|
|
|
مشروع تحالف سعودي |
|
هل تتم التضحية بالحلف مع
إيران؟ |
الصراع على سوريا
السعودية.. إجماع عربي لمواجهة التحدي الإيراني
ناصر عنقاوي
لماذا تشكل إيران تحدياً خطيراً؟
باختصار: لأنها من وجهة النظر السعودية، سبب المشاكل
جميعاً في المنطقة!
هذه هي لغة الخطاب السائدة لدى جناح المعتدلين العرب.
من هنا دعا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الى
ما أسماه بـ (رؤية عربية مشتركة) للتعامل مع التحدي الإيراني،
والذي صنّفه ضمن ثلاثة محاور: محور الملف النووي الايراني؛
وملف أمن الخليج؛ وملف (التدخل) الإيراني في العراق ولبنان
وفلسطين.
لم يقدم الأمير سعود الفيصل مشروعاً لمواجهة التحدّي،
ونرجّح أنه لم يفعل حين استقبل المعلم في الرياض، ثم حين
استقبل الملك السعودي عبدالله كلاً من الأسد وامير الكويت
ورئيس مصر.
حتى الآن لا تبدو الفكرة السعودية ناضجة، رغم معرفة
مآلات المقترح. كما أن رؤية مشتركة أصعب من أن تتبلور
في هذه الظروف.
المثير في الطرح السعودي حول مواجهة التحدّي الإيراني،
أنه جاء في ذات الوقت الذي أعلن فيه سعود الفيصل عن اتصالات
ايجابية بين الرياض ودمشق، ما فسّر بأن السعودية تحاول
أن تجعل من مواجهة التحدّي الإيراني، القاعدة التي ينطلق
منها الإجماع العربي.
اذا كان الإجماع العربي ـ من وجهة نظر السعودية ـ قد
تفكك بسبب اختلاف الرؤية حول مواجهة العدو الإسرائيلي،
فظهر متمسكون بالمواجهة وآخرون بالحل السلمي، فإنه ـ وحسب
وجهة النظر تلك ـ يمكن توليد إجماع عربي آخر على قاعدة
العدو الإيراني الجديد.
لاحظ السعوديون أن الانشقاقات العربية (الكبرى منها)
جاءت بسبب الإختلاف في تصنيف اسرائيل: عدو استراتيجي،
عدو مستقبلي، عدو يمكن أن يتحول الى صديق، عدو يمكن أن
يعقد السلام معه. لم يتعمق الإنشقاق بين حلفي المعتدلين
والممانعين إلا بعد حرب اسرائيل على لبنان (حرب تموز 2006)
وإلا بعد حرب اسرائيل على غزّة.. وفي كلتا الحربين كان
العامل الإيراني واضحاً متقدّماً في رهاناته السياسية.
السعودية إذن، تبحث عن إجماع عربي يقفز على أصل المشكلة
الذي تفكك بسببها النظام العربي.
فإذا كان ولا بدّ من وجود عدو يشدّ اللحمة الداخلية
للنظام العربي، فليكن إيران.
وهذا العدو ـ وإن صعب تسويق عدائه اليوم ـ إلا أن الأمر
ليس مستحيلاً، من وجهة النظر السعودية.
أدوات تحشيد العالم العربي تجاه العدو الجديد ممكنة
من الناحية النظرية، إذ يمكن استدعاء الصراع التاريخي
الشيعي السنّي، ويمكن استدعاء الصراع المفتعل الفارسي
العربي والذي يراه السعوديون الوهابيون يمتد الى ما قبل
الإسلام، لتحتشد المشاعر وتتوتر تجاه الخطر الإيراني الداهم.
ويمكن أيضاً حشد الأنظمة العربية، أيضاً نحن نتحدث عن
وجهة النظر السعودية، فأكثرها لا مصالح تجمعه بإيران،
ولا مخاطر تخشاها، وليس المطلوب منها سوى إعلان موقف سياسي
يرضي السعوديين ويمكن تسلّم الثمن مقابله.
