الباحثة الحجازية د. مي يماني
الهجوم على غزة يقلص النفوذ السعودي في المنطقة
|
الدكتورة مي يماني |
أكدت الكاتبة والباحثة السعودية الدكتورة مي يماني،
في محاضرة ألقتها في (كلية الدراسات الشرقية والافريقية)
في جامعة لندن، انه كلما طالت المعركة التي تشنها اسرائيل
ضد غزة وقيادة منظمة (حماس) فيها، كلما انعكس الأمر سلباً
على نفوذ الدور السعودي في المنطقة، وعلى دور السعودية
كقائدة للأنظمة السنيّة التوجه في الشرق الدوسط، وبالتالي
سيتصاعد دور غريمتها الأساسية ايران.
وشددت يماني، التي عملت في مؤسسات أبحاث دولية في بريطانيا
وامريكا وحاضرت في جامعات سعودية وعالمية، في محاضرة بعنوان
(المملكة في حالة ترقب وانذار، في ظل الحرب الباردة في
الشرق الأوسط) ان الملك السعودي يحاول حالياً اعتماد النفوذ
الدبلوماسي المستند الى القوة السياسية (الناعمة) بدلاً
من القوة العسكرية الضاربة، في تعامله مع ايران وحلفائها،
خلافاً لما ترغب به جهات قيادية اخرى في المملكة (بعض
أخوته، والجهات الوهابية) ولما سعت إليه قيادة المحافظين
الجدد.
واستناداً الى ابحاث قامت بها يماني لمؤسسة (كارينغي)
الأمريكية في الأشهر الأخيرة في بيروت بعد عملها في معهد
(بروكينغز) الامريكي، وقبل ذلك في معهد (تشاتهام هاوس)
في لندن، فانها اشارت الى ان الملك السعودي يحاول (تبديل
طبيعة سياسة المواجهة مع ايران، واستبدالها بسياسات أكثر
دبلوماسية، ولكن من دون تخليه عن دوره القيادي لمعسكر
الدول السنيّة في المنطقة، هذا الدور الذي توصلت اليه
السعودية بعد مواجهة مع منافسيها ـ مصر جمال عبد الناصر،
وقيادات القومية العربية واليسار، والقيادات العلمانية
التوجه ـ وبموافقة ودعم أمريكا).
غير ان يماني أشارت ايضاً الى (تحديات تواجهها القيادة
السعودية بشأن منصبها القيادي للمجموعة السنية في المنطقة
آتية من دول خليجية اخرى، ابرزها دولة قطر، التي تتمتع
بعلاقات جيدة مع سائر اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط،
ومع سائر جيرانها بما في ذلك إيران وسورية ولبنان، حيث
قامت بوساطة اخيراً أدت الى عودة الحياة السياسية الطبيعية
الى لبنان).
وأوضحت يماني بأن السعودية (خسرت من شعبيتها في المنطقة
عندما وجهت انتقادات الى موقفي حزب الله اللبناني وحركة
حماس الفلسطينية وتعهدت بأنها ستدعم السنّة في العراق
اذا تواجهوا مع الشيعة في ذلك البلد، في وقت كان العالم
العربي والاسلامي بمواطنيه السنّة والشيعة والمسيحيين
والعلمانيين، يقفون ضد الغزو الامريكي للعراق، والاسرائيلي
للبنان وفلسطين، ويؤيدون الجهات المقاومة لهذين الغزوين
بصرف النظر عن الإنتماء الديني او المذهبي).
وأكدت يماني ان (الملك عبد الله بن عبد العزيز حاول
استخدام الموقع الديني الاسلامي للسعودية لتحويل المملكة
الى مركز لفض النزاعات الفلسطينية ـ الفلسطينية، وطرح
المبادرات العربية للسلام والتوفيق ما بين مواقف دول الشرق
الاوسط، ولكن قيادة امريكا المنتهية ولايتها لم تسمح له
بالنجاح في هذه المجالات، وبالتالي فان القيادة السعودية
تنتظر بحذر وقلق ماذا سيحدث تحت القيادة الامريكية الجديدة
بالنسبة لعلاقتها بالرياض، كما تقلق جهات اخرى حول ما
سيحث بعد وفاة الملك عبد الله ومن سيتسلم السلطة اذا توفي
ايضاً ولي العهد).
وقالت د. يماني بأن الحكومة السعودية اكتشفت في مكة
مصدراً للقوة السياسية الناعمة، فلأول مرة في تاريخها
تحولت تلك المدينة المقدسة من مركز ديني الى أداة في السياسة
الخارجية السعودية، والى موقع اجتماع للقمم والاجتماعات
السياسية، حيث حضر قادة من دول عديدة: الطالبان، الفصائل
الفلسطينية، الفصائل العراقية، عدداً من الاجتماعات. وأضافت
بأن السعودية أرادت فيما أرادت أن ترسل للقادة السنّة
في مصر وخاصة الهاشميين في الأردن الذين هم من أصول حجازية
وكانوا يحكمون الحجاز، بأن السعوديين هم من يقود العالم
الإسلامي والعربي، وأن دور الهاشميين السياسي والديني
في المحيط القيادي العربي انتهى.
