إتفاقية قطرية سعودية جديدة
قطر تلوي الذراع السعودية وترغمها على تعديل اتفاقية
الحدود
فـؤاد المشـاط
تراجع سعودي بعد أن طالت المكابرة.
لقد لعبتها قطر بشكل صحيح وأجبرت السعوديين على التنازل،
وهي سابقة لم تحدث في تاريخ السعودية مع جاراتها الخليجيات
اللاتي كن يتنازلن ويخضعن تحت ضغط العنف والإبتزاز.
توقيع الخضوع السعودي لقطر!
|
فقد وقعت قطر والسعودية في بداية الشهر الجاري يوليو
على اتفاقية تسوية للحدود بين البلدين، بعد أن وُضعت الإتفاقية
القديمة على الرف والتي وقعت في منتصف الستينيات الميلادية.
الإتفاقية الجديدة أعطت لقطر منطقة العديد التي تتواجد
فيها القاعدة الأميركية، كما تمت حلحلة العديد من المسائل
الحدودية البرية التي نشبت فيها صراعات في بداية التسعينيات
الميلادية الماضية.
الذي حدث هو أن قطر لم تشأ الإلتزام بالإتفاقية القديمة
المجحفة بحقّها، واعترضت على تمدد السعودية بمخافرها البريّة.
فحصل اصطدام مثل بداية النزاع في سبتمبر 1992 أدى الى
وقوع قتيلين، ثم تطوّر الأمر الى فتح الملف الحدودي بأكمله،
وتعقد الموقف بعد حدوث أمرين خطيرين: تمويل السعودية لمحاولة
انقلابية ضد قطر في منتصف التسعينيات، بالإعتماد على عناصر
قبلية يتبع بعضها السعودية (قبيلة بني مرة) التي تسكن
الربع الخالي فيما مضى من زمن، الأمر الذي تبعه سحب قطر
الجنسية عن آلاف منهم مثل خرقاً لحقوق الإنسان. والأمر
الثاني، انحياز السعودية بكل ما لديها من ثقل سياسي الى
جانب البحرين في صراعها على جزر حوار وغيرها، وهو أمرٌ
تمّ حله قبل بضع سنوات عبر محكمة العدل الدولية.
قطر أرادت الإنتقام من الموقف السعودي، وطلبت الثمن:
تعديل الحدود. وكانت أداتها الصاعقة: قناة الجزيرة، ومناكفة
السعودية سياسياً، أي عدم الإنصياع لإملاءاتها السياسية،
وايضاً دعم بعض أطراف المعارضة السعودية اعلاميا ومالياً.
وأما الخوف من التهديد العسكري السعودي، فقد حلّته قطر،
بمنح العديد للأميركيين كقاعدة عسكرية، وزيادة التواجد
الأميركي في أراضيها، ما يعني أن السعودية لا يمكن لها
ولا تستطيع أن تتعدّى حدودها وتهاجم القطريين، كما لا
يمكن للسعودية استعادة العديد واعتبارها من أراضيها.
قاوم آل سعود الضغوط، وشنّوا حملات مكثفة على قطر وقناة
الجزيرة، بل وأسسوا قناة العربية كسلاح مقابل، لكن ذلك
لم يغيّر من أصل اللعبة. ولما كانت السعودية تخسر إعلامياً
وسياسياً على الصعيد الخليجي والعربي، كان لا بدّ من إعادة
النظر في العلاقة مع قطر، واحتوائها من جديد، أو التخفيف
من آثار انشقاقها الذي قد يتمدّد الى دول خليجية أخرى
بصورة مفجعة، خاصة وأن آثار ذلك قد بدت واضحة في سلطنة
عمان والإمارات وحتى الكويت.
التطور باتجاه التنازل والهبوط من السلّم، حدث قبل
بضعة أشهر، وبالتحديد في مارس الماضي، حين زار وزير الخارجية،
رئيس الوزراء حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني العاصمة السعودية،
وهناك التقى بولي العهد السعودي الأمير سلطان، الذي مازحه
حول برنامج الجزيرة (سوداء اليمامة).. وتقول بعض المعلومات
ان سلطان كان حانقاً ليس من البرنامج، وإنما من استضافة
شخصيات محلية في برامج قناة الجزيرة.
اتفق في تلك الزيارة على التهدئة الإعلامية، كما تم
الإتفاق على خطوات باتجاه الحل ومراجعة الإتفاقية.
وهكذا كان.
توقفت قناة الجزيرة عن التعرض للسعودية مباشرة أو غير
مباشرة، ورممت آثار الإنقلاب السعودي الفاشل بإعادة الجنسية
لمعظم من سحبتها منهم، وهم في المجمل من أصول سعودية،
ويحملون الجنسيتين. ليتوّج الأمر بتوقيع اتفاق بين الطرفين
أعلن عنه مؤخراً في 5/7/08.
وقع الإتفاق في جدة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري،
ووزير الداخلية السعودي الأمير نايف، لكن الإتفاق لم يشر
الى تفاصيل واكتفى بأن موضوع الحدود قد تمت تسويته، وأن
البلدين اتفقا على إنشاء مجلس تنسيق مشترك يرأسه ولي العهد
السعودي الأمير سلطان، وولي عهد قطر تميم آل ثاني، وذلك
بهدف تطوير العلاقات الإقتصادية والسياسية والأمنية والإعلامية
وغيرها.
مدلولات الإتفاق السعودي القطري واضحة، فهو يتضمن تنازلاً
سعودياً مؤكداً. وهو يبرهن أن دولة صغيرة بإمكانها الصمود
إذا ما استخدمت قواها وفعلتها أو أنتجت لها قوة مضافة؛
والإتفاق يبرهن أن أقطاب النظام السعودي شديدي الحساسيّة
تجاه الإعلام خاصة إذا ما أُعطي جرعة من الحريّة.. ولا
بد أن نلحظ أن التهدئة السعودية جاءت بعد عرض فيلم (سوداء
اليمامة) الذي تطرق الى رشوات السعوديين في صفقة اليمامة
مع بريطانيا.
أيضاً تثبت الإتفاقية، بأن العنجهية السعودية قابلة
للكسر. وهي إن كُسرت من قبل دولة مثل قطر، فهي قابلة للكسر
من دول مثل اليمن وسوريا والعراق، وهي دول تبرز السعودية
عليها عضلاتها وتبدي عنترياتها، وتتصرف إزاءها كدولة غير
مسؤولة، وبصورة غير لائقة. هذا ممكن، إذا ما توفّرت الإرادة،
فهل هي كذلك؟!
|