السعودية الخاسرة في لبنان
مشروع فشل مزمن
هاشم عبد الستار
ليس هناك ربح صافي في الرهان السعودي داخل لبنان، هذا
على الأقل ما يهمس به حلفاؤها، أما المراقبون فلهم رأي
آخر، حيث لا يرون في دورها ما يشير إلى أن ثمة رؤية واضحة
تنظم الدور السعودي في لبنان. لا يذهب المراقبون بعيداً
للوراء إلى ما بعد إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري
في فبراير 2005، حيث خسرت السعودية قطبها الأبرز على الساحة
اللبنانية، فتلك الخسارة كان يأمل الأمراء تعويضها عن
طريق سلسلة إنتقامات من سوريا وحلفاؤها اللبنانيين، بدءً
من إخراج القوات السورية من لبنان، وانتهاءً بتوجيه ضربة
قاصمة للمقاومة وكان الرهان على حرب تموز 2006 في تحقيق
ما عجزت عنه القرارات الدولية والمماحكات الداخلية، والخضّات
الأمنية المتواصلة، وأخيراً تحريك العامل الطائفي على
أمل أن تشتعل الأرض اللبنانية بالحرب الأهلية.
خروج سوريا من لبنان لم يمنح السعودية قوة، بل زادها
ضعفاً، حيث بدأت القوى الدولية وخصوصاً الفرنسية والأميركية
بتكثيف وجودها المباشر، واحتواء فريق الرابع عشر من آذار،
الذي أصبح خاضعاً بصورة شبه كاملة لإملاءات هذه القوى.
إضطرت السعودية، شأن الأردن ومصر، إلى أن تكون جزءً من
مشروع الآخر: الفرنسي، الأميركي وبالتالي الإسرائيلي في
لبنان، فأقامت بؤراً أمنية في بيروت الغربية والمناطق
الخاضعة تحت سيطرة فريق الرابع عشر من آذار، في المناطق
المسيحية الواقعة ضمن هيمنة القوات اللبنانية بقيادة سمير
جعجع، وحزب الكتائب بقيادة أمين الجميل، وصولاً إلى الشمال
اللبناني.
في السابع من مايو الماضي، كان المشهد مختلفاً تماماً،
فقد وقعت البؤر الأمنية تحت سيطرة قوى المعارضة اللبنانية
التي يقودها حزب الله، والذي أتقن بكفاءة عالية مهمة تفكيك
الشبكات الأمنية التي كانت تديرها أجهزة الإستخبارات السعودية
والأردنية وإلى حد ما المصرية. عثر حزب الله على وثائق
بالغة السريّة والخطورة، وتشتمل على أدلة دامغة حول تورّط
هذه الأجهزة في عمليات الإغتيال التي جرت منذ سنتين. اكتفت
قوى المعارضة بتجريف الشبكات الأمنية ومصادر الدعم اللوجستي
التي كانت توفّرها السعودية لعناصر مسلّحة في تيار المستقبل
والقوات اللبنانية بدرجة أساسية، فيما يعلم الطرفان: الموالاة
والمعارضة، ما تم العثور عليه خلال ما سمي باجتياح بيروت.
أدركت السعودية حينذاك بأن ما خسرته في السابع من مايو
لم يكن قابلاً للتعويض، ليس على المستوى المادي فحسب،
حيث دفعت ما يربو عن ملياري دولار لبناء تحالف واسع داخل
لبنان لمواجهة سوريا والمقاومة وحلفاؤهما، ولكن الخسارة
على المستوى السياسي والأمني كانت أفدح مما تخيّلته، الأمر
الذي دفع بها الى نقل ثقلها المالي والأمني الى الشمال،
لتدير لعبة الطائفية من هناك، رغم وهن مبررات الحرب الطائفية
حيث لا خطوط تماس بين السنة والشيعة في الشمال، ولكن هي
الورقة الوحيدة والأخيرة التي تمسك بها السعودية والقوى
المتحالفة معها.
