تحدّيات المرحلة ورهانات المستقبل
(الديك الصيني) صدق وهو كذوب!
خالد شبكشي
يقول المثل: صدق وهو كذوب!
الديك الصيني في لقائه مع الملك السعودي
|
فديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، أو (الديك الصيني)
كما يسمّيه بعض السعوديين، قال كلاماً في زيارته للسعودية
الشهر الماضي، اعتبر في عداد (النصيحة الصادقة)!
وآل سعود يزعمون أنهم يحبّون الناصحين. مع أنهم لا
يرغبون ـ بل ويعاقبون من ينصحهم علناً ـ ونصيحة الديك
الصيني كانت علنيّة!
وربما لهذا السبب رفضوها!
قال تشيني بأن زيارته للسعودية، بل جولته الشرق أوسطية
كلها، لا تستهدف حشد العرب والإسرائيليين للحرب على إيران.
وهذا صحيح، إن كانت الحرب المعنية، حرب السلاح، أما
دون ذلك فهي قائمة: حرب سياسية واقتصادية واستخباراتية
وإعلامية ونفسية.
وصحيح أيضاً، بأن عدم شنّ الحرب، لا يعود الى نصائح
الأصدقاء والحلفاء والأدوات، سواء كان في أوروبا أو في
الشرق الأوسط، بقدر ما هي قناعة لدى صانعي السياسة الأميركية
بأن بلادهم ليست قادرة على شنّ حربين كبيرتين في آن واحد،
وأنهم ـ وإن امتلكوا قرار شنّها ـ فإنهم لا يمتلكون أدوات
إنهائها، أو منع شرورها من التوسّع، خاصة وأنها لن تكون
حرباً بأقلّ من الحرب الأميركية الإحتلالية في العراق.
والسعوديون ـ على الأقل من الناحية الإعلامية ـ أعلنوا
أثناء زيارة الرئيس بوش نفسه في فبراير الماضي بأنهم لا
يؤيدون الحرب على إيران، وربما يكون هذا هو الرأي المعلن،
أو رأي طرف من أطراف الحكم (الملك ووزير الخارجية كما
يقال).. ذلك أن الجناح السديري، جناح ولي العهد سلطان،
بدعم وزير الداخلية نايف وأمير الرياض سلمان، يتبنّى رأياً
مختلفاً، كما تفيد التحركات السعودية وجولات بندر بن سلطان،
والذي يرى ما يراه ديك تشيني بضرورة وجود حرب تخلّص المنطقة
من (الشرّ الإيراني) والى الأبد، وأن السعودية تعهدت بدعم
الحرب إن قامت، مع إتاحة الفرصة لها للتملّص من مشاركتها،
عبر التصريح بكلام مخالف لما يجري.. تماماً مثلما فعل
السعوديون في موقفهم من الحرب على أفغانستان والعراق.
وقد تحدثت بعض مقالات المقربين من الإستخبارات السعودية،
بأن إيران مجرّد دمّلة في وجه المنطقة، ينبغي فتقها وإخراج
قيحها الى الأبد.
فالكلام المعارض يعلن، وخلافه هو ما يجري في الواقع!
وأيّاً كان الحال، فإن الطرف الإيراني قدّم تهديدات
مبطّنة للسعودية ودول الخليج بأنه سيهاجم تلك الدول إن
استخدمت أراضيها لشنّ هجوم عليها. مع أن تلك الدول جميعاً
أعلنت حيادها وعدم تأييدها للحرب الأميركية المحتملة،
لكن مَنْ من السياسيين يضمن أقوال حكام الخليج الذين لا
يستطيعون مقاومة الرغبة الأميركية بالحرب إن أرادت؟
النصيحة الثانية التي حملها تشيني الى آل سعود كانت
بشأن العراق.
تقول النصيحة التالي: إن غياب الدول العربية المعتدلة
عن العراق يفسح المجال للنفوذ الإيراني بالتمدّد والإتساع.
وهذا صحيح، وهو أمرٌ في غاية الوضوح، وبالرغم من أنه
كلام مكرر، فإن السعوديين والمصريين والأردنيين والخليجيين
لا يأخذون به، إما قناعة أو تماشياً مع الرغبة السعودية.
