بعد أربع سنوات من عهده غير الميمون
الملك عبد الله وعهد الأزمات
سعد الشريف
أربع سنوات مضت على اعتلاء الملك عبد الله سدة الحكم،
حفلت بالكثير من الحوادث الداخلية والإقليمية والدولية.
قد يكون أهم تطور شهده هذا العهد هو بدء (الحقبة السعودية
الثانية) التي، شأن الحقبة السعودية الأولى، يكون فيها
النفط الرافعة الرئيسية. فبعد ضمور دام عدة سنوات أعقبت
هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت فيها العائلة المالكة
تعالج تداعيات تلك الهجمات على المستوى الدولي، فحتى عام
2003 كانت السعودية مصنّفة في الأدبيات الاعلامية والسياسية
الأميركية بوصفها (بؤرة الشر)، فيما كان الداخل مشغولاً
بتفاعلين كبيرين: الحراك الاصلاحي وجماعات العنف. وبدا
كما لو أن تقاسماً للأدوار بين الملك والأمير نايف ومن
ورائه الجناح السديري، حيث قدّم الملك نفسه على أنه رائد
للإصلاح وحاضن للتيار الاصلاحي، فيما كانت الأجهزة الأمنية
التابعة لوزارة الدخلية تدير ملف العنف مع الجماعات السلفية
القتالية. من وجهة نظر الأمير نايف وجناح السديريين عموماً،
ليس ثمة فرق بين من يدعو للإصلاح ومن يحمل السلاح، كل
ذلك يتم والملك لمّا بعد ينزع رداء الاصلاح عن كتفيه.
في 15 مارس 2004، حسمت العائلة المالكة الموقف الداخلي
باعتقال الرموز الاصلاحية، في وقت وصلت فيه وتيرة العنف
الى المرحلة الأخيرة، ترافق ذلك مع تغيّرات خارجية واقتصادية،
حيث نجحت العائلة المالكة في ترميم علاقاتها مع الولايات
المتحدة والغرب عموماً وتزامن ذلك مع بدء الطفرة النفطية
الثانية. ساهمت هذه العوامل مجتمعة في تهيئة أجواء جديدة
تستعيد فيها العائلة المالكة قبضتها على مقاليد الأمور
في الداخل وتؤهلها للعب دور فاعل في السياسة الإقليمية
والدولية عبر توظيف مداخيل النفط في عقد الصفقات العسكرية
والتجارية ذات الابعاد السياسية المنظورة.
|
بأي لغة يتحدثان؟! |
في 31 أغسطس 2005 أغلق عقد من التردد برحيل الملك فهد
وتولي عبد الله الحكم، في ظل متغيّرات جوهرية في ميزان
القوى داخل العائلة المالكة. ففي الفترة ما بين 1996 ـ
2005 استطاع الأمراء الكبار (سلطان ونايف وسلمان) بناء
تكتلات داخلية تضاهي، وقد ترجح أحياناً على قوة الملك
نفسه. ولذلك لم يغيّر تسلّم عبد الله مقاليد السلطة من
ميزان القوة داخل الدولة. فقد أصبحت السلطة منقسمة بين
الملك والأمراء الكبار بنسب متكافئة، وفي الحساب الاجمالي
فإن حاصل جمع القوة السديرية تفوق حصة الملك.
لم يكن مفاجئاً، والحال هذه، أن يدير الجناح السديري
الى جانب حلفائهم داخل العائلة المالكة وخارجها ملفات
داخلية وخارجية دون علم الملك نفسه كما حصل بالنسبة للملفين
اللبناني والسوري، حيث تفاجأ الملك في أكثر من مناسبة
بأنه على غير علم مسبق باتفاقات أو خلافات جرت داخل وخارج
المملكة بإدارة الجناح السديري، وربما يفسّر قرار الملك
إيفاد نجله الامير عبد العزيز بن عبد الله الى دمشق للتفاهم
بخصوص المسألة اللبنانية وغيرها من الموضوعات.
على أية حال، فإن ماكينة السياسة الخارجية التي عملت
بأقصى طاقاتها خلال السنوات الأربع الماضية، وزادت شراستها
بعد اغتيال الحليف الاستراتيجي لها في لبنان رئيس الوزراء
الاسبق رفيق الحريري في فبراير 2005، رسمت صورة عهد الملك
في السنوات الأربع الماضية، فقد بدا مناقضاً لكل الإنطباعات
القبلية التي كانت ترى فيه عروبياً وتصالحياً ووطنياً.
