دوافع المنافحة الوهابية
الغيرة المشبوهة على الشيخ القرضاوي
عمر المالكي
(الكلب العاوي)، (أجهل من حمار)، (عجوز أفقه منه)،
(من علماء السوء)، (قرد)، (خبيث)، (كبر في السن)، تمثّل
بعض قائمة النعوت المتداولة في الوسط الوهابي الديني والشعبي
التي قُذف بها العالم الجليل الشيخ يوسف القرضاوي، حتى
باتت تلك النعوت من خصوصيات الثقافة الوهابية. وبإمكان
المرء القيام بجوجلة سريعة للبحث في المواقع الوهابية
المشتملة على (كتب للتنزيل) ليصعق من المحتويات اللاهبة
التي تنطوي عليها كتابات وفتاوى علماء السلفية من ألفاظ
يربأ الإنسان السويُّ عن استعمالها، ومن بين تلك الكتب:
|
الشيخ الفوزان: قلد القرضاوي
الأقوال الشاذّة |
ـ (رفع اللثام عن مخالفة القرضاوي لشريعة الإسلام)،
أحمد بن محمد بن منصور العديني
ـ (القرضاوي في الميزان)، سليمان بن صالح الخراشي
ـ (إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي)،
مقبل بن هادي الوادعي
ـ (الحق الدامغ للدعاوي في دحض مزاعم القرضاوي)، عبد
الكريم الحميد
ـ (تعزيز الرد الكاوي لإسكات الكلب العاوي يوسف بن
عبد الله القرضاوي)، لعبد الله شكيب السلفي
ـ (غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام)، الشيخ
ناصر الدين الألباني
ـ (الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام)، صالح الفوزان
ـ (مجموعة علماء الدليل على ما للقرضاوي من أباطيل).
هذه بعض ما صنّفه علماء الوهابية ضد فضيلة الشيخ يوسف
القرضاوي، إلى جانب عشرات المقالات كتبها علماء وهابيون
تنضح بالإسفاف واللغة الهابطة التي لا تليق برجل دين فكيف
إذا عني بها عالماً جليلاً أفنى عمره في خدمة الإسلام
ونشر الدعوة.
وقد تكفّلت دور النشر، والمكتبات، والمواقع الحوارية
السلفية بنشر هذه الكتب والدعاية لها والحثّ على قرائتها
في سياق التحذير والتشهير. ومن بين ما قاله علماء الوهابية
عن الشيخ القرضاوي:
• أجاب الشيخ الألباني عن سؤال حول آراء الشيخ القرضاوي
بالقول (يوسف القرضاوي دراسته أزهرية و ليست دراسة منهجية
على الكتاب والسنة. و يفتي الناس بفتاوى تخالف الشريعة.
و له فلسفة خطيرة جداً، إذا جاء الشيء محرَّم في الشرع،
يتخلص من التحريم..).
• أجاب الشيخ إبن جبرين ما نصه: (لا شك أن هذا الرجل
معه هذا التساهل. سبب ذلك أنه يريد أن يكون محبوباً عند
عامة الناس. حتى يقولوا أنه يسهل على الناس، وأنه يتبع
الرخص ويتبع اليسر. هذه فكرته. فإذا رأى أكثرية الناس
يميلون إلى سماع الغناء قال: إنه ليس بحرام. وإذا رأى
أن أكثر الناس يميلون إلى إباحة كشف المرأة وجهها، قال:
إن هذا ليس بحرام، أنه يجوز لها كشف وجهها عند الأجانب.
وهكذا فلأجل ذلك صار يتساهل حتى يرضي أكثرية الناس. فنقول
لك لا تستمع إلى فتاواه، وعليك أن تحذرها وأن تتمسك بالحق
وتعرفه. والحق –والحمد لله– واضح والأدلة عليه كثيرة.
وكون هؤلاء –هو أو غيره– يسعون في التقريب مع الرافضة،
ومع المبتدعة، حتى مع الكفار كالنصارى واليهود، هذا من
زلاتهم، ولا يجوز أن نقلدهم في خطاياهم وزلاتهم).
• الشيخ مقبل الوادعي جاء بما هو أدهى ومخلّ بآداب
الإسلام بقوله: (إن الشيطان قد تفرغ له ليلقي له شبهاته.
وهذا لا يعلمه إلا من أطلعه إبليس على سره).
