بوتو: (شهيدة) أم (فويسقة)؟!
السعودية لاعب أساس يخسر أوراقه في الباكستان
عمر المالكي
غني عن التذكير القول بأن الباكستان تمثل ـ من بين
كل الدول الإسلامية غير العربية ـ الحليف والصديق الأكبر
للمملكة العربية السعودية. فالأخيرة وضعت جهداً كبيراً
في تطوير علاقاتها الثقافية والدينية والسياسية والعسكرية
مع الباكستان، حتى غدت الأخيرة محكومة في جوانب كثيرة
بالموقف السعودي الإقتصادي والسياسي والديني. لم تثق السعودية
في تاريخها الحديث بقوات أجنبية (بما فيها الأميركية)
قدر ثقتها بالقوات الباكستانية، فهي الوحيدة التي استدعيت
(نحو عشرين ألف جندي باكستاني) وذلك في مطلع الثمانينيات
وفي ظروف غير ضاغطة كثيراً للخدمة في السعودية واستمر
تواجدها لسنوات عديدة. ولعلنا لازلنا نتذكر بأن المشروع
النووي الباكستاني جاء في تمويل جزء كبير منه من السعودية
نفسها. ثم إن الباكستان هي الدولة الوحيدة التي استثمرت
فيها الأيديولوجيا الوهابية الكثير من طاقتها حتى تربت
أجيال عليها، وانفجرت على شكل صراعات طائفية في أوقات
مبكرة من التاريخ الباكستاني كان الوهابيون الباكستانيون
مشعل النيران فيه منذ الستينيات الميلادية.
ومن عمق العلاقات بين البلدين، أنه لا توجد دولة عربية
أو إسلامية، خلال العقود الثلاثة الماضية زار قادتها الرياض
بعدد زيارات الرؤساء الباكستانيين، وأخصهم ضياء الحق.
كما لا توجد دولة لها كلمة محترمة في السياسة الباكستانية
من بين كل الدول الإسلامية والعربية وحتى الأوروبية بمثل
ما للسعودية. لا ننسى هنا أن حبل المشنقة الذي التفّ على
عنق ذو الفقار علي بوتو الذي اطاح به انقلاب ضياء الحق
عام 1977، لم يكن أحدٌ قادرٌ على إزاحته وإنقاذه منه إلا
السعودية، التي رفضت التدخل بحجة أنها لا ترغب في التدخل
في الشؤون الداخلية للدول الصديقة الاخرى!. ولا ننسى هنا
أيضاً، بأن السعودية التي لعبت دور الوسيط بعيد انقلاب
مشرف على نواز شريف، أقنعت الأخير بأن يقبل تسوية قوامها
البقاء في السعودية/ جدّة منفياً لمدّة عشر سنوات قبل
أن يستأنف نشاطه السياسي!
النفوذ السعودي السياسي والديني في الباكستان ـ إذن
ـ لا يحتاج الى أدلّة، وهو قائم على الدعم الإقتصادي الذي
توفره السعودية لنظام الحكم وللقيادات السياسية الباكستانية،
وقد توفّرت للبلدين فرصاً مختلفة لتجربة التحالفات السياسية
بشأن قضايا محددة، مثل: الدخول ضمن المعسكر الغربي لمكافحة
ما أسمي بالشيوعية، ومواجهة السوفيات بعيد احتلال افغانستان
ودعم المجاهدين آنئذ انطلاقاً من الباكستان، ثم جاء دعم
واعتراف البلدين بالطالبان كبديل عن المجاهدين السابقين
ولكن تحت مظلة أميركية بالطبع. واعتبرت السعودية علاقاتها
مع الباكستان ذات قيمة استراتيجية من جهة احتمال احتياجها
للباكستان كمخزون استراتيجي عسكري/ بشري قد تستفيد منه
في أية لحظة في حال تعرضت السعودية للخطر. وزادت قيمة
الباكستان بالنسبة للسعودية بعد توتر علاقاتها مع إيران،
ورأت فيها قوّة موازية، لكن الباكستان لم تجرب الدخول
في معارك مذهبية لأنها تفجّر الوضع الداخلي الباكستاني
نفسه، بل قد تفجّر الجيش نفسه الذي يتشكل من كل مواطني
الباكستان.