في حرب يوليو 2006، شكّل بيان المسؤول السعودي (الأمير
بندر بن سلطان) الذي وصف عملية اختطاف الجنديين الاسرائيليين
من قبل حزب الله بـ (المغامرة) صدمة غير متوقعة للرأي
العام العربي والاسلامي الذي لم يعتد على مثل هذه البيانات
والمواقف العاجلة من قبل القيادة السعودية، التي كانت
تميل الى الانتظار والتريث والغموض والعبارات المواربة.
مهما قيل عن البيان وأنه جاء بخلاف رغبة الملك عبد الله،
فإن مواقف أخرى متكررة للأخيرة فيما يرتبط بالمسألة العراقية
والتي أشعلت الفتيل الطائفي، يضاف اليها العبارات الحادة
التي وردت في كلام الملك عبد الله للمسؤولين العراقيين
الذين زاروه في الرياض وكان يبلغهم رسالة واحدة بأن المملكة
أنفقت 30 مليار دولار في حرب صدام مع ايران وأنها على
استعداد لدفع ضعف هذا المبلغ من أجل منع الشيعة من حكم
العراق، ولذلك رفض الملك استقبال رئيس الوزراء العراقي
نوري المالكي.
خرجت الحكومة السعودية في عهد الملك عبد الله، وبتحريض
من بعض الأمراء وعلى رأسهم الأمير بندر بن سلطان، عن سيرتها
التقليدية في التعامل مع الملفات الاقليمية، وبدت كما
لو أنها تريد الانتقام من كل طرف لا ترتضي وجوده على قيد
الحياة السياسية، فقد سعت الى اسقاط حكومات عربية : العراق،
سوريا، قطر، وغطّت عدوانين اسرائيليين (لبنان وغزة) وآخرين
أميركيين (أفغانستان والعراق)، وفي عهده الميمون تكثّفت
اللقاءات السعودية الاسرائيلية، تارة للتنسيق في قضايا
عربية واقليمية وأخرى من أجل التوصل الى تفاهم حاسم حول
مبادرة الملك عبد الله في بيروت سنة 2002 والتي جرى تعديلها
لاحقاً في قمة الرياض في مارس 2007 بإسقاط حق اللاجئين
في العودة والتنازل الضمني عن القدس.
في ضوء ما سبق، يمكن القول بأن السياسة الخارجية السعودية
انتقلت بصورة عاجلة من مرحلة الاستتار الى الصدام المكشوف،
بعد أن وجدت نفسها مرتاحة في التعامل مع الملفات الساخنة
محلياً واقليمياً ودولياً.
السياسة الخارجية.. ماكنة أزمات
منذ وصف وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع السياسة
الخارجية السعودية في العام 2004 بأنها مصابة بالشلل،
تحوّلت وزارة الخارجية ممثلة في الامير سعود الفيصل الى
أداة انتقام شرسة، وبدأت تكشر العائلة المالكة عن أنياب
حادة ضد الحكومات العربية المصنّفة في خانة الخصوم. فبعد
سنوات من الانكماش على الذات والضمور السياسي والترقّب
والانشغال بالمشكلات الداخلية، عادت السياسة الخارجية
السعودية بزخم غير معهود مستفيدة من الارتفاع المضطرد
لمداخيل النفط التي تم توظيف جزء كبير منها في تعزيز الدور
الاقليمي والدولي، فأصبحت السعودية قطب الرحى في مشروع
الاعتدال وفق المقاييس الأميركية.
|
حوار للإستهلاك |
إفتتح سعود الفيصل المرحلة الجديدة بتصريح يبطن غضباً
حيال العراق في ظل الاحتلال الاميركي، حين ذكّر الادارة
الاميركية السابقة بالحصة السعودية في العراق، ، وأن السياسة
الأميركية في العراق قد تفتح الأبواب امام النفوذ الايراني،
ما يعني سقوط أهداف الحرب العراقية الايرانية، حيث قدّمت
السعودية عشرات المليارات الدولارات بهدف منع ايران من
بسط نفوذها في المنطقة.
