الملك (ما يدري)! لماذا يبقى ملكاً إذن؟!
سلطان ونايف يديران جهاز الدولة والملك اكتفى بالإسم
سعد الشريف
الملك لا يعلم بالأمر، ولو علم لما سكت وفعل شيئاً!
البطانة فاسدة ولا تبلغ الملك بما يجري، فلترتفع الأكف
إذن: اللهم ارزقه البطانة الصالحة!
(ملك الإنسانية) لا يمكن أن يسكت، وهو سيختار الوقت
المناسب للحركة!
هذا ما يقوله البعض مبرراً سلبيّة الملك (الإصلاحي)
العتيد تجاه القضايا الكبرى التي تكاد تخرج الشارع السعودي
رافعاً سيف المواجهة مع السلطة، مثل التضخم الذي بلغ أرقاماً
جنونية، وانهيار سوق الأسهم، وتردّي الخدمات، وتزايد الفساد
المالي والأخلاقي، وتزايد عدد الفقراء رغم ارتفاع مداخيل
الدولة الى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل أربع سنوات!
قال لنا الملك أنه تفاجأ ذات يوم بالفقر في مدينة الرياض،
فما بالك بالمدن والقرى والأرياف النائية التي لم يصل
لمعظمها الكهرباء والماء والتلفون ولا حتى الشارع المسفلت!
وصدقنا الملك، ولفت بعضهم نظره الى الفقر الشديد الموجود
في كل زاوية من زوايا مملكته. وانتظر البعض خيراً من (علم)
الملك، فشكل لجنة لمكافحة الفقر، وعيّن عليها مسؤولاً
يدرس المسألة (علمياً) وكأن الدولة تمشي وتدار (بالعلم
والعلمية!) فقرر المسؤول بأن الفقر في المملكة يحتاج الى
عشرين عاماً لتجميده عند حدوده (كان هذا قبل أزمة سوق
الأسهم)، وأن ثلاثين بالمائة من السعوديين يعيشون (تحت)
خط الفقر، وزاد بأن المملكة ستستفيد من تجارب الدول الأخرى
في هذا المضمار مثل بنغلادش واليمن!
هكذا إذن يكون الحل، ولكن حتى الآن لم يتم البدء به
رغم مضي نحو أربعة أعوام على زيارة الملك للأحياء الفقيرة
في الرياض! بل زاد الفقر أكثر، كلما زادت الدولة غنى في
معادلة غريبة من نوعها لم توجد في أية دولة أخرى!
فالملك (لم يعلم) بالفقر وحين (علم) لم يعمل شيئاً.
والملك ـ حسب عضو مجلس الشورى الدكتور محمد القنيبط
في مقابلة مع الحرة بداية مارس ـ لا يعلم بأن سوق الأسهم
انهارت ولذا لم يعمل شيئاً.
وحسب نفس المصدر، لا يعلم الملك أن تسعة من أعضاء الشورى
ماتوا ولم يعين بدلاً منهم.
والملك لا يعلم بما يجري في غزة بفلسطين حسب منظري
الوهابية، وما على إخواننا إلا الإنتظار لما سيجود به
الملك، كما قال أحدهم لقناة الأقصى، وأضاف: انتظروا الملك
عبدالله، فالنصر صبر ساعة!
والملك لا يعلم بأزمات التعليم والخدمات الصحية والفساد
وغير ذلك، وهو لا يعلم ما يقوم به هذا المسؤول أو ذاك.
ومثل هذا العذر يتكرر دائماً، بأن جلالته (لا يعلم) ومن
(لا يعلم) سقطت المسؤولية عنه، هكذا بكل بساطة! فالجهل
أكبر عذر عند من يقبله من الجهلة والخونة وعديمي الضمير!
إذا كان الملك غير كفؤ للمسؤولية، فليتنحّ جانباً.
أما أن تدار البلد بإسمه ويأخذها مستشاروه وقبلهم إخوته
الثلاثة: سلطان ونايف وسلمان الى المجهول ويتلاعب بها
أبناؤهم وصبيانهم، ثم يقال لنا بأنه لا يعلم، فهذا كلام
باطل يراد منه استمرار الباطل.
نرى بعض الوهابية يشدد النكير على الوزراء وأفعالهم،
ولكنهم لا يهاجمون من أتى بهم من الأمراء الكبار، لأن
هؤلاء لا يعلمون! خاصة الملك: صمٌّ، بكمٌ، عميٌ فهم لا
يفقهون!
يشتمون البطانة غير الصالحة، ويدعون للملك في صلاة
الجمع بأن يرزقه الله البطانة الصالحة، ويقصدون بالبطانة
الصالحة: أنفسهم (مشايخ الوهابية ومن هم على شاكلتهم).
