الفساد المالي مع زيادة مداخيل النفط
مجالات الإنفاق المستورة
سعد الشريف
تعتبر السعودية ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم
بعد روسيا. وتعتمد بدرجة رئيسية على النفط والصناعات ذات
العلاقة بالبترول، بما في ذلك البتروكيماويات وتصفية البترول.
وبحسب تقرير مؤسسة النقد الدولية الصادر في سنة 2006،
فإن آخر المعلومات المتاحة تفيد بأن مداخيل صادرات النفط
بلغت نحو 90 بالمئة من إجمالي مكاسب الصادرات السعودية
ومداخيل الدولة، وتمثل أكثر من 40 بالمئة من إجمالي الناتج
المحلي.
في الوقت نفسه، تعتبر السعودية المستهلك الأشدّ سرعة
للطاقة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في مجال وقود وسائل النقل.
ويتحفّز نمو الإستهلاك المحلي بواسطة الطفرة الإقتصادية
بسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقات الوقود. في سنة 2005،
كانت السعودية تحتل المرتبة الخامس عشرة من حيث إستهلاك
إجمالي الطاقة الرئيسية في العالم، والتي تعتمد بنسبة
60 بالمئة على البترول، فيما يشكّل الباقي الغاز الطبيعي،
حيث أن النمو فيه محدود بسبب قيود الإمداد.
|
منشآت نفطية سعودية |
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، كانت صادرات
السعودية الى الولايات المتحدة من البترول في سنة 2003
الأعلى بالقياس الى السنوات السابقة واللاحقة، وهي نفس
السنة التي غزت فيها القوات الأميركية العراق.
إجمالي إنتاج السعودية من البترول في العام 2006 ـ
2007 بلغ أكثر من تسعة ملايين برميل يومياً، وهو يمثل
قرابة نصف إنتاج البترول في الشرق الأوسط، وثلث إجمالي
إنتاج منظمة الأوبك، و14 بالمئة من واردات الولايات المتحدة
من البترول، وتملك السعودية خمس الإحتياطات الثابتة من
النفط في العالم، وهي من بين أدنى كلف الإنتاج، وقد تبقى
الدولة الأكبر في تصدير النفط في العالم. وكانت أعلنت
عن خطة إستثمارات في مجال الطاقة بقيمة 70 مليار دولار،
خصّص منها 18 مليار دولار لزيادة القدرة الإنتاجية لتصل
إلى 12 مليون برميل يومياً في العام 2009.
وبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة
الطاقة الأميركية فإن أعضاء منظمة الدول المصدّرة للبترول
(أوبك) حصلت على 671 مليار دولار من مداخيل صادرات النفط
في سنة 2007، بزيادة 10 بالمئة عن العام 2006. وكانت حصّة
السعودية الأعلى من هذه المداخيل بما يقدر بـ 194 مليار
دولار، أي بما يمثل 29 بالمئة من إجمالي مداخيل منظمة
أوبك. وخلال أغسطس الماضي، حصلت دول أوبك على ما مقداره
740 مليار دولار من صافي صادرات النفط في سنة 2008. وبناء
على توقّعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية في سبتمبر
2008، فإن صافي مداخيل صادرات النفط قد تصل إلى 1116 مليار
دولار و1226 مليار دولار، وذلك لأول مرة في تاريخ المنظمة،
وذلك بحسب توقّعات متحفّظة أعلن عنها تقرير الإدارة قصير
الأجل.
وذكر التقرير بأن الإيرادات المالية السعودية قفز بمعدّلات
عالية حتى نهاية شهر سبتمبر الماضي الى 220 مليار دولار،
وهو أعلى مما حققته السعودية في سنة 2007 بالكامل، والذي
وصل الى 194 مليار دولار.
وحدّدت الإدارة أساساً لدخل الفرد، حيث قدّرت نصيب
الفرد الواحد من عائدات أوبك من صادرات النفط ستزيد في
عام 2008 إلى 1863 دولاراً لترتفع إلى 2015 دولاراً في
عام 2009، مقارنة مع 1137 دولاراً في العام الماضي، بالرغم
من أن تقديرات شهر أغسطس تتجاوز ألفي دولار.
وبالرغم من أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية لم تكشف
عن توقّعاتها لمتوسط نصيب الفرد الواحد في كل دولة من
دول منظمة أوبك في العام الجاري، إلا أنها ذكرت بأن قطر
سجّلت أعلى معدل للدخل الفردي لسنة 2007، حيث بلغ 28.36
ألف دولار، تليها الكويت بمعدل دخل بلغ 21.86 ألف دولار،
ثم الإمارات 14.103 ألف دولار، وبعدها السعودية التي بلغ
فيها متوسط دخل الفرد 7030 دولار.
