(الحجاز) انفردت بكشف قصة الإنقلاب في سوريا بتمويل
سعودي
هل تقوّم السعودية سياستها الكارثية؟
خـالـد شـبكـشـي
في 15 أكتوبر 2006، نشرت (الحجاز) مقالاً تحت عنوان
(السعودية تتبنى بشكل صريح مشروع إسقاط النظام السوري)،
تناول طبيعة التحرّكات السعودية المريبة إزاء الحكومة
السورية والتي بدأت بدعوة نائب الرئيس السوري السابق المنشق
عبد الحليم خدام لزيارة الرياض، حيث التقى الملك وولي
العهد الأمير سلطان، وكان لقاء قد جمع رفعت الأسد، شقيق
الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ونائب الرئيس الأسبق،
مع خدام في الرياض لوضع خطة إطاحة نظام الرئيس السوري
بشار الأسد. وهذه الأنباء، حسب الحجاز، (جاءت في سياق
أنباء أخرى حول دعوة الولايات المتحدة لرفعت الاسد من
أجل مناقشة مستقبل سورية ومصير نظام الحكم فيها!!). ولفت
المقال الى معطيات عدة تشي بتورّط القيادة السعودية في
مشروع تغيير النظام في سوريا، وذكر (وهو مشروع تشارك فيه
أطراف عدة لبنانية وأميركية وأوروبية).
وفي 15 نوفمبر الماضي نشرت (الحجاز) مقالاً تحت عنوان
(مستقبل العلاقات السعودية السورية: من التحالف الى القطيعة)،
تم تسليط الضوء فيه على مآخذ سوريا على السعوديين وكان
من بينها: (أن السعودية تحركت في الآونة الأخيرة للعب
دور في إسقاط نظام الحكم السوري من خلال احتضان المعارضة
السورية في أوروبا (الإخوان وعبدالحليم خدام) إضافة الى
تأجيج الحملة العدائية ضدها من خلال أتباعها في لبنان.
فضلاً عن أن السعودية ومن خلال علاقاتها المتميزة مع اميركا
طرحت ـ عبر الأمير بندر ـ مشروع إسقاط النظام السوري والمساهمة
فيه، حتى قبل أن تتوتر العلاقات السعودية السورية، بل
بمجرد سقوط نظام الحكم البعثي في العراق).
وفي الخامس عشر من مايو الماضي، كشفت (الحجاز) عن نبأ
الإنقلاب العسكري في سوريا بتمويل سعودي، والذي تم إجهاضه
في نوفمبر الماضي. وجاء في النبأ أن المخابرات الإسرائيلية
كانت على علم به من خلال رئيس الاستخبارات السعودية الأمير
مقرن بن عبد العزيز، الأمر الذي زاد من وتيرة التوتر في
العلاقات السعودية السورية.
في 28 مايو الماضي، نشرت جريدة (الأخبار) اللبنانية
في صفحتها الأولى الرواية السورية عن حقيقة التآمر السعودي
على نظام بشار الأسد. وكتبت الصحيفة: كشف مصدر دبلوماسي
عربي بارز في المنامة لـ(الأخبار) أن الرئيس السوري بشار
الأسد اتهم قيادة المملكة العربية السعودية بالتآمر على
سوريا، وبالعمل لقلب نظام الحكم فيها. وأبلغ الأسد، بصفته
رئيساً للقمة العربية، الأمين العام للجامعة العربية عمرو
موسى رفضه تحويل المشكلة السعودية ـ الإيرانية إلى مشكلة
عربية ـ إيرانية، داعياً إلى البدء بجهود خاصة لتعميم
نموذج اتفاق الدوحة اللبناني والانتقال مباشرة إلى البحث
في المصالحة الوطنية الفلسطينية. وقال المصدر إن موسى
الذي زار دمشق بعد مشاركته في جلسة انتخاب الرئيس ميشال
سليمان في بيروت، عرض للرئيس السوري تفاصيل ما جرى في
الدوحة، وأبلغه بأن اللجنة العربية تدرك أن دمشق أدّت
دوراً محورياً في التوصل إلى الاتفاق، معرباً عن أمله
في العمل على تنقية الأجواء في العلاقات العربية ـ العربية.