لم تكتف العائلة المالكة بإبلاغ الاميركيين تحفظاتها
في المسألة العراقية وترتيبات ما بعد سقوط النظام العراقي،
بل خصّصت مبالغ طائلة من أجل تخريب المعادلة القائمة عبر
تشجيع المقاتلين السعوديين المرتبطين بتنظيم القاعدة على
الانتقال من افغانستان ومن عواصم إقليمية متفرقة الى داخل
العراق لتنفيذ عمليات مسلّحة وجّهت معظمها ضد الشعب العراقي
وقوات الأمن العراقية، وتحمّل المقاتلون السعوديون دور
العمليات الانتحارية في الأسواق والمدارس والشوارع العامة
بهدف إشاعة الرعب وزعزعة الإستقرار الداخلي. ودخلت المخابرات
السعودية التي يرأسها الأمير مقرن بن عبد العزيز على المعادلة
الأمنية عبر الاتفاق مع عدد من القادة السياسيين والأمنيين
مثل جهاز الامن الوطني المرتبط بصورة مباشرة بأجهزة استخبارية
اميركية واقليمية مثل السعودية والاردن ومصر، وتم تشكيل
ما يعرف بالصحوات لتكون أنوية جيش بكامل التجهيزات العسكرية
يكون مستعداً لخوض الحرب الاهلية وإسقاط النظام السياسي
الجديد.
وبالرغم من الدعوات العراقية والاميركية للسعودية بإعادة
فتح سفارتها في بغداد، واستئناف العلاقات الطبيعية مع
العراق، إلا أن سعود الفيصل عارض هذه الخطوة بإسلوب حاذق،
وكان السبب الرئيسي ان لا يكون هناك إعتراف بشرعية النظام
الجديد، والتحرر من أي التزامات حيال المعادلة العراقية
القائمة، ولذلك مضت الرياض في دعم العمليات الارهابية
وتمويل الجماعات المسلّحة والمشاركة في التخطيط مع قيادات
سياسية ودينية معارضة للنظام الجديد.
تواصلت الانتقادات من داخل العراق على المستويين الرسمي
والشعبي للسلوك العدواني الذي تتبعه السعودية حيال العراق،
وفي المقابل تواصل إرسال المقاتلين وعمليات التمويل عبر
(الحقائب الدبلوماسية خلال موسم الحج والعمرة) أو عبر
اللقاءات المباشرة في بعض العواصم الاقليمية ومنها عمّان
والقاهرة. لم تكترث الرياض لما آلت اليها صورتها في الداخل
العراقي، على أساس اطمئنان كاذب بأنها تنفّذ ما تراه مناسباً
لتوجهاتها السياسية وأنها قادرة على ترميم تلك الصورة
من خلال المزيد والمزيد من الانفاق، فالمال من وجهة نظر
السعودية ذو مفعول سحري وبالامكان استعماله كمضمد لجروح
السياسة.
بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري
في فبراير 2005، كشفت السياسة الخارجية عن نمط جديد في
التعاطي مع الملفات الاقليمية، وبنسب بعض المراقبين هذا
التحول الى الدور الفاعل الذي لعبه الامير بندر بن سلطان،
رئيس مجلس الامن الوطني، والمتواري عن الانظار هذه الايام،
وأصبحت السياسة الخارجية تدار من أطراف عدّة في العائلة
المالكة، وقد جاءت متطابقة هذه المرة مع المصالح الاميركية
والاسرائيلية بدءً بصدور القرارات الخاصة بلبنان مثل 1559
القاضي بانسحاب القوات السورية من لبنان وصولاً الى قرار
1701 الخاص بوقف الأعمال العدائية بين لبنان والكيان الاسرائيلي
بما تضمنه من دعوة ضمنية الى سحب سلاح حزب الله عبر تشديد
الرقابة على المنافذ اللبنانية البرية والبحرية والجوية.
خرجت القوات السورية من لبنان بعد اغتيال الحريري بدعوة
تحذيرية من الملك عبد الله نفسه، الذي أوصل رسالة بإعلان
الحرب على سورية في حال بقاء قواتها في لبنان، ولكن خروجها
لم يضع نهاية حاسمة، فقد جرى تحشيد المجتمع الدولي المدار
أميركياً لجهة فرض الحصار على سوريا ثم التخطيط لقلب النظام
فيها وكان الأمير سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان يطوفان
العواصم الأوروبية والأميركية للتحريض على دمشق.
