في أدبيات الإغتيال السياسي لدى آل سعود والوهابيين
محمد فلالي
تاريخياً، لم تتنكّف الوهابية ـ حين بدأت ـ عن ممارسة
عمليّة الإغتيال السياسي، وكان أشهرها اغتيال عثمان بن
معمر حاكم بلدة العيينة، الذي اغتيل بأمر من محمد بن عبدالوهاب
وهو في المسجد أثناء صلاة الجمعة. هذا الكلام ليس للدعاية،
وإنما هو موجود في كتب التاريخ التأسيسية للوهابية، ككتاب
مؤرخ الوهابية الأكبر عثمان ابن بشر (عنوان المجد في تاريخ
نجد).
وعمليّة الإغتيال مؤصّلة دينياً، من قبل الوهابية.
فما دام الخصوم كفرة ويستحقون القتل، فإن (طريقة) القتل
ليست ذات بال إذن، ولا يهم المكان الذي يقتل فيه الكافر
حتى ولو تعلّق بأستار الكعبة! ولعلّ ما جرى في الباكستان
وأفغانستان والعراق من قبل أفراخ الوهابية وقتلهم الناس
بالتفجير والمفخخات وغيرها دليلٌ على ما نذهب إليه.
والحكام السعوديون من جانبهم لم يكونوا بعيدين عن الإغتيالات،
وطرق إخفاء الخصوم. ولعلنا نشير فقط الى بعض الحوادث دون
تفصيل: من بينها قتل وإخفاء زعيم شيعة الشرق عبدالحسين
بن جمعة؛ وقتل قادة الإخوان (فيصل الدويش المطيري، وابن
لامي، وابن حثلين، وابن بجاد العتيبي) ومعهم عدد من رؤساء
أفرع القبائل، كلهم سيقوا ـ حسب تقارير الخارجية البريطانية
ـ من سجنهم بالرياض الى الأحساء حيث ابن جلوي، فقتلوا
وأُخفيت جثثهم. كما أن زعيم الرولة (ابن الشعلان) الذي
فرّ من عبدالعزيز، أُرسل له من يدسّ له السمّ خارج الحدود
ويقتله.
والملك سعود اشتهر بمحاولة قتله لجمال عبدالناصر وإفشال
الوحدة المصرية السورية، في قضية عبدالحميد السراج المشهورة،
والشيك الذي دفع له مقابل ذلك. كما أن سعود اغتال رئيس
الحرس الملكي سمّاً حين اعتقد بأنه يتآمر عليه.
والملك فهد بالتحديد وبمساعدة من سلطان ـ ولي العهد
الحالي ـ كان وراء عملية اغتيال رئيسي اليمن: ابراهيم
الحمدي، والغشمي في منتصف السبعينيات الميلادية. وقد قتل
الغشمي حين أرسل له السعوديون مبعوثاً معه شنطة، تتضمن
رسالة، بحيث لا يفتح الشنطة إلا عند الغشمي، وحين فتحها
المسكين انفجرت به وبالرئيس!. كما أن هناك تراثاً كبيراً
في هذا الشأن حيث تعرّض مستشارون ووزراء لمحاولات قتل،
وبعضهم ماتوا بالسمّ أيضاً وتمّ التخلّص منهم بطريقة أو
بأخرى. دع عنك من يقتل داخل السجن، فمثل هؤلاء لا يعدّون
ولا يحصون.
إذن.. ليس غريباً لا على صانع القرار السياسي من آل
سعود، ولا على الحليف الوهابي الديني أن يقعّدا ويشرّعا
عمليات الإغتيال والقتل لأفراد أو حتى لجماعات إن تطلّبت
المصلحة ذلك. والمصلحة هنا تتسع لتصبح واجباً دينياً عند
الوهابي، وواجباً سياسياً عند الحاكم السعودي نفسه.
الآن وبعد أن جرت محاولة اغتيال للأمير محمد بن نايف،
مساعد وزير الداخلية، تريد الوهابية وآل سعود إسباغ كل
نعوت السوء على الإغتيالات، وكأنها ليست من تراثهم، ولا
تدخل ضمن ممارساتهم، وكأنهم يعلنون تقزّزهم من الإغتيال
كأسلوب، وأنه مجافي للعروبة حيناً وللدين والخلق الكريم
تارة أخرى!
