السرطان يتغلّب على ولي العهد السعودي سلطان
قرب رحيله فاشتعلت معركة الخلافة والوراثة
محمد شمس
تواترت الأنباء عن تدهور سريع لصحّة ولي العهد السعودي،
الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع والطيران.
الثابت أن الأمير أجرى قبل عام عملية في جنيف لإزالة
سرطان في القولون.
ومن الثابت أن الأمير زار جنيف في أكتوبر الماضي من
أجل الفحوصات، فثبت انتشار السرطان مرّة أخرى، وأن أطباءه
السويسريين والأميركيين الذين استقدموا خصيصاً للكشف عليه
نصحوا بعدم إجراء العملية مرّة أخرى، لأن نتائجها ليس
فقط غير مضمونة، بل قد تودي بحياة الأمير.
ومن الثابت ايضاً أن الأطباء قد حددوا في حدود يونيو
الماضي فترة ثمانية أشهر هي مدى الحياة المتوفرة للأمير
ضمن المعطيات آنئذ، وبصدور هذا العدد من المجلة يكون الأمير
قد استنفد ستة أشهر منها.
ومن الثابت أخيراً، أن الأمير سلطان زار في نوفمبر
الماضي واشنطن، بعد أن تعاطى العلاج الكيمياوي للمرة الثانية،
وأن الأطباء الأميركيين لاحظوا عدم تغيّر في المعطيات،
فالسرطان ينتشر بدل أن ينكمش، والعلاج بالإستئصال الجراحي
غير ممكن، خشية وقوع نزيف أثناء العملية تنهي حياة الأمير.
ومع أن ولي العهد، الذي رافقه في رحلته العلاجية الى
أميركا عدد كبير من الأمراء، بينهم أخوه الأمير سلمان
أمير الرياض، وأبناؤه، وأزواج بناته وآخرون، يميل الى
إجراء العملية الجراحية مهما كانت النتائج، فهي بنظره
أفضل من انتظار الموت البطيء.. فإن عدداً من الأطباء رفضوا
إجراء العملية، واقترحوا عليه بدلاً من ذلك تعاطي العلاج
بالأشعة لمكافحة انتشار الورم الخبيث. ويبدو حتى الآن
أن الأمير قبل مكرهاً بهذا العلاج، وإن كان خيار العملية
الجراحية قائماً.
يبلغ سلطان 83 عاماً من العمر. أمضى منها 46 عاماً
كوزير دفاع، أي منذ عام 1962م. وقبلها تولّى وزارة المواصلات
فور تأسيسها عام 1954م. ويعتبر سلطان من الناحية العملية،
الرجل الأول والقوي في الدولة، وهو أكبر الأحياء بين الأخوة
السديريين بعد وفاة شقيقه الملك فهد. واشتهر سلطان بلقب
(النهاب الوهاب) فهو أكثر الأمراء لصوصية، ولكنه أكثرهم
كرماً وعطاءً مما يسرق بالطبع، شأنه شأن قطاع الطرق من
البدو الذين تطلق عليهم هذه الصفة!
وتنبع قوة سلطان ليس فقط من كونه عضواً مركزياً في
الجناح السديري الحاكم، بل لأنه أيضاً وزيراً للدفاع،
حيث تعتبر قوة الجيش معزّزة لمكانته السياسية، فضلاً عما
يجري باسمه من نهب للأموال عبر صفقات اسلحة خيالية طالما
تحدثت عن سمسرتها الصحافة ووسائل الإعلام.
وسلطان ما كان ليصبح ولياً للعهد وفق عامل السنّ، فهناك
أخوة يكبرونه سنّاً، مثل وزير الدفاع الاسبق، مشعل بن
عبدالعزيز، ثاني وزير دفاع للسعودية، وشقيق منصور بن عبدالعزيز،
أول وزير دفاع. ويبدو أن اتفاقاً بين مشعل وسلطان قد تم
قبيل وفاة الملك فهد في جنيف بسنتين، بحيث يتنازل الأول
للثاني عن ولاية العهد مقابل مبلغ كبير من المال. ولم
يكن قبول مشعل سوى اضطرار، كونه يعلم بأن سلطان سيصبح
ولياً للعهد شاء أم أبى، فهو يمتلك القوة على الأرض ولا
يمكن إقصاؤه إلا بالقوة وهي غير متوفرة، لا سياسياً ولا
مادياً.
