مجتمع يزداد فقراً في بلد يزداد غنىً
الأمراء يعِدون بالمزيد من البطالة والتضخم
سعد الشريف
راجت في الفترة الأخيرة مقارنة للوضع المعيشي العام
بين دول الخليج على شبكة الإنترنت، في إشارة واضحة على
الإستياء المتصاعد من الأوضاع الأقتصادية الذي يعاني منه
سكان السعودية، بالرغم من الطفرة النفطية غير المسبوقة
في تاريخ الدولة. في هذه المقارنة، تتموضع السعودية في
المرتبة الأدنى خليجياً من حيث قلة الأجور، وارتفاع الضرائب،
وانعدام نظام الرعاية، والمعونات المالية التي تقدّمها
الدولة للمواطنين والعاطلين عن العمل، ومنح الأراضي، والأثمان
الباهظة لفواتير الماء والكهرباء والهاتف.
أموال النفط في جيب آل سعود
|
في الإمارات، على سبيل المثال، فإن الحد الأدنى للراتب
الأساسي في القطاعين العام والخاص هو 8500 ريال سعودي،
فيما يحصل العاطل عن العمل على راتب قدره 3700 ريالاً
سعودياً، إلى جانب إمتيازات ومعونات يحصل عليها المواطن
الإماراتي من قبيل منحة الزواج بقيمة 50 ألف ريال، وأرض
مجانية فورية لكل متزوج وقرض سكني بلا فوائد وقدره مليون
ريالاً، يتم تسليمه خلال أسبوع من اعتماد عقد الزواج،
إلى جانب راتب لكل مولود بقيمة 300 ريال شهرياً وحتى بلوغ
السن 18. في مجال التكاليف الخاصة بالخدمات، فإن قيمة
رخصة القيادة هي 10 ريالات سعودية، أما تكلفة إستهلاك
الكهرباء فهي 30 ريال شهرياً، فيما يتم تقديم الماء مجاناً.
في عمان، الذي يصنّف في المرتبة الخامسة من حيث الإنتاج
النفطي والأقل دخلاً على المستوى الخليجي، فإن الحد الأدنى
للراتب الأساسي في القطاعين العام والخاص فهو 7150 ريال
سعودياً، فيما يحصل العاطل عن العمل على راتب مقداره 2000
ريال، ويحصل المتزوج على 40 ألف ريالاً، إضافة الى أرض
وقرض قدره نصف مليون ريال، يتمّ تسليمه في مدّة أقصاها
6 أشهر من تاريخ إعتماد عقد الزواج. أما تكلفة النفقات
الخدمية، فإن المواطن العماني يحصل على جواز سفر ورخصة
قيادة السيارة وكذلك الماء بصورة مجانية، أما الكهرباء
فهناك سعر ثابت بقيمة 90 ريال.
بالنسبة لقطر، فإن الحد الأدنى للراتب الأساسي في القطاعين
الخاص والعام هو 9 آلاف ريال، فيما يحصل العاطل عن العمل
راتباً مقداره 5 آلاف ريال، ويحصل المتزوّج على منحة بقيمة
100 ألف ريال، إضافة إلى أرض وقرض بقيمة مليون ونصف المليون
ريال، وذلك بعد يومين من توقيع عقد الزواج. ويحصل كل مولود
على 500 ريال، لأول 4 مواليد، حتى بلوغ سن الخامسة عشر.
ويحصل المواطن القطري على خدمتي الكهرباء والماء والهاتف
الداخلي بصورة مجانية، إلى جانب هدية رمضان وعيد الفطر
بقيمة 5 آلاف ريال، وهدية عيد الأضحى بقيمة 2500 ريال.
في الكويت، يصل الراتب الأساسي في القطاعين العام والخاص
إلى 8 آلاف ريال، ويحصل العاطل عن العمل على مرتب مقداره
3 آلاف ريال، ومنحة لكل متزوج بقيمة 70 ألف ريال، إضافة
الى أرض وقرض قدره 700 ألف ريال، يتم تسليمه خلال سنتين
من توقيع عقد الزواج، فيما تتكفل الدولة بدفع إيجار السكن
خلال فترة الإنتظار. ويتم تخصيص مكافأة مالية عن كل مولود
بقيمة 350 ريال لأول مولودين. وفي مجال الخدمات العامة،
تقوم الدولة بإيصال الماء إلى السكّان بصورة مجانية، أما
تعرفة الكهرباء فثابتة وهي 40 ريال، قد ترتفع في فصل الصيف.
وتحصل كل عائلة كويتية على هدية رمضان تصل إلى ألفي ريال،
يضاف إليها ألفان ريال في عيد الفطر، وتقدّم هدية بنفس
القيمة في عيد الأضحى واليوم الوطني.
