دعوات سعودية لتحرير إقليم (الأحواز)!
بيت الزجاج السعودي وتفكيك الدولة الإيرانية
عبد الوهاب فقي
منذ نحو عامين أو أكثر قليلاً، ظهر أن للسعوديين ـ
وبعد أن خسروا معاركهم السياسية الإقليمية ـ طموح كبير
في نقل المعركة الى الداخل الإيراني.
فجأة تصاعد التبشير بالوهابية، وبالضرورة العنف، في
(بلوشستان) الإيرانية القريبة من الحدود مع الباكستان،
وفي المنطقة العربية في (عربستان/ خوزستان) رغم أن سكان
هذه الأخيرة في معظمهم من الشيعة. وما هي إلا فترة وجيزة،
حتى ظهر أن أميراً من الدرجة الثانية يقف وراء ذلك، ضمن
لجنة مشكّلة تديرها الإستخبارات السعودية، ويعمل تحت إطارها
عدد من المشايخ السلفيين.
وفجأة ظهرت كتائب الجهاد والنصر المبين في بلوشستان
لتختطف الشرطة ورجال الحرس وتفجّر المقرّات الإيرانية،
ولا ترى أحداً لديه شرائط الفيديو غير قناة العربية التي
أفردت مساحة واسعة من أخبارها، وعرضتها بصورة حيادية جداً!!
مبرئة تلك الجماعات بأنها لا تنتمي الى (القاعدة). بعدها
تبيّن أن السعودية وصلت الى قيادات بلوشية إيرانية عبر
نظرائها في القومية من الطرف الباكستاني.
ولكن اللعبة أخذت في الإتساع، إذ لم يكف آل سعود عن
التحريض الطائفي، ولم يكفهم التواطؤ والتحريض مع اميركا
لمحاصرة إيران والهجوم عليها بحجة برنامجها النووي، ولم
يكفهم تأجيج النزعات العنصرية البغيضة التي لم تستخدمها
يوماً في تاريخها إلا في الحرب العراقية الإيرانية، بل
توسّعت الى ممارسة الدعم والتحريض المباشر لفصل (خوزستان/
عربستان) عن إيران. وكأن السعوديين اعتمدوا الإرث الصدامي
في هذا، إذ من المعروف أن أحد أهداف الحرب كان السيطرة
على تلك المنطقة (التي صارت سليبة!) ووضع خير الله طلفاح
(عم صدام) رئيساً عليها، إن لم يكن بالإمكان ضمّها الى
العراق.
السعوديون يكررون ذات اللعبة، ولذا تطفح الأخبار عن
(اقليم الأحواز السليب) وعن صراع (العرب ضد الفرس) وعن
ضياع دولة خوزستان عام 1925م بعيد الحرب العامة الأولى،
ولذا يكثر البكاء على تلك الدولة بإعوال وبذرف دموع التماسيح؛
ويمكنك أن تقرأ مديحاً وهابياً للشيخ خزعل الشيعي، آخر
حاكم للإقليم، والذي كان السعوديون يقيمون مع أصغر وربما
آخر أبنائه علاقات قويّة.
فجأة تسمع خطاباً سلفيّاً لا علاقة له بالدين، ويدعو
لشقّ إيران وضربها في ديارها. وحسب التحليل الذي يظهر
ـ عبر كتاب الإستخبارات في منتدى الساحات ـ فإن في شق
إيران فوائد كثيرة، من بينها كما يقول كاتب استخباراتي
في الموقع الإلكتروني المذكور:
1/ إن فصل (الأحواز) عن إيران يضعفها اقتصادياً، لأن
معظم المنشآت النفطية تقع في تلك المنطقة.
2/ إن فصل الأحواز يعني قيام دولة تعتبر حاجزاً وسدّاً
يقف أمام التوسع الإمبراطوري الإيراني.
واعتماداً على هذه الرؤية، اضافة الى هدف إشغال إيران
داخلياً عبر التوتيرات الأمنية والإستنزاف الداخلي، فإن
السعودية رصدت أموالاً ضخمة في هذا السبيل، وأعادت شبكة
اتصالاتها مع القوى القومية أو مخلفاتها ممن استخدمهم
صدام حسين في السابق كأداة من أدوات حربه ضد الشاه أولاً،
ثم ضد الخميني، ثم تبريراً للحرب على إيران. وحين انطفأت
الحرب، حرب الثمان سنوات، لم نعد نسمع عن تلك المعارضات
الممولة صدامياً، الى أن جاء السعوديون حديثاً ليواصلوا
الطريق.
ولو كان السعوديون يفكرون في دولة تسدّ (البوابة الشرقية)
حسب تعبيرات صدام، لكان بإمكانهم إبقاء الأخير على العرش
بدلاً من المساهمة مع الأميركيين في إسقاطه.
