الضوء الأخضر أميركياً والأحمر إسرائيلياً
طائرات التايفون الى السعودية مطورة
محمد الأنصاري
كشفت صحيفة الفايننشال تايمز في 23 أكتوبر الماضي بأن
الولايات المتحدة أعطت بريطانيا الضوء الأخضر لبيع طائرات
تايفون القتالية للسعودية بالموافقة على نقل تكنولوجيا
أميركية حساسة على الطائرات بعد شهور من المناظرات الداخلية.
وأبلغت إدارة بوش الكونغرس بأنها ستوافق على عملية
الإنتقال، والتي تمهّد السبيل للمملكة المتحدة للمضي في
صفقة بقيمة 20 مليار جنيه إسترليني (32.5 مليار دولار)
من الطائرات الحربية من طراز تايفون الى المملكة الخليجية.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أرادت الموافقة
على عملية الانتقال منذ بعض الوقت، إلا أنه واجهت مقاومة
من قبل وزارة العدل والكونغرس، وكلاهما يشعران بقلق من
أن الموافقة على العملية قد تؤثر على رشى في أنظمة شركة
الدفاع البريطانية.
وتقوم وزارة العدل الأميركية بالتحقيق مع شركة الدفاع
البريطانية، وهي المتعاقد الرئيسي في بريطانيا بشأن صفقة
التايفون، من أجل التأكّد ما إذا كانت الشركة قد خالفت
قوانين الولايات المتحدة بتقديم رشى لمسؤولين سعوديين
في صفقة تسلّح سابقة والمعروفة بإسم اليمامة. وكانت شركة
الدفاع البريطانية قد نفّت القيام بأي عمل مخالف للقوانين.
أما المطّلعون على القضية فيقولون بأن المناظرة قد
تم تسويتها بعد أن وافقت وزارة الخارجية الأميركية على
تضمين لغة في إعلان الكونغرس بإلفات الإنتباه والتشديد
على أن الموافقة لا تعني بأن واشنطن قد توصلت الى أن المملكة
المتحدة، أو أي شركة بريطانية ضالعة في صفقة يايفون لم
تنتهك قوانين الولايات المتحدة.
وكان جريج سوتشان، مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية
عن نقل الأسلحة، قد صرّح قائلاً:(خلال عشر سنوات بالعمل
في مجال نقل الأسلحة لم أشاهد بتاتاً أي شيء مثل ذلك الجزء
من قسم 36 من بيان الكونغرس).
أخبار الموافقة الأميركية يعتبر دفعة معنوية للمتعاقد
الدفاعي الأكبر في بريطانيا ويهيء الأرضية لتصدير 72 من
المقاتلات الحربية من طراز تايفون الى المملكة الخليجية
كجزء من صفقة تم التوقيع عليها السنة الماضية والتي تعرف
بإسم (مشروع السلام).
وكانت قيمة الطلب الأولي تصل إلى 4.3 مليار جنيه، ولكن
الصفقة ستكون مدعومة بطلب آخر للتسلّح وأنظمة الأسلحة
التي تقدّر بقيمة 5 مليار جنيه. ومن المتوقّع أن ينفق
السعوديون مبلغاً إضافياً بقيمة 10 مليار جنيه إسترليني
على الصيانة، والتدريب، والدعم للطائرات.
وسيتم تصنيع أول 24 طائرة تايفون في مصنع وارتون، في
مقاطعة لانكشاير. أما بقية الطائرات فمن المحتمل أن يتم
تجميعها في السعودية. وكانت الشركة قد وظّفت نحو 5000
آلاف شخص في المملكة.
وكانت الصفقة قد تم إيقافها وسط قلق بأن التحقيق من
قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير بشأن صفقات سابقة
لشركة الدفاع البريطانية مع السعوديين والذي قد يؤدي إلى
تقويض الصفقة. وكان مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير
ينظر في دعاوى الفساد والرشوى في صفقة اليمامة. وقد هدّدت
السعودية بإلغاء طلب تايفون ووقف التعاون في مجال مكافحة
الإرهاب مع المملكة المتحدة في حال واصلت التحقيق. وأوقف
المكتب التحقيق في صفقة اليمامة في ديسمبر 2006.
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في 18
أكتوبر الماضي بأن إتهامات جديدة بسوء التصرف قد وجهت
الى شركة الدفاع البريطانية في السابع عشر من أكتوبر فيما
تمّت إدانة الحكومة بسبب فشلها في ملاحقة الفساد. وكشف
بأن مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير قد إتّهم شركة
الدفاع البريطانية بإخفاء الحقيقة حول صفقات الأسلحة مع
السعودية بسبب الحصول وبطريقة غير قانونية على غطاء التأمين
الحكومي.
وكان مراقبون من المنظمة الدولية لمكافحة الرشى، من
أو إي سي دي، قد نشرت تقريراً يفصّل فيه الدعاوى المقامة
خلال فترة إيقاف التحقيقات في صفقات الأسلحة التي أبرمتها
بي أيه إي بقيمة 43 مليار جنيه إسترليني للسعودية. وكانت
الشركة البريطانية للدفاع قد حصلت على تأمين لصفقاتها
من وكالة ضمان التصدير، إي سي جي دي. وذكر التقرير بأن
شركة بي أيه إي أخفت عن الوايتهول وجود وكلاء ووسطاء الذين
كان يتم تقديم أموال سرية إليهم خلال فترة الصفقة.