وعلى الضد من دول أخرى لها مصالح ونفوذ في لبنان، فإن
السعودية وحدها التي تتميّز بكونها تملك الورقة المذهبية،
التي بها تحارب خصومها، وتحاصرهم بها، وبها أيضاً تعوّض
خسائرها.
فتح الإسلام ونهر البارد: بعض من بضاعة السعودية
|
تعلم السعودية كما المراقبين أنها الخاسر الأكبر في
السابع من مايو الماضي، بالرغم من أن الخسارة لم تلحق
بها وحدها فقد شملت حلفاؤها الآخرين من دروز ومسيحيين
وغيرهم، وكذلك قوى خارجية أخرى عربية ودولية مثل مصر والأردن،
وفرنسا والولايات المتحدة. ولذلك بقيت، حتى بعد إتفاق
الدوحة وسلسلة القرارات اللاحقة (إنتخاب ميشال سليمان،
وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية..)، تتحيّن فرصة الإنغماس
في الشأن اللبناني مجدداً بهدف الإنتقام من خسارة سابقة.
وفيما كان إتفاق الدوحة يؤسس لمناخ تصالحي يطوي مرحلة
من التوتّرات الأمنية والمصادمات المتنقّلة، كانت السعودية
تتربّص ببعض المناطق المؤهّلة للتسخين.
محاولة أخرى أقدمت عليها السعودية بعد السابع من مايو،
على أمل أن تحقق اختراقاً سياسياً لصالح معتمدها الرسمي
سعد الحريري، وتيار المستقبل بصورة عامة، وتمثّلت هذه
المحاولة في الانفتاح على القيادات السنيّة من قوى المعارضة،
بغرض كسر حاجز طالما منعها من التحرر من عقدة أساسية يعبّر
عنها الشارع السني على طريقته الخاصة بأن تيار المستقبل
حديث النشأة وأن القائمين عليه ليسوا أهل دين، وأن هناك
في الطائفة السنيّة من هم أقدر وأكفأ وأعلم وأورع من سعد
الحريري لقيادة الطائفة. هذه الملاحظات كان لها وقعها
الخاص على السعوديين، إذ لا يمكن استدراج السنة الى مكان
ما في الساحة اللبنانية بدعوى الدفاع عنهم، في الوقت الذي
يعتلى سنام قيادتها من هو ليس بأهل لها. الحضور المتكلّف
لرئيس تيار المستقبل في المساجد وصلاة الجمعة والجماعة
وإن أريد منه التخفيف من وطأة الإنتقادات الواسعة في الساحة
السنيّة، فإن الجماعات السلفية المحسوبة على القاعدة هي
الأخرى لم تنجح في تعويض هذا النقص خصوصاً وأن قيادات
هذه الجماعات إما غير معروفة لدى اللبنانيين السنة، أو
ينتمون إلى جنسيات غير لبنانية، في وقت تعلو فيه نبرة
(اللبننة) وتغطي مجمل الموضوعات الخلافية بين الموالاة
والمعارضة.
مهما يكن، فإن السعودية التي تحاول تعويض خسارتها،
لا تجني أرباحاً صافية، بل تسعى للحد من خسائرها ولكن
عبر الهجوم، هذا ما تلخّصه قراءة الكاتب الصحافي فداء
عيتاني في جريدة (الأخبار) البيروتية. ففي ثلاث حلقات
في الفترة ما بين 2 ـ 4 سبتمبر، يقدّم عيتاني توصيفاً
لردود الفعل السعودية بعد السابع من مايو الماضي، ويبدأ
مقالته الأولى بالقول: أرسلت السعودية شبكة واسعة من المندوبين
وأقامت عشرات الاتصالات. التقت كل أطراف السنّة، وهاتف
أمراؤها العديد منهم. زارت أشد الأخصام لآل الحريري، دعتهم
إلى زيارة أراضيها المقدّسة، والاعتمار في رمضان. من لم
يتمكن من زيارتها في رمضان رحّبت به قبل الشهر الفضيل،
أو بعده، لا فرق. المهم أن تتمكن من إقامة الجسور.
