الفيصل: العالم العربي تجاوز حدّ العداء لإسرائيل!
ملف فلسطين يثقل كتف السعوديين
فريد أيهم
في 20 يناير الماضي، وفيما كان الأمير تركي الفيصل،
مسؤول الإستخبارات السعودية السابق، والسفير السابق في
كل من لندن وواشنطن، يشارك في مؤتمر عن الشرق الاوسط وأوروبا
نظمته مؤسسة برتلزمان للأبحاث.. أعطى الفيصل تصريحات مثيرة
وخطيرة تمثل رؤية السعودية للسلام واستعدادها الى أبعد
الحدود لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
قال الفيصل أنه يبعث برسالة الى إسرائيل مفادها أنه
(من خلال مبادرة السلام العربية، تجاوز العالم العربي
حدّ العداء تجاه إسرائيل، الى السلام مع اسرائيل، ومدّ
يد السلام لإسرائيل، ونحن بانتظار أن يمسك الإسرائيليون
يدنا، وينضمون إلينا فيما سيعود حتماً بالنفع على إسرائيل
والعالم العربي). وتوقع الفيصل (اندماج إسرائيل في الكيان
الجغرافي العربي) إلى حد أن تصبح فيه اسرائيل جزءً أصيلاً
من النظام العربي الرسمي. يكشف عن ذلك بقوله: (سنبدأ بالنظر
الى الإسرائيليين باعتبارهم يهوداً عرباً، وليس باعتبارهم
إسرائيليين) يمثلون امتداداً للكيان الأوروبي.
وقال تركي الفيصل، بأن اسرائيل ستستفيد من صفقة سلام
شاملة مع العرب، وأن التعاون العربي معها سيشمل كل شيء،
بما فيه التعاون الأمني. يقول: (يمكن أن يتصور المرء وجود
علاقات بين العرب والإسرائيليين ليس فقط على الصعيد الاقتصادي
والسياسي والدبلوماسي، بل أيضا في مجالات مثل التعليم
والبحث العلمي ومكافحة التهديدات المشتركة لسكان هذه المنطقة
الجغرافية المترامية الأطراف). وتابع: (ستكون هناك زيارات
متبادلة بين شعبي إسرائيل وباقي الدول العربية).
يوسي ألفير، أحد الصحافيين الإسرائيليين المشاركين
في المؤتمر، امتدح تصريحات تركي الفيصل، وقال: (سعدت لسماع
وصف الأمير تركي للطبيعة الشاملة للتطبيع كما يتصورها
ضمن إطار مبادرة السلام العربية). وأضاف: (ينبغي أن تشجع
تصريحاته الاسرائيليين والعرب على تعميق وتوسيع نطاق المناقشات
بشأن سبل التوصل لاتفاق سلام شامل وتطبيق مبادرة السلام
العربية، وتحقيق هذا النوع من التعاون الذي وصفه سموه).
ولكن ألفير لم يقبل توصيف تركي الفيصل ـ الذي يريد فيه
تقريب الإسرائيليين للعرب ـ توصيفه لليهود بأن اعتبرهم
(عرباً) حيث عبر ألفير عن أمله في أن تتقبل الدول العربية
الاسرائيليين بصفتهم (يهودا يعيشون حياة سيادية في وطننا
التاريخي) وليس مجرد (يهود عرب) أو (يهود أوروبيين).
ويعتقد على نطاق واسع بأن السعودية ودولاً عربية أخرى
تشعر بثقل الملف الفلسطيني الذي أصبحت معه عاجزة عن تقديم
أي نجاح في مضماره، كما تشعر بوطأة المنافسة الشديدة مع
رؤية مختلفة بل متناقضة تمثلها سوريا التي تحتل اسرائيل
جزءً من أراضيها، وإيران التي تدعم حماس وحزب الله. إضافة
الى ذلك تشعر السعودية بوطأة ضغط الرأي العام العربي والإسلامي
الذي يطالبها بمواقف متشددة وصميمية تجاه اسرائيل وداعمتها
الولايات المتحدة، وهي مواقف لا تستطيع السعودية القيام
بها نظراً لحاجتها الى الحماية الأميركية.