وقد عكف الرعاع وقطعان الوهابية بنشر آراء علمائهم
في فضيلة الشيخ القرضاوي وبرعوا في تلخيصها وإجمالها كيما
تكون سريعة في الرواج وسهلة في تبني المواقف (الشرعية)،
فكتب أحدهم مقرراً لأقوال العلماء ما خلاصته: بأن أفكارالشيخ
القرضاوي المنحرفة قديمة ولكنها ظهرت الآن بسبب ما توفر
له من تسهيلات كبيرة من جهات مجهولة على الفضائيات والمؤتمرات
والإنترنت وغيرها، مما لا يتوفر لأي عالم آخر، وأن الشيخ
القرضاوي يتسرّع في الإجابة في المسائل المعضلة التي تتطلب
الأناة والتروي والمدارسة الجماعية. وهو كثيراً ما يفتي
بالرأي بدون علم ولا تأني..فهو مستعد لأن يفتي بأي شيء
يرغبه الجمهور وفق قاعدة الشهوات تبيح المحظورات، وأن
الشيخ بعد خروجه من مصر واستقراره في نعيم حكام قطر وبذخهم
عليه، فلم يعد من الممكن عليه مخالفتهم في القضايا المصيرية.
فرجع عن كثير من أفكاره مثل تكفير من لا يحكم بما أنزل
الله، وقضايا الجهاد، وقضايا الولاء والبراء، وغير ذلك.
وأن الشيخ بعد أن كبر وشاخ فإنه اختلط عقلياً فجاءت تلك
الأفكار المنحرفة. وبالتالي وجب ترك كل كتبه وفتاواه الجديدة)
الشيخ صالح السحيمي وصف فضيلة الشيخ القرضاوي بأنه
شخصٌ (يفتن الأمَّة عبر أجهزة القنوات الفاسدة..)..
|
عبدالكريم الحميد: القرضاوي
غاوي |
أما الشيخ مقبل الوادعي فأسفّ في الكلام وأطلق وصفاً
بذيئاً على عالم كبير وهو (الكلب العاوي)، وأخذته العزّة
في إسفافه فأوغل في تجيير آيات كريمة كقوله تعالى (وَمَن
يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ)[سورة الحج/الآية:18]
وقوله تعالى: (واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ
آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ
فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ
بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ
يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) [سورة الأعراف/الآية:175-176]
ويقول: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ
لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)
[سورة الجمعة/الآية:5] ويقول: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ
عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ.
وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ) [سورة
الأنفال/الآية:22-23].
وما يدهي أن هذه التوصيفات المبتذلة لقيت قبولاً لدى
العلماء السلفيين فضلاً عن أتباعهم، ولم ينكروا عليه فقد
وقعوا ما وقع فيه من إسفاف في القول، وخرجوا كما خرج عن
حدود اللياقة والتهذيب، فنشرواً كتاباً بعنوان (جمع الفتاوي
في بيان جواز تسمية القرضاوي بالكلب العاوي)، يشتمل على
كلام علماء الوهابيين مشحوناً بألفاظ التجريح الشديدة
مثل الكلب والحمار والقرد والخبيث وأمثالها، تعضيداً لما
قاله الشيخ الوادعي في فضيلة الشيخ القرضاوي، و(أن ما
قاله لم يكن بدعاً من القول ولا شذ عن العلماء بل من خالفه
فهو أحق بالشذوذ وهو المنبوذ!).
في ظل الحملة الوهابية المتواصلة منذ عقدين على الشيخ
القرضاوي، وفي ظل صمت سياسي وديني وإعلامي سعودي عن كل
ما أصاب الشيخ من أذى وتجريح، قررت الوهابية السياسية
والإعلامية تجميد حملتها واستغلال الخلاف الطارىء بين
الشيخ القرضاوي وعدد من علماء الشيعة على خلفية تصريحات
وبيانات صدرت عن الشيخ القرضاوي حول الشيعة، فأفاض الوهابيون
في تأجيجها، ونفخوا في نارالفتنة التي خمدت لسنوات طويلة
بالرغم من محاولات الوهابيين إضرامها.
