انتصر آل سعود على مشايخهم
إشغال الوهابية بالمعارك الطائفية البديلة!
محـمـد شـمس
لم يكن يأمل الموقّعون على البيان الحصول على شهادات
إشادة لما ورد من عبارات نارية وتحريض مذهبي يأتي في خارج
لحظته التاريخية التي يفترض أن تكون مناسبة لتطوير مفاهيم
في الوحدة والحوار والتعايش، خصوصاً في بلد مازال يكبو
في مساره نحو الدولة الوطنية الحقيقية، ويرد ذلك في أحد
مفاعيله إلى الثقافة الإقصائية الطائفية التي يمارسها
هذا الفريق ومن هم على شاكلته، والذي يحظى بدعم من أطراف
في العائلة المالكة.
إزاء بيان من هذا القبيل، تصبح المقاربة العقدية عقيمة،
لأن ما فيه من لمحات ثيولوجية وتاريخية ليست جديدة رغم
ما فيها من هنّات وإقحامات مقصودة يراد لها أن تخدم توجّه
أصحابها، ولكن ما يلفت هي الإسقاطات المتكررة على الواقع
الراهن، في محاولة توجيهية لافتة، والإصرار على تحميل
القارىء رؤية عقدية إملائية.
ما يلحظه بعض من قرأ البيان أن كثيراً ما تحكم التيار
السلفي العاطفة والتاريخ أكثر من المصلحة والظرف والواقع،
حتى إن الكثير من النتائج والأحداث على أرض الواقع ربما
ينكرها أرباب هذا التيار لمجرد أنها تخالف ما قاله فلان
من قادة التيار!
ويضيف أحدهم: إستمعنا لكثير من زعامات السلفيين في
الخليج بعد الأحداث في لبنان محرّضين ومذّكرين بتاريخ
السجال المذهبي، وكانت في أغلبها خطباً رنانة تهيّج الناس
وتجيشهم، بمن فيهم السفيه والعاقل والجاهل والمتعلم! ولم
ينسوا أنهم قاموا بالتصرف نفسه ـ في مقابل الحكومات ـ
في التسعينات دون هدف منظور أو مشروع مقبول مما أدى إلى
تناثر أتباع هذا التيار بين مختلف التيارات الفكرية الأخرى،
وكان نصيب الأسد منها هو التيار السلفي التكفيري الذي
يتماشى في كثير من أدبياته مع الفكر السلفي التقليدي أو
الحركي.
العجيب، حسب البعض، أنهم تناسوا كثيرا من الحركات السلفية
التي حاولت وتحاول أن تفعل نفس الشيء تكرارا ومراراً!
وهي، إلى الآن، تقاتل في عدد من بلاد المسلمين لنفس السبب
الذي تعلنه، ولا تخفيه حتى كما يفعل حزب الله فيما اتُّهم
به!
يتحدث السلفيون دوما ويكررون أن الإجتماع يجب أن لا
يكون إلا على الإسلام السلفي، ولا أدري أو لا يدرون أي
اجتماع يقصدون؟!
عندما تحالف رسول الله عليه الصلاة والسلام في عدد
من المناسبات مع الكفار سياسةً وحسن جوار لا يستطيع أن
يقول قائل إن ذلك الاجتماع تحت المبدأ السلفي! أو أن الطرفين
يلتزم باعتقاد الآخر! بل إتفاق بين الطرفين على ما في
ذلك العقد من اتفاق دون أن تعدو غيره.
إذا نظرنا للفكر السلفي السياسي وحاولنا أن نطبقه على
العالم الإسلامي فسنجد أنه لا يمكن أن يُطبق مبدئيا سوى
في منطقتين في العالم تقريبا وهي (نجد) وربما بعض الأجزاء
من المنطقة الجنوبية في السعودية نظرا لعدم وجود تيارات
أخرى منافسة! وهذه الصلاحية المفترضة منحصرة مبدئيا في
السياسة الداخلية فقط.
