توجهات العنف الوهابي وتحولات السياسة
السعودية تعيد توجيه (القاعدة) لصالح حروبها المذهبية
فؤاد المشاط
تدرجت الوهابية في تاريخها من العنف الدموي المتواصل
لمدّة تصل الى عقدين (1913-1930)، الى العنف الفكري الذي
يصحبه بين آونة وأخرى عنف دموي مادي (غير مشرعن من الوهابية
الرسمية) على شكل انفجارات، الى عنف فكري حادّ شرعن الدموية
في أقصاها سواء كان داخل الحدود أو خارجها.
وتدرّجت الوهابية في تاريخها الحديث بين تصدير العنف
الدموي خارج حدودها المفترضة ضد مسلمين (معظمهم من السنّة)
داخل حدود الجزيرة العربية وعلى أطرافها (اليمن/ الأردن
والعراق).. الى الإنصراف باتجاه تصدير العنف الفكري، ثم
العودة أخيراً الى تصدير العنف الفكري والدموي في سياق
متصل وحادّ بلغ الذروة.
أيضاً تدرجت الوهابية في أهدافها، من (الدعوة العقدية
المطلقة) الى القبول بـ( نشر الدعوة النجدية ضمن إطار
الدولة) بعد أن تشكلت الدولة، الى (تصدير الدعوة الى الخارج)
المترافق مع مكافحة المذاهب الإسلامية غير الوهابية، الى
الحدّة في نشر (الدعوة في الداخل والخارج) مع مواجهة طائفية
مفتوحة مخصصة ضد الشيعة بعد انتصار الخميني في ايران،
الى أن تصل ـ ولأول مرة في تاريخ الوهابية ـ الى إعلان
قسم من أتباعها العداء للغرب وأميركا، مصحوباً بعنف تفجيرات
الحادي عشر من سبتمبر.. وأخيراً يعود التحوّل مرة أخرى
الى حدوده المذهبية، فتصبح أولوية الصراع في مواجهة الشيعة
في العراق ولبنان والكويت والبحرين فضلاً عن مواطني السعودية
من الشيعة والصوفية وأتباع المذاهب الإسلامية الأخرى.
ورغم ما نتحدث عنه من تحوّلات يبدو كثيراً من الناحية
العددية، إلا أنه في واقع الأمر محدود في مضامينه العقدية
والسياسية. فمن جهة العنف الوهابي الذي انطلق في وسط الجزيرة
العربية بدايات القرن العشرين، اعتمد تزاوج رؤيتين اتفقتا
على أمرٍ واحد:
ابن سعود ـ مؤسس الدولة ـ يريد استخدام عنف الوهابية
كأيديولوجيا للوصول الى السلطة وتأسيس مملكة له ولأبنائه،
حيث تتيح له تلك الأيديولوجيا صناعة مقاتلين وهابيين متوحشين
سموا بجيش الإخوان. أي أنه أراد استخدام عنف الوهابية
وشرعنتها للقتل لتحقيق منجز خاص سياسي، فالوهابية تشرعن
العنف وتبرر احتلال أراضي الغير وتكسير الدول المجاورة
كما دولة الحجاز، وتجيز القتل باعتبار أن الآخرين ـ غير
الوهابيين ـ كفرة يستحقون الذبح.
ومن جهة ثانية كانت الوهابية ورجالها يحثون ابن سعود
على جعلها (دعوة دينية) حسب أقوالهم، بحيث يكون الهدف
هو نشر الإسلام الصحيح (الوهابي). الإسلام الصحيح الذي
يجيز قتل الكافر، واسترقاقه واستملاك ما تحت يديه. وهكذا
كان. فأصبح نشر الوهابية يعني ضمناً توسعة ملك آل سعود،
الى أن تحقق تكوين الدولة الوهابية الحديثة، التي أطلق
عليها إسم: الدولة السعودية.
كانت تلك مرحلة العنف الأولى.