المملكة ومنذ الستينيات كانت تحكم من قبل الحزب السديري،
أو ما يسمى بالسديريين السبعة (الأشقاء). حتى في عهد فيصل،
وهو الشخصية القوية، كان من الناحية الفعلية محكوماً بمعادلات
وتوازنات القوى داخل العائلة الحاكمة. وبعد وفاته أو اغتياله
في مارس 1975، وهو الإغتيال الذي اتهم بتدبيره فهد شخصياً،
أصبح الجناح السديري مسيطراً من الناحية الفعلية على كل
مقدرات الدولة حتى هذا اليوم.
وكان من المنتظر أن يتحول الحكم الى جيل الأحفاد، أحفاد
الملك المؤسس عبدالعزيز، نظراً لأن جيل الأبناء قد بلغ
من العمر عتيّا بحيث أصبح غير قادر على ممارسة الحكم فأوكلت
شؤونه الى الأبناء، كما هو الحال مع محمد بن نايف الذي
يدير الداخلية، وخالد بن سلطان الذي يدير وزارة الدفاع،
ومتعب بن عبدالله الذي يدير الحرس الوطني. ولكن السؤال
كان ولازال: من الذي سيحكم من جيل الأبناء؟
الجناح السديري كانت تنتظره معركتان، الأولى مع الأخوة
غير الأشقاء، ممثلة بالملك عبدالله. والأخرى داخل الحزب
السديري نفسه. وحتى الآن لم تحسم كلتا المعركتين نهائياً.
كان السديريون يتوقون الى الإستفراد بالمجد ـ حسب تعبير
ابن خلدون ـ دون باقي إخوتهم. ومع أنهم كانوا كذلك ولكن
دون إطار قانوني، فإنهم تاقوا لإزاحة ولي العهد يومئذ
(عبدالله) الأخ غير الشقيق. لكن عبدالله أصبح ملكاً رغماً
عنهم، لسبب رئيسي وهو أنه كان يمتلك قوة عسكرية على الأرض
وهي قوة الحرس الوطني. وبالتالي كانت إزاحته أمراً صعباً
وإن لم تكن مستحيلة، فقد خشي السديريون دفع كلفة عالية.
حينها فضلوا الحكم من الخلف، ليبقى الملك عبدالله ملكاً
بالإسم. وهكذا كان.
لكن الملك الضعيف، الملك عبدالله، الذي فرح كثيراً
لأن صورته طبعت على العملات الورقية، وبالرغم من إدراكه
مبكراً بأنه لا يستطيع أن يحكم، بل ولا يمتلك الخبرة والكفاءة
لأن يحكم، إلا أنه قام بعمل يقطع الطريق على تحول السعودية
الى دولة (سديرية) وذلك حين رفض أن يكون وزير الداخلية
السديري الأمير نايف ولياً لعهد الملك القادم، أي الرجل
الثالث في الدولة، أي أن يحتل منصب (النائب الثاني لرئيس
مجلس الوزراء). وقد ألغى الملك عبدالله هذا المنصب، وشكل
هيئة البيعة لتمثل أبناء الملك عبدالعزيز الأموات والأحياء
بأشخاصهم أو بذريّاتهم، بحيث تنتخب الهيئة ولي عهد الملك
القادم.
لكن لم يبد أن الجناح السديري وهو يخوض معركته للإستئثار
بكامل السلطة قابلاً بهذا الحل. وحاول تدبير انقلاب داخل
الحرس الوطني تم اكتشافه، ثم تحدثت انباء عن محاولات اغتيال
الملك، وكانت الخشية كل الخشية أن يرحل سلطان ولي العهد
عن الدنيا قبل أن يصبح ملكاً. فهذا يعني تحديداً انتخاب
ولي عهد جديد من قبل هيئة البيعة التي تسيطر عليها أكثرية
مهمشة رافضة لسلطات السديريين الموسعة.
أما في حال مات الملك عبدالله قبل ولي عهده سلطان،
فإن المرجح أن يعيد السديريون سيطرتهم مجدداً ويفرضوا
مرشحهم (نايف على الأرجح) ليكون الملك القادم، سواء كان
ذلك بالتهديد او بالترغيب المالي، أو بإلغاء هيئة البيعة
من أساسها.
بيد أن إعلان مرض سلطان وإصابته بالسرطان واحتمال رحيله
المبكر قبل أخيه عبدالله الذي يكبره بعامين فقط، فتح الصراع
داخل العائلة المالكة مبكراً أيضاً حول الخلافة، حيث يتأهّب
عدد من الأمراء المهمشين من أخوة الملك وولي عهده الى
المرحلة القادمة، لاحتلال مناصب يشغرها الجناح السديري،
وربما تراءى للبعض أنه بصدد وراثة الجناح السديري قبل
الأوان. في حين وصف الأمير سلمان في جلسة لمقربين منه،
بأن تغييراً دراماتيكياً للحكم لن يحدث بوفاة سلطان، وأنه
مستعد لخوض معركة يسيل فيها الدم (الى الركب) حسب تعبيره.