وأوضح المصدر، حسب الصحيفة، أن الأمين العام للجامعة
العربية سأل الأسد عمّا إذا كان رئيس الاستخبارات المصرية
عمر سليمان سيزور دمشق قريباً، فرد الأسد بأن لا علم له
بهذا الأمر، لافتاً انتباه ضيفه إلى أن سوريا عاتبة على
القيادة المصرية. فقد سبق أن سأل الأسد شخصياً الرئيس
المصري عن عدم زيارته دمشق، ورد الأخير بأنه ينوي القيام
بها ولكن في ظروف أفضل، ليتبيّن لاحقاً أن الرئيس المصري
لا يريد أن تنزعج منه السعودية إن هو زار سوريا. كما أبلغ
الأسد موسى أن الرئيس المصري لم يؤدّ دوراً مساعداً في
لمّ الشمل العربي، بل عمل حتى على عدم انعقاد القمة العربية
في دمشق، وأنه زار البحرين وطلب من ملكها المساعدة على
نقل مقر القمة إلى شرم الشيخ، ثم قرر خفض مستوى تمثيل
مصر في القمة.
كذلك شرح الأسد لموسى وبإسهاب تفاصيل ما تقوم به القيادات
الرئيسية في المملكة العربية السعودية ضد سوريا الدولة،
وضد النظام فيها، عارضاً أمامه الوقائع عن مواقف واتصالات
أجراها الملك عبد الله ووزير خارجيته سعود الفيصل ورئيس
الاستخبارات مقرن ومسؤول الأمن القومي بندر بن سلطان،
من أجل جر (الأجنبي الغربي) إلى غزو سوريا وضرب النظام
فيها، أو التحضير لأعمال تهدد النظام العام وتهدف إلى
قلب النظام في سوريا.
وقال المصدر الدبلوماسي، حسب الصحيفة، إن موسى خرج
من هذا اللقاء بانطباع عن صعوبة تطبيع قريب للعلاقات بين
سوريا والسعودية، وسمع كلاماً حاداً من الأسد عند إثارة
ملف العلاقات مع إيران. وحسب المصدر، فإن موسى اقترح على
الأسد، بصفته رئيساً للقمة، أن يوافق على تأليف لجنة تعمل
على حوار عربي ـ إيراني لمعالجة ما سمّاه موسى المشكلات
القائمة حالياً. وحسب المصدر، فإن الأسد رد رافضاً الفكرة،
قائلاً: (تريدون تأليف لجنة حوار بين العرب وإيران، وهذا
يعني أن هناك مشكلة عربية ـ إيرانية، فهل تقول لي ما هي
مشكلة المغرب أو الجزائر أو مشكلتك أنت كمواطن مصري مع
إيران؟ ومن قال لكم إن هناك مشكلة لبنانية أو سورية أو
فلسطينية مع إيران؟ نعم هناك مشكلة للسعودية مع إيران،
وهي ناتجة من قول السعودية إنها تعاني من موجة تشييع مفترضة،
وهي ليست صحيحة. وبالتالي، فلتذهب السعودية وتعالج مشكلتها
هي مع إيران، ولكن لن أقبل بأن يجري تحميل العرب كافة
مسؤولية السياسة السعودية، لأن لا وجود لمشكلة عربية ـ
إيرانية).
وبعد يومين من نشر التقرير، نفى مصدر إعلامي سوري صحة
ما نشرته صحيفة (الأخبار) اللبنانية حول إتهامات وجهت
إلى القيادة السعودية بالتآمر على سوريا، مؤكدا أن ما
ورد في الخبر المذكور حول العلاقات السورية السعودية والسورية
المصرية عار عن الصحة ويفتقد للمصداقية جملة وتفصيلا.