أراد دعاة نشر الدعوة الإستمرار فيها، وكانت الدولة
القطرية قد بدأت ملامحها بالتشكل في عشرينيات القرن الماضي
على يد الإستعمارين البريطاني والفرنسي، ولذا قيل لابن
سعود بأن حدودك المسموح لك بها قد وصلت الى نهايتها. خضع
الملك الذي استكفى بما بين يديه من أراض وأملاك، وأما
الوهابية فلم يكن غرضها (الدولة) أي تأسيس الدولة، بل
كان ذلك التأسيس بالنسبة لها مسألة عرضية، يمكن استخدامها
مجرد أداة في توسعة رقعة الدعوة الوهابية وتسهيل انتشارها.
وعليه لم يقبل الجيش العقائدي الدموي الخضوع ضمن إطار
الدولة، بل قام بمهاجمة الكويت والعراق والأردن، فكان
أن تولتهم الطائرات البريطانية بالضرب، فثاروا على ابن
سعود الذي لم يجز لهم القتال، واتهموه بـ (تعطيل الجهاد)!
فكانت المواجهة في السبلة 1928، وثانية عام 1930، انتهت
بمجازر للإخوان وإعلان اسم الدولة عام 1932.
وهنا بدأت مرحلة ثانية من تاريخ الدولة الوهابية ودعوتها:
الحفاظ على منجز الدولة وإدارتها، ونشر الإسلام الصحيح
في المناطق المحتلة، أي تحويل بقية المواطنين الى الوهابية
(توهيبهم) كانا الهدف التالي. وقد اتسمت المرحلة بالتشدّد
وبتغوّل دور مشايخ الوهابية ووعاظها، بالرغم من أن عددهم
في ذلك الوقت كان قليلاً، قبل أن تظهر الجامعات التي تخرج
قطعان الوهابيين. وفعلاً، دخلت الوهابية شريكاً في إدارة
الدولة، كما كانت المؤسس الأول لها، وصارت تستخدم سلطات
الدولة ومؤسساتها لتوسيع رقعة سلطان الدعوة، عبر التعليم
والقضاء والإعلام وغيرها.
في هذه الفترة الممتدة بين 1932-1979، خفّ عنف الوهابية
الدموي، وبقي عنفها الفكري المسلط على الشارع. ذلك ان
العنف الدموي عبر الحروب غير ممكن، فجميع المواطنين ممن
كانوا ضمن المسوّرة المسماة (سعودية) صاروا خاضعين لسلطان
الدولة الجديدة رغماً عنهم، وكانت المعارضة القائمة بين
الحين والآخر، قبلية أو مناطقية أو وطنية يجري التعاطي
معها عبر أجهزة الأمن وقضاء الوهابية إن احتيج اليه!
لم تكن هناك أراض بحاجة الى فتح ديني وهابي، ولا الظروف
الإقليمية ناضجة لقطعان الوهابية للقيام بأعمال عنف خارج
الحدود، ولا إمكانات الدولة تساعد على ذلك في كثير من
الأوقات. فضلاً عن ذلك لم يكن رجال الوهابية أنفسهم مهيئين
للتحرر من المعتقد الذي لا يجيز لهم حتى السفر الى الدول
العربية باعتبارها بلد شرك وكفر!
خلال هذه الفترة، وإزاء الفشل في الدعوة الى الوهابية
داخلياً، المترادف مع القسر والحرمان والتمييز الطائفي،
اتجهت الأنظار للتعويض للوهابيين بنشر الدعوة الوهابية
(سلمياً) الى الخارج، ابتداءً من أواخر الستينيات. فبدأت
مراكز الوهابيين بالإنتشار، وبدأ بعض مؤيديهم من الجنسيات
غير السعودية بالعمل في مناطقهم للتبشير بالدين الوهابي
الجديد. في تلك الفترة كانت للدولة بعض الإمكانات المادية
المتأتية من النفط، وكانت لها فلسفة سياسية قائمة على
نشر الولاء للسعودية سياسياً عبر رافعة الوهابية مذهبياً،
أي اعتماد الوهابية كأداة في السياسة الخارجية السعودية.
