استراتيجية استدعاء البوارج الغربية
سعود الفيصل يستدرج (كول) الى لبنان
محمد شمس
لبنان المكشوف أمنياً وسياسياً على الخارج، بات يلعب
وظيفة مزدوجة، فهو مكشوف على الخارج، والخارج مكشوف فيه
أيضاً، بحيث أصبح كل الخارج المتورّط فيه أمام امتحان
النوايا، والنزوعات، والأجندات.. فقد تجد، على سبيل المثال،
من هو في الخارج ديمقراطياً زعماً يصبح ديكتاتورياً في
لبنان، مثل إدارة بوش بكل رموزها وكذلك حكومات أوروبية
عدة، فتدافع عن خيار النصف زائداً واحداً لانتخاب رئيس
للجمهورية، وترفض تقاسم السلطة بين الموالاة والمعارضة،
بل تتجاوز على تقاليد السياسة اللبنانية بما فيها اختيار
المرشح الماروني الأكثر تمثيلاً وسط الطائفة المارونية.
من جهة ثانية، قد تجد من هو في الخارج ديكتاتورياً فعلياً
يتحوّل إلى ناطق بإسم الديمقراطية وحكم القانون مثل السعودية
ومصر، فيتحدث مسؤولون كبار في البلدين عن ضرورة إحترام
التمثيل النيابي، والدستور، والإرادة الشعبية، وكل ذلك
لتدعيم فريق السلطة. من هذه النقطة الافتراقية تنسج رواية
وصول البارجة (كول) الى الشواطىء اللبنانية، لترسيخ الاستبداد
الديمقراطي الأميركي السعودي.
وقد نشرت صحيفة (واشنطن بوست) في الأول من مارس مقالاً
للكاتبة الصحافية المشهورة روبن رايت بعنوان: (الجهد الأميركي
ـ السعودي يهدف إنهاء التدخل السوري في لبنان). ويلفت
العنوان إلى أمر مثير للسخرية، فلم يعد خافياً أن الطرفين
الأميركي والسعودي ضالعان بصورة مباشرة في الشأن اللبناني،
بل يكاد أن يكونا، بعد خروج القوات السورية من لبنان في
2005، البلدين الأكثر إختراقاً للمجال السياسي الحيوي
اللبناني، إما بصورة مباشرة أو عبر حلفائهم.
كتبت رايت: بدأت الولايات المتحدة والعربية السعودية
حملة مشتركة للضغط على سوريا لإنهاء تدخلها السياسي في
لبنان، وتشمل الحملة إرسال الولايات المتحدة للبارجة الحربية
يو.إس. إس كول وبارجتين حربيتين أخريين الى الساحل اللبناني،
وكل ذلك بحسب مصادر أميركية وعربية. وتضيف: أن الخطوات
العسكرية والإقتصادية والدبلوماسية الجديدة تشمل أعمالاً
قاسية أخذتها إدارة بوش ضد نظام الرئيس بشار الأسد، مثل
الأمر التنفيذي الرئاسي الأخير والذي يسمح بفرض عقوبات
ضد مسؤولين سوريين ضالعين في الشأن اللبناني وكذلك عضو
في عائلة الأسد. العربية السعودية تسحب سفيرها من دمشق
وتضغط من أجل عقد قمة عربية استثنائية لمناقشة الفراغ
السياسي في لبنان بسبب عجز الأخيرة عن انتخاب رئيس جديد
منذ نوفمبر الماضي، بحسب مسؤولين أميركيين.
لم ينتخب البرلمان اللبناني رئيساً جديداً بسبب، حسب
مصادر رايت، الجمود الطويل الذي يفرضه حزب الله المدعوم
من سوريا وحلفائه المسيحيين ضد التحالف المحيط بالحكومة،
والمدعوم من قبل الولايات المتحدة، والسعودية، وفرنسا.
ناقش الرئيس بوش والملك عبد الله مسألة الجهد المشترك
على سوريا خلال رحلة الرئيس الأميركي الى الرياض، في يناير
الماضي. وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل ناقش لاحقاً
التفاصيل في البيت الأبيض في زيارته في الخامس عشر من
فبراير، وحضر اللقاء بوش، ونائب الرئيس تشيني، ووزير الخارجية
كونداليزا رايس، ومستشار الأمن القومي جون هادلي، بحسب
مسؤولين أميركيين وعرب.
وأدّى الإقتراح إلى نقاش جدي داخل إدارة بوش، والتي
سحبت خطتها من حلفائها الأوربيين والعرب، بحسب المسؤولين.
وبحسب مسؤول كبير في إدارة بوش رفض الكشف عن إسمه بسبب
الدبلوماسية الحساسة (من المحتمل أن يرى السوريون ذلك
في سياق التدابير الذي نقوم بها من أجل إحباط سلوكهم غير
المساعد في لبنان).
الأدميرال مايكل مولين، رئيس مدراء الطاقم قال بأن
يو.إس.إس كول، مدمّرة الصواريخ الموجّهة، وبارجتين أخريين
ستبقيان في شرق البحر الأبيض المتوسط لبعض الوقت. وأضاف
(إنها ترسل إشارة بأننا حاضرون، وإننا سنكون على مقربة،
وأن ذلك جزء هام جداً جداًمن العالم).
ولكن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة قال بأن
حكومته لم تطلب حضوراً بحرياً أميركياً على شواطئها، وطلب
من السفيرة ميتشيل سيسون توضيحاً لنوايا الولايات المتحدة.
وكان حضور ثلاث بوارج حربية أميركية قد فجّر غضباً
وشكوكاً في الإعلام اللبناني حول الخطط الأميركية بعيدة
المدى، بالرغم من أن الإدارة الأميركية قالت بأن البوارج
تبعد نحو 60 ميلاً من الساحل اللبناني، أي 12 ميلاً بعيداً
عن حدود المياة الإقليمية اللبنانية.
حسن فضل الله، النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني
قال في تصريح لوكالة رويترز بأن (الخطوة الأميركية تهدد
إستقرار لبنان والمنطقة وهي محاولة لاشعال التوتر، وأن
الإدارة الأميركية استعملت سياسة إرسال البوارج لدعم حلفائها
في لبنان من قبل، ولكن تلك التجربة فشلت).
إرسال البوارج الحربية الأميركية الى الشواطىء اللبنانية
تعود الى عام 1983، حين فتحت البواخر البحرية الأميركية
النار على الميليشيات المسلمة. وقد شمل الإنتقام تفجيراً
إنتحارياً لمجمع المارينز في بيروت ومقتل 241 من القوات
الأميركية، والتي أدّت في نهاية المطاف الى انسحاب المارينز.
يقول بلال صعب من مركز سابان التابع لمعهد بروكينز
أن دبلوماسية القوة العسكرية في لبنان لم ولن تنجح أبداً،
وإذا كان هناك من سبيل واحد لكيلا تساعد حلفائك، فذلك
هو الأفضل.
ويشكك بعض خبراء الشرق الأوسط، وكذلك الحلفاء الأوربيين
والعرب بأن الجهد الأميركي ـ السعودي سيكون له أثر على
دمشق. ويقول إيميل الحكيم من مركز هنري إل. ستيمسون، وهي
مجموعة تفكير دفاعية (النظام السوري يلعب على عامل الوقت،
وأن أسباباً ستضطر الإدارة الجديدة للتخلّص من سياسة العزلة
الحالية).
|