نشير الى أن النفي السوري الإعلامي صدر قبل يوم من
وصول أمير قطر الى دمشق للقيام بوساطة بين سوريا والسعودية،
وقد فسّرت جهات مقرّبة من الحكومة السورية بأن النفي جاء
لتسهيل مهمة الوسيط القطري، وهو ما فهمه السعوديون أيضاً.
في الأول من يونيو الحالي، كتب عبد الرحمن الراشد،
الإعلامي السعودي المقرّب من العائلة المالكة مقالاً بعنوان
(معركة دمشق ضد السعوديين)، أكّد ما نفاه المصدر الإعلامي
السوري وقال بأنها تسريبات سورية للصحافة اللبنانية (الأخبار)
وقال بأن (الجميع يدركون أنها تصريحات سورية حرفا بحرف،
وليست إيرانية رغم محاولة الإيحاء بذلك. فدمشق تحاول منذ
فترة اقناع الخليجيين بان إيران وراء تصريحات، وأخبار،
ووراء أحداث بيروت، وأن دمشق ليست طرفاً). ووضع الراشد
(التسريبات!) السورية في سياق مختلف، زاعماً بأنها (تعبر
عن حال توتر وحنق وافتعال معركة، تكمل تصريحات فاروق الشرع
نائب الرئيس السوري في مطلع هذا العام الذي تنبأ بسقوط
مناطق النفط السعودية).
وجنح الراشد الى التهكم والاستخفاف بما وصفه (التسريبات
السورية) لصحيفة (الأخبار) اللبنانية حول مؤامرة سعودية
لقلب النظام السوري وقال: (يالها من تهمة!) وعلّق قائلاً
(أنا واثق أن السوريين يعلمون حق اليقين لو أن السعودية
تبنت مشروع إسقاط نظامهم لن يكون ذلك مستحيلا، وبطريقة
«شرعية»)!.
ما لا يعلمه الراشد أو يعمد الى إغفاله، أن مشروع إسقاط
النظام السوري ليس جديداً، فقد جرت محاولات سابقة أولها
كان في عهد الملك سعود على يد رئيس المخابرات (المكتب
الثاني) عبد الحميد السراج في عهد أديب الشيشكلي في مارس
1955، وأن الضغوطات السعودية على السوريين لم تتوقف رغم
ما يبدو على السطح من هدوء مريب. فبالرغم من عدم معارضة
السعودية للدخول السوري الى لبنان عام 1976، إلا أنها
لم تكن تخفي امتعاضها أحياناً، فبعد حصار مخيم تل الزعتر،
جمّدت السعودية 700 مليون دولار من الإعانات السعودية
السنوية لسوريا، كما أوقفت تمويل مشاريع استثمارية بقيمة
500 مليون دولار، بل مارست ضغوطات في الثمانينات على الحكومة
العراقية من أجل وقف ضخ نفطه عبر الأراضي السورية ما حرم
دمشق 300 مليون دولار من عائدات سنوية.
أما المحاولات الإنقلابية فلم تتوقف، وكان أشدها قسوة
والمحفوفة بشبهة الغدر ما جرى بعد حرب الخليج الثانية،
حيث جاءت بعد مشاركة قوات سورية في التحالف الدولي لتحرير
الكويت. وبحسب مذكّرة سرية قدّمت الى الرئيس الأميركي
بيل كلينتون في بداية عهده والدوائر ذات العلاقة (وزارة
الخارجية، ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ) فإن
الأميركيين أوقفوا عملاً سعودياً ـ إسرائيلياً مشتركاً
للتسلل إلى الجيش السوري، بهدف إطاحة النظام والسيطرة
عليه، وكان الأميركيون قد تخوّفوا من أن فشل العملية (سيؤدي
الى تقويض كل الجهود من أجل التسوية السلمية، وقد تتسبب
في نزاع عربي مرير وقد يكون راديكالياً للغاية في الشكل
الذي تأخذه. فالسوريون أذكياء جداً في هذه القضايا، وهم
أفضل من الإسرائيليين في قضايا الإبتزاز).
