دولة الخالدين
ضحكت كثيراً وأنا أستمع لأغنية ظهرت بعد الإعلان الرسمي
عن مرض الملك السابق فهد سنة 1996، وجاء البيان على أن
الملك فهد يجري فحوصات طبية. الأغنية تقول: الله أكبر
يا غالي يا مليك البلاد..عسى نتائج فحوصاتك حسب الأمل
والمراد..
وبالرغم من أن الفحوصات الطبيّة المزعومة لم تكن سوى
ستر لحقيقة المرض الذي أصاب الملك، وأنها كانت جلطة أقعدت
به قرابة عقد كامل، وفقد العقل، شرط القوامة السياسية
والأهلية للحكم ولكن حكم فهد البلاد بدون عقل ولا سلامة
في البدن..وقيل بأنه كان يبكي بصوت عالٍ، ويلبس حفاظة
بمقاس كبير تقيه البلل وأشياء أخرى..
ما يلفت أن سر مرض الملك فهد، وكذلك فحوصاته الطبية
بقيت مكتومة إلى حين لحظة موته، وأن بيان الديوان الملكي
نعى الملك فهد دون أن يذكر أسباب الوفاة.. يقول البيان
(بسب مرض عانى منه)..ولا ندري ماهو هذا المرض، وهل كان
معيباً، أم أن مجرد ذكره يجعل الملوك متساويين في أمراضهم
مع بقية البشر، فللملوك أمراض من نوع متميّز، لا يجوز
أن يقاسمهم فيه العباد المحكومين..وكذلك موتهم، فهو أيضاً
ذو معنى خاص، لا يشاطرهم فيه أحد من المخلوقين.
مهما يكن، فقد أبت العائلة المالكة إلا أن تبقي على
سرّ أمراض أعضائها، الذين لا يغادرون دار الدنيا إلا بعد
الانتهاء نت (الفحوص الطبية).. يتكرر المشهد مع كل الملوك
والأمراء السابقين واللاحقين، فكل من يدخل المستشفى منهم
يخضع لمجرد (فحوص طبيّة روتينية)، مهما كان نوع المرض
أو درجة خطورته، ومن اللافت أن تأتي نتائج الفحوصات (طيبة
ومطمئنة) على الدوام، وإذا ما غاب أحدهم عن الأنظار، فإن
غيبته تعود الى (فترة نقاهة) وما أكثر النقاهات في عمر
هذه العائلة.
حين زار رئيس هيئة البيعة الأمير مشعل بن عبد العزيز
أخاه العليل الأمير سلطان في جنيف، وناشده بالتخلي عن
منصبه كولي للعهد، استجابة لنصيحة الأطباء الذين طلبوا
منه عدم بذل أي مجهود بدني قد يؤثّر على صحته، ولكنه رفض
وذكّر أخاه الأمير مشعل بحال الملك فهد الذي كان يدير
البلاد من على كرسي متحرّك، وأنه كان معطّل الحواس..ومع
ذلك دام ملكه عشر سنوات، فلماذا يتنازل عن منصبه ولم يذهب
عقله، أو يصاب بإعاقة تقعده عن الحركة.
يقاوم الأمراء قوانين الطبيعة، ولا يرون لها أثراً
على امتيازاتهم التي خلقوا من أجل التمتّع بها، فمجرد
وجودهم على قيد الحياة، بصرف النظر عن طبيعة الوجود، يمنحهم
حقاً تاريخياً وإلهياً بمباشرة أمور الحكم، ولو من وراء
زجاجة في غرفة الإنعاش..ولأنهم لايعترفون بأي قانون، بما
في ذلك القانون الطبيعي الذي يجري على جميع العباد، فإنهم
لا يقرّونه، إلا في حال الموت، وعلى من يأتي بعدهم أن
يبرره بالطريقة التي تحفظ موقعه في الحكم، وعليه مسؤولية
الدفاع عن حقه في القوامة، غير الخاضعة لضوابط ولا شرائع!
منذ سنوات ونحن نسمع بأن الأمير سلطان يعاني من سرطان
في الجهاز الهضمي، وخضع لعملية جراحية لاستئصال كيس معوي،
وكل ذلك في إطار (الفحوصات الطبيّة الروتينية)، ولكن لم
بقيت أنباء الفحوصات مستمرة، ولو كانت حقاً مجرد فحوصات
لما أتى الديوان الملكي على ذكرها، ولكن لأن هناك شيئاً
مكتوماً فلا بد أن لا ينبعث الهلع في نفوس المواطنين على
صحة ولاة الأمر، أراحهم الله من المقام بين الشعوب.
بعد جولات طبيّة بين جنيف وأغادير والرياض، استقر ولي
العهد الأمير سلطان في مايو كلينيك، بمدينة نيويورك الأميركية
في 23 نوفمبر الماضي، على أمل أن يحسم الجدل حول طبيعة
العلاج المناسب لمرض السرطان الذي عاوده في نفس المكان
الذي جرى استئصال الورم منه في مرة سابقة.
الفترة العلاجية الممتدة لا بد أنها أثارت أسئلة حول
طبيعة (الفحوصات الطبية) التي يخضع لها سموه، فيما يبعث
حجم الوفد المرافق له علامة استفهام كبيرة. المقرّبون
من الأمير ذكروا بأن العلاج الكيماوي ثم الإشعاعي كان
قاسياً، ما جعله منهكاً، الأمر الذي ضاعف من مسؤولية (فريق
المكياج) كيما يبقي على الحيوية المصطنعة للأمير، خصوصاً
في فترات الاستقبال والتوديع، التي تمثّل جزءً محبباً
في جدول أعمال الأمير.
أنهى الأمير سلطان العلاج الإشعاعي القاسي، ومازلنا
في خضم الحديث عن (فحوصات طبيّة روتينية)، وغادر عيادة
مايوكلينيك الى أغادير في 10 يناير الجاري حيث يمضي فترة
نقاهة قبل أن يعود الى نيويورك في الولايات المتحدة لاستكمال
علاجه..ومن الغريب أن بيان الديوان الملكي يقول بأن ولي
العهد (أنهى الفحوصات الطبية اللازمة في مدينة نيويورك)
مؤكداً على أنها (كانت مطمئنة). فإذا كانت مطمئنة فلماذا
يعود الأمير الى (نيويورك لمتابعة العلاج في وقت لاحق)
بحسب نص بيان الديوان الملكي.
لا.. ليس هناك ما يدعو للتساؤل ولا القلق، فالفحوصات
الطبيئة مطمئنة، والنقاهة مطلوبة، ومتابعة العلاج كلها
أشياء متسلسلة منطقياً، وعلى المواطنين قبول ما ورد حرفياً
في بيان الديوان الملكي، وليس هناك ما يستحق التفكير فيه،
فنحن في بلد تسير فيه الأمور بشكل إعتيادي، وأن الملوك
والأمراء لا يمرضون فهم يخضعون للفحوصات الطبيّة الروتينية
فحسب ثم يموتون بإذن الله، أقصد بأمر الله سبحانة وتعالى،
وليس هناك ما يدعو للقلق!
|