وكان ممثلون عن مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير
قد أبلغوا أو إي سي دي، بأن كان هناك (عمليات غير قانونية
ذات صلة بالرشاوى من قبل بي أيه إي الى إي سي جي دي).
وقد أخبر شهود مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير المحقّقين
الفرنسيين والكنديين بأنهم (قدّموا الى إي سي جي دي الدليل
على الغش المتصل بالرشى ضدها..بما يتصل بعمليات الشركة
الى إي سي جي دي ذات العلاقة بإصدار التأمين). ولكن وكالة
إئتمان الصادرات لم تقم بفعل شيء، بحسب التقرير. وقال
مراقبون في أو إي سي دي (أشار مكتب التحقيق في الغش التجاري
الخطير بأنه يعتبر ذلك عائداً لـ إي سي جي دي لتقرير ما
يجب فعله).
وكان مسؤولون في إي سي جي دي قد رفضوا إبلاغ المراقبين
الدوليين لماذا لم يقوموا بأي عمل، مدّعين بأنهم ملزمون
بـ (الثقة التجارية). أما فريق أو إي سي دي فقال بأنه
(كان قلقاً للغاية من انعدام الدليل على أي رد فعل من
قبل إي سي جي دي بخصوص إدّعاءات الغش).
وكانت شركة الدفاع البريطانية قد رفضت التعليق على
حجم الإتهامات التي تواجهها. وقالت الشركة بأنه (لم يقدم
مكتب التحقيق في الغش التجاري في أي وقت أية تهمة بأعمال
مخالفة بخصوص حصول الشركة على غطاء إي سي جي دي فيما له
صله بالمملكة العربية السعودية، كما لم يقدّم الى الشركة
أي دليل).
التحليل التفصيلي في تقرير أو إي سي دي المؤلف من 75
صفحة يضع وزراء بريطانيين على الرصيف. وقد استنكر معدّو
التقرير، بفريق يرأسه أستاذ القانون السويسري مارك بييث،
التسامح البريطاني إزاء الفساد. فريق العمل، الذي يراقب
ما إذا كانت بريطانيا ملتزمة بمعاهدة كافحة الفساد الدولية،
وقال بأنه (محبط وقلق للغاية) بسبب السلوك الرسمي البريطاني.
وقد سلّط التقرير الضوء على الفشل البريطاني المتكرر
في الوفاء بوعود إقرار قانون فاعل لمكافحة الفساد، وكذلك
الغضب الدولي حين أرغم رئيس الوزراء السابق، توني بلير
مكتب التحقيق في الغش التجاري على إيقاف التحقيقات في
الرشى السرية التي قدّمتها شركة الدفاع البريطانية، أكبر
شركة أسلحة في المملكة المتحدة.
وقد عيّن جوردون براون جاك ستراو، وزير العدل، كمناصر
لمكافحة الفساد في الحكومة. وقال ستراو بأنه يرّحب بمساهمة
أو إي سي دي في المناظرة ولكنه أخفق في تقديم أي إلتزام
محدد للجدول الزمني لقانون مكافحة الفساد المعدّل. ومن
المقرر أن تقرر هيئة القانون بشأن الموضوع هذا الشهر،
وقال ستراو بأن المقترح القانوني سيتم نشره. وكان تقرير
أو إي سي دي قد اتهم الحكومة بتمضية ست سنوات من الوعد
بإصلاح القانون، ولكنها لم تفعل بتاتاً.
وقد اتهمت الحكومة البريطانية بسبب فشلها في مكافحة
الفساد، بالرغم من نداءات منظمات دولية لاتخاذ إجراءات
عاجلة من أجل سن تشريع فيما يرتبط بالرشى الخارجية في
بريطانيا. وكان الطلب قد جاء في تقرير المسائلة من قبل
فريق عمل متخصّص في الرشاوى يعمل في منظمة التعاون الإقتصادي
والتنمية أو إي سي دي وهي الهيئة الدولية الوحيدة التي
تطالب بتطبيق إتفاقيات مكافحة الرشى، وقدّمت عرضاً للتدابير
البريطانية بشأن مكافحة الرشى بعد صدور قرار مكتب التحقيق
في الغش التجاري لسنة 2006 بوقف التحقيق في الدعاوى المقدّمة
ضد شركة أنظمة الدفاع البريطانية بخصوص صفقة الأسلحة مع
السعودية.
وكانت النتيجة هي إدانة قاسية للحكومة بسبب فشلها في
تطبيق معاهدة مكافحة الرشى، التي بدأ إقرارها قبل ثمان
سنوات. وقال التقرير بأن (مجموعة العمل محبطة وقلقة للغاية
من التطبيق غير المرضي للمعاهدة من قبل المملكة المتحدة).
ويقول الفريق (إن استمرار الفشل في المملكة المتحدة يفشي
مواضع الخلل في قوانينها بخصوص الرشى المقدّمة لسمؤولين
عموميين أجانب وكذلك إمكانية حصول الشركات على رشى أجنبية
تعيق التحقيقات). وقد استعادت مجموعة العمل توصياتها السابقة
في السنوات 2003، 2005، 2007، بأن تقوم المملكة المتحدة
بسن تشريع جديد بخصوص الرشى الأجنبية في أقرب فرصة ممكنة.
|