رسالة سعودية ـ إسرائيلية مدوّية
حين يكون قلب النظام السوري هدفاً!
ناصر عنقاوي
|
سلام فكلام فضحك فرصاص سعودي فانقلاب |
اذا كان لبنان الذي يشهد (حملة مصالحات) بين طوائفه
في الداخل لم يؤسس لأرضية مصالحة خارج حدوده فإن ثمة ما
يدعو للبحث عن أبعاد أخرى للخلافات العربية العربية، فقد
تكون لها عوامل أخرى غير ذات صلة بالموضوع اللبناني، أو
قد تكون المصالحات اللبنانية موضوعاً خلافياً بين الأطراف
الخارجية المتصارعة في داخله وعلى النفوذ فيه.
ما إن شرع المراقبون بالوقوف على الجبال اللبنانية
بانتظار بوادر انفراج في الخلاف السوري السعودي، على خلفية
التطوّرات المتسارعة لبنانياً، حتى هزّ انفجار شديد في
27 سبتمبر الماضي، بالقرب من مبنى للإستخبارات الواقع
على طريق عام بين مطار دمشق وتحديداً عند منطقة قزاز بالقرب
من منطقة السيدة زينب، وخلّف الإنفجار 17 قتيلاً وعشرات
الجرحى كلهم مدّنيون، فيما ذكرت مصادر إعلامية لبنانية
وسعودية عن استهداف مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات وقت
وقوع الإنفجار.
ونقلت صحيفة (ذي أبزورفر) البريطانية في 30 سبتمبر
الماضي معلومات تفيد بأن إنفجار دمشق نفّذه جهاديون بعضهم
يقيم في طرابلس شمال لبنان. وقالت الصحيفة بأن الخلفية
الحقيقية لنشر القوات السورية على الحدود اللبنانية ليست
محاربة أعمال التهريب وإنما ضرب المسلحين السلفيين الذين
يتسلّلون الى الأراضي السورية ويشنون هجمات في داخلها.
فهم المسؤولون السوريون الرسالة في اللحظات الأولى
من وقوع الإنفجار، فثمة من يريد تصديع الأمن في سوريا،
وزعزعة الثقة في أجهزته الأمنية، ولذلك صرّح وزير الخارجية
السوري وليد المعلم في اليوم الأول بأن (الأمن في سوريا
سيبقى ساهراً على أمن المواطنين).
وكان مصدر سوري مطّلع قد أكّد لصحيفة (الوطن) العمانية
في 5 أكتوبر أن التحقيقات أظهرت أن الخلية (تعمل لزعزعة
الأمن والاستقرار في سوريا بتوجيهات من الجهات الممولة
لها).
مصدر أمني سوري ذكر في تصريح لصحيفة (الوطن) السورية
في 30 سبتمبر الماضي بأن جميع أفراد المجموعة المخططة
لهجوم دمشق هم من (جنسيات عربية وليس بينهم أي سوري).
وقال المصدر بأن (التحقيقات أظهرت بأن هذه الخلية كانت
تعمل لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية بتوجيهات من الجهات
الممولة لها).
وكانت الصحيفة نفسها نقلت في 29 سبتمبر عن مصادر في
بيروت لم تسمّها ترجيحها أن يكون منفّذو عملية القزاز
الإرهابية من السلفيين الذين يدعمهم الأمير بندر بن سلطان
وذلك في محاولة لزعزعة الأمن والإستقرار في الداخل السوري
بعد فشل كل الخطط لعزل سورية عربياً ودولياً وبعد الاعترافات
الخطيرة لمجموعة الـ 13 التي تم إلقاء القبض على كامل
عناصرها واعترفت باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق
رفيق الحريري بتعليمات من الأمير بندر مباشرة، وبالتنسيق
مع المخابرات الإسرائيلية، وأن يكونوا عبروا إلى سورية
من خلال لبنان أو العراق بتمويل ومساعدة من جماعات تتبع
للأمير بندر.
سلسلة الحوادث الأمنية التي شهدتها سوريا منذ اغتيال
القائد العسكري في حزب الله عماد مغنيّة في فبراير الماضي،
واضطرابات سجن صيدنايا في شمال دمشق في يوليو الماضي،
وصولاً إلى اغتيال المسؤول الأمني العميد محمد سليمان
في أغسطس الماضي، تأتي في سياق محاولة تعميم الإنطباع
مفاده أن سوريا لم تعد مكاناً آمناً، وأنها قد تتحول الى
ساحة مشابهة للساحات المجاورة اللبنانية والعراقية.
