(أُعفي من منصبه بناءً على طلبه)!
هل هو إنقلاب ملكي أبيض يأتي بـ (وعاظ سلاطين جدد)؟
ناصر عنقاوي
أسماء عديدة كررت مراسيم ملكية إقالتها يوم 14/2/2009
تحت عنوان (يعفى منصبه بناءً على طلبه)!
بعضهم اعتبرها مذبحة للجناح السديري الذي ينتظر وفاة
زعيمه ولي العهد الأمير سلطان في نيويورك.
وبعض آخر رآها مؤامرة من العائلة المالكة، تشي باتفاق
مشترك لإضعاف المؤسسة الدينية.
كثيرون وجدوا في إزاحة وجوه قديمة والإتيان بوجوه جديدة
مجرد تغيير في الوجوه لا في السياسات.
وبعض آخر رأى ما جرى مجرد (تعديل) لا (تغيير).
قال قسم من المحللين أنه جاء تجاوباً مع طلبات واشنطن.
وقال آخرون بأن لا علاقة لما جرى بالإصلاح ولا بحقوق الإنسان
ولا بما يزعم من حوار وطني.
ماذا جرى؟
لقد أُطيح برئيس مجلس القضاء الأعلى، الشيخ صالح اللحيدان،
فأُعفي من منصبه (بناءً على طلبه طبعاً)، وتم تعيين رئيس
مجلس الشورى الشيخ صالح بن حميد بدلاً منه.
وصالح اللحيدان هو الذي أفتى بقتل ملاك القنوات الفضائية
الفاسدة، ومعظمهم فيما هو معلوم من الأمراء السعوديين.
واللحيدان اعتاد على اشهار عدائه للملك عبدالله حتى قبل
أن يصبح ملكاً، وكان يرفض أية طلبات منه، حتى مجرد أن
يقابل شخصاً أو شخصية من داخل المملكة! وكان يقول بأن
عبدالله لا يستطيع أن يفعل له شيئاً.
الآن تمّت الإطاحة به بعد أن نضج التشهير به داخلياً
وخارجياً.
ما جرى أكثر من الإطاحة بشخص. فهناك هيئة كبار العلماء،
التي تم توسيعها لتشمل 21 عنصراً. وقد أُطيح بالطاقم العجوز
القديم، وجيء باشخاص آخرين قيل أن أكثرهم شباب (في الأربعينيات
من العمر). بعض هؤلاء وهابيون ينتمون الى المنطقة الجنوبية
تستطيع تمييزهم تحت مسمى العائلة التي ينتمون اليها: الغامدي،
القرني، الحكمي، الخ.
هل كانت العائلة المالكة تريد ارسال رسالة الى مشايخها
الوهابيين (النجديين) بأنها لن تكون رهينة بيدهم، وأنهم
لم يتجاوبوا بما فيه الكفاية مع الدولة حين كانت تمر بمحنة
ما بعد 9/11، من أجل إحداث تغييرات ولو شكلية تخفف الضغط
عن الوهابيين ودولتهم وحكامهم، فلم يتنازلوا حتى عن الشكليات
ما أدّى الى معاقبتهم وتوجيه رسالة واضحة لهم تقول: بأن
العائلة المالكة تستطيع أن تأتي بوهابيين آخرين أكثر مطواعية
وشباباً ولكن من خارج نجد؟! وأن شرعية حكم العائلة المالكة
ليست محصورة في مشايخ نجد، بل يمكن ان تأتي الشرعية من
مشايخ آخرين وهابيين من مناطق أخرى؟
ما جرى يمكن اعتباره (مذبحة) لهيئة كبار العلماء.
طاقم جديد لا علاقة وثقى له بالقدماء. بحيث بدا أن
تهميش كبار علماء نجد وإزاحتهم ضرورة لآل سعود وحكمهم.
فهل هذا ما حدث فعلاً؟ أم أنه سينظر اليه على أساس انه
تهميش لنجد وليس للمذهب الوهابي، باعتبار ان من حل مكان
القدماء العجزة مشايخ شباب ولكنهم وهابيون أيضاً؟
ايضاً هل كانت الإطاحة بمشايخ الطبقة الوهابية النجدية
الأولى قد تم بالتوافق بين الجناح السديري مع الملك أم
لا؟
كلنا يعلم أن الجناح السديري هو المسيّر والمنشّط للمشايخ،
وهم أداة بيد هذا الجناح يستخدمه ضد الملك، والمشايخ أقرب
ما يكونوا الى الأمير نايف، فهو الذي يزودهم بمصادر القوة،
ويقدم لهم الحماية، فيما يدافع عن اخطائهم كما يفعل اخوانه
ايضاً سلمان وولي العهد سلطان. ولا يمكن أن يتخلّى هذا
الجناح السديري عن أحد أهم مصادر قوته وهم المشايخ فيقبل
بتصفيتهم من مواقعهم بدون توافق.
