السعودية المصفوعة على الوجه
قد تكون السعودية قد تلقت ست لطمات في لبنان دفعة واحدة،
هي أقسى من أن يتحمّلها السعوديون، تركتهم حائرين عاجزين.
اللطمة الأولى تفيد بأن اتفاقاً إيرانياً ـ أميركياً
قد أُبرم مؤخراً، وفّر مظلّة سياسية لتحرّك حزب الله العسكري
والسياسي في بيروت، بحيث يحسم الجمود السياسي القائم،
دون أن يلغي طرف الموالاة؛ مقابل أن تقوم إيران بتهدئة
الوضع في العراق خلال الأشهر القادمة ريثما تمرّ الإنتخابات
الأميركية بسلام، دون أن تؤثر ـ سلباً ـ على المرشح الجمهوري
ماكين، ويعتقد بأن ضبط (مقتدى الصدر) لصالح الحكومة العراقية
هو بداية الثمن، يتبعها إيقاف دعم الجماعات الأخرى في
الجنوب والشمال والتي تواجه القوات الأميركية. هذا تحليل
واحتمال قائم، وهو ما يفسّر الدور الأميركي/ الأوروبي
الباهت في دعم فريق السنيورة، الذي لم يتعدّى الكلام والبيانات،
ورسائل التطمين لحلف الإعتدال ـ خاصة السعودية ـ تخفيفاً
للفجيعة السياسية التي ألمّت بقيادتها!
إذا صدق هذا التحليل، وهو مرجّح بشكل كبير، فإن واشنطن
التي تعتبر نجاحها في العراق أهمّ من أيّ نجاح آخر، وأن
خسارتها فيه لا تعوّضها خسارة أخرى، تكون قد أذعنت للمساومة
الإيرانية، وأطلقت مناخاً جديداً لتسوية تعزّز الدور الإيراني
في المنطقة وفي الخليج تحديداً. وهذا أسوأ ما يمكن أن
تتوقعه السعودية، التي راهنت على ودفعت باتجاه ـ صراع
إيراني/ أميركي، وسيرعبها بشكل كبير حصول تفاهمات إيرانية
ـ أميركية تشمل كل قضايا المنطقة، بما فيها (أمن الخليج)
و (الصراع العربي الإسرائيلي).
اللطمة الثانية، هي إن خسارة الموالاة أو إضعافهم وإذعانهم
لشروط المعارضة في لبنان، وإن كانت قوية على الأرض فإنها
بالمعنى السياسي محدودة، إذ سيبقى فريق الموالاة عنصراً
أساسياً في العملية السياسية، ومن المرجح أن تسفر الإنتخابات
القادمة عن وصول الحريري لرئاسة الوزارة. أما خسارة السعودية
فهي أكبر من فريق الموالاة الذي تدعمه، إذ أن لبنان يمثل
آخر قلاع السعودية التي تساقطت، وهي ستخسر مكانتها في
لبنان سياسياً واقتصادياً وإعلامياً بشكل كبير، خاصة وأن
حلفاءها لن يكون بإمكانهم مجاراتها سياسياً بعد ما جرى
على الأرض.
اللطمة الثالثة، أن التحولات التي جرت عسكرياً في لبنان،
تعني (نعياً) لاتفاق الطائف الذي أشرفت عليه المملكة في
مرحلة الوجود السوري، وسنكون أمام احتمال كبير لتحقيق
إتفاق جديد يراعي وضع المرحلة لما بعد الوجود السوري،
ولما بعد ثورة الأرز، ولما بعد خروج السعودية كلاعب مهيمن
في الساحة اللبنانية. هذا الإتفاق عنوانه (اتفاق الدوحة)
بدلاً من (اتفاق الطائف). أي أن المغنم سيذهب الى (قطر)
المزعجة للسعوديين منذ أكثر من عقد، والتي ستثبت ـ ربما
ـ أن خياراتها السياسية ورؤيتها أكثر وضوحاً وواقعية من
السعودية التي تسير على غير هدى. إن (اتفاق الدوحة) المرتقب
إذا ما نجح، سيضعف السعودية حتى في محيطها الضيق (مجلس
التعاون الخليجي) وسيرسخ الإنطباع أن مجاراة دول الخليج
للسياسة السعودية إقليمياً لن تكون بعد الآن على غير هدى،
بعد أن ثبت أن السعوديين لا يتمتعون بالحكمة اللازمة.
