السعودية خرقت الخطوط الحمر
علاقة متوترة قادمة بين السعودية وإيران
عبدالحميد قدس
في كتابه عن النهوض الشيعي، توقع ولي نصر، أن يكون
الصدام في المستقبل بين الوهابية والتشيّع، وهذا يعني
بالضرورة بين السعودية وإيران. فالأولى تتبنّى المذهب
الوهابي، وتدعو اليه وتنشره وتحميه، وهو أداتها في السياسة
الخارجية، وإيران تمثل أكبر تكتل شيعي بشري في العالم،
وهي تتبنى المذهب الشيعي. ولأن المذهب الوهابي أخذ على
عاتقه محاربة المذاهب الأخرى، وأفرد للتشيع مساحة كبرى
في الصراع المذهبي والسياسي، لذا فإن التوقع آنف الذكر
ليس بعيداً عن الصحّة.
وفي الوقت الذي تستخدم فيه السعودية اللغة الطائفية
التحريضية ضد إيران، فإن الأخيرة خصصت هجومها على الوهابية
فحسب، واعتبرتها مذهباً منشقّاً عن المسلمين جميعاً، السنّة
والشيعة، فيما تبنّت خطاباً وحدوياً مع المذاهب الإسلامية
الأخرى.
السعودية التي اعتادت استخدام التحريض المذهبي والطائفي
في لعبتها السياسية الإقليمية كما المحليّة، وجدت نفسها
في السنوات الأخيرة مهمّشة الى حدّ كبير، بسبب توسّع النفوذ
الإيراني في المنطقة، وتمدده على حساب السعودية ومصر..
مثلما هو الحال في الموضوع الفلسطيني والعراقي والأفغاني
وحتى اللبناني وغيره. والسعودية مدفوعة بهذه الخسارة الكبيرة،
وجدت أن اشعال الصراع الطائفي قد يكبح التقدم السياسي
الإيراني من جهة، بحيث يعضدها جميع المسلمين ولكن على
أساس التوافق المذهبي من جهة ثانية، ولكنها حتى الآن لم
تحقق انجازاً ملموساً في هذا الجانب.
مدفوعة بالخسائر المتتالية، أبدت السعودية استعدادها
للإنخراط في أية حملة عسكرية لكسر إيران، فالأخيرة مجرد
دمّلة يجب فقؤها، كما قال كاتب سعودي. ولهذا شعرت السعودية
بأسى على رحيل بوش الإبن، الذي ابدى له بندر بن سلطان
استعداد بلاده المساهمة في أية مجهود عسكري ترغب فيه الولايات
المتحدة إن قررت شنّ الحرب ضد طهران. وسبق لبندر ان أوصل
للإسرائيليين الذين التقاهم على مدى السنوات الثلاث الماضية،
بأن بلاده مستعدة للمساهمة سياسياً ومالياً إذا ما قاموا
بهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
وحسب خبراء في الشأن السعودي، فإن أية حملة قادمة على
ايران تقودها الولايات المتحدة مباشرة، أو عبر وكيلها
اسرائيل بصورة غير مباشرة، فإن السعودية ستكون داعماً
أساساً لها. ويرى هؤلاء انشقاقاً واضحاً بين دول الخليج
والسعودية المتحمسة لضرب ايران. كما يعتقدون بأن السعودية
ذهبت بعيداً في مواجهتها للنفوذ الإيراني الى حدّ كسر
العظم ما ينذر بتوتر في العلاقات في المرحلة القريبة القادمة.
ويتفق السعوديون والإسرائيليون في توصيف الخطر الإيراني،
ويرون أن الخطر عليهما أكبر من أية أخطار أخرى. كما يتفقون
على ضرورة مواجهة هذا الخطر ـ كل من زاويته ـ من خلال
المواجهة العسكرية، ويعتقدون أيضاً بأن الحوار بين واشنطن
وطهران سيكون في غير صالح البلدين، ولذا يتمنيان ويعملان
معاً في أروقة واشنطن على إقناع الأخيرة بأن لا فائدة
من الحوار مع ايران، وأن من الضروري تجهيز السلاح للمواجهة.
السعودية ترى في الحوار الأميركي الإيراني حطّاً من
مكانتها الإقليمية، واعترافاً بزعامة ايران على المنطقة،
وتعضيداً لجهدها كيما تكون قوّة اقليمية تستطيع فرض شروطها
فيما يتعلق بأمن الخليج ومواضيع أخرى تمتد من أفغانستان
ولا تتوقف في فلسطين المحتلة.
|
هل كسرت جرّة العلاقات بين
البلدين؟ |
ولاحظ المراقبون أن السعودية ومنذ نحو عامين عملت على
أصعدة مختلفة تستهدف في النهاية الإطاحة بالنظام الحاكم
في إيران، بعضها يتعلق بالتنسيق مع اسرائيل في التحريض
على الهجوم العسكري، ومحاولة إقناع واشنطن بعدم جدوى الحوار،
بل وعدم القبول بالتطمينات الأميركية التي قدمها وزير
الدفاع روبرت غيتس وأوباما نفسه الذي زار السعودية مؤخراً.