بيد أن الباكستان أصبحت (رجلاً مريضاً) وظهر اعتلالها
بعيد أحداث 11/9، حيث زاد التغلغل الأميركي في تلك الدولة،
ووصل الأمر الى حد التهديد بالضربات العسكرية إن لم تتعاون
مع واشنطن في الإطاحة بالطالبان، وهو ما كشف عنه الرئيس
مشرف نفسه في كتابه الذي أصدره قبل نحو عامين. كانت سياسات
مشرف راديكالية لم تتحملها البيئة السياسية المحلية التي
أصبح للقوى الإسلامية المحافظة في البلاد كلمة متزايدة
فيها منذ مجيء ضياء الحق، خاصة منذ مطلع الثمانينيات فصاعداً.
وجد مشرف نفسه أمام ضغوط أميركية شديدة تتعلق بالمدارس
الدينية، وبالسياسات القبلية شمال الباكستان، وبإعادة
هيكلة جهاز الإستخبارات العسكري الذي اتهم بأنه كان وراء
إنشاء الطالبان في عهد بنازير بوتو. السعودية تعرضت لضغوطات
مشابهة، لكنها كانت تمتلك أوراقاً مالية وسياسية استطاعت
أن تلتف بها عليها، وإن تنازلت عن بعض سياساتها.
لم يكف مشرف أنه جاء بانقلاب عسكري، وأنه قضى على المحكمة
الدستورية العليا، وأنه شرّد قيادات أقوى حزبين: حزب الرابطة
الإسلامية وحزب الشعب، بقيادة نواز شريف وبوتو على التوالي.
أيضاً لم يكتف مشرف بأن نصب نفسه قائداً للجيش ورئيساً
للبلاد في آن واحد، بل قام بمصادمة الشعور الإسلامي الشعبي
والإنغماس في الدم الذي تجلّى في أحداث المسجد الأحمر.
فقد مشرف قاعدته الشعبية، وفقد ثقة شعبه، وفقد ثقة
الأحزاب السياسية التي عمد الى تقزيمها، وفقد مصداقيته
أمام النخب المثقفة ورجال القانون والمحامين والقضاة وحتى
الإعلام. وحين جاءت الشرارة الأولى بعد عزله رئيس المحكمة
الدستورية، ثم تلاها انفجار مشكلة المسجد الأحمر، كان
واضحاً أن نجم مشرّف الى أفول، دون أن يكون هناك بدائل
واضحة، بسبب تشظّي المعارضة. الباكستان وقفت امام خيارين:
إما الثورة الشعبية التي لاح أفقها في الشارع، أو الإنقلاب
العسكري على مشرف نفسه. كان هناك خياراً ثالثاً بدا أن
مشرف بطبعة الخشن العسكري غير قادر بل وغير راغب في المضي
فيه.
بدأت الصحافة الأميركية تتحدث عن احتمال ان تكون الباكستان
إيران ثانية، بل أن أحد العناوين ظهر بهذا النص: (هل تتحول
باكستان الى إيران ثانية)، بقلم غاري سيك، في غلوبال فيوبوينت
بتاريخ 16/11/2007. حيث رأى غاري سيك بأن أميركا ليس لها
بديل عن مشرف، وهو ذات الوضع الذي كانت عليه في ايران
حين دعمت الشاه واولته ثقتها، متجاهلة الجماهير الغاضبة
في الشوارع، ولم تلتفت أميركا الى أن رجلها (الشاه) قد
ذهب بعيداً في المواجهة مع شعبه الى الحد الذي لم يكن
هناك بد سوى الإطاحة به دون بديل من الطبقة الحاكمة، او
من الجيش، أو حتى من النخبة العلمانية المعارضة.
غير أن الولايات المتحدة التي لم تكن تمتلك البدائل
الواضحة حاولت استعادة السياسيين المنفيين لترتيب إتفاق
سياسي جديد. كانت ميول الغرب مع بي نظير بوتو، فنواز شريف
كان أكثر تشدداً في التعامل مع مشرّف، كما أنه من جهة
ثانية يحظى بدعم تيار إسلامي محافظ. بالسرعة الممكنة تمّ
الضغط على مشرّف لإبداء بعض التنازلات لإبرام اتفاق، كالتنازل
عن رئاسة الجيش، وقد فعل بعد تردد شديد.