ولأن العراق في أكثريته من الشيعة، مثل الأهواز، وكل
مقاطعة خوزستان، فإنه كان بإمكان السعوديين استخدامه ـ
أي العراق ـ لذات الغرض بعد سقوط صدام، والشيعة العرب
في العراق أكثر تحسّساً من الإيرانيين بالمقارنة مع الخوزستانيين
(العربستانيين/ الأحوازيين!!). فلماذا قطعت السعودية معظم
علاقاتها مع التيارات الشيعية العراقية بمجرد أن سقط صدام؟
ولماذا وجهت نيران الوهابية والقاعدة للعراق لتشعل حرباً
بين السنة والشيعة، أتت على مئات الآلاف من المسلمين وملايين
المهجرين؟ ولماذا ناكفت ومانعت وقاومت حتى الإعتراف بالوضع
الجديد، ولاتزال متأخرة عن بقية العرب في فتح سفارتها
في بغداد؟
|
إيران والسعودية: تفكيك الدول
وتقسيمها |
قد يقال بأن السعودية ومصر بالذات تأخرتا في الإعتراف
بالوضع الجديد. والحقيقة فإنهما الى جانب دول خليجية عديدة
وكذلك الأردن، حاربتا الوضع الجديد بالعنف والدم. ولكن
الجميع خسر، فما كان بالإمكان الا الرضوخ للأمر الواقع،
حيث بدأت السفارات العربية الواحدة تلو الأخرى تفتح أبوابها،
ولكن (بعد خراب البصرة) كما يقال!
لكن الأهم من كل هذا هو أن تشجيع السعودية للحالة الإنفصالية
في إيران، وبالشكل المباشر الذي نشهده إعلامياً، يجعل
السعودية عرضة لعمل مضاد من نفسه جنسه، أي احتمال ان تقوم
إيران بدعم النزعات الإنفصالية في السعودية، والأخيرة
من الناحية العملية ستكون أكثر الخاسرين. والسبب هو التالي:
إن احتمالية انفصال أجزاء من ايران ضئيلة للغاية بما
لا يقاس معه الوضع في السعودية. ذلك أن إيران بحسب التعريفات
السياسية (دولة تاريخية) والسعودية (دولة حديثة).
والدولة في إيران ـ خاصة لسكانها الشيعة عرباً أو عجماً
ـ قائمة في أحد أهم ركني هويتها على (المذهب) والمذهب
الشيعي أقلّ (قوميّة) من المذهب (السنّي). بمعنى آخر،
فإن انفكاك الأحواز الى دولة مستقلة ضعيف للغاية. خاصة
وأن الدولة تغيّر إسمها (من فارس الى إيران) وصارت الهوية
الإيرانية لا تعني (فارسية) إلا في عقول بعض العرب الذين
يقتحمون فضاء الهويات الخاصة او الوطنية بشكل خاطئ.
زد على ذلك، فإن النزعة الوطنية (الإيرانية/ وليس الفارسية)
قويّة عند معظم الإيرانيين بمختلف قومياتهم. فـ (الأرينة)
لا تعني (الفرسنة أو التفريس) كما يتصور جهلة الوهابية،
ومعارضة النظام في إيران لا تعني معارضة أصل الدولة وتمزيقها.
عكس هذا هو ما يحدث في السعودية. فإضافة الى كونها
حديثة، هي من أكثر دول الشرق الأوسط (بل أكثرها على الإطلاق)
عرضة للتمزيق، نظراً لغياب الهوية الوطنية، وسيطرة أقلية
نجدية وهابية على الحكم وفرض هوية طائفية مناطقية على
كل السكان. والسعودية امتزج فيها المذهب بالمنطقة بالعائلة
الحاكمة، فصارت الدولة سعودية نجدية وهابية، وهي عناصر
ثلاثة لمسمّى واحد.
وفي السعودية معارضة النظام تعني معارضة المذهب الحاكم
ومعارضة نجد/ المنطقة الحاكمة والمدللة، والعكس صحيح.
وفي تاريخ السعودية القديم والحديث، ظهر أن معظم المعارضات
للنظام الحاكم كانت ذات نزعة انفصالية قويّة ولاتزال.
وفي السعودية لا حسّ وطني جامع، ولا اندماج وطني حقيقي
أو حتى وهمي، ولا وحدة وطنية إلا بسيف القمع.