وكان العدوان الاسرائيلي على لبنان في يوليو 2006 إيذاناً
بمرحلة جديدة للسياسة الخارجية السعودية التي لعبت دوراً
سافراً في التواطؤ ومنعت من وقف اطلاق النار أكثر من مرة،
ما أثار استياء الاسرائيليين أنفسهم الذين كانوا يتكبدون
الخسائر في صفوف جنودهم دون أفق واضح للحرب. ورغم الوعود
السعودية للاسرائليين بتعويض خسائر الحرب ثمناً لاستمرارها
ريثما يتم القضاء على حزب الله، فإن قادة الكيان الاسرائيليين
أبلغوا حلفاؤهم في معسكر الاعتدال بأنهم ليسوا على استعداد
لخوض الحرب القذرة بالنيابة عنهم، وأن من يقتل في الجبهات
هم جنودهم.
شعرت القيادة السعودية بخيبة أمل كبيرة بعد توقّف الحرب
الاسرائيلية على لبنان في 14 أغسطس 2006 وخروج حزب الله
منتصراً وفق المقاييس العسكرية. حاولت وسائل الاعلام المرتبطة
بالماكينة المالية السعودية التخفيف من وطأة الإنجاز العسكري
الذي حققه حزب الله، بالتركيز على حجم الخسائر البشرية
والدمار الذي لحق بالبنية التحتية (وخصوصاً الجسور)، ولكن
كانت المحاولات بائسة، فقد فرضت نتائج الحرب نفسها على
الشارع العربي والاسلامي وأصبح حسن نصر الله زعيماً عربياً
واسلامياً توارى أمام منجزه العسكري كل قادة معسكر الاعتدال.
اللافت في الأمر، أن بعد شهر واحد من وقف الحرب تكثّفت
اللقاءات بين مسؤولين سعوديين واسرائيليين في عمّان لجهة
البحث في تسريع الجهود بشأن الاتفاق على المبادرة السعودية.
لم تحظ دعوة نصر الله بالافادة من الانجاز العسكري في
الحرب الاسرائيلية على لبنان لتحسين شروط التفاوض مع الكيان
الاسرائيلي بأية اهتمام من قبل قادة معسكر الاعتدال بل
تم بحث المبادرة وكأن لا شيء قد تغير على الأرض. على العكس
من ذلك، فإن خروج حزب الله معافى من الحرب تم النظر اليه
باعتباره عائقاً أمام عملية السلام وفق المبادرة السعودية،
ولذلك لجأ صانع الفتن الامير بندر بن سلطان الى خيار الحرب
الداخلية، حيث تمت دعوة مئات المقاتلين للقدوم الى المخيمات
الفلسطينية في لبنان، لبدء المواجهات مع حزب الله، وكانت
يقظة الجيش اللبناني وقيادات الحزب هي الذي حال دون تحقق
الهدف، فكانت موجهات نهر البارد في الشمال اللبناني قد
أماطت اللثام عن أسرار الجماعات السلفية المسلّحة والمرتبطة
بتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، وكان تحقيق سيمور
هيرش حول تلك الجماعات قد أدار الفوهة ناحية الرياض، التي
أصبحت في مركز الاستهداف الاعلامي والسياسي.
فشل الجماعات السلفية المسلّحة في تفجير الوضع الداخلي
اللبناني وصولاً الى المواجهة مع حزب الله، دفع الأمراء
المسؤولين عن الملف اللبناني (سعود الفيصل ومقرن وبندر)
الى تكثيف الحضور الأمني في المناطق الخاضعة تحت سيطرة
تيار المستقبل وفريق 14 آذار. وتحوّلت بيروت الغربية وطرابلس
الى ما يشبه القلاع السعودية بفعل التجهيزات الامنية والمظاهر
المسلّحة في أحياء متفرقة في هاتين المدينتين.
|
عبدالله: تفتيت العرب أم
مصالحتهم؟ |
وجاء قرار حكومة فؤاد السنيورة في 5 مايو 2008 الهادف
الى ضرب شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله لتفجّر أزمة
داخلية في لبنان. وقد تناقلت حينذاك مصادر اعلامية وسياسية
لبنانية بأن السنيورة تلقى ضوءً أخضر من الرياض والقاهرة
لاصدار القرار. وجد حزب الله نفسه أمام خطر يتهدد وجوده،
فخاض في السابع من مايو معركة خاطفة سيطر فيها على بيروت
الغربية وتناثرت الفرق الأمنية التابعة لتيار المستقبل
وهرب السفير خوجه عن طريق البحر الى قبرص عائداً الى الرياض.