لكن أحد قياديي القاعدة في السعودية، وهو أبو جندل
الأزدي (فارس آل شويل) جمع لنا في كراسة كتبها تحت عنوان:
(تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنّة الإغتيال)..
جمع ما في التراث من نصوص تؤيد الإغتيالات، وأصّلها دينياً
من السيرة، وذلك لكي يقتفي أثرها (أهل التوحيد) الوهابيون،
وليقوموا بعمليات القتل والإغتيال.
الكراس حوت تفاصيل كثيرة وعملية، تبين وتعلّم أفراد
القاعدة الوهابيين كيف يقوم المرء بعملية الإغتيال، ابتداءً
بتعريف الاغتيالات ومشروعيتها وأسبابها وطرقها وفوائدها
والمطلوب لكوادرها وبعض القصص والعمليات التي تم تنفيذها
في العقدين الأخيرين، فضلاً عن كيفية تحديد الهدف، ومراقبته،
والأفراد الذين سيقومون بالمهمة وعددهم، والتمويل، وغير
ذلك من التفاصيل الدقيقة.
لكن ما يهمنا هنا هو النيّة المبيّتة لاستخدام اسلوب
الإغتيال والتأصيل الديني له من التراث عامة، والتراث
السلفي خاصة.
ابتداءً يعتمد الوهابيون على حديث ضعيف منسوب للنبي
صلى الله عليه وسلم يقول لكفار قريش: (استمعوا يا معشر
قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح). هذا
الحديث، حسب أبو جندل (رسم الطريق القويم الذي لا جدال
فيه ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال). فالغرض هو
(اغتيال العناصر المؤثرة والمؤذية في دول الردة من أئمة
الكفر وغيرهم).
والذين يظنّون أن الكذبة التي أبدعها عبدالله العسيري
الذي أراد اغتيال محمد بن نايف، هي ضد الدين، فإن الوهابيين
لا يعتقدون بذلك، ويعتمدون على أقوال عديدة لابن تيمية
وشروحات علماء يجلّهم التراث الوهابي، مثل قول ابن حجر
بـ (جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة
قد بلغته، وفيه جواز الكلام/ الكذب الذي يحتاج اليه في
الحرب). ليخلص الأزدي من هذا بأن كل شخص يعادي الإسلام
(من منظور الوهابية) يجوز قتله غيلة، والتحايل عليه والكذب
إن تطلّب الأمر ذلك.
وينقل الأزدي عن الشيخ الوهابي عبدالرحمن الدوسري قوله:
(فالعابد لله المصمم على الجهاد في ذاته يكون منفذا للغيلة
في أئمة الكفر من دعاة الإلحاد والإباحية، وكل طاعن في
وحي الله، أو مسخر قلمه أو دعايته ضد الدين الحنيف، لأن
هذا مؤذٍ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز للمسلمين
في بقاع الأرض من خصوص وعموم أن يَدَعوه على قيد الحياة
لأنه أضر من ابن الحقيق وغيره ممن ندب رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى اغتيالهم؛ فترك اغتيال ورثتهم في هذا الزمان
تعطيل لوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم وإخلال فظيع بعبودية
الله وسماح صارخ شنيع للمعاول الهدامة في دين الله). أي
أن الوهابية تجد نفسها ملزمة بتحديد المستحقين للقتل غيلة
أو غير غيلة، وهم كثر، بل هم أكثر المسلمين، وبالتالي
من يحدّد فساد شخص أو إلحاده أو طعنه في الدين، هم مشايخ
الوهابية، ومن سيقوم بقتله لن يكون سواهم.