عندما ينكر السلفيون دوما على الإخوان أنهم يجمعون
تحت رايتهم بعض التيارات المخالفة أو غير المسلمة وكأن
القوة والغلبة لهم! وليس في البلد إلا السلفيون الذي ربما
يعدون بالمئات في بعض بلاد المسلمين! إلا أنهم يستمرون
في استنساخ نفس المبدأ دون مراعاة لجوانب الاختلاف من
بلد لآخر!
في بلد مثل مصر، مثلا، الذي تغلب فيه الصوفية إنتشاراً،
ويوجد في البلد نسبة كبيرة من النصارى، لا يوجد لدى السلفيين
أي برنامج حقيقي يمكن أن يطبق! بَله النقد والخطب العاطفية.
ويضيف: لنفترض أن ثلة من السلفيين وصلوا للحكم في بلد
مثل مصر على سبيل المثال؛ فلك أن تتخيل حجم الدمار الذي
سيحصل للبلد.
سيكون أول رد فعل للناس هو المعارضة الداخلية من كل
التيارات الإسلامية باستثناء السلفيين الذين لا يمثلون
شيئا هناك، بالإضافة لبقية التيارات والأديان والمذاهب
الأخرى! وهكذا في كل الدول العربية بلا استثناء! وسيؤدي
ذلك قطعاً إلى ثورات داخلية مسلحة من تلك التيارات التي
ربما ينتظر بعضها وتُنتظر له تلك الفرصة السانحة لكي يقوم
بثورة مسلحة تحقق له بعض أهدافه! خصوصا أن الفكر السلفي
لا يقبل النقد الذاتي ولا توجد لديه أية آلية لذلك كي
يصحح مساره ويستوعب المستجدات، بل يعدّ النقد باباً من
أبواب الإنحراف وضعف الإيمان! خاصة إذا ما تعرض لبعض القيادات
وتصرفاتها!
أما المعارضة الخارجية فحدث ولا حرج! من أقصى شرق العالم
إلى أقصى غربه لا يوجد لدى السلفيين الآلية التي يمكن
أن يقبل أي طرف موجود في العالم أن يتعامل مع أناس يملكون
نفس هذا النهج الذي ينتقد حتى مجرد الجلوس للحوار أو بناء
علاقات مع كيان غير مسلم بل غير سلفي! ولك أن تتخيل عدد
القنابل والمدافع التي ستنهال على البلد الضحية من كل
صوب دون أن يحاولوا حتى مناقشة أنهم على خطأ وأنهم يحمِّلون
الأمور ما لاتحتمل ويفهمون الأمور على غير حقائقها.
إذن.. في الحقيقة أن السلفيين لا يملكون مشروعا حقيقيا
قابلا للتطبيق إلا الشعارات! هذا إذا أخذنا المشروع السلفي
بفكرته العامة دون الدخول إلى الأعماق حيث لا يوجد داخل
هذا التيار أي بناء تحاوري نقدي يمكن أن يثمر في بناء
مشروع سياسي جذاب، اللهم إلا لمجموعة من المطرودين الذين
لم يسعهم جو الجمود والتسلط الفكري الموجود داخل التيار.
من جهة ثانية، نقلت وكالة أسوشييتد برس في 3 يونيو
عن مسؤول سعودي رفض الكشف عن إسمه بأن رجال الدين الذين
أصدروا البيان لا يمثلون المؤسسة الدينية السعودية وأن
آرائهم لا تعكس وجهة النظر الحكومية. وأضافت الوكالة بأن
البيان قد يسبب (إحراجاً محتملاً للحكومة لأنه يأتي قبل
أيام من افتتاح مؤتمر تعدد المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة
والذي يهدف لرص الصفوف الإسلامية ومناقشة الحوار مع الأديان
الأخرى).