بالنسبة للبحرين، الدولة غير النفطية في مجلس التعاون
الخليجي والأشد فقراً والتي تعتمد في ميزانيتها على معونات
شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً الكويت والإمارات
العربية المتحدة والسعودية، فإن الحد الأدنى للراتب الأساسي
في القطاع العام هو ألف ريال، ويحصل المتزوّج على أرض
وقرض بقيمة 150 ألف ريال، خلال خمس سنوات، وفي حال عدم
حصوله عليهما حتى انتهاء المدة المقرّرة، تتكفّل الدولة
بتسديد إيجار السكن.
أما السعودية، ذات الإحتياطي الأعلى في العالم، وبدخل
يومي يصل إلى مليار دولار، فإنها تفتقر حتى الآن لحد أدنى
معلن للأجور في القطاعين العام والخاص، كما لا يوجد مخصص
شهري للعاطل عن العمل. ويحصل المتزوّج على مساعدة بقيمة
30 ألف ريال، ولكن بموجب شرطين: وجود كفيل وتوقيع على
أوراق تقضي بتسديد المبلغ خلال فترة محددة.
ويحصل المواطن على قرض سكني بقيمة 300 ألف ريال، بعد
فترة طويلة من الإنتظار تصل الى 25 سنة من تقديم الطلب.
وتفرض قوانين الإقراض على المتقدّم إمتلاك أرض. أما تكلفة
الخدمات مثل الكهرباء والماء والهاتف فتعتبر قياسية على
مستوى الشرق الأوسط.
في التفاصيل، فإن معدّل التضخّم في السعودية بلغ سبعة
في المئة في يناير الماضي مسجّلاً أعلى مستوياته في أكثر
من ربع قرن، فيما دفعت الإيجارات وتكلفة المواد الغذائية
الأسعار للإرتفاع للشهر العاشر على التوالي.
زيادة أسعار النفط إلى ما يفوق خمس أمثالها منذ عام
2002، لم تمنح السعودية قدرة على مواجهة الضغوط التضخمية
في ظل ربط عملتها بالدولار الاميركي الضعيف الذي دفع أسعار
بعض الواردات صعوداً.
وأظهرت بيانات الادارة المركزية للاحصاءات في نهاية
فبراير الماضي أن الإيجارات زادت 16.7 في المئة في يناير.
وقال جون سفاكياناكيس كبير الإقتصاديين في بنك ساب التابع
لمصرف اتش.اس.بي.سي أن تكلفة السكن كانت المحرك الرئيسي
للتضخم الذي بلغ اعلى مستوياته منذ عام 1981. وقال (أصبح
من الواضح أن المكوّن الإيجاري بات له تأثير صعودي أكبر
على التضخم من أي بند آخر. لازال الطلب يتجاوز العرض وفي
مناخ ترتفع فيه الأسعار لا يبدو أن الإيجارات في مرحلة
تتيح لها التراجع). وقال سفاكياناكيس أن الطلب على المساحات
الإدارية فقط زاد بنسبة 130 في المئة في عام 2007. وأظهرت
بيانات إدارة الإحصاءات أن مؤشر تكلفة المعيشة بلغ 111.7
نقطة في 31 يناير الماضي مقارنة مع 104.4 نقطة قبل عام.
وزادت الأسعار 1.36 في المئة في يناير مقارنة مع مستواها
في ديسمبر مسجلة اعلى زيادة شهرية في تسع سنوات على الأقل.
وبلغ معدل التضخم في ديسمبر 6.5 في المئة، فيما أطلقت
العلاوة في المرتبات الشهرية بنسبة 15 بالمئة جنون الأسعار
وغلاء المعيشة للعاملين في القطاع الحكومي، حيث زادت الأسعار
بنسبة 40 بالمئة في الحد الأدنى. وفيما تضيع الأصوات المطالبة
بفصل الريال عن الدولار، واعتماد سلّة العملات، فإن ربط
الريال السعودي بالدولار الاميركي يرغم السعودية على أن
تحذو حذو السياسة النقدية الأميركية في وقت يخفض فيه مجلس
الإحتياطي الإتحادي (البنك المركزي الاميركي) أسعار الفائدة
لتفادي إنحسار إقتصادي.
واظهرت بيانات إدارة الإحصاءات أن أسعار المواد الغذائية
والمشروبات التي تأثرت بزيادة الأسعار العالمية للسلع
والعملة الأضعف إرتفعت بنسبة 10 بالمئة في مارس الماضي.
