحصل المعارضة على الثلث الضامن
من الوزراء، وأن لا تحصل الموالاة على ما تريده من وزراء
تزيد على المعارضة). هذا المشروع لو كان يعني ما قلناه
مثل ما قيل اعتماد قاعدة: (10-10-10) أي عشرة وزراء للأطراف
الثلاثة: المعارضة والموالاة ورئيس الجمهورية، لكانت المشكلة
قد حلّت. وهذا معنى أن يكون لرئيس الجمهورية الصوت الراجح،
وهذا أيضاً ما دفع بالمعارضة الى الترحيب بمشروع الجامعة
العربية قبل أن يصل الأمين العام عمرو موسى اليها، خاصة
وأن كل التقسيمات الأخرى غير هذه لم تكن مقبولة، وقد عمل
على تسويقها بعضها وزير الخارجية الفرنسي وفشلت من قبل.
وهذا ـ حسبما قيل ـ أن بري قد أبلغه لعمرو موسى قبل قدومه
لبيروت.
الذي حدث هو عكس هذا، فقد جاء عمرو موسى ليسوّق مشروعاً
غير مكتمل النمو، ولم يرغب هو في التوضيح أصلاً، وهذا
ما جعل المعارضة تتراجع وتطالب بالثلث الضامن، ولم تقبل
الموالاة إلا أن يكون لها 14 وزيراً مقابل 10 وزراء للمعارضة
وستة وزراء لرئيس الجمهورية، لا ترى المعارضة أن الأخيرين
سيكونوا مضمونين في التصويت في مجلس الوزراء، حيث يمكن
شراؤهم ـ ربما ـ كما حدث لوزراء الرئيس السابق العماد
لحود.
إذن على ماذا اتفق المعلم والفيصل؟
بدا واضحاً منذ اليوم الأول أن الإتفاق لم يكن مكتوباً
بالإصرار والإلزام للطرفين المتخاصمين. فالمعلم صرح بأن
بلاده لا تضغط على المعارضة، وفيها شخصيات (العماد عون
مثلاً) تحترمها ولكنها لا علاقة لها بسوريا أصلاً. وقيل
بأن المعلم أبلغ حلفاء سوريا بأن ما تم الإتفاق عليه غير
ملزم لهم، وأنه بإمكانهم رفضه أو قبوله. بمعنى أن ما اتفق
عليه بين السعودية وسوريا مجرد تكتيك خاص بالدولتين وصراعاتهما
ومصالحهما الخاصة.
أيضاً، ظهر من الموالاة وممثلها سعد الحريري، أنه متشدد
في مواقفه، وهو تشدد أزعج عمرو موسى، خاصة في رفضه التحاور
مع الجنرال عون باعتباره ممثلاً للمعارضة. وقال موسى بأنه
كيف يحدث اتفاق وهناك من لا يريد أن يجلس مع الآخر؟! هذا
الموقف أوصل رسالة للمعارضة بأن فريق الموالاة لم يتلقَ
التعليمات من السعودية، أو تلقاها بنفس الصورة التي تلقت
المعارضة الموقف السوري. وفي أحسن الظروف يحتمل أن يكون
الموقف السعودي لم يلق أذناً صاغية من الموالاة التي تفتح
آذانها على واشنطن وباريس أكثر من السعودية.
المسألة الأخرى التي تتعلق بموضوع التفاهم السوري السعودي،
هي ما أفصحت عنه بعض المصادر من أن السعودية هددت سوريا
بأنها لن تحضر القمة العربية القادمة، إن لم تتنازل بشأن
الوضع اللبناني، وأن سوريا رفضت الأمر. لكن التفاهم يفيد
بأن السوريين قاموا بمناورة محسوبة المخاطر، فرغت التفاهم
من محتواه بالتعاضد مع تفريغ السعودية هي الأخرى للتفاهم
(المبادرة العربية) من محتواه أيضاً.
فشل عمرو موسى، وقد لا ينجح إن عاد الى بيروت مجدداً،
كما هو مرجح.. والحل اللبناني مستقرّ في رحم الغيب.
|