السعودية تفتح النار على زوجة أمير قطر
الشيخة في العراق، ولكن أين أنتم يا آل سعود؟!
هيثم الخياط
لعلها بداية عودة للصراع بين السعودية وقطر هذه المرّة.
قطر أسكتت هدير مدافع (الجزيرة) منذ نحو عامين رغبة
في تحسين العلاقات السعودية القطرية، وإعادة تخطيط الحدود،
وغسل ما علق من الماضي من محاولة انقلاب سعودية على أمير
قطر بالتعاون مع أفراد من قبيلة المرة التي يسكن جزءٌ
كبير منها في السعودية.
هدأت المدافع، رغم اختلاف المواقف، سواء بشأن لبنان
أو فلسطين أو العلاقة مع سوريا وإيران، أو غيرها.
للقطريين رؤية (لا تتطابق) مع جبهة الممانعة تماماً،
و(لا تتوافق) أيضاً مع حزب المعتدلين العرب.
والأميركيون لم يرضوا عن قطر، وطالما أهانوا مسؤوليها
حتى في اللقاءات على هامش اجتماعات الأمم المتحدة ورفضوا
لقاءهم.
|
الشيخة موزة والمالكي في
بغداد |
ليس هذا مهماً في هذا الموضوع.
المهم أن زوجة أمير قطر الشيخة موزة بنت ناصر المسند،
زارت مؤخراً العراق، والتقت بالمالكي، رئيس وزراء العراق،
وأعطت تصريحات تمتدح فيها (العراقيين) وليس الحكم في العراق
بالضرورة.
والمعلوم ان العراقيين مستاؤون من توجه قناة الجزيرة،
ويعتبرونها قناة متحيّزة ضدهم الى أبعد الحدود، ولازالت
ـ من وجهة نظر كثير من الساسة العراقيين ـ قناة معادية
للعراق وأنها (تدعم البعثيين والطائفيين) الى آخر الإتهامات
المعروفة.
والجزيرة التي أُخرجت من العراق، تختلف عن قناة العربية
التي نالت الحظوة لدى الحكم العراقي الى ما قبل سنة، حيث
تبدلت القناة ومواقفها، وكانت على مدى السنوات الماضية
تنال القسط الأوفى من الإعلانات الحكومية العراقية.
أما قناة الجزيرة فيلاحظ أن لهجتها هي الأخرى قد خفتت
تجاه الحكم في العراق، فقد تغيرت الأوضاع كثيراً هناك،
وأصبح من الخطأ مواصلة الرهان على أحصنة خاسرة.
نحن هنا أمام تبدّل في المواقف.
قطر تحاول أن تهديء اللعب مع الحكم في العراق وكذلك
تفعل قناة الجزيرة. والسعودية التي كانت على الدوام ضد
الحكم في العراق وعدم الإعتراف به، زادت من الجرعة مؤخراً،
وانعكس ذلك على قناة العربية وعلى كل الإعلام السعودي.
وحتى الآن، هذا أمرٌ لا يفترض أن يثير غضب السعودية،
فالعلاقات بين الدول شأن خاص، ولكن يبدو أن زيارة الشيخة
موزة أزعجت السعوديين.
رئيس تحرير الشرق الأوسط ـ كاتب السياسة المبتديء طارق
الحميد ـ بادر بإطلاق النار على قطر والجزيرة، وكتب مقالا
تحت عنوان (الشيخة في العراق/ الشرق الأوسط 9/5/2009)
كان كلّه نقداً صريحاً ومبطّناً لقطر وضد الزيارة كما
ضد قناة الجزيرة.
في الظاهر ليست هناك قضية تستحق الإثارة.
وفي العمق فإن طارق الحميد ألمح الى ما يزعج السعودية
من الزيارة.
فهو اعتبر زيارة الشيخة موزة (لافتة) وأنه (من الصعب
تجاوزها من دون تعليق)! فما هو وجه الأهمية هنا؟
مع ان زيارة الشيخة موزة لبغداد لها علاقة بالتعليم
وباليونسكو، إلا أنه يقف عند حقيقة أن الزيارة لها أبعاد
سياسية. وهذا صحيح، ولا ضير في ذلك. ثم ماذا يعني إن كانت
الزيارة سياسية؟
ويلفت الحميد الى أن هناك طبخة تآمرية تطبخ في الدوحة
على نار هادئة. والدليل أن (هناك حراكاً عراقياً مكثفاً
بالدوحة). وحتى الآن لا يعني هذا شيئاً. فلنقل أن اتصالات
المسؤولين العراقيين بالدوحة قد تكثفت في الآونة الأخيرة،
ولنفترض أن هناك وفوداً غادية ورائحة. فما هي المشكلة
عند السعودية وعند كاتبها (الذكي)؟!
يقول الحميد أن (هذا ليس كل شيء) وإنما هناك أيضاً
صيد ثمين يمكن التدليل من خلاله على (خطورة الوضع) وهو
ان الشيخة موزة صرّحت بأن التعليم والإعلام لهما دور كبير
في التقريب بين المواقف وجسر الهوة بين الأطراف. وهذا
كلام عام عن كل الدول في العالم، وهو لم يخرج عن الحقيقة.
وحتى لو كان المعني بذلك علاقات العراق وقطر، فماذا يمكن
للسعودية وكاتبها (النبيه) ان يستنبطاه من هذا التصريح؟!
والأهم فيما قالته الشيخة موزة وأزعجت الكاتب السعودي
(الذكي) هو قولها ان الأهم هو (أن نطوي صفحة الماضي ونتطلع
الى بناء المستقبل المنشود).