وقد حققت الوهابية نجاحاً أولياً في الباكستان التي تكتوي
اليوم بنيران التطرف السلفي.
كانت الحكومة تريد أن تقول للوهابيين بأن (الجهاد المعطل)
يمكن أن يتحقق بجهاد من نوع آخر: جهاد لنشر الدعوة سلماً،
عبر الإستفادة من أموال الدولة وسلطتها وممثلياتها في
الخارج. كل ذلك من أجل تنفيس الإحتقان الوهابي الذي يبحث
عن عدو (هو دائماً من بين المسلمين) للقضاء عليه بشكل
عنفي دموي كيما يرضخ لدين التوحيد الوهابي.
ولكن الوهابية ـ كتلة النار كما تسمى دائماً ـ أصعب
من أن تحتوى بالكامل، فظهرت احتجاجات كثيرة على سياسات
الملك فيصل، واحتجّ متطرفون عنفاً ضد التلفزيون عام 1965،
وقبها ضد تعليم البنات عام 1960، وقامت اشتباكات دموية
بلغت ذروتها عام 1979، حين سيطر جهيمان العتيبي، سليل
جيش الأخوان الأوائل، على الحرم المكي وأعلن من هناك عن
مهدي، كقائد بديل عن آل سعود وسلطتهم.
عاد العنف حاداً في الوسط الوهابي، فكيف يمكن تفريغه
من محتواه، أو كيف يمكن قذف العنف باتجاه غير اتجاه الدولة
النجدية المتوهبة المتسعودة؟
قرر الملك فهد التالي:
ـ المزيد من التنازل للقوى السلفية على الأرض. المزيد
من الصلاحيات والأموال التي تنفق على الدعوة.
ـ والأهم نقل العنف الى الأرض الأفغانية، فقد ظهرت
الفرصة الأولى لممارسة فريضة (الجهاد المعطل) ضد الشيوعية،
حسبما تريد أمريكا، وإيجاد نموذج إسلامي سلفي يأخذ الألق
من النموذج (الرافضي) الإيراني. لهذا ضاعت فرص قذف الوهابيين
باتجاه اسرائيل، لأن آل سعود لا يستطيعون بل ولا يريدون
تفجير طاقات الوهابية باتجاه اسرائيل. ولهذا تجد الإعلام
السعودي اليوم يشنّع على ابن لادن ـ المنتج الوهابي الأصلي
ـ بأنه لم يهاجم اسرائيل، ولم يقتل اسرائيلياً. متناسياً
بأن الوهابية لم تكن في يوم في تراثها محرّضة على اسرائيل،
وكل تراثها التحريضي طائفي ضد بقية المسلمين غير الوهابيين
(يمكن التأكد من هذا الزعم بمراجعة التراث الوهابي الذي
شملته مجلدات: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، وذلك
على الإنترنت. كما يمكن التأكد من ذلك من خلال موقف المفتي
السابق الشيخ ابن باز من موقعه فيما يتعلق بالصلح مع اسرائيل
والإطلاع على فلسفته المبررة لذلك)!
بالخروج الوهابي الى أفغانستان، والذي روجت له السلطات
السياسية والدينية وحرضت عليه، ودفعت بآلاف الشباب الوهابي
لقتال الشيوعية، وجد معملان نشطان: معمل نشط في الداخل
لتحريض شباب الوهابية من أجل القتال، وإعادة تديينهم وفق
التراث الوهابي، كيما يكون المنتج صالحاً للإستثمار في
الخارج. ومعمل آخر مكمل له يوجد في أفغانستان: حيث خبرة
القتال والعنف، وحيث نشر الدعوة بين الأفغانيين وبقية
العرب (المجاهدين)! وهكذا اتحدت الدعوة الدينية في أقصى
حدودها مع حدود استخدام العنف في أقصى حدوده أيضاً. ليفتح
فيما بعد حدود العنف الفكري والجسدي الى أقصاه ليس في
أفغانستان فحسب بل في كل أنحاء العالم.