لقد كان جبنهم في مواجهة الحقيقة سبباً في تفشي الفساد
والإنحراف في الدولة، فانتهازيتهم جعلتهم يتعامون عن فساد
الأمراء الكبار خاصة سلطان ونايف وسلمان، بل رأينا كيل
المديح لهم، رغم أنهم هم المفسدون حقاً لو كانوا يعلمون،
في حين يجري الإعتذار عن الملك وكأنهم يمارسون عملاً سياسياً
لصالح التيار السديري: سامحوا الملك، فهو لا يفهم ولا
يعلم إن فهم! فالذي يفهم ويعلم هم السديرية، ولكن لا سلطة
بيدهم!!
إبعاد الملك والأمراء عن المسؤولية، واعتبار أنهم جميعاً
لا يعلمون بما يجري، وكذلك الخوف من بطش الأمراء، دفع
البعض لتصعيد النقد على الوزراء والطبقة الثانية أو الثالثة
من المسؤولين ممن لا ينتمون الى العائلة المالكة، ويزداد
النقد إذا كان المسؤول لا ينتمي الى منطقة نجد (المدللة).
وأدّى ذلك الجبن في مواجهة آل سعود الى (تصديق) البعض
لمقولة أن الملك والأمراء الكبار لا يعلمون، لهذا كثرت
في المنتديات (الوهابية النجدية) الرسائل الموجهة للملك
وسلطان ونايف وسلمان ومحمد بن نايف وأضرابهم، يلفتون نظرهم
الى قضية ما، أو يشكون من تعدّ او خلل في جهاز الدولة،
وكأن أولئك لا يعلمون فعلاً بما يجري على أرض الواقع،
وإذا كانوا لا يدرون فمن يدري، بل من يدير الدولة، إن
لم يكن هؤلاء الأمراء؟!
الملك عبدالله والملك خالد
الملك الحالي يكرر تجربة الملك خالد على نحو أسوأ!
الملك خالد كان معروفاً منذ البداية، وقبل توليه كرسي
الملك، بأنه رجل القبيلة السعودية (العائلة المالكة) وأنه
لا يعرف شيئاً في إدارة الدولة ولم يجرّب الإدارة أصلاً
في منصب من المناصب، عدا منصب ولاية العهد التي كانت مسمى
لمنصب لا حقيقة له على أرض الواقع، خاصة في عهد فيصل،
الملك الذي كان يدير تفاصيل عمل الدولة.
وحين أصبح خالد ملكاً بعد مقتل فيصل في مارس 1975،
أصبح فهد هو الملك الحقيقي، وقد جاء بإخوته السديريين
الآخرين ليديروا الدولة معه، مهمشاً في الوقت نفسه ليس
الملك فحسب، بل وولي عهده عبدالله، الملك الحالي، الذي
كان بعيداً عن إدارة الدولة عدا الحرس الوطني، وقد تغير
الأمر قليلاً بعد مرض الملك فهد وإصابته بالجلطة الدماغية
في عام 1996.
ومع هذا كان الملك خالد يعترض.
اعترض في البداية على عدم القصاص من قاتل الملك فيصل،
أي من الأمير فيصل بن مساعد، ورفض التحرك من الرياض قبل
إعدامه. في حين كان فهد ـ ولي العهد آنئذ ـ يريد التعمية
والتغطية، وهو ما يشير الى تآمره في مقتل الملك فيصل،
وكان يريد إبقاء القاتل حياً، لأنه ـ حسب الرواية الرسمية
ـ مجنون! وقد تظافر مع ذلك، أن رجال المؤسسة الدينية بما
فيها القضاء متآمرون مع السديريين، ويكرهون الملك فيصل
لأنه همّشهم، لهذا لم ولا يذكرون فيصل بخير كما هو واضح
اليوم، وكأن فيصل لم يكن ملكاً أصلاً! المهم أن القضاء
(لم يثبت) أن فيصل بن مساعد قتل الملك! ولم يقبل القضاة
بأدلة أشرطة التلفزيون التي كانت حاضرة مقتل الملك وتصور
الحادثة، لأنها لم تكن على عهد الرسول!، ثم لم تقبل اعترافات
القاتل. وحين أصرّ الملك خالد على إعدام القاتل الأمير
فيصل بن مساعد، تمّ تخريج ذلك على أساس أن القاتل (مرتد
عن الإسلام) حسب بيان القضاء، ولم يقتل قصاصاً لأنه (قتل
الملك فيصل)!
والملك خالد، عرف عنه اعتراضه على قتل عوائل (نساء
وأطفال) جماعة جهيمان، وحين جيء بالملك خالد ليبصم على
أمر القتل، أجابهم: ماذا نقول للعالم، ونحن نقتل أطفالاً
ونساءً. فردّ عليه الأمير سلمان بأن قدم تعهداً بأن أحداً
لن يعرف بذلك. ولما وجد أن نقاشه لا فائدة منه، قام من
المجلس وقال: حسبي الله عليكم، حسبي الله عليك يا فهد!