ومن بين تلك الأسماء من كان إلى الأمس القريب يتعرّض
لهجوم مباشر من آل الحريري، الممثل الحصري والوحيد للسعودية،
ومن الأسماء من لا يزال يتعرض لأشنع الهجمات من أنصار
تيار المستقبل ونوابه، إلا أن الرياض وأمراءها ومديري
سياستها لم يتوقفوا عند شكليات كهذه، وهم يعلمون أن فتح
أقنية الإتصال الجديدة سيثير ردود فعل غاضبة لدى الذين
كانوا إلى الأمس معتمدي القبض والدفع والواسطة الوحيدة
بين المملكة (فاعلة الخير) وطالبي الإحسان من شخصيات وجمعيات
لبنانية، كذلك فإن فتح الخيارات في الاتصال السياسي ودعم
أطراف سنية واسعة يعني أن المعركة المقبلة ستشهد صراعاً
حاداً على مقاعد محدودة في المجلس النيابي المقبل.
وبحسب المعطيات المتوفّرة لدى عيتاني عن طبيعة الإتصالات
السعودية، فإن أحد الاتصالات جرى مع رئيس حكومة سابق،
ووضع في إطار المساعدة دون قيد أو شرط، مع تلميحات بأن
المملكة ترغب في توافق سياسي خلال الانتخابات يشمل خاصة
أقطاب السنّة، في إشارة إلى رغبة في توحيد المجموعات السنية
المختلفة، واضعة بذلك الحريري الشاب سعد الدين في موضع
صعب. كما جرى اتصال بين أحد علماء الدين في السعودية والداعية
المعارض فتحي يكن رئيس جبهة العمل الإسلامي، وقيل له كلام
يؤيد الدعوة الدينية التي يقوم بها، ودعي لزيارة السفارة
السعودية، وكما يروي أحد المحيطين بالرجل فقد رفض الزيارة،
فتلقى زيارة من أحد الوسطاء، وسمع الوسيط كلاماً صريحاً
منه، بأن توجّه السعودية العام غير مريح، وأن تسليم تيار
المستقبل كل مفاصل اللعبة السياسية سيؤدي الى كارثة، وأن
التطورات في الملف السني (خاصة في الشمال) ستفضي هي الأخرى
إلى كارثة.
لم تتوقف السعودية عن دعوة يكن لزيارتها، وكذلك عبد
الرحيم مراد، الذي سأله بعض من في المعارضة عن موقفه وما
سمعه، فانطلق مراد بالإجابة ودون مواربة: (إذا رأيتموني
جالساً مع غولدا مئير فاعلموا أنني أحاول إقناعها بالقومية
العربية ولا شيء آخر).
الرئيس عمر كرامي أيضاً تلقى اتصالاً، وغيره الكثير،
ولكن أحد الأقطاب السنّة الذين لم يتلقوا اتصالاً من رجال
الممكلة سخر من الاتصالات، (هم يعلمون أنني لست من هواة
الشنطة، فلا ضرورة للمحاولة) يقول الرجل وهو يحدثك في
سيارته التي تتجول في شوارع بيروت.
حين تسأل أكثر عما تسعى إليه السعودية، لماذا الخروج
عن الحصرية المعطاة لسعد وراثة بعدما كانت ملك يمين رفيق
الحريري؟ من هو الذي قرر انتزاع هذه الحصرية من الشاب؟
الكل يقول إن فشل الشاب وتياره في معارك بيروت حسم الأمور
باتجاه فك الحصرية عن الشارع السني، وحصرية التمثيل السعودي
في لبنان من أيدي تيار المستقبل، الذي أعطي ما لم يعطَ
لأحد في لبنان. أضف أن واقع الصراعات السعودية الداخلية
حالياً، وتعدد الأجنحة في المملكة ساهم في تفكيك سيطرة
المستقبل والتوجه نحو تعديد التمثيل وتوزيع المصالح.