من ذلك العنف الأفغاني، ولدت القاعدة السعودية، وولدت
ابتداءً تفجيرات العليا بالرياض وغيرها في منتصف التسعينيات
الماضية، وليتوج العنف في 11 سبتمبر 2001، ثم ليعود مرة
اخرى في السعودية في سلسلة تفجيرات، ثم ينطلق الى العراق،
ثم الى لبنان، ثم الى الأردن، وقبله الى الجزائر وهكذا!
كل ما استثمرته السعودية في سنوات نشر الدعوة الوهابية
سلمياً في بقاع العالم، حصدته القاعدة وابن لادن واستخدمه
في معاركه في الباكستان وأفغانستان والعراق ولبنان والجزائر
والمغرب وحتى في الغرب كبريطانيا وأسبانيا.
في موضوع استهدافات الوهابية في الصراع، فإنها في بداية
أمرها قتلت كل من خالفها ـ وليس بالضرورة من حاربها لأنها
هي المعتدية على الآخر في أرضه وأملاكه ـ من أبناء الجزيرة
العربية. معظم ضحايا الوهابية هم من السنّة، خاصة من سكان
الحجاز الذين وقع عليهم القتل الأكبر، وقد أحرق الوهابيون
قرى وأقاموا مجازر في الجنوب ينتمون لمذاهب إسلامية عديدة.
ثم التفت الوهابيون الى الخليج فحاصروا الكويت، وهاجموا
الأردن، قبل أن يتوجهوا الى العراق. وهذا هو تاريخ الوهابية
في القرن التاسع عشر الميلادي يتكرر في القرن العشرين.
وفلسفة الوهابية واضحة وقائمة على أمرين:
ـ هي تصنّف العالم الى فريقين: الأول مسلم، وهم أتباع
الوهابية فقط، والثاني كافر ويشمل بقية المسلمين كما يشمل
بقية سكان العالم بمختلف دياناتهم.
ـ وهي ترى بأن من يدّعي أنه مسلم (حسب تعبير الوهابية)
وهو غير مسلم في واقعه، كما هو الحال مع كل المسلمين،
هذا الشخص المدّعي هو أسوأ من الكافر اليهودي والنصراني،
حسب تعبير الملك عبدالعزيز، وكان يقصد بذلك أهل الحجاز،
الذين قال لفيلبي ـ مستشاره البريطاني ـ عنهم بأنهم مشركون
لا يأكل طعامهم ولا يتزوج بنسائهم، وهو سيفعل ذلك لو كانوا
مسيحيين!.
بعد سيطرة الوهابية على الجزيرة العربية، بدا أن آل
سعود ووهابيتهم بحاجة الى مراجعة من نوع ما.
لا يمكن للوهابية أن تعلن على الملأ ـ بالفم المليان
ـ بأنها تكفر من عدا أتباعها، دون أن يسبب ذلك أزمة، خاصة
وأنها صارت تسيطر على الحرمين الشريفيين بقوة السلاح،
وهي سيطرة لم تقبلها حتى مصر في عهد الملك فؤاد. ولكن
كيف يمكن تغيير هذه الرؤية، طالما ان التراث الوهابي واضح
وحاد ولازال يرى ذلك.
لقد تمت غمغمة الموضوع، فلا يقال إلا تلميحاً أحياناً
بأن من يسمون أنفسهم مسلمين أو من ينتسبون الى أهل السنة
والجماعة ليسوا في واقع الحال كذلك، وهذا هو رأي الشيخ
الفوزان، والشيخ ابن عثيمين، ويمكن الرجوع الى موقعيهما
على الإنترنت للتأكد من ذلك. وقد قالا هذا ليس في بداية
القرن العشرين ولكن في أواخره، أو بداية القرن الواحد
والعشرين حتى، ومثلهما آخرون.