في جريدة (الوطن) السعودية كتب خالد الغنامي مقالاً
في 6 يونيو بعنوان (كفُّوا عن التهييج الطائفي)، أشاد
فيه بجهود التقريب التي عبّرت عنه مبادرة مؤتمر الحوار
في مكة من أجل حسب قوله: (أن يوسع الأفق ويكبر دائرة الانتماء
ويهيئ النفس البشرية لدخول تجمع أكبر من البشر في مربع
القبول)، لينتقل بعدها إلى الدور التخريبي لبيان الـ 22
سلفياً بقوله: (هذا المؤتمر تناقضه جهود أخرى هي أقل سماحة
وأكثر ضيقاً، فقد سبق افتتاح هذا المؤتمر بيان خرج علينا
يتعارض تماماً مع هذا النهج المتصالح الساعي لردم الفجوات،
بيان وقعه عدد من المشايخ السعوديين لا يخرج عن نمط البيانات
التي نعرفها والتي تحذر من خطر الرافضة ـ الطائفة الشيعية
ـ داخلاً في تفاصيل العقيدة الشيعية، ثم انتهى الموقعون
على البيان إلى أن طائفة الشيعة شر طوائف الأمة وأشدهم
عداوة وكيداً لأهل السنة والجماعة. الجديد في البيان هو
خروجه من النقل عن الكتب السنية التي شتمت الشيعة منذ
سبعمئة سنة ليدخل في عالم السياسة منتقداً من اغتر من
أهل السنة بحزب الله اللبناني وانخدع بمعاداتهم لليهود
والنصارى في لبنان. هذا البيان عليه مأخذان، الأول أنه
إساءة لأهلنا من شيعة المملكة العربية السعودية والذين
لا يعرفون وطناً سواها. الثاني أنه سيكون سيئ الأثر على
الوضع اللبناني الساخن حتى الساعة). وخلص الغنامي للقول
بأن مثل هذا (التهييج الطائفي الوارد في هذا البيان هو
بمثابة صب الكيروسين على النار في بلد ما زال العقلاء
فيه يبحثون عن طريق متعرج كتعرج أزقة بيروت لكي ينقذوا
لبنان من شبح الحرب، مثل هذا التهييج الطائفي سيقابل بتهييج
مثله بطبيعة الحال ومن سببته فإنه سيسبك، ولو لم يأخذ
الحكماء بزمام المبادرة، ليتحدثوا عما يجمع الناس ولا
يفرقهم، فإننا سنعود وكأننا في طوابير صفين، نسن الرماح
ونختبر الدروع).
الباحثة في أنثروبولوجيا الأديان مضاوي الرشيد كتبت
في صحيفة (القدس العربي) مقالاً في 9 يونيو بعنوان (علماء
السعودية وحروبهم الصغيرة)، جاء فيه: (حتى هذه اللحظة
لم تتحرك الآلية الرسمية ووسائل قمعها المتعددة ضد أي
من الشخصيات الموقعة علي بيان التحذير من الشيعة وخطرهم
ربما من مبدأ أن السعودية اليوم دخلت بجديّة في مرحلة
إحترام حرية الرأي والتعبير إذ أنها لا ترى حاجة ضرورية
وملحّة تستلزم إسكات علماء أبدوا رأيهم في طائفة لها أتباعها
في المملكة ذاتها فبيانهم العقيم يظل يطوف في العوالم
الإفتراضية ولا يعبر إلا عن رأي الموقعين ولكن لا يمكن
أن يكون ذلك الحال والسعودية الرسمية نفسها تلاحق بيانات
إلكترونية أخرى إستعرضت الواقع المزري للسجون السعودية
وسجنت كاتبها. بيان التحذير من الشيعة لا يطال مسؤولين
سعوديين ولا قيادة رسمية أما بيان التنبيه لوضع السجون
فله دلالات تطول وتصل إلى أبعد من الزنزانات واكتظاظها
بالمساجين لذلك يظل المروجون للفتنة الطائفية أحراراً
طلقاء ويقبع داعية حقوق الإنسان في السجن).
وتضيف الرشيد: (لم يجد مناصرو الصحوة من العلماء التقليديين
سوى التقوقع خلف جدران عالية يحاولون بين الحين والحين
القفز عليها ببيانات تحذيرية. يبدو أن هؤلاء بعد أن خسروا
معركتهم الكبيرة مع الدولة، دخلوا مرحلة الحروب الصغيرة
والتي منها غزوات طائفية كالبيان الجديد المحرض على فئات
إجتماعية معروفة داخل المملكة).