فهناك ما يشبه الحلف تقوده السعودية قائم على مقاطعة الحكم
في العراق، وإسقاطه إن أمكن، وليس فقط محاصرته سياسياً
وعدم الإعتراف به.
والسعودية كما هو معلوم تقوم سياستها في العراق على
معطى أيديولوجي/ طائفي. أي أنها لم تعترف بالحكم في العراق،
ليس لأنه غير منتخب، أو أنه لا يعبّر عن إرادة الأكثرية،
ولا لأنه نظام صنعه الأميركان، ولا لأن العملية السياسية
تجري تحت الإحتلال، فرأى السعوديون إغاظة الأميركيين..
تشيني في الرياض: هل هناك حرب قادمة؟
|
كلا..
السعوديون يرون أن معركتهم في العراق مختلفة عن المعركة
الأميركية. هم يرونها معركة عقدية مع الأكثرية الشيعية،
ومع الأقلية الكردية، وهم لا يعترفون بالحكم في العراق،
بناء على التصنيف المذهبي فحسب، ولا لشيء آخر. لهذا كان
الدور السعودي في العراق دموياً تخريبياً أفضى بفضل السعوديين
التكفيريين والمال السعودي الى حرب أهلية قضت على مئات
الألوف من العراقيين.
السعودية لا تبحث عن عملية سياسية متوازنة وتقاسم للسلطة
بين مكونات الشعب العراقي، ولا هي معنيّة بإخراج المحتلّ
من العراق، ولا سياستها تصبّ في هذا الإتجاه. البوصلة
التي تتحرك على أساسها هي (إعادة الوضع على ما كان عليه
قبل سقوط بغداد). وهذا لعمري من المستحيلات، ولكن السعوديين
والوهابيين عموماً لم ييأسوا بعد، وهم ماضون في سياستهم.
هذه السياسة السعودية قائمة على عدم الإعتراف بالحكم
في العراق، وعدم فتح السفارات، وعدم القيام بأي جهد سياسي
لتعزيز المصالحة بين فئات الشعب العراقي. وحين ضغط الأميركيون
قبل عام على السعودية بأن تعيد فتح سفارتها، وندّدوا بالمقاتلين
الذين ترسلهم الى هناك، وعد سعود الفيصل بفتح سفارة بلاده
في بغداد (قريباً)! ولكن يبدو أن الـ (قريباً) هذه ستستمر
الى أن يعود الضغط الأميركي عليهم بقوة أكبر.
الأميركيون (قد) لا يكونوا معنيين بالخلافات العقدية
والصراع الطائفي في العراق (فحسب) لأنه لا يعمل لصالحهم،
اللهم إلا إذا كان هدفهم هو الوصول بالوضع العراقي الى
ما هو عليه، وبسياستهم الفاشلة فيه الى ما يشبه الهزيمة
كما هي اليوم. ولكن الأميركيين مهتمين بالنفوذ الإيراني
المتزايد والذي يضاهي النفوذ الأميركي نفسه، إن لم يكن
أقوى منه.
وما كانت تقوله واشنطن لحلفائها العرب في الخليج والسعودية
والقاهرة وعمّان، هو أن وجودكم السياسي والدبلوماسي في
بغداد ضروري لمساندة الجهد الأميركي نفسه في اتجاه صدّ
النفوذ الإيراني الذي يتعزز في غياب العرب ومحاصرة الشعب
العراقي نفسه قبل نظام الحكم العراقي الذي لا يبدو أنه
يأبه كثيراً بموقف تلك الدول العربية المقاطعة لها.
بكلام آخر، فإن أميركا تريد من الحضور العربي الدبلوماسي
والسياسي في العراق ليس مجرد المساهمة في حفظ الأمن وتعزيز
المصالحة السياسية بين مكوناته، بقدر ما تريد من ذلك الحضور
نشاطاً يحدّ من التغلغل الإيراني، بحيث يكون الوجود الأميركي
العسكري، مدعوماً بالتواجد العربي السياسي الحليف، البديل
النوعي للنفوذ الإيراني.
