أميركا: (الإستقرار) وليس (الديمقراطية)
الإصلاح المنسي في السعودية
عبدالحميد قدس
لا أحد يتحدث اليوم في المملكة عن الإصلاح والإصلاحات
التي كان كثيرون يبشرون بها في عهد (خادم الحرمين الشريفين)
الجديد وغير الميمون! بل لا يتحدث كثيرون عن دعاة الإصلاح
الذين يدخلون ويخرجون من سجون الأمير نايف، وكأنّ مرحلة
الخطابات الإصلاحية التي شارك فيها أمراء حكوميون قد قبرت
والى الأبد.
الأجواء السياسية في المملكة شأنها شأن نظيرتها في
الأقاليم المجاورة، تغيب عنها مفردات الإصلاح ودمقرطة
الشرق الأوسط وعصر الحريات وحقوق الإنسان وغير ذلك من
المفردات التي أطرب الأميركيون رؤوسنا بها.
لم تكن السعودية بدعاً في هذا الشأن، فقادتها أدركوا
أن سيف الضغط الذي سلّط على رؤوسهم من قبل الغرب (من أجل
الإبتزاز) قد تمّ رفعه مقابل التنازل في مواقف سياسية
إقليمية (فلسطين ولبنان وإيران وغيرها) ومقابل رشوات ضخمة
كانت عبارة عن صفقات أسلحة وعقود استراتيجية بلغت قيمتها
عشرات المليارات، بل جاوزت المائتي مليار دولار، حسب إحصاءات
البنك الدولي.
لم يعد آل سعود، ولا حسني مبارك، ولا حاكم تونس ولا
غيرهم بحاجة الى أن يجادلوا الغرب بان الديمقراطية ستأتي
بـ (الأصولية) الى الحكم مكانهم! أو أن الديمقراطية ستأتي
بـ (أعداء اميركا) وتقوض استقرار الأنظمة المعتدلة. فأميركا
قد قررت ومعها الغرب كله أن موضوع الديمقراطية مؤجل الى
أجل غير مسمّى.
بعد 9/11، بدا أن أميركا أرادت أن تجرب الدعوة الى
الديمقراطية في حريمها السياسي بين الأنظمة المعتدلة في
الشرق الأوسط، ولكن التيار الصهيوني وحكام اسرائيل حذروا
بأن شرق أوسط غير ديمقراطي أهون من شرق اوسط أصولي أو
معاد للغرب. وأن المطلوب ـ حسب نصائح كسينجر المنشورة
ـ هو الإستقرار للأنظمة المعتدلة والحليفة للغرب، وليس
الحريات والديمقراطية أو أنصافها حتى. الديمقراطية في
الشرق الأوسط لا تخدم الغرب، ولا الأنظمة الحليفة والمستبدّة،
ولكن بوش وبعض طاقمه تصوّر في لحظة سكر ما بعد أحداث 9/11
أن الإرهاب القادم من الدول الصديقة المعتدلة، لا يمكن
إيقافه إلا بشيء من الإنفتاح والديمقراطية وصيانة حقوق
الإنسان حتى يمكن القضاء على مفرخات الإرهاب من جذورها،
خاصة تلك الآتية من السعودية.
الآن تراجع عن الموضوع كما تراجع حلفاؤه الغربيون.
لتذهب الديمقراطية في جهنّم. المهم استمرار المصالح، ولكن
لا مانع من استخدام دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان ضد
الدول الممانعة أو (المارقة) كما يصفها بوش إن كانت في
إيران أو السودان أو سوريا. وكأن الديمقراطية مصانة جداً
في بلاد مبارك وآل سعود وأضرابهم. وكأن بلداً مثل إيران
توالى على رئاستها ستة رؤساء بالإنتخاب تشبه مصر التي
لم يتغير زعيمها حتى الآن، أو مثل السعودية التي غيّر
الموت ملكها بعد أن كان حاكماً مطلق اليد لثلاثين عاماً
(1975-2005).
اليوم انطفأ صوت الدعوات الى الديمقراطية والليبرالية،
اللهم إلا النزر اليسير في موضوع حقوق الإنسان وهو موضوع
لازال ملتصقاً بالمواقف السياسية الغربية أكثر من كونه
محايداً حقيقياً. ولذا ترى الحملة السياسية على الصين
أو روسيا او إيران أو كوريا الشمالية او سوريا أو السودان
أو كوبا مترافقة مع سيل من انتقادات حقوقية، وهي كلام
حق يراد به باطل.