شعرت تل أبيب بفداحة الخسارة كما جاء على لسان أحد القادة
الأمنيين بقوله ما تم الاعداد له في سنتين انهار في ساعتين.
خرجت السعودية من هذه المعركة بخسارة فادحة، ونجحت
المعارضة اللبنانية في أن تفرض بقوة السلاح معادلة جديدة،
وسلّمت قطر مبادرة الحل التوافقي بين الموالاة والمعارضة
فيما كان سعود الفيصل يرقب تطورات الدوحة.
العدوان على غزة
الموقف السعودي من العدوان الاسرائيلي على غزة في شهري
ديسمبر ـ يناير 2008 ـ 2009 لم يكن أفضل من سابقه في العدوان
الاسرائيلي على لبنان في يوليو 2006، بل هناك من يرى بأن
الإعلام السعودي بدا أكثر تحرراً هذه المرة من أي التزام
قومي وأخلاقي وديني، ولاشك أن مثل هذا التحرر لم يكن يتم
لولا توجيهات عليا.
لم يصدر بيان (المصدر المسؤول) هذه المرة، بل تأخر
الرد السعودي كثيراً على العدوان واكتفى بإدانة العدوان
الاسرائيلي على سكان القطاع، فيما كانت الامبراطورية الاعلامية
السعودية تغمر الفضاء العربي بمواقف صادمة كونها وفرت
غطاء صريحاً للعدوان، ما حدا بوزارة الخارجية الاسرائيلية
ان تعيد نشر مقالات كتاب سعوديين وكويتيين (محسوبين على
الأعمام في الرياض). وقد انتشرت على شبكة الانترنت ما
عرف بـ (قائمة العار) والتي تضم أسماء كتاب سعوديين وكويتيين
وقفوا بصورة عارية الى جانب العدوان الاسرائيلي.
على الصعيد السياسي، تحوّلت أروقة الجامعة العربية
الى ما يشبه حلبة مواجهة بين فريقي الممانعة والاعتدال
في العالم العربي، وبذل الامير سعود الفيصل أقصى مافي
الدبلوماسية السعودية من طاقة لمنع صدور بيان عربي موحّد
يدين العدوان الاسرائيلي قبل انعقاد جلسة مجلس الامن الطارئة،
بانتظار أن تقوم القوات الاسرائيلية بانهاء مهمة القضاء
على حركة حماس في قطاع غزة، بعد حصار مصري ـ سعودي عليه
طيلة سنتين قبل العدوان.
بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من القصف الصاروخي والمدفعي
المتواصل على سكان قطاع غزة، وصور الدمار الكثيف الذي
خلفته الطائرات الاسرائيلية التي كانت تجوب أرجاء القطاع
بغطاء من عرب الاعتدال والمجتمع الدولي، فيما كانت صور
القنابل الفسفورية وهي تمطر حمماً على أبناء غزة، كانت
القيادة السعودية غائبة تماماً عن المشهد، حتى أن الوسطاء
الذين زاروا الملك عبد الله في الرياض من علماء دين وشخصيات
سياسية فوجئوا بموقفه العدواني حين رفض حتى مجرد الدعوة
الى وقف اطلاق النار، وقال بأن المملكة لن تساعد قطاع
غزة اذا بقي تحت سلطة حركة حماس..
|
ميركل: المهم نهب الأغبياء!
|
ولأن الحكومة السعودية بقيت منضبطة سياسياً بحسب الايقاع
الأميركي في عهد إدارة بوش، تبلّغت من الادارة الجديدة
برئاسة باراك اوباما بضرورة الامتثال لشروط العهد الجديد.