اشتباكات طرابلس الطائفية: بضاعة سعودية أخرى!
|
ويعلّق عيتاني على كلام هذا القطب بالقول: كان لتيار
المستقبل، ولآل الحريري إلى زمن قريب، نفوذ محلي لا يقاس.
إمتلكوا فئة من السياسيين التي تمثل عملياً كل الطوائف،
ولكن مرجعيتها سنّية في المقام الأول. حصلوا على رئاسة
الوزراء لأغلب الأعوام التي تلت الحرب الأهلية. راكموا
نفوذاً شعبياً على خلفية مقتل رفيق الحريري والعداء لسوريا،
ولكن كل ذلك أهدر خلال أعوام قليلة، وخسروا أيضاً أقنية
اتصال واسعة بناها الحريري الأب مع كل من سوريا وإيران،
إضافة الى شبكة العلاقات الدولية، وكل ذلك أهدر وذهب هباءً.
ويلقي عيتاني في قراءة لوضع تيار المستقبلي في عهد
الأب المؤسس (رفيق الحريري) والإبن الوارث (سعد الحريري)،
حيث أدى افتقار الخبرة والأهلية وبطء الإستيعاب لدى الأخير
الى تشظّى تيار المستقبل بين مراكز نفوذ. ويتساءل عياتي:
فما الذي حضّره تيار المستقبل للإنتخابات المقبلة، وهو
قد حصد كل المساعدات المالية والمعنوية (على ندرتها) التي
قدمتها السعودية؟ وما الذي جناه أقطاب التيار بعدما أصبح
كل منهم يحكم جزءاً من تيار متفسخ لا توحده إلا شعارات
العداء التي أدت في النهاية الى انفجار الوضع في وجه التيار
نفسه، فوجد نوابه وكوادره أنفسهم محاصرين؟
لا شيء يمكن أن يقنع المملكة بأن تيار الحريري يمكنه
تمثيل مصالحها في لبنان بقوة بعد الآن، وهي تخوض صراعاً
على مستويات عدة، فضلاً عن الصراعات الداخلية. فهي اليوم
تقف في وجه فشل مشاريعها الصغيرة. في باكستان طار الجنرال
برويز مشرف، الذي كلفت رئيس مخابراتها الأمير مقرن بن
عبد العزيز زيارته في التاسع من أيلول 2007، يرافقه سعد
الحريري، والذي يشاهد اليوم ولا شك مصير مشرف. وليس وحده
الملف الباكستاني ما فشلت فيه المملكة، التي لم يبق لها
غير لبنان بلداً يمكن سياستها أن تعمل فيه وفق الحد من
الخسائر، إلا أن المملكة اختارت الهجوم وسيلة للدفاع.