وبالرغم من أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية لم تكشف
عن توقّعاتها لمتوسط نصيب الفرد الواحد في كل دولة من
دول منظمة أوبك في العام الجاري، إلا أنها ذكرت بأن قطر
سجّلت أعلى معدل للدخل الفردي لسنة 2007، حيث بلغ 28.36
ألف دولار، تليها الكويت بمعدل دخل بلغ 21.86 ألف دولار،
ثم الإمارات 14.103 ألف دولار، وبعدها السعودية التي بلغ
فيها متوسط دخل الفرد 7030 دولار.
لن نذهب بعيداً في تفكيك لغز المداخيل، فقد فاجأتنا
تقارير مخيّبة للآمال تكفي لتوقّع ما يمكن ان تؤول إليه
تلك المداخيل. في نهاية شهر سبتمبر الماضي، صدر تقرير
منظمة الشفافية الدولية وجاءت قطر في المرتبة الأولى من
بين دول مجلس التعاون من حيث مستوى الشفافية وانخفاض معدلات
الفساد المالي والإداري، وقفزت من المرتبة 32 لعام 2007
الى المرتبة 28 وهي مرتبة موازية لمرتبة أسبانيا، فيما
احتلت دولة الإمارات المرتبة الثانية خليجياً و52 عالمياً.
أما السعودية فكانت أسوأ دولة في الخليج في مجال الشفافية
ومكافحة الفساد وهي ذات المرتبة التي تحتلها منذ بدء إقرار
معيار الشفافية، كما تحتل المرتبة 80 (كانت تحتل مرتبة
79 في العام الماضي) تشاركها فيها دول مثل بوركينا فاسو
وتايلند وألبانيا والبرازيل والمغرب.
من سخرية الاستطلاعات، في 10 ديسمبر 2006 نشر موقع
(العربية) السعودي على شبكة الإنترنت خبراً مفاده بأن
استطلاعاً غربياً بعتبر السعودية من أقل البلدان فساداً
في العالم، احتلت فيه المرتبة الخامسة في العالم، من حيث
خلوها من الفساد المالي والإداري. اللافت في الاستطلاع
أنه استند على سؤالين مهمين: هل الفساد منتشر بشكل واسع
في الدوائر الحكومية في الدول المعنيّة؟ وهل الفساد منتشر
بشكل واسع بين المؤسسات التجارية في الدول المعنية؟
كان استطلاعاً مثيراً للسخرية ذاك الذي نشرت نتائجه
(العربية) وليتها لم تفعل حتى لا ترتكس مصداقيتها بدرجة
أكبر، فالتقارير المتخصّصة في متابعة قضايا الفساد المالي
والإداري لم تعد سريّة بل يتابعها المواطنون بصورة دائمة،
بل يعيشون آثارها على مدار اليوم والليلة. وفي نفس العام،
أي 2006، كان تقرير منظمة الشفافية الدولية يضع السعودية
في مرتبة 79 على مستوى العالم، والأسوأ على مستوى دول
مجلس التعاون الخليجي.
وقد رصد كثيرون قصصاً عن الفساد في المشاريع الحكومية،
وسرقتها، وكذلك عمليات السرقة التي تطال الوزارات والمؤسسات
الحكومية والخاصة.
ولاندري من عنى المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز
آل الشيخ في 14 أغسطس 2004 حين حذّر من أكل أموال الناس
بالباطل واغتصابها والربا والرشوة والغش في التعامل وخيانة
الأمانة على الأموال.
في يوليو الماضي، طالعتنا صحيفة (الشرق الأوسط) عن
قضية فساد مالي في وزارة الشؤون الإجتماعية من خلال بيان
حصلت على نسخة منه يتحدث عن صرف مبالغ مالية لمعوّقين
مسجّلين لدى الوزارة وقال البيان بأنهم (قد يكونوا من
غير المستحقين لها، وصرفت لهم بطرق غير نظامية) وأن هذا
التجاوز ناتج من بعض موظفي الوزارة، وقد بلغ حجم التجاوزات
بحسب موقع حكومي خاص بالتعاملات الإلكترونية عن تسرّب
300 مليون ريال لغير مستحقيها. وياترى من يحقق في هذه
التجاوزات؟ يقول الوزير بأن الملف أحيل (فور اكتشافه إلى
الجهات الأمنية المختّصة)، أي أحد الأقسام التابعة لوزارة
الداخلية.