وذكرت المحاضرة ان (أحد ابرز الأخطاء التي ارتكبتها
قيادة المملكة في الرياض أنها شجعت التوجه الاسلامي لدى
القيادات الفلسطينية وغيرها في المنطقة ثم قررت معاداة
بعض هذه القيادات متهمة اياها بالتقرب من ايران، وبالتالي
سارت المملكة في مسار فرضته قيادة المحافظين الجدد في
امريكا ولم تنجح في الاستقلال عن هذا الموقف).
وعلقت الاستاذة السعودية في كلية كينغز كوليدج بلندن
الدكتورة مضاوي الرشيد التي حضرت الندوة على هذه الناحية
من المحاضرة بقولها: (ان الدولة السعودية صنيعة للغرب،
وبالتالي فهي ليست دولة مستقلة، إذ ان قيادات الدول الغربية
تملك القرار على السياسات السعودية عموماً. وحالياً ألبست
هذه الدول الملك عبد الله بن عبد العزيز ثوب القائد الاصلاحي،
وهو يقوم بهذا الدور. وانا لا اعتقد بأن لدى الملك السعودي
رؤية جديدة في السياسة الخارجية السعودية، والعملية هي
توزيع الادوار، فالأمراء السديريون يقومون بدور، والملك
يقوم بدور آخر، مما يساهم في دعم قبضة امريكا وحلفائها
على قيادات المنطقة). وأجابت يماني بأنها (توافق بأن امريكا
بعد تفجيرات 9/11 أرادت احكام قبضتها على الدولة السعودية
وتعزيز الدعم السعودي لامريكا، وازداد ذلك بعد فشل المشروع
الامريكي في العراق، وحالياً تسعى واشنطن الى ادارة السياسة
السعودية ضد ايران. وهذا أمر خطير بالنسبة لمصالح السعودية
في المدى البعيد، داخليا وخارجياً، إذ هناك ضرورة للتركيز
على معالجة امور داخلية وخارجية اكثر اهمية من مجاراة
سياسات الآخرين).
وأشارت يماني في رد على سؤال آخر من سفير بريطاني سابق،
شارك في المناسبة، وسأل ما اذا كانت السعودية والأنظمة
العربية المسماة (معتدلة) ضمنياً ترغب بأن يدمى أنف منظمة
(حماس) في المجزرة الحالية القائمة في غزة؟ فأجابت يماني:
(ان بعض هذه الأنظمة يلقي اللوم على حماس وقد وضعت هذه
الأنظمة حماس مع حزب الله وايران في "محور شر" فرضته سياسة
امريكا، فيما حاولت خلافاً لذلك دول ذات اكثرية سنيّة
(كقطر مثلاً) الدعوة الى مؤتمر قمة عربي فأفشلت هذه الأنظمة
"المعتدلة" هذا التوجه واستمرت في موقفها المشجع للانقسام
الطائفي في المنطقة، وهذا التوجه سيكون اخطر على هذه الانظمة
في المستقبل من تأييدها للحرب الامريكية في العراق وخصوصاً
ان الجماهير العربية والاسلامية تقف مع الجهة المقاومة
للاحتلال والمواجهة بالقوة للممارسات الوحشية ضد شعوبها).
وذكرت يماني في هذا المجال استفتاء جرى في مصر عام 2006
وأظهر بأن اكثر ثلاثة قادة شعبية في مصر (ذات الاكثرية
السنية) كان السيد حسن نصر الله والرئيس محمود احمدي نجاد
وقائد حماس خالد مشعل. كما اشارت في رد على سؤال آخر ان
(منطقة الاحساء في شرق السعودية الأغنى بالنفط تضم مجموعات
غاضبة جداً على ما يجري في غزة حالياً، وقد صممت هذه المجموعات
على التظاهر برغم ان السلطة تمنع ذلك، وقامت بمهاجمة المتظاهرين
واعتقالهم، وبالتالي ليس من مصلحة النظام التركيز على
الانقسام السني ـ الشيعي إذ ان اكثرية سكان هذه المنطقة
هي من الشيعة المقربين فكرياً من جيرانهم في العراق وايران).
وكانت يماني قذ استهلت محاضرتها بعرض للتبدلات في السياسة
الخارجية السعودية قائلة بأنه (قبل تفجيرات عام 2001 في
نيويورك وواشنطن كانت السعودية تفضل لعب دورمحدود في السياسة
الخارجية للمنطقة، ولكن بعد ذلك اصبحت تقوم بمبادرات واضحة
بدرجة اكبر). وأضافت ان (الملك عبد الله بن عبد العزيز
قام بزيارات الى دول كالصين والهند وباكستان وماليزيا
واندونيسيا وتركيا في محاولة للانفتاح نحو الدول الآسيوية،
ودعا الملك ايضاً الرئيس الايراني لزيارة السعودية ثم
اشرف على مبادرات تفاوض عديدة. ولكن عندما فشلت السياسات
الامريكية في العراق وايران وسورية ولبنان، تبدل التركيز
الامريكي مما اثر على التوجهات السعودية، وشعرت قيادة
المملكة بأن عليها مجاراة حليفتها امريكا اذا رغبت الاستمرار
في دورها كقائدة لدول "الاعتدال" في المنطقة الذي قبلت
به مصر والأردن وبعض الدول الخليجية).
ويبقى ان نرى ماذا ستتوقعه الادارة الامريكية الجديدة
بقيادة الرئيس باراك اوباما من السعودية والدور السعودي
في المنطقة، اذا ما قررت امريكا تبديل سياساتها تبديلاً
جذرياً. وهذا ما أشارت اليه المحاضرة في اكثر من مناسبة.
|