ولأن الملك ضعيف، فمن الصعب ـ وإن كان غير مستحيل ـ
أن نحلل ما جرى وكأن (الملك تغذّى بالسديريين قبل أن يتعشّوا
به). أي قبل أن يقيلوا الملك بتغطية شرعية وفتاوى من المشايخ
الذين أزيحوا الآن من مواقعهم البيروقراطية العالية.
من الصعب توقع ذلك، لأن الملك ضعيف للغاية، وهو لا
يتمتع بالجرأة في معالجة الأمور، ولم يعود المواطنين على
حلول راديكالية، وهو قد قبل أن يكون ثالث ثلاثة في حكم
المملكة، له معظم الواجهة (الإسم والسمعة كملك) في حين
ان الدولة تدار من قبل سلطان ونايف.
لذا يميل البعض الى تحليل الأمور بشكل مغاير، ويعتقد
بان اتفاقاً جرى بين الجناحين ـ خاصة وأن سلطان ولي العهد
على أبواب القبر ـ بحيث يتخلّى الجناح السديري عن معارضته
لضرب الوجوه المتحجرة في المؤسسة الدينية غير المطواعة
بما فيه الكفاية للعائلة المالكة، على أن لا يعترض الملك
في المقابل على أن يصبح الأمير نايف ولياً للعهد القادم
خليفة لشقيقه سلطان في حال توفي هذا الأخير.
بمعنى آخر، فإن ما جرى من (مذبحة) للمشايخ الكبار،
إنما هو جزء من اتفاق أوسع بين الملك والجناح السديري،
حول موضوع (الخلافة) او (ولاية العهد).
لكن.. إن كان ما قام به الملك بجهده وحده، وبدون رغبة
من الجناح السديري، أي أن الملك انتهز فرصة مرض سلطان
فقام بما قام به مدعوماً بجناحه الذي ينتظر بعض أعضائه
أخذ مواقعهم ويطيحوا بموقع السديريين المتميز منذ الستينيات
الميلادية الماضية.. إن كان هذا هو ما حصل فعلاً، فحينها
تصبح المعركة مختلفة اللون.
في التاريخ يمكن أن يحدث مثل هذا. شخصية سياسية ضعيفة
تقرر فجأة أن تكشر عن أنيابها فتطيح بخصومها السياسيين.
لنتذكر ما فعله السادات بمراكز القوى الناصرية. يومها
لم يكن يمتلك القوة ولا يهش ولا يبش، ولكنه فعل ذلك. حتى
الملك سعود رغم ضعفه حاول الإطاحة بفيصل، لولا خذلان المشايخ
له. الآن الملك عبدالله قد يكون قرر الإطاحة بالسديريين
(السدارة) لينفي صفة الضعف عن نفسه، وليزيح ركاماً كبيراً
من النكات الشعبية التي تطلق عليه والتي تسخر من ضعفه
السياسي وضعف منطقه وضعف أعضاء جناحه الذين عادة ما يطلق
عليهم صفة (الدبش)!
قد يكون الملك قرر فعل ما فعله بالمشايخ بدون اتفاق
مع الجناح السديري. وحتى لو كان باتفاق فإن الجناح السديري
يستطيع الزعم اذا ما تعرضت مواقعه للخطر بأنه لم يتفق
مع الملك على ذلك.
هذا يعني التالي:
ـ ان المشايخ الغاضبين المستائين من قرارات التصفية
لن يسكتوا، وسيحركون الشارع أو أتباعهم بقدر كبير، وستكون
حركتهم أقوى فيما لو ساندهم الجناح السديري. المشكلة ليست
في تغيير وجوه قديمة بأخرى ناعمة. وليست المشكلة في تغيير
وجوه متحجّرة بأخرى أكثر مطواعية لمصالح العائلة المالكة.
المشكلة الأكبر ان التغيير عوّم موقع نجد الديني واعتبارها
الممثل للمذهب الوهابي، فضلاً عن تمثيلها الديني لكل التنوع
المذهبي في المملكة.
ـ لأول مرة في تاريخ المملكة الحديث تتفق الأطراف السلفية
(النجدية بالتحديد) على موقف مشترك من العائلة المالكة.
فلا الصحويون حصلوا على شيء من التغيير الجديد، وكأن النظام
يقول لهم بأنكم غير موثوقين (وعندنا غيركم)، ولا التقليديون
الموالون عادة للعائلة المالكة شفعت لهم تقليديتهم ودفاعهم
عن الحكم فبقوا في مناصبهم، ولا المعارضون والقاعديون
وغيرهم راضين في الأساس عن الحكم. الجميع اعتبر ما جرى
موجّهاً ضدّه، وأنه جرى تجاوزه، والأهم انه جرى تجاوز
التراث السياسي والتاريخي للنخبة النجدية.