هؤلاء الذين وجدوا فرصة في تأجيج الفتنة الطائفية على
خلفية تصريحات فضيلة الشيخ الجليل يوسف القرضاوي الأخيرة،
لم يدفعهم الحرص على بيضة الإسلام ولا الغيرة على مكانة
عالم كبير في مقام الشيخ القرضاوي، الذي لم ينل قبله أو
بعده من الأذى والتجريح والتعريض كما ناله من علماء الوهابية،
الى حد أن الرعاع تطاولوا باللسان والقلم فقالوا فيه ما
لم يقله أعداء الإسلام فيه.
وخلال فترة قياسية جنّدت وسائل إعلامية سعودية، ومواقع
حوارية سلفية، وشخصيّات وهابية كل ما أمكنها من طاقات
لجهة تثمير القضية من أجل إشعال فتنة طائفية لأغراض ليست
بريئة وغير دينية، خصوصاً ممن كان بالأمس يجهد في استعمال
ما عجزت قواميس البذاءة عن إنتاجه من ألفاظ، ومن صمت حتى
عن مجرد الإنكار باللسان على وقاحة وقباحة اللغة لدى من
امتطوا صهوة الدين، فأسرفوا بصفاقة غير معهودة في كيل
الإتهامات والنيل من كرامة ومقام من سبقهم في ميدان العلم
والجهاد والدعوة، ومن تربى على دروسه وعلمه أجيال.
وعلى حين غرّة، أصبح الشيخ القرضاوي (العالم الجليل)،
و(المنافح عن أهل السنة والجماعة)، و(لا يخشى في الله
لومة لائم)، و(فضيلة الداعية)، و(ندعو لمناصرة الشيخ العلامة
القرضاوي)، (كلنا القرضاوي)، بحسب ما جادت به المواقع
السلفية ذاتها التي بالأمس القريب كانت تنظّم الحملات
التشهيرية ضد الشيخ القرضاوي بعنوان الاحتساب والتقرّب
الى الله عزّ وجل.
هذه الغيرة المشبوهة لا ريب أنها تنجب أسئلة كبرى حول
دوافع الوهابية بأبعادها السياسية والدينية والإعلامية
من وراء تلك المنافحة المفتعلة عن الشيخ القرضاوي، فيما
ندرك سلفاً حقيقة مايضمره هؤلاء له حين تخمد نار الفتنة،
فسيعودون تارة أخرى إلى ما بدأوه منذ سنين بعيدة في النيل
والتعريض من الشيخ القرضاوي، وربما أرادوها فرصة كيما
ينتقموا منه ولكن على طريقتهم.
واذا كان لدى هؤلاء الوهابيين حرص على الشيخ القرضاوي
فليعلنوا ندمهم وتوبتهم عن أحكام وفتاوى وكتب أغرقوا ساحتهم
بها حتى صارت شغل الرعاع، الذين عكفوا على ترويجها قربة
إلى الله سبحانه وتعالى، وامتثالاً لفتاوى علماء السلف.
مالذي يدفع بموقع (إيلاف) الالكتروني، والتي يديرها
إعلامي سعودي بنزعة علمانية رثّة نذر نفسه للدفاع عن العائلة
المالكة رجاء مصلحة يجنيها، للقيام باستطلاع مفبرك في
الجزائر كما هو واضح من محتويات الاستجواب وطبيعة الاجابات،
بله والأسماء المشاركة فيه (ومن المضحك أن يضطلع بالمهمة
شخص يدعي كامل الشيرازي!)، بهدف استجواب الجزائريين من
شرائح مختلفة وفئات عمرية متباينة ليخرج الإستجواب بنتيجة
أن (تأييدا جارفا من طرف الشارع المحلي لصالح الشيخ الداعية
يوسف القرضاوي وتصريحاته الأخيرة ضدّ الشيعة). ويعلّق
معدّ الإستجواب على النتيجة بأن (كلام القرضاوي منطقي،
بهذا الصدد). أليس ما يدعو للغرابة أن يكون صاحب (إيلاف)
معنياً بموضوعات عقدية، فيما لم يعهد منه ذلك من قبل،
والأغرب أن يصبح هذه المرة فحسب كلام الشيخ القرضاوي (منطقياً)،
وهو الذي ناله من توصيفات التجهيل بأقذع الألفاظ، فهل
أصبحت الفتنة الطائفية مناسبة لمنح شهادة البراءة العلمية
والدينية للشيخ القرضاوي وغيره ممن أصابتهم سهام الوهابية
السياسية والدينية.
|
الألباني: اقرض القرضاوي
قرضاً! |
من فحوى المقالات والتقارير المنشورة في الصحافة السعودية
المقرّبة من العائلة المالكة، أن القضية ليست دفاعاً عن
الشيخ القرضاوي ولا تبنيّاً لمواقفه بقدر ماهي توظيفاً
مشبوهاً وابتزازاً مغرضاً في معارك آل سعود مع إيران،
وانتقاماً لخسائر تكبّدوها في العراق ولبنان وفلسطين.