في يوليو من العام الماضي، بدأت شركة الكهرباء السعودية
تحقق في قضية رشى بقيمة 30 مليون ريال قام بها أحد الموظفين
الكبار في الشركة.
عجباً، لماذا هذه الوزارات بالتحديد التي تم فيها اكتشاف
الفساد؟، فمابال وزارات أخرى صدرت بحقها تقارير دولية
وأحيل أوراق بعض المتورّطين بتهمة الفساد للقضاء في بعض
الدول. هل تخضع وزارة الدفاع مثلاً لقانون مكافحة الفساد
في السعودية؟ هل تطالعنا الصحيفة الحرّة للغاية (الشرق
الأوسط) عن تقرير ميداني حول تجاوزات وزارة الدفاع والصفقات
الفلكية بكل أشكال الفساد المصاحبة لها، أو وزارة الداخلية
وبرامج التحديث في الأجهزة، التي تُستغل لتغطية الرشاوى
الكبيرة، أو وزارة القرى والبلديات وسرقة الأراضي والأوقاف
والعقارات من قبل الأمراء وحواشيهم، أو القضاء والمحاكم
الشرعية التي تغطي عمليات السرقة ويتقاسم بعض القضاة والأمراء
المصادرات من أملاك وعقارات. وعن العقود الوهمية التي
تجري يومياً بين الأمراء مع شركة أرامكو وبيع النفط لحساب
هذا الأمير وذاك. هل من يحقق في حسابات الأمراء الكبار
والصغار وخصوصاً من أعضاء الجناح السديري في بنوك سويسرا
وفرنسا والجزر البريطانية؟
|
السعودي في الإعلام |
الأمير بندر بن سلطان حصل على ملياري دولار في صفقة
اليمامة لشراء الأسلحة من بريطانيا، ولم تجرؤ الصحافة
السعودية في الداخل والخارج على متابعة الموضوع أو تغطيته
بطريقة محايدة، دع عنك أن تقوم السلطة القضائية بفتح قضية
والتحقيق فيها، فذلك دونه رأس اللحيدان ومن دونه، بل قد
تجد من يعرض القضية بطريقة عاطفية ويعتبر ذلك هجوماً على
دولة تطبيق الشريعة وتشويهاً لصورة الإسلام في العالم.
لتخبرنا الحكومة عن نتائج استراتيجية (حماية النزاهة
ومكافحة الفساد) في العام الماضي، بالرغم من أن هذه الاستراتيجية
لم ترفع مستوى الشفافية ولا مكافحة الفساد بحسب تقرير
المنظمة آنفة الذكر. نشير إلى أن تقريراً إقتصادياً نشرته
صحيفة (الوطن) السعودية في 22 فبراير 2007 جاء فيه أن
حجم الخسائر جراء الفساد المالي والإداري بلغ 3 تريليونات
ريال سعودي، أي بما يساوي حجم الأموال المهاجرة. فهل تخبرنا
الهيئة الوطنية هذه عن هذه الأموال وفي أي الحسابات البنكية
أودعت، وهوية الأشخاص المتورّطين في الفساد. ألم يقر مجلس
الوزراء في 19 فبراير 2007 بأن الهيئة ستحقق في كل قضايا
الفساد المالي والإداري (والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول
مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة).
وأين هي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وبأي الوزارات
ستبدأ، أم ستسجّل التجاوزات ضد مجهول، خصوصاً حين تقترب
النار من رداء الأمراء الكبار، وقد تكون الهيئة شأن باقي
الهياكل العظمية في الدولة لا وظيفة لها سوى الاستعراض
بأن لدينا هيئة متخصصة في مكافحة الفساد، كمن يكتب على
ورقة عبارة (هاهنا طعم) ويغطسها في البحر فترسل الأسماك
جواباً كتب فيه (وهاهنا سمك).
يقول أحدهم: في الدولة المتقدّمة، حين يكشف عن فساد
وزاري بهذا الحجم يتم سحب الثقة من الحكومة وتشكّل أخرى
جديدة، فيما يخضع الوزير ورئاسة الوزراء للمحاسبة لأنها
المسؤولة عن أجهزتها كافة أمام البرلمان، ولكن عندنا يجيّر
الكشف لصالح الحكومة وكأنه إنجاز لها. ويضيف: يعني ذلك
أنه كلما كشف عن قضايا فساد في بقية الأجهزة إزداد رصيد
الحكومة من الإنجاز ويزداد تمسّك الشعب بها!!