ومع أن مصر والسعودية والأردن ودول الخليج عموماً أعلنت
مراراً واشتكت من النفوذ الإيراني، إلا أنها لم تقم بأي
عمل يوازي ذلك، ربما لأنها أدركت بأنها غير قادرة على
المنافسة المباشرة، أو ربما لأن السعودية قادتهم الى تبنّي
(الحرب العقدية الطائفية) فتحدث ملك الأردن ورئيس مصر
عن الهلال الشيعي، أو ربما لأن ثمن مواجهة النفوذ الإيراني
يعني بالتحديد تقوية الحكم القائم في العراق وإيقاف الدعم
عن جماعات العنف رجالا وأموالاً وغطاءً سياسياً، وهذا
ما لا تريده هذه الأنظمة، لأن مقاربتها مختلفة مع المقاربة
الأميركية، حيث ترى السعودية وهذه الدول بأن إعادة الأمور
السياسية كما كانت كفيلة بقطع اليد والرجل الإيرانية الممتدة
الى قلب العراق، وإخضاع الأكثرية لحكم الأقليّة.
هذا يعني بأن السعودية ومصر وباقي دول الخليج والأردن
تراهن على تغيير راديكالي جديد في العراق، يضرب عصفورين
بحجر: حكم الأكثرية القائم، والنفوذ الإيراني معاً.
ولكن من سيقوم بإعادة عقارب الساعة الى الوراء، بعد
أن تعب المقاتلون، وهجّر الملايين من الشعب العراقي، وتفتتت
الأحزاب المقاومة وتقاتلت، كما تفتتت الأحزاب الحاكمة
وتقاتلت؟
من الذي يمتلك قرار وإدارة وتمويل إعادة الأمور الى
سابق عهدها وكيف؟
من الذي يمتلك قرار وإدارة وتمويل إعادة الأمور الى
سابق عهدها وكيف؟
مال السعودية لوحده لا يكفي، ولو كان كذلك لكان المال
الأميركي قد حلّ المعضل في العراق، بدل صرف 3 تريليون
دولار!
ولو كانت القوّة قادرة، لاستطاع الأميركي قبل ذلك.
مع أن السعودية لا تمتلك جيشاً يعتد به لترسله لحرب العراق،
وكل ما لديها قد أرسلته فعلاً: مجاميع التكفيريين الوهابيين
الذين زادوا الطين بلّة.
مال السعودية والغطاء السياسي الذي توفره هي وصويحباتها
توجّه أخيراً الى أياد علاوي، رئيس الوزراء السابق، ولكن
كيف يستطيع مثله تغيير الوضع؟
لا يفيد في العراق اليوم لا إنقلاب عسكري، ولا حرب
طائفية، ولا تمويل خارجي، ولا ثورة محتملة في تغيير الوضع
القائم.
ومع هذا هناك إصرار سعودي ـ مصري ـ أردني ـ خليجي على
ذات السياسة!
كلهم يرفضون فتح سفاراتهم، بحجج أمنية، فيما كل العالم
فتح سفاراته في بغداد، وقد كان مخجلاً لهم أن يجدوا أحمدي
نجاد يزور بغداد ويلتقي مسؤوليها وهم يتذرعون بالأمن!
لا ندري إن كان (الديك الصيني) قد أردف نصائحه للسعوديين
بحزم ما، أم لا؟ الأرجح أنه لم يفعل، والسبب أن الأميركيين
في العراق يرون أنهم تخطّوا حاجز الخطر منذ بضعة أشهر،
بعد نجاح حملتهم الأمنيّة الأخيرة، وبعد قيام مجالس الصحوة
بقتال القاعدة. ربما انخفضت أهمية السعودية وباقي حلفاء
أميركا في العراق، وربما يراد لهم التركيز على مواجهة
حزب الله وسوريا وحماس، فالقوّة الإيرانية يوجد من يواجهها
مباشرة (أميركا)، وعلى الأدوات أن تتكفّل بالباقي بالتعاون
مع إسرائيل.
مشكلة مصر تبدو وكأنها أكبر من مشكلة السعودية والأردن.
فقد أصبحت مصر، بضعفها السياسي، وتراخي نظامها وهرمه،
وفساده، أداة بيد السياسة السعودية. بل تدهور الوضع المصري،
فأصبحت مصر قائدة العرب فيما مضى، يقودها شخص مثل ملك
الأردن!