لهذا السبب، كما يرى المحللون الإستراتيجيون، فإن السعودية،
كما مصر والأردن، تريد التخلّي عن الملف الفلسطيني برمته،
ولكن لا يمكنها ذلك بالنظر لمكانتها العربية والإسلامية،
وبالتالي لم يكن أمامها إلا التخلص من الملف عبر صفقة
سلام بأي شكل كان، عرضها الملك عبدالله، وتحوّل اسمها
الى (مبادرة السلام العربية) وهي تتضمن صفقة تطبيع شاملة
بين العرب واسرائيل اذا ما أعادت (بعض) الأراضي المحتلة
عام 1967 وسهلت اقامة دولة فلسطينية.
لكن السعودية اصطدمت بمشكلة حقيقية، وهي أن أصحاب القضية
الأساسيون لا يقبلون في المجمل بالعرض السعودي الذي يريد
التخفف من مشاكله على حساب قضاياهم. فحتى الآن، تميل الأكثرية
الفلسطينية الى رأي حماس الرافض للصلح مع اسرائيل، والتي
تصرّ على استعادة كل فلسطين ولو بالتدريج. وحتى الفلسطينيين
المؤيدين لعملية السلام، خبت آمالهم، وباتوا غير متيقنين
من أن اسرائيل تريد سلاماً، اللهم إلا ذلك السلام الذي
يجرّدهم من إقامة دولة حقيقية على أرض الواقع.
فما هو الحل السعودي هنا؟
إنه إعلان الحرب على حماس، واعتبارها منشقّة ولا تمثل
رأي الأكثرية. مع أن اختباراً واضحاً قد جرى أثبت عكس
ما تقوله السعودية وحلفاؤها من المعتدلين العرب، وهو اختبار
الإنتخابات التشريعية التي فازت فيها حماس، وهي انتخابات
تتجاهلها السعودية وكأنها لم تحدث، وتروّج بأن حماس مجرد
فصيل (عميل لسوريا وإيران) وقد قامت بالمساهمة في حصار
غزة وقطع الدعم عنها: الرسمي والشعبي.
أيضاً، فإن هناك طرفاً آخر معني بالعملية السلمية وهي
سوريا، التي تحتل اسرائيل (جولانها).. وإزاء الموقف السوري
الثابت من استعادة (كل) أراضيها، وهو ما ترفضه اسرائيل،
رأت السعودية أن بالإمكان تحييد الموقف السوري وتجاهل
الإحتلال للجولان، في حال تقدمت المفاوضات مع الفلسطينين
وأنتجت دولة فلسطينية. أي أن عزل الموضوع السوري عن الموضوع
الفلسطيني أمرٌ ممكن، وهو ما تتبناه اسرائيل وأميركا.
وهذا الموضوع إضافة الى موضوعات أخرى، أدّت الى توترات
في العلاقات السورية السعودية، وبالتالي فإن الموقف السوري
لم يبق على الحياد، بل أخذ يساهم بصورة أكبر في دعم الرؤية
الأقرب الى حماس منها الى فتح ومحمود عباس، ومن ثمّ فإنه
حتى الموضوع الفلسطيني البحت لا يمكن إنجاز شيء مهم بدون
الأخذ بعين الإعتبار للموقف السوري.
الطرف الثالث المعني بموضوع المبادرة السعودية للسلام
مع اسرائيل هو لبنان. ولأن الأخير منقسم على نفسه في ظل
ضعف الدولة في حماية حدودها وشعبها، فإن المعني الأساس
هم من يواجه اسرائيل على الأرض ممن كانوا ولازالوا ضحايا
لإسرائيل حتى قبل قيامها عام 1948م، أي أن المعني الأساس
ليس الدولة اللبنانية، وإنما الشيعة في جنوب لبنان ومن
يمثلهم: (حزب الله). والسعودية فتحت النار على حزب الله
بشكل علني وصريح في حرب تموز 2006، والأخير لا يعتبر نفسه
معنياً بالسلام مع اسرائيل كما هو واضح.
إذن كيف تتحدث السعودية عن سلام مع اسرائيل إذا كانت
الأكثرية الفلسطينية، والسوريون، والجهة الشعبية المعنية
في لبنان مغيبين أو غير راضين أو راغبين في ذلك؟ بأي حق
وبأي شرعية تتحدث السعودية نيابة عن كل هؤلاء؟ ثم كيف
لها أن تتوقع نجاح مبادرتها للسلام وهي تتصرف بالنيابة
عن أصحاب الشأن؟ هذا السؤال موجّه أيضاً لمصر والأردن
اللتان وقعتا اتفاقيات سلام مع اسرائيل.
|