في كل تلك الحوادث لم يبرح إسم السعودية هذه الحوادث
إما بالضلوع المباشر، أو التمويل، أو الاسناد الاستخباري،
أو الصمت المريب المحفوف باحتمالات عالية على التورّط.
منذ فبراير الماضي، بدأ يتداول السوريون أسماء أمراء سعوديين
من بينهم رئيس مجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان،
ورئيس الاستخبارات العامة الأمير مقرن بن عبد العزيز،
ولأول مرة يعبّر رجل الشارع في سوريا عن سخطه العارم إزاء
شقيق سابق كشف عن أكثر من تصفية حسابات سياسية أو حتى
انتقام من سوريا على خلفية اتهامها بالضلوع في اغتيال
رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير
2005، بل القضية بلغت حدوداً غير محتملة وغير متخيّلة،
خصوصاً حين يصل إلى حد الرغبة الجامحة في تدمير سوريا
شعباً وحكومة وأرضاً، أي إلغاء الدولة بكاملها، كل ذلك
يتم بالتعاون والتنسيق مع العدو الإسرائيلي.
لماذا تلتقي المصلحة الإسرائيلية ـ السعودية على تفجير
الوضع الأمني في سوريا، ولماذا تصبح زعزعة النظام السوري
هدفاً مشتركاً لدى تل أبيب والرياض، والأخطر لماذا تعمل
الدوائر الاستخبارية السعودية ـ الإسرائيلية في ساحة كنا
نعتقد بأنها بالغة التحصين خصوصاً إزاء عدو عريق، لم يتم
شطبه من رأس قائمة (أعداء الأمة).
وفي محاولة أخرى بائسة ومتخلّفة يعقد الإعلام السعودي
ونظيره الإسرائيلي موعداً موحّداً لتوجيه تهمة لإيران
وراء تفجير دمشق، وبدلاً من أن تصرف الأنظار عن ضلوع السعودية
في الحوادث الأمنية في سوريا، جاءت المحاولة تلك لتضيف
عنصراً جديداً، تماماً كما هو حال الشائعات التي تطلقها
صحف إسرائيلية وسعودية مثل (ايديعوت احرونوت) و(الشرق
الأوسط) و(العربية) عن قرارات أصدرها حزب الله والإيرانيين
بمنع سفر مسؤوليهم الى سوريا لأسباب أمنية، يتحقق من ورائه
هدفان: لإيحاء بأن ايران متورّطة في التفجير، وثانياً
أن سوريا باتت مخترقة من الخارج وأنها لم تعد متماسكة
أمنياً. وبالرغم من كونها نكتة رديئة وتبعث على التقيؤ
إلا أنها لا تخلو من فائدة، فإن التوجيه بهذه الخفّة والقصدية
والكيدية لجهة مثل إيران ذات العلاقة الإستراتيجية مع
سوريا لا يقصد به أكثر من خلط أوراق بطريقة بائسة يعني
صرف الإنظار عن التورّط السعودي. طرفة أخرى مرّرها الإعلام
السعودي بأن عملية دمشق جاءت كرد فعل على (التمدّد الشيعي)
في سوريا، أو قد يكون (رد فعل إيراني) على المفاوضات السورية
الإسرائيلية على حد زعم وزير الشؤون الإجتماعية إسحق هرتزوغ
في 28 سبتمبر الماضي ونقلته (العربية) على سبيل الترجيح،
وربما وجدت فيه مستمسكاً أو ذريعة تلوذ بها من أجل توفير
سبب وجيه للتفجير غير ذلك المتّصل بتورّط السعودية في
سلسلة الحوادث الأمنية داخل سوريا، ولبنان أيضاً..مهما
يكن فثمة تنسيق واضح بين الاسرائيليين والسعوديين على
ترسيخ الإنطباع بأن سوريا ليست آمنة حتى بالنسبة لحلفائها.