لا ريب أن رد فعل بعض علماء الشيعة وتعليقات وكالة
الأنباء الإيرانية خرج عن حدود العقلانية الرشيدة واتسّم
بالانفعالية ما جعل الخلاف الفكري يجنح الى محالٍ غير
مقصودة ما تسبب في انفلات وتصاعد الخلاف، بل يمكن القول
أن ردود الفعل الشيعية وفّرت ذريعة لوسائل الإعلام الوهابية
كيما تزيد في أوار الخلاف وتذهب به الى مواقع مشبوهة من
أجل استدراج المسلمين الى التصادم، فتجني الوهابية ثمارها
في نهاية المطاف، فيما ينشغل المسلمون عن قضاياهم الكبرى.
ربما كانت صحيفة (الرياض) ممثلة في رئيس تحريرها تركي
السديري، إستثناء في (الطبخة الطائفية) التي يديرها ثالوث
(العربية)، و(الشرق الأوسط) و(إيلاف). فقد تنبّه السديري
لخطأ إقترفته صحيفته حين أقدمت على إعادة نشر تصريحات
الشيخ القرضاوي التي أعطاها لجريدة (المصري)، وربما كان
الخطأ فادحاً لكون الصحيفة أول من تبرّعت بإعطاء الخبر
بعداً إعلامياً ودولياً. السديري، الذي عرف عنه نزعته
المعتدلة ونأيه عن الخلافات الطائفية، شرح في مقالة له
في 13 سبتمبر الماضي بعنوان (القرضاوي والإختصار الخاطىء)
طبيعة الإشكال الفني الذي وقع فيه أحد محرري الصحيفة حيث
(اقتطع الجزء الأخير من النص لكي يكون في حجم المساحة
الصغيرة لكنه حاصر رؤية الشيخ القرضاوي بشكل يسيء له كما
لو كان يتحدث عن خصوصية شيعية، ولذا تم حذف الخبر في الطبعتين
وزودت الطبعة الأولى في الغد بنص اعتذار..).
على عكس هذه الأريحية التي تستحق التقدير، تحوّلت صحف
سعودية أخرى مثل (الشرق الأوسط) إلى راقص سيرك، فراحت
تغذي الخلاف بمزيد من الزيت الطائفي، فكتب طارق الحميد،
البارع في سيركوية صحافية هابطة، في 20 سبتمبر الماضي
وكأنه يعرّي أمنية داخلية بقوله (نحن أمام كرة من نار،
مذهبية وسياسية، يتقاذفها من جهة الدكتور يوسف القرضاوي
بحديثه عن المد الشيعي الإيراني في المنطقة، ومن الجهة
الأخرى الإيرانيون بردهم على الشيخ والذي جاء في جله مكرورا
تعوده كل من يقول أمرا لا يروق لإيران ومريديها). وزاد
على ذلك تأييداً وتعضيداً وتشجيعاً لمزيد من الجنوح الطائفي،
كما تعكسه مقالات الحميد اللاحقة، وكلها تصبّ فيما أومأنا
إليه آنفاً من أن الهدف لم يكن دينياً بقدر ماهو إنتقاماً
لخسارة السعودية في المنطقة.
ويرى متابع لمجريات الجدل المذهبي الأخير بأن انعكاس
للخلاف السياسي بين السعودية وإيران (وفى حين عملت السعودية
على وهبنة العالم دينيا عملت إيران داخل العالم السنى
منذ عام 1979 وحتى الآن وتكثف نشاطها فى السنوات العشر
الأخيرة، أى أن النشاط السعودى التبشيرى المغموس بدولارات
النفط كان موجها للسنة لوهبنتهم وجذبهم نحو التشدد السعودى
ولغير المسلمين لتحويلهم للإسلام، فى حين أن مجال عمل
السياسة الإيرانية هو داخل الدول السنية أو لفتح خطوط
مباشرة مع الأقليات الشيعية فى الدول السنية).