ووفقا لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي):
إستوردت السعودية في العام الماضي 25 في المئة تقريبا
من احتياجاتها السلعية من أوروبا و8.4 في المئة من اليابان
و13.4 في المئة من الولايات المتحدة. وهبط الدولار الأميركي
المثبت سعر صرفه مقابل الريال السعودي منذ 22 عاما إلى
مستويات قياسية أمام اليورو وسلة عملات رئيسية في نوفمبر
الماضي.
ولم تخفّض السعودية سوى سعرها لإعادة الشراء العكسي
الذي تسترشد به البنوك عند تحديد أسعار الودائع رداً على
تخفيضات الفائدة الاميركية بينما تركت سعر إعادة الشراء
الأساسي أو سعر الإقراض دون تغيير عند 5.5 في المئة. ورفع
البنك المركزي السعودي أيضا متطلبات الإحتياطي مرتين في
شهرين لإرغام البنوك على الإحتفاظ بمزيد من الأموال في
مسعى لإبطاء معدل نمو الإئتمان وهو محفز آخر للتضخم.
في مواجهة التحديات الإجتماعية المستقبلية لا تبدي
السعودية إستعداداً جديّاً لمواجهتها من خلال خطط إقتصادية
شاملة. ففي الوقت الذي لم تقدّم الحكومة السعودية حلولاً
جذرية لمشكلتي البطالة وأزمة السكن، فلم تخبر التقارير
الرسمية أو الدولية المحايدة عن انخفاض في معدّل البطالة
التي تجاوزت 20 بالمئة، فيما لا يزال أكثر من 60 بالمئة
من السكان يقطنون في بيوت مستأجرة (أي ثمانية ملايين)
مقارنة بعدد المواطنين والمقدر بـ 14 مليون نسمة. وفي
دراسة أعدّتها شركة (موطن) العقارية بالرياض في فبراير
الماضي عن سوق العقار السعودية، وتتناول معطيات إستراتيجية
عن السوق العقارية. وقدّمت الدراسة مسحاً ميدانياً لثلاث
مدن رئيسية تصل فيها نسبة النمو في أعداد السكان الى 4
بالمئة سنوياً، لجهة تحديد الشرائح المستهدفة وطبيعة الطلب
والإحتياجات في إقبالهم لشراء وحدات سكنية في مختلف أنواعها،
بالنظر إلى الإنفاق السنوي للأسر في المدن الرئيسية، وتطور
إعداد رخص البناء ودراسة وتحليل طبيعة وظروف المنافسة
وسلوكيات واتجاهات الشرائح المستهدفة، لتحديد مستوى الطلب
على شراء الوحدات السكنية.
ويتوقع عدد من الخبراء أن تكون هناك حاجة الى بناء
2.9 مليون وحدة سكينة خلال العقدين القادمين، فيما قدّر
هؤلاء أعداد المساكن التي يجب إعادة بناؤها في الفترة
نفسها بنحو 1.1 مليون وحدة سكنية.
ويرجع ظهور الأزمات الإسكانية إلى نقص الوحدات السكنية
التي لا تتوفر للسكان والمحاولة لإيجاد البرامج والبدائل
لزيادة المخزون وتحسين الأوضاع السكنية، وخاصة لذوي الدخل
المحدود والمنخفض، وكذلك إلى الحد من الارتفاعات الخيالية
للتكاليف الإسكانية.
الأشجار مأوى لهم في مملكة النفط!
|
وينظر خبراء إقتصاديون الى التضخم والبطالة والدولار
بوصفها أخطر التحديات التي ستواجه السعودية في السنوات
القادمة بالرغم من الفائض الهائل في الميزانية العامة.
فبالرغم من النمو الإقتصادي الذي بلغ نحو 5.7 بالمئة عام
2007، فإن أي تراجع لأسعار النفط سيعكس نفسه مباشرة على
مستوى النمو ككل، وخصوصاً على ملفات ساخنة مثل البطالة
والتضخم والموقف من الربط العضوي بين الريال والدولار.
عوائد النفط التي مازالت تشكّل 90 بالمئة من إجمالي
الدخل السعودي، وقد سجّلت الميزانية العامة خلال السنوات
الثلاث الماضية فائضاً كبيراً في نهاية السنة المالية
بفعل التسعيرة المخفّضة التي تعتمدها للنفط، بين 45 ـ
60 دولاراً خلال السنوات الثلاث الماضية.
وكان المصرف السعودي البريطاني، (ساب) قد قدّر أن تكون
الرياض قد حصدت أكثر من 165 مليار دولار كعوائد نفطية
خلال العام 2007، وهو رقم أكبر بـ 118 في المائة من كامل
الدخل الوطني للإمارات العربية المتحدة للعام 2006، وأكبر
بخمس مرات كامل الدخل الوطني لقطر عن العام نفسه.