لكن الوهابية بسيطرتها على مقدسات المسلمين بحاجة الى
أن يعترف المسلمون (الكفار بنظر الوهابية) أن يعترفوا
لها بالسيادة في العالم الإسلامي. لن يكون هناك من تسوده
الوهابية إن كان من ستسودهم كفاراً! والحلّ أنه لا بد
أن تصبح الوهابية ممثلة لأهل السنّة والجماعة، مع استخدام
(التقيّة) في التعبير عن موقف علمائها الصريح من باقي
فئات المسلمين. وهكذا كان: أصبحت الوهابية المكفرة والخارجة،
حيث كان اتباعها ينعتون بأنهم خوارج، هذه الوهابية المنبوذة
صارت زعيمة العالم الإسلامي.
لكن الوهابية لم تتسامح مع كل المسلمين: بقيت شتائم
الوهابية للشيعة بكافة تفصيلاتهم بما فيها الزيدية والإسماعيلية.
وشددت النكير على الصوفية بمختلف أسمائها، وشنّت هجمات
ولاتزال على الأشعرية والمعتزلة وكل أصناف البشر في التاريخ
الاسلامي استحضرت ليشن الهجوم عليها ولتركب على المسلمين
الجدد!
وأخيراً وفي عملية تصفية الأعداء، بقي الشيعة، فهم
يمثلون خلاصة الخلاصة للأعداء. فهم أشد خطراً على الإسلام
من اليهود والنصارى كما يقولون دائماً.
لكن إن أتيت الى الموقف الوهابي ممن يدين بغير الإسلام،
فلن تجد كلاماً كثيراً، ولن تجد سيفاً مصلتاً.
يستثنى من ذلك حدثين، واحدٌ وافقت عليه الوهابية (الرسمية)،
وآخر لم توافق عليه حتى الآن.
الأول، أن الوهابية ولأول مرة في تاريخها واجهت غير
مسلمين، ونقصد قوات الإحتلال الشيوعي لأفغانستان، مع أنها
قتلت من المسلمين هناك أكثر مما قتلت من الروس كما هو
معلوم، ولأهداف أميركية محضة وليس دفاعاً عن بيضة الإسلام.
والثاني، هي الطفرة التي جاء بها ابن لادن بهجومه على
أميركا، بالرغم من أن النتيجة أدت الى مقتل عدد غير قليل
من المسلمين، وليجرّ إسقاط البرجين الى إسقاط دولتين:
العراق وأفغانستان، وليسبب ذلك أكثر من مليون قتيل حتى
الآن.
باحتلال العراق، جرى التحوّل الوهابي مجدداً من العدو
الخارجي الى العدو المحبب للوهابية (الشيعة). في البداية
بدت المواجهة التي قادتها القاعدة وكأنها موجهة ضد الإحتلال
الأميركي، وإذا بها تتحول شيئاً فشيئاً الى حرب ضد الشيعة
في الأسواق والمدارس والجوامع، ولتصبح الحرب الأهلية الطائفية
أمراً واقعاً.
في العراق جرى تعديل توجّه الوهابية من مواجهة المحتل
الأميركي الى مواجهة المختلف مذهبياً، ولينتهي بمواجهة
السنّة الذين لم يتحملوا الوهابية وكانت تعتبرهم (إسمياً)
من المسلمين. كان المخطط السعودي نفسه يرى تحويل العراق
الى مجرد منفى لكل أصحاب العاهات الطائفية، حتى أولئك
الذين كانوا يفتون ويفجرون في السعودية تحولوا الى العراق
وقتلوا هناك، مثلما هو الحال مع مفتي قاعدة السعودية.
فلا إغراء بقدر الإغراء الطائفي.
الآن، أعيد التحكّم بالوهابية الغبيّة، وأُعيد توجيهها
من جديد لتخدم الأهداف السعودية مرة أخرى.
بمجرد أن اشتعلت حرب اسرائيل على لبنان في تموز 2006،
هاج الوهابيون عقدياً وسياسياً، وكان الهياج انعكاس واضح
للموقف السعودي، وبدأت حرب طائفية لم نرَها إلا عند الإعلام
السعودي.