وفيما كان الشيخ القرضاوي من الشخصيات المحظور ظهورها
في الإعلام السعودي على مدى عقود طويلة، تقدم فجأة صحيفة
(الشرق الأوسط) في 25 سبتمبر الماضي على إجراء مقابلة
مع الشيخ القرضاوي خلال فترة زيارته مكة المكرمة لأداء
العمرة، وتخصّص اللقاء للحديث عن ذات الموضوع، أي الخلاف
السني الشيعي، وتركيز المقابلة حول إختراق شيعي لدول سنيّة،
في إشارة واضحة إلى الهدف السياسي المراد تحقيقه في هذه
المقابلة، والذي لا يخرج عن سياق معركة الحكومة السعودية
مع خصومها السياسيين بعد تحطّم رهاناتها في المنطقة. ولذلك
لم تتردد الصحيفة في اجتزاء بعض المقاطع من كلام الشيخ
القرضاوي لتضعها في المقدمة مع قدر كبير ولافت من التوجيه،
مثل عبارات (ايران بلد مطامع واحلام، الامبراطورية الفارسية
القديمة وكسرى والمسألة مخلوطة بنزعة فارسية مع نزعة شيعية
مذهبية مع تعصب)، يضاف الى ذلك نوع الأسئلة الملغومة التي
كانت الصحيفة تهدف من ورائها توتير الأوضاع ودق إسفين
بين المسلمين.
بالرغم من ذلك كله، فإن العقلاء في هذه الأمة إنبروا
لتطويق الخلاف كيما لا يستفيد منه المهووسون بالمعارك
الطائفية، فكتب الأستاذ فهمي هويدي مقالاً في صحيفة (الدستور)
المصرية في 26 سبتمبر الماضي مقالاً بعنوان (الطائفة أم
الأمة) سلّط الضوء فيه على تيارين أو نمطين من التفكير
في الساحة الإسلامية، أحدهما مهجوس بالدفاع عن الطائفة،
والثاني مشغول بالدفاع عن الأمة. وبسبب انشغال االطائفة
الأولى بالمعتقدات والثانية بالسياسات، ظهر تيار ثالث
من المتعصبين والمهيجين ومثيري الفتن، (ورغم قلة عدد هؤلاء
إلا أن التقنيات الحديثة في وسائل الاتصال أثبتت لهم حضوراً
لا نستطيع أن نتجاهل تأثيره علي تسميم الأجواء وإشاعة
التوتر بين بعض أركان التيارين المذكورين، وفي حين يدور
الحوار بينهما بلغة أهل العلم فإن المتعصبين والمهيجين
استخدموا لغة مغايرة وفرضوا علي الحوار مفردات يتأبي عليها
الحس السليم فضلاً عن أدب المتعلمين..).
كما تحدّث المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا
من موقعه كأمين عام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعبارات
ملؤها الحرص على وحدة الأمة الإسلامية وقيمها النبيلة،
وسفّه في اتصال هاتفي مع قناة (الحوار) اللبندنية خلال
شهر رمضان المبارك دعاوى الذين يصطادون في الماء العكر.
كما عبّر المفكر الإسلامي البروفسور أحمد كمال أبو المجد
في رسالة للشيخ القرضاوي نشرتها صحيفة (الدستور) القاهرية
في 30 سبتمبر الماضي قال فيها (أقطع قطع العارف أن هناك
من يهمه تفتيت الأمة في هذا الظرف). وشدّد أبو المجد على
سحب القضية من التداول وإدخالها في المجامع العلمية والتمسّك
بالمناقشات الودية والإلتزام بآداب الحوار سواء (ما يتعلق
منها بأطرافه وما يتعلق بالمنهج العلمي المنضبط).
ملخص الكلام: أن الخلاف المذهبي القديم الذي تجدّد
الجدل فيه، جرى استغلاله ببشاعة من قبل السعودية في صراعها
السياسي مع إيران، وجاءت ردود الفعل الشيعية المتشنّجة
وخصوصاً من وكالة أنباء (مهر) الإيرانية بعباراتها غير
المسؤولة والنابية لتقدّم ذريعة نموذجية للإعلام السعودي
كي يستدرج العلماء والعامة الى معركة وهمية، فيما يتراجع
الإهتمام بقضايا الأمة، والمؤامرات الكبرى التي تحدق بعالمنا
الإسلامي.
|