حاول نواز شريف أن يصل الى جمهوره في الباكستان من
جدة، فرفضت السعودية السماح له بالعودة، بحجة أن ذلك خلاف
الإتفاق الذي أبرمته مع مشرف قبل سنوات سبع سابقة. والحقيقة
فإن الولايات المتحدة طلبت من الرياض عدم السماح له بالسفر.
لكن الأخير وبعد الكثير من النقاشات والمفاوضات وحتى التهديد
للسعوديين سمحوا له بالعودة، ولكن مشرّف أعاده من المطار
خائباً.
أما بوتو فسمح لها بالعودة الى جمهورها قبله، وكانت
تلك اشارة سياسية واضحة بأن مجرى السياسة الأميركية/ السعودية
قد اتخذ مساره الواضح. عادت بوتو من الإمارات التي اتخذتها
مقراً لها وليس السعودية، والسبب هو أن بوتو وحزبها غير
أثيرين لدى السعودية، ثم أن بوتو (بي نظير) تتهم حكام
السعودية بالمساهمة في قتل والدها الرئيس.
لم تجر الرياح بما تشتهيه السفن، فكان اغتيال بوتو
على يد القاعدة (على الأرجح) لكن ذلك لم يغير من المعادلة
كثيراً حيث يتم توظيف ابن بوتو كرمز لحزب الشعب كما توظيف
العواطف الشعبية بعد مقتل الأم بوتو في الإنتخابات القادمة
والتي قد تسفر عن تقدم لحزب الشعب يمكن له أن يدخل في
تحالف مع أحزاب أخرى للمشاركة في السلطة الى جانب مشرّف،
مع استبعاد للقوى الإسلامية التي تمثلها الجماعة الإسلامية
التي رفضت الدخول في الإنتخابات ابتداءً، والرابطة الإسلامية
برئاسة شريف.
المتابعون للعلاقات السعودية الباكستانية لاحظوا نفوراً
من القوى السياسية تجاه السعودية بشكل غير مسبوق، بعضها
يعود لمجمل السياسة السعودية تجاه القضايا العربية والإسلامية
خاصة بعد أحداث 9/11، وبعضها الآخر يعود بالتحديد الى
تطورات الموقف السعودي من الوضع السياسي الباكستاني، حيث
تأخذ القوى السياسية على السعودية التالي:
ـ أن السعودية دعمت مشرّف في انقلابه العسكري، كما
وفرت له الدعم السياسي قبالة معارضيه من كافة القوى الإسلامية
والعلمانية، واستمرت في دعمه حتى وهي تشهد التحركات الشعبية
المناهضة له.
ـ أن السعودية تشاطر مشرف سياسته تجاه القضية الأفغانية
ومتتالياتها التي تؤثر على الباكستان نفسها، وأنها ظهرت
وكأنها الجناح الآخر المساند للولايات المتحدة الأميركية
بالإضافة الى الباكستان.
ـ أن السعودية خفضت من علاقاتها السياسية مع القوى
السياسية الباكستانية بما فيها القوى الإسلامية التي كانت
أثيرة لديها في السابق. قيل في البداية أن تجاهلها ذاك
كان بسبب انشغالاتها بتداعيات أحداث سبتمبر عليها بسبب
مشاركة 15 سعودياً فيها، لكن الأحداث التالية أكدت لتلك
القوى بأن السعودية قد غيرت سياستها تجاه حلفائها القدامى،
وأصبحت بسبب انخراطها في سياسة (مكافحة الإرهاب) الأميركية
لا تميل الى توريط نفسها في علاقات مع الجماعات الإسلامية
قد تقوم في المستقبل بأعمال عنف تتهم السعودية بدعمها.
ـ أن النخب المثقفة الليبرالية والعلمانية المعارضة
لسلطة مشرف وجدت في السعودية منفذاً للسياسات الأميركية
بحيث جعلها ذاك غير قادرة على فهم ما تريده السلطات السعودية
ولماذا تضحي بمكانتها بين النخب الحاكمة والمعارضة.
