|
سايمون هندرسون
|
السعودية تسير في معترك التغيير .. ببطء
سايمون هندرسون
أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله، في 14 شباط/فبراير،
مجموعة من التعيينات الوزارية والقضائية والبيروقراطية.
وتشمل هذه التغييرات، المفاجئة في توقيتها ونطاقها، تعيين
اول إمرأة سعودية في منصب نائب وزير، وتهدف، وفقاً لما
ذكره وزير العمل غازي القصيبي، "الى تسريع الاصلاحات القضائية
والتعليمية الجديدة". ويبقى تحقيق مثل هذه الإصلاحات محل
تساؤل في ظل السرعة التقليدية البطيئة جداً التي تتّسم
بها وتيرة التغييرات الإدارية في المملكة العربية السعودية.
وعلاوة على ذلك، هناك العديد من القوى الدينية والمحافظة
التي قد تحول دون تحقيق المزيد من الإصلاحات.
التعديل الأول منذ توليه العرش
يعد [القرار] الأكثر إثارة للجدل هو تعيين الأمير فيصل
بن عبدالله بن محمد - الذي ينتمي الى فرع من العائلة المالكة
لا يطالب مباشرة بالعرش- وزيراً للتربية والتعليم (وستكون
المرأة المعينة، نورا الفايز نائبة وزيرالتعليم لشؤون
البنات). ويُعتبر الأمير فيصل تقدّمياً، وقد أسّس خزان
فكري [أو مركز أبحاث] يُعنى بإصلاح التعليم العالي. وكان
حتى تعيينه واحداً من كبار مسؤولي جهاز الإستخبارات الخارجية،
وقبل ذلك أحد كبار ضباط "الحرس الوطني السعودي"، وهو الجهاز
المعني بحماية النظام الذي يترأسه الملك عبدالله لمدة
تزيد عن 40 عاماً. لكن أهم ما يميّز الأمير فيصل هو أنه
متزوج من إبنة الملك عبدالله، "عادلة"، مما يعطي لمبادراته
السياسية سنداً قوياً. [وتشتهر] الأميرة "عادلة" بقوة
آرائها الشخصية بصفتها إحدى الأميرات السعوديات القليلات
اللواتي تلعبن ما يشبه الدور في الشأن العام وقد عُرِفت
بتأييدها لحق المرأة في قيادة السيارة (المملكة العربية
السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يسمح فيها
للمرأة بقيادة السيارة).
وفضلاً عن الأمير فيصل، برزت أسماء أخرى من المقربين
للملك عبدالله في قائمة التعديلات [الأخيرة]، فوزير الصحة
الجديد عبدالله الربيعه الذي كان المسؤول عن الشؤون الصحية
في "الحرس الوطني السعودي"، اكتسب شهرته من خلال نجاحه
كجراح في عمليات فصل التوائم الملتصقة. والنائب الآخر
الجديد لوزير التربية والتعليم هو فيصل آل معمر، الذي
كان يشغل منصب الأمين العام لـ"مركز الحوار الوطني" وهو
الآلية الرئيسية التي اعتمدها الملك عبدالله من اجل السماح
بالنقاش العلني- ولو بشكل مبدئي- للمواضيع المثيرة للجدل
في المملكة العربية السعودية. والرئيس الجديد "للهيئة
السعودية لحقوق الإنسان" هو بندر العيبان وهو عضو سابق
في "مجلس الشورى"، وكان قبل ذلك ضابطاً في "الحرس الوطني
السعودي" ملحقاً بسفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن.
فريق عمل الملك عبدالله
ربما أفضل ما يوصف به الملك عبدالله الذي ناهز السادسة
والثمانين من العمر، ويشاع أن قدرته على العمل أصبحت محدودة،
بأنه المشرف على هذه التغييرات أكثر مما هو "مهندسها".