قطع العلاقات المغربية الإيرانية كان مثالاً واضحاً،
لما يمكن للسعودية أن تعمّمه على بلدان عربية أخرى!
فبمبررات ضعيفة ـ إن لم تكن تافهة ـ فاجأت المغرب الجميع
ـ عدا السعودية! ـ بقطع العلاقات مع ايران.
في حين أن السعودية نفسها لا تجرؤ على قطع العلاقات
مع ايران، حتى مع افتراض أن لديها مبررات تجاه ذلك. والسبب
هو أن قطع العلاقات تصعيد سياسي وأمني لا تستطيع السعودية
اليوم تحمّل تبعاته، خاصة وأن حلفاء السعودية الغربيين
متجهون الى فتح صفحة علاقات جديدة مع طهران، ما يجعل السعودية
مكشوفة في الصراع.
ولكن بماذا ستبرر السعودية قطع علاقاتها، وما هو مصير
الإتفاقات العديدة الإقتصادية والعلمية والسياسية والأمنية
التي وقعت أكثرها مع طهران قبل حلول الألفية الثالثة؟
من المؤكد أن دول الخليج الأخرى نفسها لا تريد أن ترى
سيناريو كهذا، ولا يبدو أنها على استعداد لمجاراة الرياض
في قطع العلاقات مع طهران لو فكرت السعودية بذلك.
المحور السياسي المصري السعودي السوري الذي حكم العالم
العربي لعقود طويلة تفكّك على قاعدة التعاطي مع اسرائيل.
بدأ التفكك منذ أن قررت مصر فك صراعها مع اسرائيل وتوقيع
اتفاقية كامب ديفيد، وتطوّر الإنشقاق فيما بعد حين انضوت
السعودية لذات التوجّه المصري، وكان يمكن لسوريا ان تنضم
لاحقاً للحليفين السعودي والمصري. لكن المشكلة هي أن اليافطة
التي رفعت وحملت صورة حمامة السلام فشلت مع الفلسطينيين،
ثم ـ وهذا هو الأهم ـ أرادت السعودية، وهي دولة غير مواجهة
لاسرائيل إجبار سوريا على تغيّر وجهتها هي الأخرى، بل
تقدمت الرياض بمبادرات وكأنها المتحدث عن سوريا وقضيتها.
الشرخ الآن عميق، لا يمكن تجاوزه بسهولة وبوقت قياسي.
كان شعور السعوديين طافحاً بالألم وهم يتقدمون خطوة
الى الإمام تجاه سوريا، متراجعين عن مواقفهم السابقة التي
لم تكن تقبل بأقل من الإطاحة بالنظام السوري، أو بتراجعه
عن مواقفه السياسية الداعمة لحزب الله وحماس وأطياف المقاومة
الفلسطينية الأخرى.
كانوا مجبرين الى حدّ بعيد.
فهم قد شهدوا التحوّل في مواقف الغرب، ابتداءاً من
فرنسا وانتهاءاً بالولايات المتحدة الأميركية.
لم يعد النظام السوري محاصراً كما كان يريد السعوديون
الذين انتقدوا بمرارة الرئيس ساركوزي الذي مهد ـ بنظرهم
ـ الطريق الى فك العزلة عن نظام دمشق، ولازالت المرارة
طافحة حتى اليوم.
ولاحظ السعوديون أن مصر هي الأخرى لا تريد الإستمرار
في لعبة حصار سوريا، ومثلها الأردن، إذ تبيّن ان تغيير
سياسات دمشق عبر الحصار قد فقد مصداقيته وأي أثر له، إن
لم يكن قد قوّى النظام نفسه.
خشي السعوديون أن يكونوا وحدهم في خط المواجهة الأول
مع نظام دمشق. وعبثاً حاولوا فرض رأيهم على دول الخليج
الأخرى، عبر بوابة مجلس التعاون، ولكنهم وجدوا آذاناً
صمّاء.
لم تكن الإمارات ولا الكويت وبالقطع قطر وحتى عمان
مستعدة لتبنّي السياسة السعودية.