لهذا فالسعودية ـ كما يعرف حكامها ووهابيوها ونجديوها
ـ قابلة للكسر في أية لحظة؛ وقد أظهروا جميعاً حجم هلعهم
بمجرد أن يذكر هذا الموضوع، كما حدث بعد احتلال الكويت،
وكما ظهر بعد أحداث 9/11، لأنهم يعلمون بأن ما يترتب عليه
الإنفصال هو نهاية مملكتهم التي ابتنيت على أكتاف وحرمان
المناطق الأخرى وسكانها الذين يمثلون أكثرية مملكتهم.
لهذا فإن التحرّش بإيران في هذا الموضوع سيفضي الى
خسارة عظيمة لهم. اللهم إلا إذا قرر الإيرانيون عدم الرد
بالمثل، وهو أمرٌ لم يحدث أنهم فعلوه من قبل!
وعلى هذا الأساس، فالحكمة السعودية التي نسوها وهي:
(إذا ما كان بيتك من زجاج، فلا ترم بيوت الناس بالحجارة)
والتي ضاعت في حمّى الجاهلية الطائفية التي يثيرونها،
كما ضاعت في خضم الفشل السياسي السعودي وانهيار مكانة
الدولة إقليمياً.. هذه الحكمة عليهم أن يتذكروها، أو يقوم
من بينهم رشيد يذكّرهم بها، فالجهل والعصبيّة والغرور
الذي يدفعهم للعب بالنار، سيجعلهم يحترقون بها قبل غيرهم.
هناك ميدان للتنافس السياسي بين ايران والسعودية، فإذا
ما تحوّل الى تكسير داخلي، فإن السعودية تخسر.
وهناك ميدان للتنافس على زعامة الإسلامي، ولكن الحرب
الطائفية، تغرق مشعلها بالعنف وتزيد فيه الشرخ.
وهناك ميدان للتنافس على التطور والنمو وتقديم النموذج
(منافسة في صناعة النموذج/ نموذج الدولة السيدة والوطنية
والمتطورة) ولكن أن يتحول ذلك الى إهدار إمكانات الخصم
عبر تخفيض أسعار النفط وزيادة الإنتاج، وعبر الحروب بالنيابة،
فإن هذا لا يخدم الطرفين.
السعودية عاجزة عن المنافسة ـ كما قلنا مراراً في هذه
المجلة ـ ولكنها تستطيع المنافسة في الإرتماء بأحضان الأميركان.
وفي تضييع ثروات الوطن على خردة السلاح. وفي نهب خيرات
الوطن الذي يعيش نصفه على الأقل فقيراً أو تحت خط الفقر.
وفي إشعال الفتن الطائفية المتنقلة من بلد الى بلد، ومن
مكان لآخر. وفي إنتاج وتصدير أفكار العنف الوهابي وكذلك
تصدير الإنتحاريين الى كل مكان في العالم.
كيس مال كبير، يلعب به الأمراء، ويتصورون أن بالمال
وحده يصنعون وطناً أو يحجز لهم مكاناً مرموقاً تحت الشمس.
هذا من جهلهم، مع أن التجارب التي مرّت على آل سعود
كثيرة، ولكن العمى الطائفي ما بعده من عمى؛ خاصة وأنهم
واثقون من أنهم (آلهة) في ديارهم، لا يستطيع أحدٌ أن يحاسبهم
أو يقف بوجههم، رغم الكم الهائل المنشور عن فسادهم، ورغم
وصول الأوضاع المعيشية والإقتصادية الى مستويات غير مسبوقة
من الإنهيار.
من المؤكد أن القادم أسود بالنسبة للسعودية وحكامها.
ومن المؤكد أن هذا الشعب الذي تمّ ترويضه لعقود من
السنين أخذ بالتفلّت والتذمّر من سجانيه.
ومن المؤكد أنه لا بدّ أن تتمظهر ردات فعل هذا الشعب
على الأرض، بعد أن وصل كثير من المواطنين الى أدنى من
مرحلة الفقر.
القادم لن يكون سهلاً لا على المواطنين ولا على آل
سعود ووهابييهم ونجدييهم.
وقد استفرغ الأمراء كل محاولات الإصلاح وتعدّوها بمراحل،
ولا يلوح في الأفق إلا انهيارات على كل الأصعدة الدينية
والأخلاقية والسياسية والأمنية والمعيشية والإقتصادية
والإجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها.
وبدل أن ينشغل آل سعود بالدفاع عن مكانتهم وسمعتهم
كما مكانة وسمعة وهابيتهم العنيفة في الخارج، عليهم أن
يهتموا بكراسي حكمهم في الداخل، فالموج الذي طال انتظاره
قد يأتي على حين غفلة. والإنكباب على إصلاح الداخل لإطالة
عمر الدولة، وإطالة حكم آل سعود، أوجب من الصراعات الإقليمية
المفتعلة والتي لن ترتد على البلاد إلا مزيداً من التوتر
والتراجع.
|