أحداث الشرقية
دعوات إنفصال عن (المملكة النجدية)
سعدالدين منصوري
تثير أحداث المنطقة الشرقية التي تطورت خلال الشهرين
الماضيين، جملة من الاهتمامات لدى عموم سكان المملكة ،
ولدى شعبنا في الحجاز بصورة خاصة.
فمنذ ان تفجر الوضع في المدينة المنورة على خلفية مصادمات
زوار من الاحساء والقطيف مع رجال الهيئة المتشددين، والتي
اصيب فيها عدد غير قليل طعناً بالسكاكين او باطلاق النار،
وذلك في شهر فبراير الماضي، فإن الحدث انتقل الى المنطقة
الشرقية نفسها، وتصاعد من حيث الحدة ومن حيث المطالب الجماهيرية.
ما يهمنا هنا هو التأكيد على النقاط التالية:
الاولى ـ أن معظم المواطنين مصابون بالاحتقان من سياسات
النظام الغاشمة، سواء في ميدانها السياسي او في ميادينها
الدينية والإقتصادية والتعليمية والخدمية الأخرى. بيد
أن القليل من المواطنين جرأ في التعبير عن هذا الاحتقان
المزمن، وفجره ضد من صنعه وروجه وقذفه بوجه من روجه ووقف
معه.
لم تكن احداث المدينة المنورة قد كشفت الا عن قمة الجبل،
فما بدا انه صدام حول رؤى دينية، تبين أنه خلاف عميق الجذور
بسبب سياسات الظلم الحكومية. وهذا ما اكدته الاحداث التالية
من مظاهرات واعتصامات عمت عددا من مدن الشرقية تحدثت عنها
وسائل اعلام عربية واجنبية، وصمتت عنها كما هي العادة
آلة الإعلام المحلية، التي روجت لرواية رسمية طائفية لا
علاقة لها بموضوع المصادمات.
مما لا شك فيه ان المظالم التي يقوم بها النظام وزمرته
النجدية لم توفر احدا، ويفترض ان تنال رداً ومواجهة من
كل المناطق المضطهدة.
الثانية ـ كما يتضح مما ينشر في وسائل الاعلام، فإن
ما قيل عن مصالحة بين المواطنين الشيعة والنظام السعودي،
كانت قد ابرمت عبر صفقة عام 1993م، قد فشلت وهو ما يكشف
عنه حجم الانفجار الشعبي في القطيف، وحجم السخط على النظام.
لقد ظهرت وجوه جديدة على الساحة الشيعية لم نكن نسمع
بها، في حين توارت بعض الشيء وجوه مشهورة اعتبرت مقربة
من الحكومة وذات نشاط على الصعيد الوطني. ما يكشف ايضاً
عن تحول في الساحة الشيعية باتجاه رموز الصدام وليس رموز
المهادنة مع النظام، الذين ـ كما تقول منتديات الانترنت
ـ فشلوا في زحزحة آل سعود عن الاقلاع عن سياسة التمييز
الطائفي.
الثالثة ـ من حيث الأهداف، فإنه يظهر ولأول مرة وبشكل
علني من يدعو للإنفصال عن الدولة السعودية التي توحدت
بالقوة والسيف، وهذا ما طالب به الشيخ الشيعي نمر النمر،
الذي لوح بأن الدعوة الى الإنفصال تمثل خياراً لدى الشيعة.
هذا ايضاً يعني وصول الحكومة السعودية والمجتمع الذي
تحكمه الى طريق مسدود، ما يجعل موضوع الانفصال الذي كان
مؤجلا في أكثر من منطقة يتقدم على غيره من الخيارات.
حتى الآن فشل المواطنون جميعاً في اقناع العائلة المالكة
وعصبتها النجدية بتبني خيار الاصلاح السياسي. على العكس
من ذلك قامت وزارة الداخلية ومنذ سنوات باعتقال الاصلاحيين
وزجهم في السجون، وقد اغلق ملف الاصلاحات ولازال عدد من
الاصلاحيين في السجون. ومع تولي نايف منصب النائب الثاني،
فإنه لا يتوقع من أن الاصلاحات ستخطو خطوتها الاولى.
خيار الانفصال اخطر من خيار اسقاط آل سعود. مع ان اسقاط
ال سعود يؤدي تلقائيا الى تفكك الدولة النجدية.
خيار الانفصال يعنى بالدولة بشكل اساس، فيما خيار اسقاط
النظام يعنى بموضوع الحكم والحكومة وليس الدولة.
ومعلوم انه من الصعب التفريق في السعودية بين الدولة
ونظام الحكم، حتى في الاسم.
الوحدة السياسية لم تكن طوعية، واستمرار سياسات النظام
بهذه الصورة تترك مجالا قليلا لاستمرار تلك الوحدة القسرية،
واذا ما غابت الاصلاحات واعتمدت سياسة الاستئثار وتنجيد
الدولة وتوهيبها، لا يبق امام الخاسرين في كل مناطق المملكة
سوى الانفصال عن هذه الدولة التي هي في حقيقتها دولة نجدية.
اذا كانت المنطقة الشرقية قد سبقت المناطق الاخرى في
موضوع الدعوة الى اعادة تفكيك الدولة واسترجاع الاستقلال
للمناطق الموحدة قسراً، فان الاستمرار السعودي في رفضه
لاعادة هيكلة الدولة وتصحيح مسارها ينذر بتذررها ويدفع
المزيد من شرائح المجتمع والمناطق لتبني خيار اعادة الدولة
النجدية الى حجمها الطبيعي، وافساح المجال لاعادة الحياة
لدولة الحجاز التي قضى عليها النجديون.
المسألة كانت ولاتزال تتمحور في مدى امكانية صناعة
وطن حقيقي في ظل الوهابية وتغول الروح النجدية واشتعال
الاثرة والاحتكار للسلطة بين امراء السلطة والنخب المتحالفة
معها في نجد.
لا ضمان بأن لا تشتعل حروب اهلية تطالب بالانفكاك عن
الدولة واعادة استقلال المناطق الموحدة قسرا. شيء واحد
يضمن ذلك اذا ما اصبح المواطنون شركاء في وطن لا عمال
في مزرعة نجدية.
والا سيصل المواطنون الاخرون الى نفس النتيجة التي
وصل اليها الشيعة.
والتي تقول لا حل الا بالانفصال.
وما يقال على استحياء الان ستتعود عليه الاذان وقد
تطرب له طربا شديداً.
|