وتضع الرشيد إسقاط بيانات التحريض الطائفي ونبش الماضي
البعيد على الوضع السياسي الحالي بأنها (محاولة أخيرة
لانتشال أنفسهم من غرق حتمي واندثار نهائي. لم يبق لهؤلاء
المتقوقعين خلف نصوصهم سوى معارك صغيرة يخوضونها ضد المجتمع،
بعد أن إنتصرت الدولة عليهم وهمشتهم تحت ستار التجاوب
مع متطلبات العصر، تماما كما حصل مع افتتاح مؤتمر حوار
الاديان. بعد فشل هؤلاء العلماء في مشروع أسلمة الدولة
بالإضافة إلى فشلهم في أسلمة المجتمع حسب تصورهم للإسلام،
لم يبق لهم سوى حيّز ضيق يحاولون من خلاله اللعب على مسائل
طائفية قديمة قد تهيّج وجدان من كان قلبه يفيض بالحقد
والكراهية ضد كل ما هو مختلف).
وتضيف الرشيد بالقول: (لا يستطيع احد من هؤلاء العلماء
الموقعين علي بيان الكراهية أن ينطق بكلمة واحدة ضد ولي
امرهم ولو حتى بالإشارة ولن يخطب أحدهم خطبة جمعة تتعرض
للشأن العام دون أن تمرّ هذه الخطبة على مقص الرقابة،
ولن يفتح أحدهم صناديق التبرعات للمسلمين المنكوبين في
العراق وفلسطين دون أن يتعرض للمساءلة أو حتى السجن..
لذلك يعرف هؤلاء العلماء حدود الحرية والتعبير والممارسة).
وتنبّه الرشيد الى خطورة هكذا بيانات كبديل عن هزيمة
العلماء أمام الدولة، وتعتبر ذلك خطراً (على تعايش المجتمعات
والعلاقات الإجتماعية بين أطياف المجتمع المختلفة)، وتضيف
(يظنون أنهم ببياناتهم هذه يستطيعون أن ينتزعوا النصر
من براثن الهزيمة، ويعيدون لأنفسهم بعض الإعتبار خاصة
وأن دولتهم قد تجاوزتهم تحت ضغط عالمي، ورضخت لتوصيات
خارجية من أهمها تقليص صلاحياتهم وإغلاق منابرهم وتهميشهم.
يعلمون جيداً كيف حاربت دولتهم مشروعين أحدهما قومي والآخر
إسلامي، وها هم اليوم يروجون لمشروعهم الطائفي والذي تغض
الدولة البصر عنه وتتجاهله، إذ أنه قد يستحضر في المستقبل
حسب إملاءات السياسة المتغيّرة والمتحوّلة).
وتخلص الرشيد للقول بأن (الدولة لا تعارض مثل هذه البيانات،
ليس لانها تؤمن بحرية التعبير وإبداء الرأي، بل أنها قد
تستفيد منه في المستقبل إن دعت الحاجة الى ذلك، رغم أنها
اليوم تدعي مناصرة حوار الأديان والتقارب بين المذاهب
والفرق. لقد قامت هذه الدولة منذ بدايتها على مشروع علماء
بيان التحذير ولكنها اليوم تتنصل منه لان الظروف السياسية
تتطلب ذلك، وإن استدعت تقلبات السياسة في المستقبل إستحضار
الجني القديم، فهذا ما سيكون، وسيجد هؤلاء أنفسهم في أروقة
القصور والمؤسسات التعليمية وكتبها التي تحمل بصماتهم
وحبر أقلامهم. الدولة وعلماؤها توأمان فصلتهما ظروف دولية،
أجبرت الأولى على اتخاذ موقف من الثاني، واليوم تبدو السياسة
قادرة على فصل التوأم المحرج في المنابر العالمية وإغراقه
في حروب ومعارك صغيرة تفقده مصداقيته من جهة، وتظهر الدولة
برموزها المعروفة وكأنها الكابح لخطر هؤلاء على السلم
الإجتماعي والتعايش السمح. مرة أخرى إنتصرت الدولة السعودية
ذات التاريخ الطائفي على علمائها الذين أوصلوها الى السلطة،
ومن ثم تنكّرت هذه الدولة لخطابهم في المرحلة الحالية).
|