وفي رد فعل على ذلك، لم تتردد سوريا في الكشف عن نتائج
التحقيقات الأولية، ولا يبدو أن التشويشات السعودية والإسرائيلية
المقصودة قد تركت أثراً من أي نوع في الداخل السوري، ولم
تحقق في الخارج القدر المطلوب من الدعاية السوداء، فقد
بادرت دمشق الى نشر نتائج توصّلت إليها بصورة متوالية،
بدءً من نوع السيارة المستعملة، ولونها ورقم لوحتها وتاريخ
دخولها الى سوريا، وعن طريق أي مركز حدودي دخلت. وبحسب
وكالة الأنباء السورية (سانا) أن نتائج فحص الحمص النووي
لبقايا جثة الإنتحاري وكذلك التحقيقات مع الموقوفين في
قضية السيارة المفخّخة كشفت عن ارتباط الانتحاري بتنظيم
تكفيري جرى توقيق بعض أفراده سابقاً، فيما تتم ملاحقة
عناصر أخرى.
صحيفة الأوبزورفر نقلت في 28 سبتمبر عن مسؤولين لبنانين
بأن من قاموا بتفجير دمشق قد يكونوا من السلفيين الذين
عبروا الحدود اللبنانية إلى سوريا لتنفيذ العملية. أما
صحيفة لوس أنجلوس تايمز) الأميركية فبدت أكثر وضوحاً حيث
ذكرت بأن متطرفي الشمال اللبناني حصلوا على أموال سعودية
لتعزيز تسلّحهم مقابل حزب الله. وقالت الصحيفة في سياق
تغطيتها لحادثة تفجير دمشق أن الحركة الأصولية في طرابلس
استفادت من دعم حركة تيار (المستقبل) والمملكة السعودية
بهدف تقوية تمويلها وتسليحها في مواجهة تنامي قوة وتسليح
حزب الله، مشيرة في هذا السياق إلى الحشد العسكري السوري
قرب الحدود الشمالية للبنان.
وقد نقلت وكالة الأنباء الألمانية تحذير مسؤول لبناني
من أن التطرف في الشمال قد يشكل خطراً على المنطقة كلها،
وأن أوروبا قد لا تنجو من هذا الخطر. ونقلت الوكالة عن
مراسلها في بيروت معلومات عن وجود رابط بين تفجير دمشق
والوجود السلفي الكثيف على الحدود الشمالية اللبنانية
مع سورية. في واقع الأمر، أن أجهزة استخبارات غربية كثّفت
من نشاطها الاستخباري في منطقة طرابلس على خلفية أنباء
عن وجود فروع لجماعات سلفية متطرّفة في كل من ألمانيا
وإيطاليا وهولندا إضافة الى فرنسا وبريطانيا. وبحسب مراسل
الوكالة في تقريره فإن مصدر لبناني رفيع المستوى قال بأن
انتشار القوات السورية على الحدود اللبنانية يهدف إلى
منع الأصوليين من التمدد شمالاً باتجاه سوريا، والعودة
منها إلى بعض الدول العربية التي يمكن أن تحتضنهم ولاسيما
المعادية منها لسورية، في إشارة إلى السعودية بدرجة أساسية.
الصمت السعودي والغضب السوري
أغضب الصمت السعودي حيال التفجير الإرهابي الذي ضرب
دمشق في 27 سبتمبر الماضي السوريين حكومة وشعباً، في وقت
كانت عواصم العالم تسارع لإدانة الحادث والتعبير عن تضامنها
مع سوريا في مواجهة الإرهاب.
صحيفة (لوطن) السورية قالت في 28 سبتمبر بأنه (رغم
فداحة الجريمة، يبدو أنها لم تكن كافية لإقناع الرياض
حتى لإعلان موقف تعاطفي مع دمشق..)، أما قناة (الدنيا)
السورية فقالت بأن (السوريين يشعرون بالريبة والخيبة تجاه
الموقف السعودي المتجاهل للحادث).
وفي 4 أكتوبر انتقد مصدر سوري رفيع المستوى عدم إدانة
السعودية لحادث التفجير واعتبر ذلك (جزءاً من موقف سعودي
عام هدفه الإساءة لسورية أمنياً بعدما فشلت الرياض في
الإساءة إليها سياسياً). وقال عضو حزب البعث السوري والخبير
بالشؤون الأمنية في سورية، عمران الزعبي، لـ (قدس برس)،
إنّ (المشروع الأميركي في المنطقة كان يسير على ساقين
الأولى إسرائيلية والثانية سعودية، وقد شُلّت الساق الإسرائيلية
في حرب يوليو/تموز 2006 في لبنان، بينما شُلّت الساق الثانية
في اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين..).
