السعودية المنزعجة من ساركوزي
متأخرون هم آل سعود دائماً.
يعتقدون أن السياسة صفقة كلامية، ووعود لفظية، لا مصالح
دول تدور حولها كل العمليات والبرامج والمشاريع السياسية.
أخذوا وعداً من ساركوزي بمحاصرة دمشق، بل وإسقاط نظام
الأسد، مثلما فعلوا أيضاً مع بوش. أرادوا ـ بنظرهم ـ التعويض
طائفياً، عما جرى في العراق، في لعبة في أساسها لا تقوم
على الطائفية، بل على ثنائية الإستبداد والإصلاح، أو الإستعمار
ومقاومته. ولكن السعوديين تفاجأوا وهم المصطفون وراء فرنسا
وأميركا لتغيير الوضع بالعنف والقوة والحرب في لبنان،
أن مشروعهم يسقط، وأن من كان بالأمس يكاد تذهب به الريح،
قد انتصر وثبّت أقدامه على الأرض.
كانت أحداث 7 مايو الماضي في بيروت، وكان مؤتمر الدوحة،
فانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل الحكومة الوطنية.. وإذا
بأسهم سوريا ترتفع، وإذا بفرنسا تدعو الأسد الى باريس،
فراع كل هذا السعوديين الذين يعتمدون على التخريب واللعب
من خلف القوتين الأميركية والفرنسية، بل والإسرائيلية
كما في حرب تموز 2006.
راعهم أن الأقوياء بدأوا بتغيير سياستهم بعد أن ثبت
فشلها. فرنسا واسرائيل وأميركا. ولكن (أصحاب الشوارب)
من آل سعود ثقيلي الفهم والسمع وضعيفي البصر والرؤية،
لازالوا يريدون مواصلة نفس السياسة ولازالوا. هم يريدون
(الحج) في غير موسمه، بل بعد أن أدّى الناس الحج وأخذوا
بالعودة. وحين يقال لهم بأن موسم الحج انتهى، يصرّون على
أن التاريخ مغلوط، وإنها (عنزة ولو طارت)!
حين روّع السعوديون بدعوة الأسد لزيارة باريس، طار
وزير الخارجية سعود الفيصل الى هناك، راجياً ساركوزي وحكومته
أن يتراجع عن الدعوة!، وداعياً الى مواصلة (حصار دمشق).
عبثاً حاول الفرنسيون إفهامه بأن سوريا لم تعد معزولة
وأنها كسرت القضبان، ولكن الوزير لم يفهم، أو لم يرد أن
يفهم. وعبثاً حاولوا أن يشرحوا له كيف أن الظرف تغير بعد
حوادث بيروت في 7 مايو الماضي، إلا أن الفيصل أصرّ على
أن مليكه الذكي يرى ويرجو أن لا تظهر دمشق بمظهر المنتصر
أكثر مما هو حادث على أرض الواقع.
الفرنسيون اعتذروا عن تلبية الطلب السعودي، ولكن بأدب،
فهم يخشون على البطة السعودية التي تبيض للعواصم الغربية
ذهباً أسوداً مقابل أسلحة مصيرها الصدأ. وحين زار الأسد
باريس، سارعت الرئاسة الفرنسية الى إرسال مبعوث الى الملك
السعودي الذي يقضي إجازته في الدار البيضاء ليوضح له صورة
لقاءات الأسد، وكأن المبعوث أراد طمأنة الملك السعودي
بأن الأسد لم يحصل على مكاسب كبيرة، وأن ما حصل عليه يمكن
هضمه وتحمّله.
أياً تكن الصورة، فإن آل سعود يخسرون ولكنهم يختلفون
عن غيرهم بأنهم لا يغيّرون من مشيتهم، وبالتالي فهم يخسرون
وسيخسرون أكثر من غيرهم.
|