دردرشة هموم الفقراء
بدأ كثير من المواطنين بالتعبير عن همومهم بوسائل مختلفة،
وتتراوح اتجاهات التعبير بين الخاص المتّصل بالهموم الخاصة،
وبين العام المفتوح على موضوعات تتراوح بين المباريات
الرياضية وتعبر قضايا ارتفاع الأسعار والتضخم، وتصل الى
موضوعات ذات طبيعة وطنية مثل الإصلاح السياسي، وحقوق الإنسان،
والحريات العامة، وتطبيق القانون، ومصير الثروة، وقضايا
الفساد في وزارات الدولة..
حارث بن همام، كاتب الكتروني بدرجة أساسية، يجوب المواقع
الحوارية على الشبكة ويقدح جدلاً حامياً في موضوع عام،
قبل أن ينتقل إلى موقع آخر من أجل تحريك الراكد في النقاش
والمختمر في الأذهان بين الشباب بوصفهم الشريحة المعنيّة
بصورة مباشرة بأي تطوّر إيجابياً كان أم سلبياً في الداخل.
كتب بن همّام فيما يشبه رسالة لمسؤولين يتحلّقون الملك
عبد الله وكأنه يخاطبهم بما يدور في الشارع: ما عادت نشرة
الأخبار المطوّلة عن الاستقبالات والتوديعات مشوقة للكثيرين،
بل وما عادت تلك الأغاني التزلفية، أو ما تسمى بالوطنية
تثير حماسة 80% من الشعب، والذين يعيشون على الإيجار،
ويحلمون أن يأتي اليوم الذي يمتلكون فيه مأوى لهم ولأولادهم،
أسوة بأشقائهم في دول مجاورة هي أقل دخلا من بلدهم.
وفي انتقال من العام الى الخاص، ينقل بن همام ما جرى
في مجلس كان يتردد إليه ونقل ماجرى له في إحدى المرات:
ما إن انتهى من بروتوكول الترحيب بي وأجلسني في صدر مجلسه
الريفي المتواضع، وقبل الانتهاء من شرب أول فنجان قهوة،
إذا به يسألني: هل تعلم كم وصل سعر النفط اليوم؟ أجبته
باستغراب: لا، فما أعلمه بالأمس ربما تغير اليوم، ولكن
لماذا يا عم سعيد تسأل هذا السؤال؟ وما دخلك في هذه الموضوعات؟
أجاب مقاطعا: اليوم وصل سعر البرميل 140 دولار، قاطعته:
الحمد لله، اللهم زد وبارك، فرد متشنجاً: يا رجل! أتريد
أن يزيد الله من فقرنا؟ بل قل اللهم ارفع عنا عذابك! ثم
أخذ في وصف حالة التعجب الكبيرة التي يعيشها قائلاً: بلدٌ
يزيد دخله فيزيد فقر أهله!!
ويعلّق بن همام قائلاً: لم يمكنني في تلك الجلسة أن
أسأله فيها عن حاله أو أحوال أهله وأقاربه الذين لم أقابلهم
منذ فترة طويلة إلا قليلا، إذ لم يخرج الحديث معه عن موضوعات
الغلاء والتذمر من التناقض الصارخ الذي يعيشه البلد، أرباح
خيالية وفقر متزايد ومتسارع!
ويكمل بن همام روايته: ودعتُ قريبي ذلك الرجل العامي
لارتباطي بموعد عشاء عند أحد الأصدقاء القُدامى في نفس
القرية، وعلى غير العادة، فلم تكن موضوعات السهرة ما تعودته
من هذا الصديق ومن معه، فلم يتحدث أحد عن المباراة الهامة
في البطولة الأوربية، بل ولا عن ذكريات الدراسة، إنما
كان الحديث مُنصبَّاً على قضايا من قبيل حديث القنيبط
في قناة الحرة والقضايا التي أثارها، وعن نتائج تقرير
منظمة الشفافية العالمية، والمعنية بدراسة معدلات الفساد
المالي والإداري في دول العالم.
وأدهشني أن ذكر لي أحدهم أن ترتيب السعودية كان 78
من أصل 160 دولة، فقلت له: هل لك أن تطلعني عن مصدرك الذي
استقيت منه هذه المعلومات، فلم يتلكأ كثيرا إذ أحالني
مباشرة على أحد المواقع التي تحتوي على تفاصيل ذلك التقرير
المخجل. (في إشارة إلى تقرير منظمة الشفافية الدولية).