كان أمراً لافتاً التزام السعودية ومصر الصمت حيال
انفجار دمشق، خصوصاً بعد صدور بيانات الإدانة من أوروبا
والولايات المتحدة بدرجة أساسية وهي التي راهنت على تهميش
وعزل سوريا لأكثر من سنتين، ولكنها في هذه المناسبة التي
تدخل في الحرب على الإرهاب أعطت موقفاً واضحاً وصريحاً
بالادانة شديدة اللهجة. السعودية لم تفعل، كما لم تفعل
أيضاً حين اعتدت الطائرات الحربية الإسرائيلية على موقع
سوري بحجة أنه مصنع نووي قيد الإنشاء قبل عدة شهور.
موقف الإدانة الذي كان إجماعياً عربياً وإسلامياً لم
يخرقه سوى صمت الرياض والقاهرة، الأمر الذي فسّره أحد
المراقبين في 29 سبتمبر بأنه يندرج في سياق المثل القائل
(يكاد المريب أن يقول خذوني...) على أساس أنها للمرة الأولى
التي تتصرف فيه (دولة عربية مع شعب عربي بالطريقة المتشفية
والسعيدة بالدماء البريئة التي سقطت منه كما تفعل السعودية
الآن على آثر الإعتداء الإرهابي الذي حدث جنوبي دمشق).
وانتقد صحافي سوري الأسلوب الإعلامي السعودي في تغطية
الحادث وكأنه أمر اعتيادي بل قد ينطوي على سعادة مبطْنة
بما جرى، ويتساءل الكاتب (فعلام الشماتة وعلام الفرح الظاهر
في إعلامكم وعلام التشفي بدماء أهلنا وأبنائنا؟).
وخلص الكاتب للقول بأن السعودية (لا همَّ لها اليوم
كما في السنوات الأربع الماضية إلا التخطيط لتخريب سوريا
وهدم إستقرارها فوق رؤوس المدنيين من شعبها؟)، ويرى بأنه
حتى وإن كشفت نتائج التحقيق عن ضلوع السعودية تخطيطاً
وتمويلاً وتنفيذاً فإنها ستخرج سالمة وستكون الجهة المتورّطة
علنياً هي إسرائيل، مع أنها دون شك ضالعة في مثل هذه العمليات
بالتنسيق مع أمراء آل سعود.
بات يدرك السوريون بأن الهدف من وراء تلك العمليات
هو الأمن في سوريا كمقدّمة لتقويض النظام السياسي فيه،
وقد ذكرت (الوطن) السورية في 28 سبتمبر الماضي بأن قائمة
من يريدون الوصول الى نتيجة أن سوريا لم تعد تنعم بالأمن
والسلام كثر، (لا تبدأ باسرائيل وحدها ولا تنتهي بجماعات
أساءت فهم الدين).
ورد المسؤولون والمحللون السوريون ما قيل عن (صراع
طائفي) أو دور إيراني بقولهم أن حادث التفجير يأتي حسب
محلل سياسي سوري، في سياق (الرد على تحسّن العلاقات بين
دمشق والعواصم الغربية). فيما قالت صحيفة (الثورة) المقرّبة
من الحكومة السورية بأن العملية قادمة (من خارج الحدود
تخطيطاً وتنفيذاً).
في سياق التجاذب حول الجهة الضالعة في تفجير دمشق،
كشفت مصادر إسرائيلية في 29 سبتمبر الماضي عن تعاون وتنسيق
بين الموساد وأجهزة استخبارات تابعة لدول عربية أدى لنجاح
الموساد ورئيسه مائير داغان في تنفيذ عمليات أمنية داخل
سوريا من بينها اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد
مغنية والعميد السوري محمد سليمان. ومن اللافت في تسريبات
المصادر الإسرائيلية عن التعاون والتنسيق وأجهزة استخبارات
تابعة لدولة عربية لا تقيم علاقات سلام مع اسرائيل أنها
حصرت التهمة في بلدين: لبنان والسعودية، وأياً يكن هذا
البلد فإن الأخيرين يلتقيان عند نقطة واحدة وهي السعودية،
باعتبار أن جهاز الأمن اللبناني يخضع لتيار المستقبل ورئيس
الوزراء فؤاد السنيورة، وهما بدورهما حليفان متماهيان
مع السعودية. ولا ننسى الإشارة الى العلاقة الوثيقة التي
تربط رئيس الموساد داغان بالأمير بندر بن سلطان رئيس مجلس
الأمن الوطني.
|