اللطمة الرابعة، بالرغم من أن السعودية أكثر تعنتاً
وأقلّ وعياً من رفيقتيها (مصر والأردن) في التعاطي مع
الموضوع اللبناني (لاحظ مسألة سحب السفير السعودي، دون
غيره من سفراء العرب والعالم! ولاحظ في المقابل دور السفير
المصري الذي بدأ بتوثيق اتصالاته مع المعارضة/ اللاعبين
الجدد).. فإنها ـ السعودية ـ ستكون خاسرة على صعيد خيارها
المتعلق بسياسة كسر العظم مع سوريا، وبخيارها المتعلق
بمشروع السلام. إذ ثبت بأن من يقاوم يمكن أن يحقق مكاسب،
وأن من يتماشى مع السياسة الأميركية فإنه يستنزف ثم يرمى
به في سلّة المهملات، كما هي الموالاة والسعودية معهم.
على الأرجح، ستعاد (شبعا) وسيناقش حينها موضوع (سلاح حزب
الله) في ظل استراتيجية دفاعية جديدة. وعلى الأرجح أن
تتنشط مسألة إعادة الجولان وحلحلة الموضوع الفلسطيني.
فالإسرائيلي لا مستقبل لديه عسكرياً فيما يبدو، ولن يجد
رئيساً أميركياً قادماً داعماً مثل بوش.
اللطمة الخامسة، هي أن الإتفاق الإيراني الأميركي،
يثبّت المعادلة السياسية في العراق، على أساس حكم الأكثرية
الشيعية، ووفق صيغة المحاصصة، التي رفضتها السعودية، كما
رفضت الإعتراف بالواقع العراقي الجديد، وحتى مجرد فتح
سفارتها. أي أن السعودية همّشت نفسها أولاً، ثم هُمّشت
ثانياً من قبل حليفها الأميركي كونها لم تساعده بما فيه
الكفاية في تهدئة الأوضاع في العراق، وثالثاً هُمّشت لأنه
ثبت خلال العامين الماضيين أن السعودية ليست لديها أوراق
فعلية في العراق يمكن لها أن تلعبها غير التخريب والتعويق.
اللطمة السادسة والأخيرة، يتوقع أن ينهار الدور السعودي
في المحيط الإقليمي بشكل شبه كامل، وستتفكك حتى الدائرة
الصغيرة مما سمّي بـ (حلف المعتدلين). وهو حلف تنازلت
فيه خاصة مصر عن دورها السياسي المحوري لتحركّه السعودية
كيفما شاءت مقابل الدعم المالي. من الآن فصاعداً سنلحظ
دوراً مصرياً أكثر استقلالية، وأول الغيث يمكن مراقبته
في لبنان، حيث يتميز الدور المصري عن الدور السعودي المعاند
والغبي، والذي لا يقرأ موقف الحليف الأميركي جيداً، ولا
يلحظ (الصمت الأوروبي) في الموضوع اللبناني، وراح يحرّض
اسرائيل في زيارة بندر الأخيرة لها لكي تحارب حزب الله
بالنيابة.
ما احتاجته السعودية كان ولايزال قليلاً من التواضع،
والتروّي.. قليلاً من الإندفاع الطائفي المجنون.. قليلاً
من التحليل الواقعي على الأرض.. قليلاً من الإهتمام بالمصالح
الوطنية لا كثيرها!.
|