ـ ثالثاً إن العائلة المالكة رغم تطعيمها هيئة كبار
العلماء بمشايخ من خارج التيار السلفي. فإن هذا التطعيم
محدود، وهدفه إظهار تلك العائلة وكأنها تمثل التنوع المذهبي
السنّي في السعودية، عدا الصوفية والشيعة طبعاً. أي ان
العائلة المالكة تريد الزعم بأن شرعيتها الدينية بأن تحكم
تأتي من مختلف مكونات التنوع وليس من المذهب الوهابي الأقلوي
المفروض على الشعب منذ قيام الدولة السعودية. هذا الزعم
غير دقيق بل غير صحيح. فالكلمة لازالت للوهابية، والمشاركون
في هيئة كبار العلماء من المذاهب الأخرى مجرد أقلية أقرب
ما تكون الى أن تكون ديكوراً، ولكن وجودهم حمل إشارة سياسية
ذات مغزى مهم.
التغييرات السياسية
زيد أعضاء مجلس الى 170 عضواً. كلهم معيّنون. أي أن
التغيير جاء في الوجوه والأعداد وليس في الصلاحيات ولا
طبيعة التمثيل. ما يعني أنه لو صار عدد أعضاء مجلس الشورى
ألفاً! فإن ذلك لا يعني توسيعاً للمشاركة الشعبية في الحكم،
ولا استجابة من العائلة المالكة لما تزعمه من تغيير سياسي
متدرج. ومع أنه مجلس معيّن، فإن التمثيل للمناطق والمذاهب
غير متوازن على الإطلاق. مع أن الأمير سلطان ولي العهد،
صرح قبل بضعة أشهر، بأن مجلس الشورى القادم سيكون أكثر
تمثيلاً لكل (القبائل) والمناطق!
لازالت نجد تستحوذ على النسبة الأكبر من أعداد مجلس
الشورى رغم أن سكانها لا يصلون الى ربع السكان.
ولازال حضور مشايخ الوهابية أو من يمثل المذهب الوهابي
فاقعاً في المجلس. في حين أن نسبة تمثيل الشيعة (15% من
السكان) هي أقل من ثلاثة بالمائة (خمسة أعضاء) وكذلك الحجازيين
لا يزيد تمثيلهم عن 14%، في حين أن عددهم السكان يفوق
الـ 28% من السكان.
ثم إن رئاسة المجلس لاتزال نجدية، وقد أعطي المنصب
لأحد أعضاء عائلة ال الشيخ، كما أن أكثر اللجان يرأسها
نجديون.
في الوزارات، لم يتغير شيء ذو أهمية. طار وزير وجيء
بآخر. لكن المهم في التغيير الوزاري المحدود هو أن الملك
عيّن أحد الأمراء المقربين منه ـ وهو من خلفية استخبارية
ـ وزيراً للتعليم العالي، كما أن نائبه من جماعة الملك
أيضاً. بمعنى آخر أن وزارة التعليم صارت كاملاً بيد الملك.
هذا لا يغير الحال كثيراً في لعبة الصراع على الحكم
بين أجنحة العائلة المالكة.
تعيين امرأة نائبة وزير التعليم (ترعى تعليم المرأة)
مجرد رسالة للغرب بأن النظام منفتح على متطلبات الغرب
بشأن حقوق المرأة السعودية!
باقي التعديلات الوزارية هي من نوع ما يجري في كل بلدان
العالم الديكتاتوري أو الديمقراطي، ولا تحمل أهمية خاصة.
الوزارات السيادية لم يتغير حالها منذ عقود.
وزارة الدفاع لازالت بيد سلطان (ولي العهد ووزير الدفاع)
منذ عام 1962، أي أنه في وزارته منذ 47 عاماً فقط!
وزارة الداخلية بيد نايف منذ عام 1975م.
ووزارة الخارجية بيد سعود الفيصل منذ مقتل أبيه عام
1975م.
خالد بن سلطان يقوم بتلميع نفسه، في الصحافة المحلية
وفي الحياة التي يمتلكها، لكي يكون خليفة لوالده. فيما
عمّه نائب وزير الدفاع عبدالرحمن يريد الاستيلاء على الوزارة.
وزارة الداخلية يديرها عملياً محمد بن نايف، فيما عمّه
الأمير احمد نائب وزير الداخلية يريد مجرد استعادة موقعه
ولا يحلم بأن يسيطر عليها!
وزارة الخارجية لم تعد فاعلة فالأمراء الكبار يصنعون
السياسة وسعود الفيصل مجرد موظف صغير لا يحل ولا يربط
كثيراً.
هذه التغييرات التي استغرقت من الإعلام العربي وقتاً
كثيراً لا علاقة لها بالإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية.
هي مجرد ترتيب للبيت الداخلي السعودي استعداداً لما بعد
وفاة ولي العهد سلطان.
وهي تغييرات او تعديلات لا علاقة لها بتطوير حقوق الإنسان
في السعودية وزيادة دور المرأة، مع ان الملك عين رئيساً
جديداً لهيئة حقوق الإنسان (الحكومية). فالعاملون في هذه
الهيئة كما وصفتهم ناشطة حقوقية مجرد (وعاظ سلاطين جدد).
|