والأزدي الذي أكثر من الاستشهاد بابن تيمية وعبدالله
عزام، يرد أن الإغتيال يجب ان يتوجه الى الزنادقة ممن
يسبون الله ورسولة؛ والى من أسماهم أئمة الردة من حكام
ووزراء وجنرالات وضباط وحتى جنود، وحسب ابن تيمية، فإن
من حلل الحرام أو حرم الحلال أو بدل الشرع كان كافراً
مرتداً. أي يجوز بالتالي قتله واغتياله. وأيضاً فإن المستهدفين
من الإغتيالات المحاربين الكفار والمعاهدين الذين يطعنون
في الإسلام أو يسبون الله. وقال الأزدي بأن الحكام العرب
كفار يجب اغتيالهم، وأما كفرهم فلأنهم يشرعون ما لم يأذن
به الله؛ ولأنهم يتبعون ويطيعون الكفار الغربيين؛ ولأنهم
يتولون الكفار والنصارى والمرتدين ويحمونهم بالمال والجيوش؛
ولأنهم اخوان الكفار الشرقيين والغربيين يوادونهم ويحبونهم؛
ولأنهم يحاربون أولياء الله ويظاهرون المشركين وينصرونهم
عليهم؛ ولأنهم لا يحكمون بما أنزل الله ويعطلون الفرائض؛
ولأنهم يستهزئون بدين الله ويفسحون المجال للمستهزئين
ويحمونهم. وهذه الصفات كما هو واضح يتم تركيبها بصورة
كبيرة من خلال الأمثلة على آل سعود بالتحديد، الذين يحكمون
البلاد جبرياً.
الآن وقد وصل الأمر عند القاعديين الذين درسوا السلفية
الوهابية على أصولها الى إحياء سنّة الإغتيالات، فلا بد
من تحديد مواصفات من يقوم بذلك. لا بد ـ حسب الأزدي ـ
أن يكون لدى عنصر الإغتيال وضوح في العقيدة (أي مسلم على
الطريقة الوهابية) وأن يكون لائق جسدياً وقتالياً، ويتمتع
بالذكاء والحس الأمني، وأن يتقن التعامل مع الخطف والإغتيال
وأن يتمتع بـ (نفسية إرهابية) كما يقول. ولا بد من اعداد
فريق الإغتيالات لتصفية الحكام خاصة آل سعود، اذ يتحدث
الأزدي عن كيفية ذلك بالتفصيل وفي اي أماكن وأن يتعلموا
كيفية الرمي واستخدام السكين والسموم، (لا بد لفريق الإغتيال
أن يتدرب على أساليب القتل عملياً سواء كان القتل بالمسدس
أو البندقية أو السكين أو الفأس أو الخنق أو بالسم).
وفي فصل: أفضل حالات الإغتيال، عدد الأزدي 13 حالة
فضلى لتنفيد الإغتيال، جاء في مقدمتها: (اذا كان الهدف
وحيداً وليس معه حماية بعيداً عن مرافقيه الخ.). ومما
جاء في فصل خصائص ومرحلة عملية الإغتيال عدد (المفاجأة
والردع والسرعة والسرية) كضرورة أولى، وقسم الأمر على
اعداد خطة الإغتيال وفيها تفصيل؛ وعلى التنفيذ وكيفيته.
الكيفية كثيرة وطالب الشباب بأن يكونوا مبدعين (الزرقاوي
أضاف السيف للذبح) ومن بين طرق الإغتيال التي فصل فيها
ودعا الشباب السعودي بالذات اليها: التفجير بالريموت كنترول
وفصل في كيفيته؛ وكذا الرسائل الملغومة وأنواعها؛ والرسائل
البيولوجية، والكيماوية، وتفخيخ السيارات التي قال انها
سهلة واعتبرها بمثابة (نعش طائر) للعدو، وتفجير السيارة
عن بعد؛ والقنص؛ وكتم الأنفاس (الخنق)؛ والضرب بالفأس؛
وتفخيخ الغرف؛ واقتحام المنزل؛ والسم؛ واسقاط الطائرات؛
وضرب المواكب.
وفي الاهداف الواجب اغتيالها والتي على المسلم الموحد
ان يقوم بها يأتي في المقدمة اغتيال كافة الدبلوماسيين
والسفراء والعسكريين اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة
العرب (كل جزيرة العرب)؛ وبعدها أئمة الردة أي حكام الخليج
ووزراء داخليتهم ودفاعهم وخارجيتهم، وحدد الملك فهد واخوته
الأربعة نايف وسلطان وعبدالله وسلمان (ابو رغال واخوانه
الأربعة، كما قال). ودعا الى قتل عرفات ومبارك وكرزاي.