وكان مثيراً للسخرية والغرابة أن يرفض الملك حضور قمة
دوحة لإدانة العدوان الاسرائيلي ويمارس ضغوطاً على المغرب
وتونس والبحرين من أجل عدم الحضور ثم فجأة وفي عشية دخول
أوباما البيت الأبيض تعقد قمة في الكويت الاقتصادية ليكون
الموقف السعودي انقلابياً، ويبدأ الحديث عن المصالحة العربية
وسياسة مد اليد الى كل الأطراف..فمالذي حدث؟
بخلاف ما قيل عن المفاجأة التي أصابت حلفاء السعودية
في معسكر الاعتدال مثل مصر والاردن من مضمون خطاب الملك
عبد الله الذي ألقاه في قمة الكويت في يناير 2009، أو
ما قيل عن أن سعود الفيصل هو الآخر لم يكن يتوقع هذا الخطاب،
فإن واقع الحال غير ذلك تماماً، وأن ما فعله الملك عبد
الله كان متماشياً وبصورة حرفية مع توجيهات الادارة الديمقراطية
الجديدة. فهناك عملية سلام في الشرق الاوسط أريد لها أن
تسير وفق أجواء تهدئة ولابد من مد اليد الى سوريا والانفتاح
على كل الاطراف المصنّفة في خانة الخصوم مثل حماس وحزب
الله.
لاريب أن خزي الموقف السعودي إبان العدوان على غزة
جلب لها العار، ولم يكن بالامكان الابقاء على ذات المشهد
السياسي، فلا بد من مشهد جديد يمحو آثام مشهد العار السعودي
السابق. وكما لحظنا، فإن هذا الموقف المخزي مازال متواصلاً
من خلال منع المساعدات الى القطاع، فحتى الآن لم تقدّم
العائلة المالكة مساعدات لاعادة اعمار القطاع المدمّر،
بل حظرت أي دعوة لحملة أهلية لتقديم التبرعات لأهالي غزة.
صورة الملك.. يرسمها النفط
الحملة الدعائية التي سبقت ورافقت وصول الملك عبد الله
الى العرش وما ساقته من وعود بتسوية المشكلات المزمنة
(البطالة، أزمة السكن، أزمة التعليم والخدمات الصحية والعامة)
ماكان لها أن تنجح لو كانت أسعار النفط بقيت منخفضة، بالنظر
الى حالة الاحباط التي أصابت كثيرين حطّوا رحالهم عند
الملك عبد الله وخذلهم في ساعة الحقيقة.
على المستوى السياسي داخلياً وخارجياً، لم يكن الملك
عبد الله مختلفاً عن الملوك السعوديين السابقين، بل هناك
من يعتبر عهده الأسوأ كونه متناقضاً مع كل الصور الوردية
المخاتلة التي رسمها عنه المقرّبون منه، فلا هو بالإصلاحي
كما أوهموا الاصلاحيين ولا هو بالعروبي كما أوهموا العروبيين..
إنها صورة يرسمها النفط، فتخرج من أفواه الذين غرفوا
منه سواء من هم في الداخل أو الخارج في هيئة نعوت معلّبة
اعتاد هؤلاء على استعمالها مقابل أثمان مقطوعة.
كان دور النفط أساسياً في اقتراف العار بكل صوره، وهو
أساسي أيضاً في غسله مؤقتاً، طالما بقيت أسعار النفط مرتفعة،
وهي التي توفّر الأرضية له ولسياسته الخارجية بأن تتمدد
في كل الاتجاهات. نشير هناك الى أن ما تحصده السعودية
سنوياً من مداخيل النفط يتجاوز 200 مليار دولار أميركي،
ما يجعلها الدولة الأثرى في الشرق الأوسط بلا منازع، وبامكانها
السيطرة على اقتصاديات العالم عبر التحكم بعدلات الانتاج
والاسعار.
ملفات عدّة نجح المال النفطي في معالجتها بما في ذلك
ملف الجماعات السلفية المقاتلة التي خضعت تحت تأثير الجزرة
السعودية وغادر كثير من المقاتلين العقائديين مواقعهم
مع رفاق الدرب الجهادي وفضلوا العيش تحت ظل النفط، وشمل
ذلك رجال دين مصنّفين بالأمس على الخصوم للدولة فصاروا
اليوم من أبواقها الدائمين في الاعلام، الذي أفرد الصفحات
والشاشات لهم كيما يعكسوا نعمة أفاض آل سعود عليهم منها،
وتفتح القائمة على عشرات الكتّاب والناشطين السياسيين
والاكاديميين ليس في الداخل فحسب بل في الخارج أيضاً..
وأصبح للنفط مفعول السحر ليس على مستوى الافراد والجماعات
بل والدول الكبرى نفسها التي ألجمها النفط حجراً فصمتت
عن كل حديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان في هذا البلد.
الاصلاحي يتوّج المستبد!