ما هو الحل، وها هي غزّة ـ الدرس الأخير ـ أثبت أن
جناح الممانعة أقوى مما كان يتصور حلف المعتدلين حتى وإن
تدخلت اسرائيل عسكرياً لصالحه.
إذا كانت السعودية تراهن على تفكيك التحالف السوري
الإيراني، وتعتبره ثمناً لعلاقات متينة معها، فإن رهانها
خاسر.
ببساطة.. لأن ما تعد به السعودية أقلّ إغراءاً، وغير
مضمون.
الحلف السوري الإيراني عاد على سوريا بمكاسب استراتيجية.
لقد حمى النظام من السقوط وقوّاه في مواجهة الضغوط
التي كانت السعودية وإسرائيل طرفين قويين فيها.
ووفّر ذلك التحالف للنظام السوري إعادة انتاج مشروعيته،
عبر التصاقه بالمقاومة في فلسطين ولبنان.
كما وفر التحالف الإيراني السوري دعماً اقتصادياً وعسكرياً
وتسليحياً وخبرات اقتصادية كبيرة، فضلاً عن دعم لقطاع
السياحة.
وأهم من هذا كلّه، أن التحالف أثبت نجاحه.
ما عسى أن تقدّم السعودية؟
السعودية اعتادت على التعامل مع النظام السوري من (الأعلى).
لم تجد فيه سوى نظام يبحث عن مساعدات، فقطعتها عنه.
وفيما يتمتع التحالف السوري الإيراني بالثقة والترابط
اكثر فأكثر، فإن السعودية علمت السوريين أن لا يثقوا بهم.
أن لا يثقوا بتواصل دعمهم، أن لا يثقوا بوضع استراتيجية
بعيدة المدى معهم، أن لا يثقوا بأنهم لن يغدروا بهم بعد
تجربتين انقلابيتين، إحداها في منتصف التسعينيات بين فهد
ووجوه اسرائيلية ـ حسب وثيقة أميركية، وأخرى قبل نحو عامين.
ما تعد به السعودية نظام دمشق الآن يمكن التنبؤ به:
ـ دعماً مالياً، وهناك حديث (إشاعات) عن عرض سعودي
بثلاثة مليارات ابتداءاً، ثم مليار دولار لمدة خمس سنوات.
ـ مساعدة سوريا في تحسين علاقاتها مع الغرب، والتوسّط
لها لدى الولايات المتحدة بوجه خاص!
ـ تنشيط عملية الإستثمار السعودي في سوريا، وزيادة
الكوتا السورية من العمالة المستقدمة الى السعودية.
ثمن رخيص فيما يبدو، وغير مضمون أيضاً.
فالسوريون يفتحون عينهم على الملف الإسرائيلي، لا على
الملف الإيراني.
إنها الجولان وليس طهران، فكيف ستستعاد؟ هذا ما يشغل
بال السوريين.
السوريون غير مقتنعين بمنهج السعودية السلمي والمبادراتي
في استعادتها او استعادة الحقوق العربية الأخرى. وقد طالب
الأسد في اجتماع الكويت مؤخراً بالتراجع عن المبادرة العربية،
ما اضطر الملك السعودي الى الحديث عن أن المبادرة العربية
لن تبقى على الطاولة الى ما لا نهاية!
ليس أمام السعودية ما تقدمه لسوريا في هذا الشأن، غير
مبادرتها العربية، والسوريون اليوم أكثر اقتناعاً من أي
وقت مضى بأن معركة السلام مع اسرائيل خاسرة، ولن تتحصل
سوريا على حقوقها إلا بتغيير في البنية العسكرية لديها
ولدى المقاومين المتحالفين معها.
هنا تصبح العروض السعودية لسوريا غير مغرية، وليست
جديرة بالثقة.
السعوديون انفسهم صاروا متيقنين بأن سوريا لن تتنازل
تحت أي ظرف عن علاقاتها الإستراتيجية مع ايران. باختصار
لأن الأخيرة تقدم لسوريا ما لم تقدمه السعودية ودول الخليج
مجتمعة.
|