تقرر السعودية أن حزب الله مغامر فينطلق الجميع مردداً
الموقف نفسه؛
وتقرر السعودية الحرب على سوريا، فيبارك الجميع الأمر،
وتقرر السعودية محاصرة النظام السوري، فيجتمع الثلاثة
على ذلك؛
ويقرر ملك الأردن في مسائل فلسطينية كبرى فيصبح الموقف
المصري تابعاً، وهكذا!
لم يكن ديك تشيني في زيارته للرياض مجرد (ناصح) لحليفه
السعودي، ولم يكن موضوع العراق في قائمة الموضوعات، بل
يمكن القول بأنه في قعرها.
الموضوعان الأساسيان فيما يبدو هما:
إقتصادي، نفطي، حيث تريد واشنطن من السعودية استخدام
نفوذها لدى الأوبك للبحث عن حلّ لإيقاف ارتفاع أسعار النفط.
إما بزيادة جماعية للإنتاج، أو أن تقوم السعودية ـ مع
دول الخليج الأخرى مجتمعة ـ بزيادة الإنتاج الى الحدود
القصوى. تزعم السعودية أنها تنتج نفطاً قريباً من الحد
الأقصى: تسعة ملايين ونصف. فيما الأميركيون يقولون بأن
السعودية ـ وكما دلّت تجارب الثمانينيات الميلادية الماضية
ـ أيام الحرب العراقية الإيرانية، وصلت بإنتاجها الى 12
مليون برميل يومياً. وتريد الولايات المتحدة من السعودية
البدء بالإنتاج من حقولها المكتشفة في السنوات الثلاث
الماضية، بغض النظر عن استيعاب السوق النفطية لتلك الزيادة.
هذه مسألة.. ويرتبط بها التأكيد على ربط العملة السعودية
بالدولار وعدم الإنفكاك عنه، وكذلك التعامل بالدولار كأساس
في تقييم أسعار النفط، وليس كعملة ضمن سلّة عملات، أو
استبداله بعملة أقوى من الدولار، كاليورو أو الفرنك السويسري
أو الين الياباني.
الموضوع السياسي والذي أعلن عنه له علاقة بلبنان، وهناك
إشارات صحفية تفيد بأن السعودية وافقت تشيني على دعم حكومة
لبنانية جديدة تتشكل بغض النظر عن موافقة المعارضة أم
لا. وهناك الموضوع الفلسطيني حيث يريد تشيني من السعودية
ممارسة المزيد من الضغط على عباس للإستمرار في المفاوضات،
وزيادة مساهمة السعودية في دعم حكومة عباس مالياً.
ومع أن كثيرين يعتقدون بأن زيارة تشيني ـ رجل الحرب
ـ الى المنطقة لا بد وأن تكون ذات أبعاد عسكرية، وأن حضوره
الى المنطقة نذير شرّ، كما هي زيارات وزيرة الخارجية رايس..
فإن المؤشرات تفيد بأن الحرب القادمة قد لا تكون باتجاه
إيران، بقدر ما هي باتجاه سوريا، التي تشارك واشنطن السعودية
في ضرورة التخلّص من النظام القائم فيها، بعد أن أعطي
الفرصة ليغير من سياسته ويفك ارتباطه بطهران وحزب الله
وحماس.
هناك من بين المحللين من يعتقد بأن احتمال نشوب حرب
محدودة قائماً، خاصة وأن بوش سيزور المنطقة من جديد، وبالتالي
لا بد أن يكون هناك منجز ما، سياسي أو عسكري. سياسي: تقدّم
ما في عملية السلام، وهو ما لا نلحظه؛ أو تدمير لقوّة
حماس بصورة أو بأخرى، وهو متعذر بعد تجربة اسرائيل الأخيرة،
او اختراقاً للمألوف عبر عملية عسكرية اسرائيلية أميركية
ضد سوريا، وقد تشمل جنوب لبنان أيضاً.
كما هي الأنظمة العربية المعتدلة فاقدة لبوصلتها، كذلك
هي الإدارة الأميركية، التي تجرب الخطط الفاشلة الواحدة
تلو الأخرى.. ولربما لا يكون المنجز في زيارة بوش سوى
(الربط على قلوب الحلفاء) أو ـ في حالة التشاؤم ـ صورة
مطوّرة من صور (الفوضى الخلاّقة) تزرع من جديد.
|