حين أعلن عن تشكيلة (هيئة البيعة) يرأسها الامير مشعل
بن عبد العزيز لم يكن أحد يشك في أن الدافع الرئيسي وراء
هذه التشكيلة، هو وجود خلاف عميق داخل العائلة المالكة
حول تعيين نايف نائباً ثانياً، وأن الملك كان بين خيارين:
إما ممارسة صلاحيته المطلقة وتعيين أمير آخر غير نايف،
أو ترحيل الخلاف الى أجل مسمى، وفي الحالتين عكست ضعف
الملك عبد الله.
طبّل كثر من المسجّلين في قائمة الـ (باي رول) لتلك
الصيغة كونها ترسم طريقاً آمناً لعبور المرحلة المقبلة
بسلام، ودبجّوا مقالات لا حصر لها في بيان الميزات الفريدة
لهذه الصيغة، وأنها تعكس حكمة نادرة يتمتع بها الملك عبد
الله. وكما هي الاوهام حين تنهار كجبل الثلج بعد ارتفاع
الحرارة او اختلال الطبقات، جاء قرار الملك بتعيين الامير
نايف نائباً ثانياً في تسوية ثنائية تمت خارج اطار مجلس
العائلة المالكة ما أثار حفيظة الاجنحة الأخرى التي كانت
تأمل في ان يلعب الملك عبد الله دوراً في إعادة التوازن
داخل العائلة المالكة على اساس التقاسم المتعادل للسلطة.
اعتبر كثير من المراقبين قرار تعيين الملك نايف نائباً
ثانياً بأنه بداية تفاهم بين الجناحين المتصارعين منذ
عقود على السلطة، فيما فسّره الطامحون لرؤية برنامج عملي
للإصلاح بأنه تبديد لكل الآمال المعلقة على الملك عبد
الله في أن يجود بخطوات اصلاحية لافتة، بل أنه رسم مشهد
العهد القادم حيث يسيطر عليه شخص عرف عنه معارضته الشديدة
لكل صور الاصلاح، ولم يخف موقفه حتى بعد حصوله على المنصب
الجديد، وكأنه يبشر بمرحلة تحدي مرشحة لأن تشهد انقسام
داخلي حاد وتحفظات خارجية..
وفي قراءة اجمالية للأربع سنوات الماضية من عهد الملك
عبد الله نخلص الى أن كل الملفات التي انخرطت الحكومة
السعودية فيها على المستويات المحلية والاقليمية والدولية
بقيت دون حسم، وحتى الانجاز الذي حققه المال السعودي في
الانتخابات اللبنانية في يونيو الماضي لم يكن صافياً،
ولم يستطع هذا المال من قلب المعادلة الداخلية بالطريقة
التي تشاءها الرياض.
بكلمات أخرى، تميّزت السنوات الأربع من عهد الملك عبد
الله وخصوصاً في مجال السياسة الخارجية بأنها مليئة بالأزمات،
وفي حقيقة الأمر ان السعودية باتت صانع أزمة على المستوى
الاقليمي، فحتى الآن لم تحقق المصالحة العربية التي اعلن
عنها الملك عبد الله في يناير الماضي عن ثمرة حقيقية،
يعكس ذلك بوضوح الاعلام السعودي الموتور الذي مازالت حممه
تتقاذف على عواصم عربية يفترض ان تكون في مركز الاستهداف
في مشروع المصالحة مثل دمشق وبغداد والدوحة..
بكلمة أخيرة، أتقنت الحكومة السعودية في السنوات السابقة
صنع الأزمات وأخفقت في خلق أصدقاء جدد، بل كانت بارعة
في خسارة الاصدقاء القدامى، وكانت هناك فرص ذهبية في استقطاب
أصدقاء محتملين ولكن بسبب العنجهية الفارطة انفردت الرياض
في تفجير الازمات بطريقة انشطارية حتى لم يعد أمامها سوى
التصحيح الجراحي كابعاد سعود الفيصل عن ادارة ملف العلاقات
السورية السعودية، وابعاد بندر بن سلطان عن الواجهة بصورة
تامة بعد أن أصبح شخصية ممقوتة في كل العواصم العربية
تقريباً..واذا ما حافظت العائلة المالكة على ذات الوتيرة
في التعاطي مع دول الجوار ومن يليها فإن أية أزمة قادمة
تواجهها ستدفع الثمن مضاعفاً.
|