ومن المستهدفين الصحافيين والإعلاميين الذين يسبون الله
ورسوله، والضباط، ورجال المباحث، فضلاً عن اصحاب المناصب
الحساسة في دول الكفر الأصلي: أمريكا وأوروبا وكندا واستراليا
والهند وروسيا!
وعدد الأزدي فوائد الإغتيالات التي زادت على العشرة،
جاء في مقدمتها: (احياء فريضة غائبة وسنّة ميّتة) و (إرهاب
أعداء الله) وغير ذلك. ثم عدد قصصاً من الإغتيالات الناجحة
(السادات/ أحمد شاه مسعود وغيرها) والفاشلة (مبارك في
اديس ابابا، وكرزاي وغيرهما). وأخيراً افرد الأزدي حديثاً
للشباب كله نكير على الحركات الإسلامية، وعلى مشايخ السلاطين
خاصة في السعودية، وعلى مشايخ الصحوة الذين خدعوا الناس،
وفي هذا يقول:
(ورؤوس الصحوة كما يسمونهم قد مارسوا دورا في خداع
الشباب حين كانوا يجمعونهم حولهم أو يسعون في تنظيمهم
في جماعاتهم من خلال إلهاب مشاعرهم بخطبهم الرنانة حول
الجهاد وكتاباتهم الطنانة المملوءة بالحماس الأجوف! فلما
كثر الأتباع وقال لهم الشباب هيا إلى العزة التي جمعتمونا
من أجلها ، حي على الجهاد الذي حببتمونا به ؛ تورط أولئك
المشايخ واضطرت طائفة منهم تحت ضغط الشباب وحماسه إما
إلى توجيههم للجهاد بعيدا عن الأوطان؛ لا حرج في الشيشان
أو في أفغانستان أو في البوسنة أو في أي مكان؛ المهم أن
ينأى الشباب بجهاده عن الوطن حيث استقرار أولئك المشايخ
ومصالحهم ومصالح دعواتهم المزعومة .. فلما ذهب الشباب
إلى تلكم الجبهات القتالية وذاقوا طعم العزة في الجهاد
وزالت عن أعينهم الغشاوات التي ساهم في تكثيفها دعاة الفتنة
وعلماء الضلالة في بلادنا، رجعوا إلى بلادهم بغير الوجه
الذي ذهبوا به ، وأمسوا يواجهون شيوخهم بتساؤلات ضاق بها
الشيوخ ذرعا). وأضاف: (لماذا جهاد الروس مشروع وجهاد الأمريكان
غدر ونقض للعهود؟ لماذا الجهاد في الشيشان وأفغانستان
مستحب والجهاد في عربستان مبغوض ومنبوذ يحذر منه ومن أهله؟
أليس منكم يا مشايخ الصحوة من درّسنا ردة الحكام الذين
شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله .. وأصّلتم لنا ذلك
تأصيلا شرعيا؟ فلما طالبناكم بالعلاج الشرعي الناجع لذلك
والذي أمر به المصطفى إذا ما رأينا من الولاة الكفر البواح،
وقفتم في وجوهنا وسلقتمونا بألسنة حداد وتهم شداد ..بل
لجأتم إلى شن الغارة علينا بعد أن كنتم ترعوننا من قبل،
واتهمتمونا بالفوضوية والتهور والتعجل والعمل على تدمير
مكتسبات الصحوة وإرجاع العمل الإسلامي مئات بل ملايين
الأميال إلى الوراء... فسحقاً سحقاً)!
ما نخلص إليه.. أن فكرة الإغتيالات ليست جديدة، وقد
ظهرت قوائم عديدة بالمراد اغتيالهم في السعودية، لكن لسبب
ما جرى طمطمتها الى أن ظهرت واضحة بمحاولة اغتيال ابن
وزير الداخلية؛ مع أن قاعدة السعودية قامت باغتيال بعض
رجال المباحث وحاولت الوصول مراراً الى أشخاص في جهاز
الأمن من غير الأمراء. إن وسائل الإغتيال وأهدافه واضحة
في أذهان القاعدة، وفي الفكر السلفي/ الوهابي عامّة، وما
جرى حتى الآن قد لا يعدو مجرد بداية، فقد تم نقب السدّ،
وقد يتوسّع فينهار.
|