وحين انتصر الحزب على اسرائيل، بدأ بندر بن سلطان بالتعاون
مع أميركا والحريري، لتهيئة مقاتلين سلفيين لمهاجمته،
ولكن خلافاً صغيراً خرّب الموضوع الكبير، فكانت معركة
نهر البارد، التي كانت موجهة في الأساس لحزب الله، ولكن
الله اراد أمراً آخر.
وما يدل على التحكم بالوهابية وقاعدتها، تصريح بندر
بن سلطان الذي هدد فيه البريطانيين باستخدام القاعدة ضدهم
إن هم استمروا في التحقيق في موضوع رشوات صفقة اليمامة.
قالها بصراحة لا تنقصها الصلافة ونشرتها الصحافة البريطانية.
والآن وبعد أحداث بيروت، وبعد أن جرى القضاء على العناصر
المشاغبة في القاعدة التي إما واجهت آل سعود أو الأميركان،
صار بإمكان إعادة السيطرة على بقاياها في أماكن أخرى من
العالم، كما في لبنان، وقد تحوّل العداء القاعدي في مجمله
باتجاه الشيعة، ويمكن رصد ذلك حتى من خطابات الظواهري
وابن لادن نفسه، فضلاً عن بيانات شاكر العبسي وأضرابه.
المعركة المقبلة هي الحرب على (الشيعة) كبديل عن الحرب
على الأميركان، ولكن هذه المرة ليس بقيادة مصعب الزرقاوي،
بل بقيادة المملكة السياسية والدينية.
هذه هي المعركة الحقيقية بنظر آل سعود، ودعكَ من مقولات
(حوار المذاهب، أو حوار الأديان). فالوهابية أكثر مذهب
متشدد في العالم الإسلامي، وهي الأقل قبولاً بالآخر، وهي
بالتالي ليست القادرة ولا الجديرة باحتضان حوار مذاهب
أو أديان. ومثل هذه الحوارات ـ لمن لا يطلع على تراث الوهابية
المعاصر ـ غير مقبولة أصلاً، فالإسلام والكفر لا يلتقيان
ـ بنظرهم! فضلاً عن أن رجال المذهب الوهابي في معظمهم
لا يقبلون بهكذا حوارات ولا يشاركون فيها، ولا أدلك على
الفتوى التي صدرت مؤخراً قبل مؤتمر حوار المذاهب في مكة
بيومين فقط!
مواقف أصحاب الفتوى الـ 22، تعبر بصدق عن توجه الدولة
وعن توجه رجال المذهب. وما يجري له غرضان أساسيان: أولهما
التعمية على سياسة الدولة الطائفية وسعيها الحثيث على
إشعال الحرب الطائفية بين الشيعة والسنّة ابتداءً هذه
المرة من لبنان ـ إن أمكن. وثانيهما: إظهار الملك السعودي
بأنه داعية حوار، ومجلس الشورى سيرشح ملكه لكي ينال جائزة
نوبل للسلام!
إنها سخرية الأقدار: أكبر بلد يفرخ الإرهاب، وأكبر
بلد يدعم التطرف المذهبي والديني، يريد زعماؤه الظهور
بمظهر البلد المتسامح، إرضاءً للغرب الذي تتعالى فيه أصواته
المحاذرة من العنف القادم من السعودية وفكر وهابيتها.
وخلاصة القول هو أن الوهابية اليوم ليس لها ـ في مضمار
السياسة الخارجية السعودية ـ سوى هدف واحد وهو: إشعال
حرب طائفية شيعية سنيّة، هدفها الأساس تهيئة اصطفاف سياسي
لصالح السعودية ومشروعها السياسي الممالئ لأميركا واسرائيل،
مقابل مشروع المقاومة والمواجهة الذي تظهر به إيران. ولأنه
لا يمكن منافسة ايران في هذا المجال، لا يبقى سوى السلاح
الطائفي، ولا يوجد (أجدر!) من الوهابية للقيام به. فهل
سيسمح بذلك المسلمون؟ هذا هو السؤال!
|