فور مقتل بي نظير بوتو، بعث الملك السعودي برقية عزاء
الى (مشرف!)، اعتبرها حسب النص (شهيدة): (ببالغ الأسى
والأسف علمنا باستشهاد دولة السيدة الفاضلة الأخت بنازير
بوتو بيد الغدر والخيانة، وإننا إذ نعرب لفخامتكم عن تعازينا
الصادقة، نرجو أن تنقلوا مواساتنا لأفراد أسرتها كافة،
كما أننا نتوجه عبر فخامتكم بنداء إلى الشعب الباكستاني
الشقيق نعرب فيه عن استنكارنا واستنكار الشعب السعودي
لهذه الجريمة البشعة، التي ارتكبها قتلة أشرار ابتعدوا
عن الإسلام وعن القيم وعن الأخلاق وتحولوا إلى وحوش تسفك
الدماء البريئة وتحاول فرض شريعة الغاب). وأضافت البرقية:
(نسأل الله جلت قدرته أن يتولى الشهيدة الراحلة بمغفرته
ورحمته وأن يسكنها فسيح جناته وأن يجبر مصاب أهلها وذويها).
واضح أن البرقية تحمل طابعاً سياسياً، وليست فتوى دينية!،
خاصة وأن السعودية اعتادت في مثل هذه المواقع على إدانة
العنف كونها متهمة بتمويل الإرهاب بالرجال والمال والأفكار،
ولربما كانت البرقية الطافحة بالمشاعر بمثابة (إعلان براءة)
سعودية مما جرى، فلربما ظهر أن سعوديين شاركوا في الإغتيال
(من يدري؟) خاصة وأن أحداثاً كثيرة جعلت السعودية تخشى
من هذا الإحتمال: معارك نهر البارد، والتحقيقات الرسمية
اللبنانية التي نشرتها الصحافة المحلية حول مساهمة سعوديين
في اغتيال الحريري، فضلاً عن إشارات براميتز ـ المحقق
الدولي ـ الى أن القاتل المنتحر ليس لبنانياً، وأنه جاء
من أجواء حارة قبل نحو ثلاثة أسابيع من اغتيال الحريري!
بيد أن متطرفي الوهابية وهم من مناصري القاعدة قرأوا
اغتيال بوتو دينياً، فما يجري في الكون كله بمثابة صراع
مذهبي/ ديني، أو يوظّف على هذا النحو. تطفح التعليقات
الوهابية فور مقتل بوتو بالتشفي والفرح وأهازيج النصر،
من بين تلك التعليقات التي ظهرت على الإنترنت التالي (مأخوذ
من موقع الساحات):
ـ افتتح النقاش أحدهم أو إحداهن: (قد تكون بي نظير
بوتو أسوأ إمراة في تاريخ باكستان، أو حتى في تاريخ العالم
بأسره. ليس هذا هو المهم أو ما أود مناقشته. المهم هنا
هو أن تصفية المعارضين السياسيين بهذا الأسلوب القبيح
تصرف أقل ما يقال عنه أنه فعل إجرامي بشع) ثم جاء الترحم
على بوتو ووصفها بالشهيدة، فجاءت التعليقات اللاحقة عنيفة
مثل:
ـ رافضية عميلة أعلنت الحرب على الإسلام علمانية، أسأل
الله أن يجازيها بما تستحق.
ـ نسأل الله أن يكون في هلاكها صلاح أحوال المسلمين
. ظاهرها كافرة بلا شك.
ـ كانت هذه المرأة ستسفك الدماء وتقيم المجازر بالشعب
الباكستاني صغارا وكبارا نساءاً ورجالا.
ـ لا أظن عاقلا يثني عليها خيرًا، فتاريخها معروف،
وعقيدتها معروفة، ولو وصلت للحكم لفعلت الأهوال، بل قد
يصل الحال بها إلى تقطيع باكستان إلى دويلات (كأن بوتو
لم تكن رئيسة وزراء لفترتين متتاليتين!).
ـ الحمد لله على هلاكها وإن كنت تعلمين من هي الخنزيرة
بوتو أسال الله أن يحشرك معها.
ـ من أبرز قراراتها المشرفه إقرار زواج الرجل بالرجل!
ـ جعلتها شهيده، هل شهادتها على الولاء لأمريكا، الله
لا يرحمها حية وميته.
ـ والله أنا أرى أن مقتلها فيه خير، فلله در اليد التي
قتلتها.
ـ أكرهها وفرح جدا بوفاتها مثل وفاة أي عدو للاسلام.
ـ نحمد الله أن تخلصنا من عدو للمسلمين.
ـ لا أظن أنه يوجد مسلم يحب الله ورسوله ودين الاسلام
حزن لما حدث لبوتو.
|