ورغم الطفرة الحالية، التي قادت نمو السعودية إلى مستوى
5.7 في المائة، فإن البلاد ما تزال تواجه مشاكل جدية،
أبرزها مستويات البطالة المرتفعة. وتشير إحصائيات الإدارات
الرسمية إلى أن جهود خلق الوظائف دخلت في سباق حقيقي مع
الواقع الديمغرافي للبلاد، حيث من المتوقع أن يزداد العدد
الإجمالي للسكان بمقدار 40 في المائة بحلول العام 2020،
مما دفع تلك الدوائر إلى الدعوة للدفع باتجاه دعم وجود
قطاع خاص قوي وفاعل منعاً لظهور أي مشاكل إقتصادية وإجتماعية
على المدى البعيد.
ويشكّل التضخم همّاً إضافياً في السعودية. ففي يناير
الماضي، سجّلت تكاليف المعيشة أعلى ارتفاع لها منذ 27
عاماً، بمعدل سبعة في المائة، ومن المستبعد أن تتراجع
هذه النسب في الفترة المنظورة.
ويشكّل ملف الربط بالدولار جانباً شائكاً أيضاً من
الإقتصاد السعودي، وقد سبق أن خرجت أصوات ذات مصداقية
على المستوى الإقتصادي، وفي مقدمتها المدير السابق للمصرف
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، آلان غرينسبان، للمناداة
بأن فك إرتباط الريال السعودي بالعملة الأمريكية المتدهورة
سيحدّ من التضخم. لكن الرياض ترفض عملياً النظر في هذا
الخيار، وليس أدل على هذا الموقف مما قاله محافظ مؤسسة
النقد العربي السعودي، حمد السياري، أمام مجلس الشورى
خلال جلسات الإستماع المخصّصة للملف الاقتصادي حول هذا
الموضوع.
فقد حذر السياري من أن ما وصفه (الحلول السهلة) قد
تكون (كارثية) على المدى البعيد، وفي الواقع، فإن مؤسسة
النقد تراهن على أن المبالغ التي خصّصتها لتحسين التأمينات
الإجتماعية وزيادة الدعم على بعض المواد وتحديد الإقراض
(ستؤتي أكلها) خلال الأشهر المقبلة.
إن الوعود المأمولة على المدن الإقتصادية مثل مدينة
الملك عبد الله من أجل استيعاب مليوني ساكن ومليون موظف،
مازالت في مرحلة الحلم، (حيث من المقرر الانتهاء من إنشاء
المدينة بحلول العام 2016 بكلفة 100 مليار دولار)، فيما
لا مؤشرات حقيقية على إنجاز المشروع بهذه السرعة، فضلاً
عن إمكانية تقديم حلول ناجعة لمشكلات تزداد خطورة واتساعاً.
في السياق نفسه، فقد أقال الملك وزير التجارة والصناعة
الدكتور هاشم يماني في 4 مارس الماضي وعيّن بدلاً منه
رجل الأعمال المعروف عبد الله علي رضا. وذكرت مصادر مقرّبة
من العائلة المالكة بأن قرار عزل الوزير جاء بعد موجة
الغلاء وتسببت في سخط شعبي متصاعد. فقد شهدت السلع الأساسية
كالأرز وحليب الأطفال زيادة مضطردة.
وينظر مراقبون الى قرار إقالة الوزير بأنه يوحي بعدم
جديّة الملك في معالجة الأسباب الحقيقية للمشكلات الإقتصادية
والمتمثلة في تفشي الفساد المالي، وصفقات الأسلحة التي
أبرمتها الرياض مع باريس ولندن وبرلين وواشنطن، بالرغم
من النداءات المتكررة بوقف هدر المال العام في صفقات تسلّح
غير مجدية وليست قابلة للإستخدام في مهمات دفاعية فضلاً
عن المهمات القتالية، وهي نصيحة كانت الإدارة الأميركية
في عهد الرئيس بوش الأب قدّمها للملك فهد من أجل معالجة
الأزمة الإقتصادية التي تواجهها السعودية بعد نضوب الإحتياطي
المالي في الخارج.
في هذا السياق، تبدو لعبة (كبش الفداء) صالحة، ومازالت
تحتفظ بشعبية لدى العائلة المالكة، فقد سقط رئيس بورصة
الأسهم علي الجماز في جولة مشابهة، بعد أن تمّ تحميله
مسؤولية إنهيار سوق الأسهم، فيما يكتنز الأمراء الكبار
والصغار من الزيادة المالية غير المسبوقة لأسعار النفط،
إلى حد أن عدداً من الأمراء بات يملك ثروة تفوق ميزانيات
دول إن لم يكن منظومة دول.
|