وبعضها الآخر يتعلق بضرب إيران من الداخل، من خلال تشجيع
النزعات الإنفصالية وأعمال العنف ودعم حركات الإنفصال
في كل من بلوشستان، والأهواز، حيث تبنّت عدداً من الحركات
وروجت لها في وسائل إعلامها. وبعضها الثالث، يتعلق بتطويق
ايران اعلامياً وطائفياً. وبعضها الرابع يتعلق بمحاربة
ما سمي بحلف الممانعة والتشديد عليه، خاصة الخاصرة الضعيفة
(حماس).
والحقيقة فإن السعودية الموتورة بالتقدّم السياسي والتقني
والعسكري الإيراني، تعمل على كافة الجبهات منذ سنوات،
ولم تمانع في تأكيد علاقاتها مع اسرائيل، حيث التقى مسؤولون
سعوديون علنا بمسؤولين اسرائيليين (تركي الفيصل، والملك
عبدالله مع بيريز في نيويورك على هامش حوار الأديان السعودي).
كما أن لقاءات عديدة تمت بين بندر بن سلطان مع أولمرت
ورئيس الموساد في العاصمة الأردنية عمّان، وهي لقاءات
كتبت عنها الصحافة العربية والعبرية كثيراً، ولم تنفها
السعودية، وحتى أيهود أولمرت قال ذات مرة للصحافيين ساخراً
حين سئل عن صحة تلك اللقاءات: أنا سأنفي، وأنتم لا تصدّقوا
ذلك!
ولا يخفي الإسرائيليون ارتياحهم من السياسة السعودية
تجاههم خاصة بعد حرب تموز 2006م، وقد أعلنوا مراراً بصور
ملتوية بأن زعماء عرب طلبوا من اسرائيل مواصلة الحرب حتى
إنهاء حزب الله. ولا ننس الموقف السعودي يومها الذي تحدّث
عن مغامرة، وتعرض فيه لحزب الله ولحماس ببيانات الشجب
والسخرية، وهي السياسة الإعلامية السعودية التي لا تزال
متواصلة حتى اليوم.
وإذا ما أضفنا الى هذا، عمل السعودية الدؤوب لإسقاط
النظام السوري، على الأقل حتى ما قبل قمة الكويت الأخيرة،
وما أعلن عنه من محاولة انقلاب في سوريا ساهمت فيها السعودية
أواخر 2008م، فضلاً عن محاولات سابقة كشفت عنها تقارير
أميركية.. بالإضافة الى محاصرة سوريا سياسياً، والتحريض
عليها لدى الغرب من أجل مقاطعتها، وكذلك دعم حركات المعارضة
السورية في الخارج، بدأت برفعت الأسد ولم تنته ببعض قيادات
الأخوان.. كل هذا، يكشف أن السعودية تبحث عن حرب بأية
ثمن ضد خصومها، وهي مستعدة للتحالف حتى مع الشيطان لتحطيمهم.
لكن السعودية لا تريد أن تخوض حرباً بنفسها، وهي لا
تستطيع مجابهة ايران، وهي كعادتها تتمنّى ان يقوم آخرون
بالدور القذر، فيما تقوم هي بحصد المكاسب. تماماً مثلما
فعلت في حرب العراق مع ايران لمدة ثمان سنوات، ومثلما
تمنّت وانتشت بعد هزيمة عبدالناصر في حرب الـ 1967م. وإزاء
التحريض السعودي حتى لإسرائيل، التي هي أيضاً لا تجرؤ
ان تقوم بالهجوم وتتمنى ان تقوم واشنطن بذلك نيابة عنها،
قال المتطرف ليبرمان، وزير الخارجية الصهيوني، اثناء زيارته
لموسكو مؤخراً، بأن بلاده (اسرائيل) لن تهاجم إيران بالنيابة
عن بعض العرب.. واضاف بأن ايران لم تحتل اراض اسرائيلية!
والسعودية التي تقلّص حجم نفوذها الإقليمي والموتورة
من ايران، رأت فيما حدث في الأخيرة بعد الإنتخابات الرئاسية،
فرصة لتقويض النظام هناك، واشتغلت ماكنتها الإعلامية بالتوازي
مع الإعلام الاسرائيلي والغربي لتأجيج الموقف وتضخيمه،
ولاتزال حتى كتابة هذه السطور تواصل عبر العربية والشرق
الأوسط (كما عبر العربية نت بالفارسي والعربي) تطويل الأزمة
الإيرانية في ذهن القراء، ولاتزال تعطيها الصدارة في التغطية.
كل هذا يدفع بالتوقع الى أن إيران سترد على السعودية،
ردّاً يتناسب مع حجم تواطئها، وقد يصل الى حدّ الإنتقام.
ومعلوم ان الإيرانيين، تعاطوا مع السعودية بتسامح خاص،
لم يبدوه حتى لدول كبرى كبريطانيا وفرنسا وأميركا، وهم
تعودوا المعاملة بالمثل. والسبب في التسامح الإيراني حتى
الآن أن ايران لا تريد صداماً مع السعودية تستطيع معه
الأخيرة تجييره في حرب طائفية، فتطلقها حرباً شيعية سنيّة.