ولكنه يسمح لمجموعة من المستشارين المقرّبين بتطوير أفكار
وسياسات تدفع بعجلة الإصلاحات السياسية والاجتماعية [إلى
الأمام] وفقاً للمعاير السعودية، حتى وإن كانت هذه الاصلاحات
تعتبر حداً أدنى ومتأخرة وفقاً للمعايير الأقليمية. ومن
بين أبرز المستشارين المحيطين بالملك عبدالله يأتي وزير
الخارجية الأمير سعود الفيصل ووزير العمل غازي القصيبي
(وهو شاعر وكاتب أيضاً) وخالد التويجري الأمين العام لهيئة
البيعة التي لم يتم اختبار آليات عملها بعد والتي أُعلن
عنها في عام 2007 من أجل تأكيد تعيين ملوك المستقبل. وهناك
أيضاً السفير السعودي في الولايات المتحدة عادل الجبير
الذي يبدو أنه يقضي وقتاً مع الملك يعادل ما يقضيه في
واشنطن.
مواجهة رجال الدين الإسلاميين
كما لو أن تعيين إمرأة في منصب وزاري لم يكن إهانة
كافية للمؤسسة الدينية السعودية المحافظة والمناوئة للمرأة،
قام الملك عبدالله أيضاً باستخدام صلاحياته لتغيير قيادتها؛
حيث أعفى الشيخ المتشدد صالح اللحيدان من رئاسة "المجلس
الاعلى للقضاء" وهو الذي صرح السنة الماضية بجواز قتل
أصحاب محطات التلفزيون الفضائية التي تبث مواد "غير اخلاقية"،
(كان اعتراضه بشكل خاص على مسلسل تركي يحظى بشعبية واسعة،
ولكنه أوضح في وقت لاحق بأنه ينبغي وجود مسار قضائي قبل
تطبيق عقوبة الاعدام). كما تم عزل رئيس الشرطة الدينية
[التي تعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] التي
أثارت طرقها البالية بفرض أحكام الشريعة الإسلامية الصارمة
في انماط الحياة اليومية والتحكم في العلاقات بين الجنسين
إستهجاناً متزايداً في المجتمع السعودي. كما تم أيضاً
تعيين رئيس جديد لـ"هيئة كبار العلماء" التي تضفي الشرعية
الإسلامية على "حكم آل سعود".
التحديات
نُسب غياب التغييرات المتوقعة أو تأجيلها في العام
الماضي، من أجل توخي الحذر أو بسبب فتور الهمّة من جانب
الملك عبدالله. وتقتضي الحكمة التقليدية في السعودية بوجوب
تحضير الأرضية قبل الإقدام على أي تحرك أو خطوة نحو الأمام.
وتفيد تقارير وسائل الاعلام السعودية بأن التغييرات [التي
أعلن عنها] كانت موضع ترحيب، ولكن لم يتضح بعد ما إذا
كان قد تم إستمالة أية معارضة محتملة أم أن السلطات قد
اكتفت بتجاوزها. وحتى وسائل الإعلام الأجنبية العاملة
في المملكة تتعرض للتقييد: فقد [أُرغم] مراسل وكالة أنباء
دولية على مغادرة الرياض مؤخراً بعد أن بث تقريراً جاء
فيه أن ولي العهد الأمير سلطان مصاب بالسرطان.
إن أحد مصادر النقد التي قد تتعرّض لها [الإصلاحات
الجديدة] يتمثّل في الدعاة الدينيين وأتباعهم في "هيئة
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر". ومن المؤكد أن الإعلان
عن تلك التغييرات في "يوم عيد الحب" كان صدفة بحتة: ففي
اليوم السابق كتبت جريدة "آراب نيوز" المحلية اليومية
[التي تصدر باللغة الإنكليزية] أن "هيئة الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر" كثفت حملاتها على محلات بيع الأزهار
والشوكولاتة والهدايا لمصادرة كل ما له صلة بعيد يعتبره
كثيرون.. عيداً غربياً ومنافياً للأخلاق على حد سواء.