هذه جريمة تقترفها قطر بالطبع! إن كان المعني بها بغداد،
أما إذا كان المعني بها إسرائيل (فلا بأس).
ما هي الجريمة التي ترتكبها قطر إن أعادت علاقتها مع
بغداد، وحدث تصالح بين البلدين، مثلما فعلت السعودية وقطر
أيضاً، ومثلما يراد الآن ان تعود العلاقات المصرية القطرية
الى حميميتها؟!
بالنسبة للسعودية، بغداد غير القاهرة والرياض. بل غير
تل أبيب أيضاً!
بغداد وشعب العراق يجب أن يبقيا في قطيعة مع جوارهما
العربي يرددان الألحان الطائفية المنبعثة من السعودية
وإعلامها، وعلى شعب العراق أن يتقاتل طائفياً لصالح الوهابية
السياسية. العراق يجب أن لا يهدأ. والحكم في العراق يجب
أن يقاطع الى ما لا نهاية، حتى ولو فتحت كل بلدان الدنيا
سفاراتها هناك!
لكن لفظة الشيخة موزة عند طارق الحميد لها معنى خاصاً،
(فهي تشي بتحولات كبرى) حسب قوله! وأعاد الى الأذهان أن
جلّ مشاكل الجزيرة العربية سببها (الجزيرة)، ومماحكاتها
الإعلامية، وليس (الحرية الإعلامية) حسبما قال.
الخلاصة ما هي التحولات الكبرى بنظر السعودية وكاتبها؟
وما هي المشكلة التي اقترفتها قطر، أو الشيخة موزة حين
زارت العراق (وليس اسرائيل)؟
الخلاصة هي حسب الحميد بأن العلاقات بين ـ الدوحة وبغداد
ـ ان كانت في خدمة البلدين وخدمة العرب فهو يرحب بها (أما
إذا كنا أمام اصطفاف جديد، ما هو إلا استكمال لاصطفافات
قديمة ماتزال تعصف بنا على خارطة الأزمات السياسية العربية
دعماً لطرف على حساب آخر، فنقول أعاننا الله على قادم
الأيام)!
السعودية هي التي تقرر ما هو بخدمة العرب، فهي تعتبر
نفسها ممثلاً عن العرب، او حسب تعبير مؤسس دولتهم في مقولة
مشهورة لأمين الريحاني (حنّا العرب)! حتى لو كان الأمر
خاصاً بدولتين، فالسعودية هي التي تقرر ان كانت العلاقات
في صالحهما أم لا. ولكن زبدة المقالة تقول أن عودة العلاقات
القطرية العراقية تعني جلب العراق الى محور يقترب من الممانعة
ولا يدخل ضمن محور السعودية ومصر، بل هو على حسابهما.
السعودية تقول ان العلاقات بين البلدين موجّه ضد السعودية
ومصالحها وخدمة لسوريا وإيران وحماس وحزب الله.
هذا ملخص الموقف السعودي، فهل هو كذلك؟
كل دول الخليج فتحت سفاراتها سوى السعودية وقطر، والآن
ستبقى السعودية وحيدة حتى في محور الإعتدال نفسه.
فلماذا تنزعج السعودية من عودة العلاقات القطرية العراقية،
وفتح سفارتيهما، ولم تنزعج حين فعلتها سلطنة عمان والكويت
والإمارات وحتى البحرين؟! أمرٌ غريب حقاً؟
ولماذا لم تنزعج السعودية حين فتحت الأردن سفارتها
في بغداد وزارها الملك الأردني؟!
ولماذا أخذت مصر عقوداً بثلاثة مليارات دولار عراقية،
وخمسة مليارات أخرى مؤجلة، وافتتحت سفارتها وسافر اليها
أبو الغيط، ومع هذا لم تبد السعودية وطارق حميدها وشرق
أوسطها وقناة عربيتها انزعاجاً؟!
السعودية تبدو وحيدة، وحيدة.. ومشاعرها الطائفية تغلب
عقلها السياسي، وعقدتها الإيرانية أعمتها عن رؤية الحقائق.
وما عملته قطر لم يبق للسعودية من مبرر في مقاطعة الحكم
العراقي رغم كل ما يقال فيه من مساوئ. بل لم تبق لفتح
السفارة السعودية في بغداد أهمية اليوم مثلما كانت في
الماضي. لم يعد الحكم العراقي محاصراً، بل السعودية نفسها،
حتى على صعيد دول الخليج وحلف المعتدلين.
إذا كانت الشيخة في بغداد، فأين هي السعودية وأين هو
مشروعها؟
السعودية لم تعد تستطيع فرض موقفها حتى على حلفائها
المعتدلين، لا بشأن العداء لإيران، ولا بشأن مقاطعة الحكم
في العراق، ولا بشأن محاصرة النظام السوري، ولا غيرها
من القضايا.
آن لآل سعود وكتابهم ان يتواضعوا قليلاً، فهم مهما
صعدوا ومهما تعنتروا لا يستطيعون تغيير وقائع الأرض عبر
(الغضب والإنفعال الطائفي). هذا لا يصنع لهم موقعاً في
الشرق الأوسط، بل يخيف حتى حلفائهم من أن الطائفية الوهابية
قد تحرقهم وتذهب بهم الى ميدان معركة هم أضعف من أن ينتصروا
فيها.
لتغرّد السعودية خارج السرب، ولسوف تجد نفسها مركونة
على الجانب لا تأثير لها في الأحداث.
ولتجرّب السعودية ان تفتح معركة مع قطر مرة أخرى لترى
كيف أن زجاجها سيتكسر بسرعة غير متوقعة.
|