وفي الحلقة الثانية، يلقي عيتاني ضوء على انعكاس العلاقات
السعودية السورية على الساحة اللبنانية، ويقرر حقيقة مفادها
أن تلك العلاقات ليس هي نفسها التي كانت في زمن حافظ الأسد،
وهي بالتأكيد سيئة للغاية بعد اغتيال رفيق الحريري. يلفت
عيتاني إلى نقطة بالغة الحساسية وهي النزوع الأبوي لدى
الملك عبد الله، وافتراضه أن الرئيس بشار الأسد سيكون
مجرد تابع للسياسة السعودية، وبقي الملك عبد الله مصرّاً
على هذه الأبوية لكونه في وقت ما مقرّباً من أبيه الرئيس
حافظ الأسد. ولكن ما يغفله الملك عبد الله والسعودية بصورة
عامة، أنها لم تعد هي الأخرى الدولة صاحبة المشروع السياسي
الإسلامي أو العروبي، فقد بدت أقرب الى المشروع الأميركي
والغربي منها إلى أي مشروع آخر. وبالتالي يصبح تساؤل عيتاني
مشروعاً: مَن الذي يمكنه إقناعها بأن مجموعة الاستثمارات
السياسية التي قامت بها قد باءت جميعهاً بالفشل؟ وكيف
إذا انعكس هذه الفشل على كل الأطراف والحلفاء المرتبطة
بها سواء في لبنان أو فلسطين أو حتى في العراق فقد (ضاع
اتفاق مكة بين حركة فتح والسلطة التي يمثّلها محمود عباس
من جهة وحركة حماس والحكومة الفلسطينية من جهة أخرى. وبعد
قَسَم فتح وحماس بممثليهما أمام الملك السعودي بعدم إراقة
الدماء، انهمر الدم مدراراً في غزة وغيرها، وفشلت التسويات
الداخلية في العراق، وبدأت «مجالس الصحوة» في الفترة الأخيرة
تغرق في الرمال المتحركة للصراع العراقي، وهي الرمال المتحركة
نفسها التي غرق فيها الجيش الأميركي والحرس الوطني والشرطة
العراقية. وضاع الجهد في أفغانستان وباكستان).
أما في لبنان، كما يقول عيتاني، ورغم الانسحاب الذي
فرض على الجيش السوري في نهاية نيسان 2005، فإن شيئاً
من مصالح السعودية لم يتحقق، ما عدا تحويل السنّة في لبنان
إلى مجرد طائفة، وكما في العديد من التفاصيل، فإن السعودية
هنا أيضاً أثارت استغراب الإدارة السياسية المصرية، التي
لا ترى مصلحة لا تكتيكية ولا استراتيجية في إخراج سنّة
لبنان من كونهم (جزءاً من الأمة) وتحويلهم إلى طائفة تضاف
إلى طوائف لبنان وتتنازع معها على مكاسب تفصيلية في تراتبية
النظام اللبناني المعقدة. وإذا كانت السعودية لا تزال
ترى أن عام 2005 هو عام إخراج سوريا من لبنان، وهذا حميم،
فإن في دمشق من يراقب الأوضاع في بيروت من خلف المنظار،
ويعتقد أن عام 2008 هو عام خسارة السعودية في لبنان، وخروجها
السياسي منه.
يلفت عيتاني الإهتمام إلى التدابير التي اعتمدتها السعودية
بعد السابع من مايو وهي تدابير تعود الى ما بعد حرب تموز
2006، حيث كانت تزرع العديد من الخلايا الناشطة المالية
والاجتماعية وشبه السياسية، حيث أخذ الدعم شبه المشروط
وجهة أخرى، حيث تحوّل الدعم بعد السابع من مايو الى مساعدات
غير مشروطة ودعوات مفتوحة لزيارة المملكة.
إشعال طرابلس
فشلت محاولات السعودية في استمالة القيادات السنية
في الشمال لجهة كسر عزلتها السياسية في لبنان، فأقدمت
على خيار الهروب للأمام، فبدأت في تعبئة الجماعات السلفية
في طرابلس لجهة الإستعداد لخوض حرب الأزقة والزواريب،
وجاءت زيارة السفير السعودي عبد العزيز خوجة الى طرابلس
لتطلق شرارة المواجهات الأهلية، وأخذت النبرة الطائفية
بالتصاعد تدريجياً من قيادات الجمعيات السلفية المموّلة
سعودياً، فيما كان الهمس يستعلن نفسه عن علاقة السعودية
بتنظيم (فتح الإسلام) الذي تلقى عناصره في سجن رومية رسائل
الدعم والتموين من الجمعيات السلفية المرتبطة بالسعودية،
يضاف الى ذلك اللهجة الطائفية التي انفردت قيادات طرابلسية
في إطلاقها بهدف إفشال التفاهم بين التيار السلفي وحزب
الله، وتصعيداً للموقف المعسكري في طرابلس. وينقل عيتاني
ما توصّل إليه السياسيون الطرابلسيون من استنتاج بشأن
التحرك السعودي الكثيف في منطقتهم وهو: أن السعودية ستخوض
هذه المرة معاركها في لبنان مباشرة لا بالواسطة، وأن تجميع
الشخصيات بهذه الطريقة يعكس تفتتاً أكثر مما يعكس استقطاباً.