وفي السابق، كان الملك يحرص على عدم مواجهة رجال الدين
: ففي تعديلات جرت في أيار/مايو 2005، قبل فترة قصيرة
من وفاة سلفه المقعد الملك فهد، قام الملك عبدالله بعزل
وزير تعليم اصلاحي كان قد شطب وصف اليهود والمسيحيين بالقردة
والخنازير من مناهج الصف الثامن واستبدله بوزير من الإسلاميين
كان قد وجه اللوم في كتاب صدر عام 2002 إلى "بعض مراكز
الإعلام الجماهيري التي يديرها اليهود في الغرب" مسؤولية
نشر تقارير تربط بين الإرهاب والإسلام.
ثمة جانب آخر مثير للإهتمام فيما يتعلق بهذه التعديلات
وهو ردّ فعل أفراد العائلة المالكة الآخرين، وخاصة ولي
العهد الأمير سلطان وبقية أعضاء العشيرة السديرية في التسلسل
الهرمي. ويقضي [الآن] الأمير سلطان فترة نقاهة في المغرب
بعد خضوعه للعلاج الطبي في مدينة نيويورك. ورغم التقارير
عن مرضه فقد ظهر بصحة جيدة في الصور التي جمعته مع نظيره
ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أيام قليلة.
ومن غير الواضح ما إذا كان الأمير سلطان، الذي يشغل أيضاً
منصب وزير الدفاع منذ سنوات طويلة جداً، ضالعاً في التغييرات
التي طالت بنية القيادة العسكرية والتي تقع عادة في نطاق
صلاحياته.
المصالح الاميركية
إن الذي يهم واشنطن بالدرجة الأولى هو أن تبقى المملكة
شريكاً متعاوناً في مجالات عدة بينها الطاقة الدولية والسياسة
المالية، والتشدد الإسلامي، ومسار عملية السلام في الشرق
الاوسط، والعراق، وافغانستان، والعلاقات مع العالم الاسلامي.
(هذا وقد اختار الرئيس الأمريكي باراك اوباما محطة "العربية"
التلفزيونية الفضائية التي تملكها السعودية لإجراء أول
مقابلة يطل من خلالها على العالمين العربي والإسلامي).
لقد بات من الواضح أن لدى الملك عبدالله وفريقه وجهات
نظر قوية حول ما ينبغي على الولايات المتحدة القيام به
خاصة فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين. وتتجه الأنظار
نحو الخطاب الرئيسي الذي سيلقيه الملك عبدالله في الأسبوع
المقبل، والذي سيتناول فيه مواضيع دولية واقليمية ومحلية،
لمعرفة ما إذا كان سيصرّ على دعم مبادرة السلام التي أطلقها
في عام 2002. وكان الملك عبد الله قد حذر بعد العمليات
العسكرية الاسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة، من أن المبادرة
لن تبقى على الطاولة الى ما لا نهاية.
وهنالك قلق أكبر لدى واشنطن يتمثل في أن الإصلاحات
التي يسعى الملك عبدالله لتطبيقها ينبغي ألا تموت بموته.
ومع أن الملك يبدو بصحّة جيدة، فإنه الأكبر سنّاً من بين
أبناء الملك عبد العزيز الذين ما زالوا على قيد الحياة
والذين تعاقبوا على حكم البلاد منذ وفاة مؤسّس المملكة
العربية السعودية في عام 1953. ونظراً للثروة النفطية
للمملكة، وادعائها زعامة العرب والمسلمين، لا تشكل التغييرات
الأخيرة أهمية داخلية فحسب بل تكتسب أهمية دولية.
أمر آخر مثير للقلق في واشنطن قد يكون طبيعة الطموح
الذي تتسم به عملية الإصلاح، حيث تتوقع مصادر شبه مطلعة
بأن قرار السماح للنساء بقيادة السيارة أصبح وشيكاً- وهو
قرار من شأنه أن يثير حفيظة المحافظين المتدينين. وقد
تنشأ نزاعات داخل العائلة الملكية من جراء تعيين الملك
لنواب وزراء في وزارتي الدفاع والداخلية التي تعتبر معاقل
السديريين.
* المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
|