وفعلاً قتل العشرات ودفنوا في مدن متفرقة. والحجة من القتل
كلّه، هو ما قاله فهد حينها، بأن أبناء مقاتلي جهيمان
الذين أعدموا، سيقومون بالإنتقام عاجلاً أم آجلاً، ولذا
لا بد من استئصالهم.
واعترض الملك خالد مراراً على سرف فهد وفساده، الى
حدّ أنه طلب ذات مرة من مستشاريه أن يستدعوا الصحافة لكي
يتحدث ضدّه، ولكن المستشارين يعلمون أين مركز القرار،
فاتصلوا بفهد في جدّة، فطلب منهم تهدئة الملك ريثما يأتي،
وحين جاء وبّخه الملك واستوعب فهد الشتم والدعاء عليه
حتى مضت الأزمة.
والحكايات حول هذا الأمر كثيرة، تخص علاقة خالد بالرجل
القوي فهد (ولي عهده) وتخصّ سلطان (وزير الدفاع) والذي
يعتبر النسخة الأسوأ من فهد في مسلكه وسرقاته وانحلاله.
حتى أن الملك خالد كان يحذّر الوزراء علناً من كذب سلطان
وتآمره عليهم، ويطلب منهم أحياناً ـ بحضور سلطان ـ أن
لا يصدّقوه!
كان هذا هو الحال مع الملك خالد. ملك لا يملك إلا التشريفات،
ولا سلطة لديه من الناحية الفعلية، بل ولا مكانة ولا صوت
له يُسمع في مجلس الوزراء أو غيره، ومع هذا كان يجاهر
بنقده، ويتحسّر على ما آلت إليه الدولة من ضياع وفساد
في عهد فهد.
والآن نحن مع ملك يزعم مستشاروه بأنه (إصلاحي) وهو
لم يشم رائحة الإصلاح!
إصلاحي بعد أن ذرّف على الثمانين عاماً! فجأة انقلب
ديمقراطياً ويدعو للحريات! هل هناك كذبة أكبر من هذه؟
الآن نحن مع ملك يقال بأنه عروبي وأنه يفهم (أكثر من
خالد) وأنه رجل (قبلي) (حازم). والحقيقة فإنه ثبت بأن
عبدالله لا يزيد في الوعي مقارنة بالملك خالد شيئاً ذا
بال. وكما أدار السلفيون الدولة نيابة عن الملك خالد عبر
ولي عهده فهد، فإن ولي العهد سلطان يدير الآن الدولة بالتعاون
مع أخويه (سلمان ونايف) بالنيابة عن الملك عبدالله. هم
يقومون بما يريديون، والإساءة في مجملها تتوجه الى الملك
نفسه.
لماذا لم يعترض الملك ذات مرة على أفعال إخوته؟
لماذا لم يقل ـ خاصة وهو يزعم الإصلاح ـ بأنه غير قادر
عليه، وأن إخوته لا يقبلون بذلك، وأنهم يعتقلون الإصلاحيين
خلاف رغبته؟
لماذا لم يستعن بالجمهور الذي تعاطف معه بادئ الأمر
قبل أن ينقلب ضدّه ليعدل من موازين القوى ويحفظ للجمهور
حقوقه، بدل أن يسترخي لأن (صور جلالته) قد ظهرت على أوراق
النقد، فيما الحكم بيد السديرية؟!
لماذا لا يقوم الملك وقد روّج أنه يحارب الفساد حتى
قبل أن يحكم، بالإعلان عن المفسدين أو يشير اليهم، أو
يقول بأن الفساد الملكي أكبر من أن يستطيع مواجهته، أو
يقوم بعزل واحد من المفسدين الصغار إن لم يستطع فعل الأمر
مع الكبار؟!
لماذا لم يقم (ملك الإنسانية!) بضبط مصاريف الدولة
التي يتلاعب بها سلطان وإخوانه، فيحرمون المواطن من الثروة
التي أخذت بالطيران الى حيث بنوك الأمراء في الخارج؟
أهذا ما ينتظره المواطن من ملكه؟ أليس للمواطن الحق
بأن ينعته بأنه مجرد (خيخة)؟! وحقاً هو كذلك، فلازالت
السياسة الداخلية والخارجية والدفاعية والمالية والقضائية
والدينية والتعليمية فضلاً عن الأمنية والإعلامية بيد
الثلاثي المرح!: سلطان ونايف وسلمان. أبعد هذا نرجو خيراً
من ملك هذا شأنه لا يهش ولا يبش، ولا يستطيع أن يطعم جائعاً،
أو يكسو فقيراً، أو يبني مستشفى أو منزلاً، في حين أن
مليارات الدولة تنهب على المكشوف؟!
|