لكن الذي قد يقلب الأمر رأساً على عقب أمران:
الأول ـ خرق السعودية لاتفاقياتها الأمنية مع ايران،
وفي مقدمها عدم دعم أي من الدولتين لمعارضة الآخر. وقد
حصلت ايران فيما يبدو على مستمسكات كثيرة تتعلق بتمويل
السعودية لمعارضين عرب من الأهواز، بهدف الإنفصال، وكذلك
على دعم معارضة انفصالية بلوشية. وتوّجت السعودية الأمر
بلقاء مسؤولي استخباراتها مع مسعود رجوي في العاصمة الأردنية
عمّان الشهر الماضي (يونيو).
الثاني ـ ويتعلق بما أعلن عنه مراراً من قبل الإسرائيليين
وخاصة من قبل رئيس الموساد، من أن المسؤولين السعوديين،
قد أبدوا قبل بضعة أشهر قبولهم لاستخدام الطيران الإسرائيلي
الأجواء السعودية لمهاجمة ايران. وقد أوصلت السعودية للإسرائيليين
رسالة حادّة ضد هذا التسريب المتعمّد، الأمر الذي دفع
المسؤولين الصهاينة الى تكذيب الخبر بطريقة لم نألفها
منهم. ومعلوم ان اسرائيل تستطيع استخدام الأجواء الأردنية
والعراقية بدون موانع، ولكن الأميركيين يدركون بأن استخدام
أجواء العراق يحمّلهم المسؤولية المباشرة، كونهم هم لا
غيرهم من يتحكم في الأجواء العراقية وليس الحكومة العراقية
الضعيفة وغير القادرة. لهذا فكرت اسرائيل إما بضرب ايران
من خلال جورجيا، وهذا ما انكشف بعد الصراع الروسي الغربي
فيما يتعلق بأبخازيا، والآن هناك حديث يدور حول استخدام
أذربيجان لهذا الغرض. والمدهش أن دول الخليج الأخرى التي
لم يرد ذكرها اسرائيلياً، سارعت ونفت أنها ستسمح او سمحت
للطيران الإسرائيلي باستخدام مقاتلاتها للهجوم على إيران،
في حين ان السعودية هي آخر من نفى، وهي المعنية بالأمر
مباشرة. وهذا يدل على ان دول الخليج لا تتبنّى الموقف
السعودي.
اذا صحّت هذه المعطيات الأخيرة، فإن السعودية تجاوزت
في علاقاتها مع ايران الخطوط الحمراء، بحسب دبلوماسيين
في الرياض، ولا يمكن إلا أن تتوقع السعودية ردّاً إيرانياً
ما، يتوقع أن يكون أكبر من مسألة التصعيد الإعلامي، الذي
لاتزال تمارسه السعودية ضد خصمها مع شحنات طائفية عالية
الوتيرة.
الرهان السعودي اليوم (وبالضرورة الإسرائيلي ايضاً)
قائم على التالي:
أولاً، منع قيام حوار اميركي إيراني، فإن لم يكن ذلك
ممكناً،
ثانياً، فيجب إفشال الحوار، فإذا ما فشل الحوار،
ثالثاً، كان الخيار البديل العسكري، الذي دعت اسرائيل
مبكراً الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاستعداد للقيام
به.
ستكون أمام ايران والغرب ومن ورائهم السعودية واسرائيل،
فرصة زمنية تمتد حتى نهاية العام الحالي 2009م، ليتبيّن
بعدها ما إذا كان الحوار قد فشل، ولتتبرع أميركا والغرب
بالقيام بمهمة مهاجمة ايران.
فرص نجاح الحوار الإيراني الأميركي أضعف اليوم مما
كانت عليه قبل الإنتخابات الإيرانية. والسبب يعود الى
طرفي الحوار/ النزاع. فالإيرانيون بعد أن رأوا التدخل
الشرس في شؤونهم الداخلية من قبل الغرب وحلفائه في المنطقة،
سيعتمدون التشدد، لإثبات أنهم لازالوا أقوياء داخلياً
ويمسكون بزمام الأمور. من هنا كانت المناورتان الإيرانيتان
الأخيرتان (الجوية والبرية)، ولذا رفضوا المشاركة في اجتماع
الدول الثمان بشأن أفغانستان. أما الغرب، فيريد إقناع
إيران بأنها ضعيفة، ورفع من وتيرة شروطه وتهديده، الى
حد اسقاط النظام كما ظهر من تصريحات ساركوزي، وكما ظهر
من تصعيد بايدن في تصريحه الذي أشار فيه الى تسامح أميركي
تجاه اسرائيل إذا ما قررت الأخيرة مهاجمة ايران. وكل هذا
لإقناع ايران اولاً بالتنازل أثناء الحوار القادم، وتهديدها
بأن عدم تنازلها ستستتبعه الضربة العسكرية.
والسعودية واسرائيل سعيدتان بهذه النتيجة، والأرجح
انه إذا ما قرر الغرب ضرب ايران، فستكون الولايات المتحدة
من يقوم بذلك، وليس اسرائيل.
|