وفي اليوم الأخير من زيارتي لقريتي الهادئة، وبينما
أنا متوقف لتعبئة الوقود، إستعداداً للمغادرة، رأيت في
المتجر الصغير القريب بعض الصحف، فقلت في نفسي لقد تطوّرت
قريتنا وأصبحت تصلها الصحف اليومية، فنزلت لأشتري إحداها،
وبينما أنا أتصفح العناوين الرئيسية، إذا بالبقال أبو
أحمد، ذلك الرجل البسيط يقول بتهكم: يا أستاذ هذه صحيفة
الأسبوع الماضي! ارتبكت قليلا ثم سألته: ألا تأتيكم الصحف
يوميا، ضحك وقال: إذا تكرمت علينا وزارة المواصلات بشق
طريق إسفلتي إلى قريتنا! ولكن ماذا تريد بوجع القلب؟ قلت:
وما ذاك؟ قال: انظر إلى الصحيفة التي بين يديك، فبداخلها
تفاصيل إنشاء ملعب كرة قدم في إحدى المدن بمبلغ 10 مليار
ريال! بينما وعلى الصفحة الرئيسية، خبر يقول: التدافع
ينقل مقترضي التسليف للمستشفى!.
أعدت النظر إلى الصحيفة، فوجدت ما قاله حقاً، بل كان
هناك خبر آخر يعكس اختلال الموازين لدينا، فعلى الصفحة
نفسها عنوان عريض: إطلاق مشروع الملك عبد الله لتطوير
التعليم في جميع المناطق بـ 1.5 مليار ريال! (فقط)، يا
الله أين 10 من 1.5!!
خرجت من عند أبي أحمد، بعد أن أصر على إهدائي تلك الصحيفة
المغبرّة، وفي ذهني عدة تساؤلات: حتى أنت يا أبو احمد؟
حتى أنت يا قريتي الصغيرة؟ حتى أهلك البسطاء؟
يواصل بن همام نقل انطباعاته التي تحتشد في ذهنه فيما
المشهد الجديد يمسح مشهداً كان قاراً لفترة طويلة، ولاشك
أن المشهد الجديد يبعث أسئلة كثيرة طرحها بن همام على
نفسه طيلة الطريق إلى المدينة التي يعيش فيها: ما الذي
يجعل من مثل القضايا حديث المجالس ليس في مدينة رئيسية،
وإنما في قرية ينقصها كثير من الخدمات الأساسية؟ هل هو
مؤشر زيادة وعي المواطنين بحقوقهم؟ أم هو نتيجة التطور
الإعلامي العام؟ أم دليل تفاقم الأوضاع؟ أم أنه كل ذلك؟
بالتأكيد ليس ذلك حال قريتي فقط، بل حال كثير من القرى
الأخرى، فضلا عن المدن، موضوعات لم يكن يجرؤ البعض على
الحديث عنها مع نفسه أصبحت الآن حديث المجالس و النوادي!
في الأخير يلخّص بن همام ملاحظاته على تطور كبير تشهده
البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ثم يعيد تأكيد جدوى الاهتمام
برسالته للمسؤولين الذين عطّلوا خيار الإصلاح السياسي
في البلاد، ووجّه كلامه لهم بالقول: إن المواطن السعودي
قد أصبح كثير الوعي والإدراك لما يدور حوله، فما عادت
نشرة الأخبار المطولة عن الاستقبالات والتوديعات مشوقة
للكثيرين، بل وما عادت تلك الأغاني التزلفية أو ما تسمى
بالوطنية تثير حماسة 80% من الشعب، والذين يعيشون على
الإيجار ويحلمون أن يأتي اليوم الذي يمتلكون فيه مأوى
لهم ولأولادهم، أسوة بأشقائهم في دول مجاورة هي أقل دخلا
من بلدهم.
ويزيد بن همام على ذلك: وما عاد الحديث يدور عن متانة
الاقتصاد السعودي، أو ما يسمى بالطفرة الثانية مفرحاً
للكثير، خاصة من خسر (تحويشة) عمره في سوق النصب، والذين
لم يجدوا من يحميهم من تسلّط أكلة الحرام على أموالهم،
وما عاد الحديث عن أهمية الارتقاء بالعملية التعليمية
عملياً، في وقتٍ أصبح فيه المعلم مشغولا عن التفكير في
تطوير أدائه بمتابعة قضاياه في ديوان المظالم ضد وزارته
التي بخسته حقه المالي المقرر نظاماً، في وقت تشكل ميزانيتها
ما يقارب ثلث ميزانية الدولة، وكذلك لم تعد تلك القرارات
(مع وقف التنفيذ) تسر الكثير من الشباب اللاهث الباحث
عن وظيفة، ولا المواطنين الذين فقدوا أحد أقاربهم في بعض
مستشفيات وزارة الصحة.
|