يكشف عيتاني عن أسماء شخصيات رئيسية في العائلة المالكة
يجري تداول أسماؤها في طرابلس منها الأمير بندر بن سلطان،
الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، والأمير مقرن بن عبد
العزيز رئيس الإستخبارات العامة، والأمير نايف بن عبد
العزيز وزير الداخلية، والأمير خالد الفيصل، أمير منطقة
مكة، والأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وعدد
آخر من الأمراء، وهؤلاء باتوا يتواصلون مع قيادات تيار
المستقبل وقادة الأجهزة الأمنية المحسوبة عليه، دون المرور
بقيادة ا.
وفي الحلقة الثالثة، يستعرض عيتاني القوى الضالعة في
تأجيج الصراع الطائفي في الشمال، حيث تنفرد السعودية،
من بين الإمارات وقطر والكويت من الدول الداعمة للتيارات
السلفية في لبنان، في تحريك المجاميع السلفية المسلّحة
وإقحامها في معارك ضارية، اعتقاداً من السعودية وتيار
المستقبل أن التعرّض لتيار المستقبل سيأتي بأسامة بن لادن
والقاعدة الى لبنان، وهو ما تحاول السعودية إخافة خصومها
منه، يذكّر ذلك بأسلوب الأمير بندر بن سلطان في إخافة
رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لجهة وقف التحقيق في
رشاوى اليمامة وإلا فإن تفجيرات 7/7 ستعود الى لندن.
تفجّرت الإشتباكات في طرابلس، وبدأ المال السعودي يغذي
المجاميع السلفية المحسوبة على تيار المستقبل بالمال والعناصر،
وفيما كان التفاهيم بين التيار السلفي وحزب الله يشهد
مخاض الولادة، بدأت السعودية بتحريك المجاميع السلفية
المحسوبة عليها من أجل إسقاطه. فجأة بدأت تنطلق تصريحات
من قيادات في تيار المستقبل بأن طرابلس عاصمة السنة، وكأن
في ذلك تذكير بخسارة بيروت، التي لم تعد وفق هذا المنطق
عاصمة للسنة، ولكن لغة التعبئة كما صاغتها السعودية لحلفائها
تقتضي هذه المرة وفي طرابلس على وجه التحديد حيث يبيّت
شر مستطير لها، على خلفية انتخابية تارة ومنازلة سياسية
ضد الخصوم المحليين والخارجيين تارة أخرى.
وفي رد على الإنتقادات الواسعة للدور السعودي التخريبي
في طرابلس، صعّدت الرياض من نشاط حملتها الشعبية لإغاثة
الشمال تحت عنوان (الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب
اللبناني)، وهي حملة مخصّصة حصرياً لتوزيع مساعدات غذائية
على أهل السنة في مدينة طرابلس. ويشرف على الحملة وزير
الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز، وتأتي في
سياق الرد على انتقادات من قيادات سياسية لبنانية إلى
أن السعودية تلعب دوراً فتنوياً في شمال لبنان وتسعى إلى
إشعال الحرب الأهلية بين اللبنانيين على مختلف طوائفهم.
وتحت وطأة حملات النقد والخسائر السياسية والمعنوية دفعت
السعودية حليفها المعتمد إلى تبني خيار المصالحة في طرابلس،
بعد أن اكتشفت في آخر لحظة بأن خيار إشعال طرابلس سيحرق
أصابع وثياب حليفها، وهو الخاسر وليس سوريا أو حلفائها.
والسؤال يبقى دائماً: متى تتعلم السعودية من خسائرها؟
|