ووصف سلمان إخوته الآخرين، وهم الأكثرية، بأنهم مجرد (دبش)
لا يعرفون شيئاً عن الحكم وإدارة الدولة.
كل المعطيات تشير الى أن الجناح السديري سيخسر معركة
السيطرة الكاملة على الدولة، ومن المرجح ـ إن مات سلطان
خلال الأشهر القليلة القادمة، والأعمار بيد الله ـ أن
يكون ولي العهد من خارج الجناح السديري، مع الإدراك بأن
كل الوجوه المطروحة ضعيفة كونها لم تمارس الحكم فعلاً
ولا تتمتع بالخبرة التي حصل عليها السديريون بسبب طول
إقامتهم في كراسيهم.
بهذه المعركة الخاسرة فيما يبدو، تكون المعركة الثانية
داخل الحزب السديري نفسه ليست ذات أهمية. فمن يحكم من
الأبناء لا معنى له إن كان حكم الآباء محل شك.
نعم.. ربما تتضرر مواقع الأبناء في حال أصبح ولي العهد
من خارج الجناح السديري.
قد يعزل محمد بن فهد من أمارة الشرقية، وقد يستعيد
مشعل وزارة الدفاع بعد وفاة سلطان إن أصبح هو ولي العهد
القادم، وبالتالي لا مكان لخالد بن سلطان. لكن هذه التغييرات
وأمثالها لن تحدث بين عشية وضحاها، وإنما بالتدريج، مثلما
سيطر السديريون على الحكم بالتدريج أيضاً.
حتى مع وفاة سلطان قبل الملك وخسارة السديريين مقعد
ولاية العهد، فإن ما يعيق حدوث تحول جوهري في مراكز القوى
داخل العائلة المالكة أمران:
الأول ـ أن وزارة الداخلية ووزارة الدفاع لاتزالان
بيد السديريين، وهما أقوى وزارتين في الدولة، وأكثرهما
استهلاكاً للأموال العامة. فضلاً عن مراكز قيادية أخرى
ستبقى بيدهم: كأمارة الرياض والشرقية وغيرهما.
الثاني ـ أن مركز الجناح السديري لدى النخبة النجدية
الحاكمة بشقيها المدني والديني قوي جداً. فمعظم الوزراء
والمسؤولين وكبار الضباط النجديين يميلون الى الجناح السديري،
فضلاً عن أصحاب القلم والكتاب الذين اشتراهم الجناح السديري
منذ زمن بعيد.
لكن الأكثر أهمية هو موقف النخبة الدينية السلفية الوهابية
النجدية، فهذه النخبة كانت ولاتزال تميل الى جناح السديريين،
وقد وقفت معهم في كل المعارك التي خاضوها في الداخل والخارج
وحتى تلك التي كانت في إطار العائلة المالكة. لو تطورت
الأمور الى مواجهة مفتوحة بين الجناحين، فإن القوة السلفية
ستصطف الى جانب حماتها ومموليها، وهي لم تخف يوماً أنها
ضد الملك الحالي وأنها لا تعيره بالاً، كما لم تخف هيامها
وغرامها بسلطان ونايف وسلمان الذين يؤكدون دوماً في تصريحاتهم
التصاقهم بالوهابية ودعاتها ويدافعون عنها وعن تصرفات
مشائخها.
لهذه الأسباب لا يمكن توقّع تغيير راديكالي في مراكز
القوى مع رحيل سلطان.
كما لا يمكن توقع حدوث تغيير في السياسات العامّة للدولة.
فنحن بإزاء أجنحة متصارعة على الحكم وليس بين أجنحة لها
أجندات ومناهج مختلفة.
لكن تبقى الإشارة الى أن غياب سلطان قبل الملك عبدالله،
قد يفتح كوّة في التغيير السياسي على مستوى المملكة، فيما
لو تطور الصراع الى مواجهة مفتوحة بين الأجنحة تدخل فيها
شرائح مختلفة من المواطنين، وفيما لو ضعف نظام الحكم وخفّت
سيطرته المتوقعة برحيل رموز العنف والديكتاتورية والإستبداد،
وحلّ محلّهم شخصيات ضعيفة مهزوزة على شاكلة الملك عبدالله
نفسه.
|