الدول الغربية اليوم معنية بمصالحها في السعودية وفق
قاعدة أساسية وهي ضمان استقرار هذه الدولة، وعلى اساس
ان الحريات الجزئية وربع الديمقراطية يمكن أن تؤدي الى
خسائر للغرب وللنظام الحليف.
ولأن آل سعود يدركون مجاري مياه السياسة الدولية، فإنهم
فكّوا قيودهم منذ سنوات وأخذوا يتفنّنون في تكميم الأفواه
السياسية والدينية، عبر الإعتقالات وحجب المواقع، والتحقيق
في المباحث، والفصل من الوظائف والمنع من السفر وغيرها.
تشعر الحكومة ـ خاصة وزارة الداخلية ـ بأنها في موقع قوة
وتستطيع أن تفعل ما تريد، وأن تعيد المواطنين الى الوراء
الى ما قبل 9/11!
لا عجب، فقد صدق تحليل الأمير نايف حين قال علناً بأن
ما يحتاجه هو (صبر ساعة). أي لنتحمل ـ كآل سعود ـ الضغوط
قليلاً، فإنها ستنقشع. ربما كان يعلم أن الغرب مجرد منافق
كبير ويتاجر بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وأنه سيرضخ لمعادلات
المصالح في نهاية الأمر، وأنه لن يجد أفضل من هذه الأنظمة
القائمة حامياً لها، وأن الحريات خطر على أميركا كما هي
خطر على حلفاء أميركا، كما كان يعتقد ـ صادقاً ـ الرئيس
حسني مبارك.
هل يسمع أحد من المواطنين السعوديين اليوم صوتاً مسؤولاً
أو نصف مسؤول عن ضرورة الإصلاح، وعن ضرورة وجود دستور،
وعن انتخابات المناطق، أو انتخاب نصف أو ربع أعضاء مجلس
الشورى المعيّن، بل هل يسمع أحدٌ تأكيداً من الحكومة بأنها
ستواصل (ربع انتخاباتها) البلدية التي يفترض أن تتجدد
في النصف الأول من العام القادم 2009؟!
هل سمع أحدٌ منكم صوتاً للأمير طلال، أو للملك الذي
لا يعرف قراءة البسملة وربما حتى إسمه يؤكد أنه سيقوم
بإصلاح ما قبل أن يختطفه الموت؟ بالطبع لن تسمعوا شيئاً
من وزير الداخلية نايف، فهو ضد كل هذه (المهاترات) ولا
يفهم لغة إلا العنف.
ولأن آل سعود أذكياء حقاً، فقد أشغلوا الشعب ـ والبلد
في قمة التخمة المالية ـ بمشاكل مالية واقتصادية أتت على
الطبقة الوسطى، حتى لا يستطيع أحدٌ مجرد التفكير في موضوع
الإصلاحات. وكل الهدف هو إشغال الشعب المبتلى بنفسه. فسوق
الأسهم تحصد الإهتمامات، وهي توقع الضحايا مالياً ونفسياً
وجسدياً ولاتزال، وغلاء الأسعار أضاف الى قائمة الجياع
أعداداً كبيرة أخرى، حتى أن أحد السلفيين (العواجي) حذّر
من ثورة جياع في السعودية، ثم هناك أزمات مواد البناء
كالحديد والإسمنت وغيرهما، بل حتى مياه الشرب صارت معضلة
مزمنة في أكثر من مدينة كما في جدة ومكة، ووصل الأمر الى
الرياض فكيف بغيرها!
الشعب مشغول بلقمة عيشه، والمثل يقول: (جوّع كلبك يتبعك).
فأية إصلاحات يتحدث عنها، ومن سيتحدث عنها؟ أهم آل سعود،
أم وهابيوهم، أم نجديوهم ممن يسيطرون على الدولة بقضها
وقضيضها، ومنفعتهم جميعاً تقول (لا) كبيرة للإصلاحات التي
تحصحص السلطة وتوزع الثروة بالعدل؟.
ربما تحدث انفجارات من نوع ما، ولكن الأمراء يدركون
بأنهم قادرون على إخمادها بالقمع أو ببعض الفتات إن تطلّب
الأمر.
كل عام وأنتم والإصلاحات بألف خير.
|