ومنذ عملية إغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005، وضعت
الإستخبارات السعودية خططاً عدة لتقويض أركان النظام السوري
بالتعاون مع قادة المعارضة السورية إضافة الى عبد الحليم
خدام ورفعت الأسد، وشاركت في إعداد الخطط أجهزة إستخباراتية
أميركية وإسرائيلية وأردنية فيما تولت قوى سياسية لبنانية
وفلسطينية الإضطلاع بأدوار إعلامية تحريضية وتنظمية. وتمكّنت
الاستخبارات السورية من كشف خيوط إحدى العمليات بعد اغتيال
القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية في فبراير الماضي،
والتي تم الكشف عن تورّط بعض الشخصيات العسكرية والاستخبارية
السورية التي كانت تتلقى تمويلات من السعودية عن طريق
عبد الحليم خدام ورفعت الأسد، وتم تهريب بعض المتورّطين
في عملية الإنقلاب عبر منفذي الحدود البرية اللبنانية
والأردنية.
التخطيط لإسقاط النظام السوري جاء في سياق عملية شاملة
بدأت بحملة سعودية دبلوماسية عربية ودولية من أجل فرض
طوق شديد على النظام السوري، تكشّف بعض ملامحها في الحملة
السعودية ـ المصرية لإفشال قمة دمشق في مارس الماضي. وكانت
السعودية وحلفاؤها في معسكر الإعتدال نظّموا هجوماً إعلامياً
ودبلوماسياً على سوريا للحيلولة دون توفير الحد المقبول
من الحضور العربي الرسمي في قمة دمشق، وإفشال القمة. فقد
طاف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على عواصم
أوروبية من أجل تكثيف الضغوط على دمشق من أجل إرغامها
على القبول بالمبادرة العربية بحسب التفسير السعودي ـ
المصري الخاصة بلبنان، أي إنتخاب الرئيس ميشال سليمان
أولاً، فيما جال الرئيس المصري على عواصم عربية وخليجية
لجهة التلويح بالمقاطعة والذي تمّ بالفعل، ولكن قمة دمشق
نجحت فيما باءت محاولات السعودية ومصر بالفشل المهين.
كشف السوريين عن خبر (التآمر) السعودي قد يضعه البعض
بعد مرحلة ما بعد (اتفاق الدوحة)، وشعور دمشق بأنها قد
استعادت ثقتها بنفسها، بعد إحباط المحاولات السعودية والأميركية
لإسقاط النظام فيها، سيما بعد أن بدأ الحديث عن مفاوضات
سلام سورية ـ إسرائيلية، كجزء من سلة تسويات متكاملة وشاملة
يلعب فيها النظام السوري دوراً محورياً، فيما تتآكل فرص
نجاح السياسة الخارجية السعودية الجديدة بوتيرة متسارعة.
مشكلة السعودية أنها دخلت مرحلة جنون سياسي، انعكس
حتى على إعلامها الذي بات أقرب الى (الإعلام الحربي)،
كما تكشف عنه اللغة الموتورة، والنارية، والإستئصالية،
التي تبتعد عن الحدود الأدبية، وأخلاقيات المهنة، وحتى
قواعد اللعبة السياسية، فهل يخبرنا هؤلاء جميعاً كيف سيبررون
مواقفهم اللاحقة إذا ثبت فشل السياسة السعودية فتضطر القيادة
إلى إعادة علاقاتها مع دمشق، أو حتى تتبنى خطاباً معتدلاً
كأحد الخيارات السياسية في مرحلة قادمة، فأي مصداقية تبقى
للسياسة والإعلام في هذا البلد؟
|