منفذ عملية اغتيال نايف: عبدالله العسيري
لماذا لم يكن وهابياً نجديّاً؟!
خالد شبكشي
تثير محاولة اغتيال رجل الأمن الأول (الأمير محمد بن
نايف) مساعد وزير الداخلية، والذي يدير من الناحية الفعلية
الوزارة بالنيابة عن أبيه.. تثير مسألة هويّة القاتل المناطقية.
السؤال القديم لازال يتكرّر.. فحين ظهر ابن لادن، قيل
بتعجب: لماذا لم يظهر ابن لادن نجدي، لماذا ظهر شخص من
جدّة، ومن أصل يمني/ حضرمي، ليحيي أمجاد الوهابية، وليحاكم
الوهابيين وفق دعوتهم؟
ثم لما جاءت انفجارات سبتمبر 2001، بمشاركة 15 سعودياً
من بين 19 مهاجماً انتحارياً، سأل المراقبون والباحثون:
لماذا جاء معظم هؤلاء من جنوب الجزيرة العربية، وليس من
القلب الوهابي؟! لماذا لم يتمثّل النجديون ـ رعاة المذهب
الوهابي وقادته وحماته ـ في تلك العمليّات بنحو واضح؟
هل كانوا غير راضين عن التفجيرات، أم كانوا راضين، ومقتنعين
بالتأسيس الفكري والسياسي لها، وأن عدم مشاركتهم لا تعني
الإعتراض؟
الآن، وبعد أن قام عبدالله عسيري بمحاولة اغتيال محمد
بن نايف، يعود التساؤل مجدداً لماذا هم وهابيو الجنوب
السبّاقون والطلائعيون في ممارسة العنف؟ لماذا لم يكن
الإنتحاري نجدياً، ممن يمثل المركز في الخلفية الإجتماعية
والسياسية والمذهبية؟!
خلال السنوات الماضية، كانت هناك مفارقة واضحة، وهي
أن وهابيّي الجنوب، أي القادمين من جنوب السعودية، يمثلون
حطب الحروب القاعدية وحتى الطائفية خارج الحدود، في حين
أن الفكر منتج في نجد، والقيادة الفكرية والفقهية في أغلب
الأوقات إن لم يكن كلها قابعة في نجد، ولا يراد لأحد أن
يتبوّأ مكانة في المذهب من خارج حدوده المناطقية. وحتى
قيادات القاعدة (قاعدة جزيرة العرب) بدأت بنجد، وانتهت
بيد أُناس في الجنوب أو من خارج البلاد، ولازالت قاعدة
السعودية ـ حسبما يظهر ـ بقيادة جنوبية وبأفراد انتحاريين
من الجنوب، وهم الذين عقدوا صفقة اندماج واتحاد مع قاعدة
اليمن في الأشهر الماضية.
كأن قادة الفكر الوهابي النجدي، حين وجدوا منخفضاً
ثقافياً في الجنوب، شغروه بفكرهم، واستثمروا في تلك المنطقة
البائسة ثقافياً منتجهم المذهبي، فخرّجت إليهم أفراد استخدموا
كأدوات في ترويج المذهب داخلياً، أو على الأقل في مناطقهم
الجنوبية، واستخدموا أيضاً كعناصر بشرية في الجهاز الديني،
وفي سلك القضاء وما أشبه. كان الجنوبيون ـ المتوّهب منهم
ـ مجرد أدوات تنفيذية بيد المؤسسة الدينية، وحين تطرّف
وعمد بعض فروعها الى العنف، كان من الطبيعي أن يكون هؤلاء
أدوات أيضاً في تلك المعارك العنفية والإنتحارية.
بل يمكن تمديد مثل هذه الحالة، وبأجلى صورة، في طريقة
تعاطي الدولة مع بعض مناطق الجنوب، وكيف أنها أصبحت كخزان
بشري يرفد الدولة بأدوات التمكين دون أن يرتقي أفرادها
الى الأعلى إلا نادراً. لهذا رأينا الجنوبيين يغرقون جهاز
المباحث، ولكن القيادة في المجمل تبقى نجديّة مسيطرة؛
وكذلك الحال بالنسبة للجيش، فحين أُبعد الحجازيون لصالح
النجديين، عمد هؤلاء الأخيرون الى جذب أهل الجنوب لتولي
المناصب الصغيرة والوسيطة.
|
الملك يزور محمد بن نايف
في المستشفى |
قد لا يقدم التحليل السابق الجواب الوافي حول سرّ هذا
الجنوب وخصائصه، وما انعكس على أفراده. لاحظ باحثون غربيون
(بينهم جيل كابيل) أن منطقة الجنوب تنقسم الى قسمين: حضري/
جبلي، وبدوي/ صحراوي، يتقاسمهما نمطين اقتصاديين، وطريقتين
مختلفتين في التفكير، وفي الشخصية. وحين جاءت الوهابية
التصق بها الجنوبيون (الحضر) بنحو بالغ الشدّة، والتزمت،
وكانت حساباتهم ـ حسب التثقيف الديني النجدي ـ مجرد دين،
واعتقاد بصحة المذهب الجديد.
بيد أنه بالنسبة للنجدي السلفي الوهابي، فإن إقباله
على الوهابية ليس من زاوية الدين فحسب، بل وضمن نطاق الهوية
والمصلحة أيضاً، والنجدي يحسب حساباً لخطواته مقابل الدولة
وآل سعود، إن كانت ستضرّه أو تضرّ بمصلحته المذهبية أو
الماديّة، ولذا فهو شديد التردد للقيام بذلك، وهو قد وصل
الى قناعة بأن آل سعود رغم فسادهم، لا يجب أن يواجهوا
حسب متطلبات المذهب الدينية: إعلان الحرب باعتبارهم مخالفين
للإسلام أو منافقين أو حتى كفاراً. ولقد كانت الوهابية
تشتم كل الناس وتكفرهم لأتفه الأسباب، ولكنها ما أن تصل
الى آل سعود، فإنها تقف ولا تطبّق أحكامها وتوصيفاتها
عليهم بدافع المصلحة الخاصة أو المصلحة المذهبية، ومن
هنا جاء الإنفصال بين معتقدات المذهب ومتطلباته، وبين
مسلك مشايخ الوهابية ومداهنتهم لآل سعود.
هذا يمكن ملاحظته في ثورة جهيمان، وفي كتاباته. ويمكن
ملاحظته أيضاً من جهة الخلاف بين القاعدة ومشايخ الوهابية.
إذ لا شك ـ كما يقول كثير من الباحثين السعوديين ـ بأن
القاعدة ورموزها أقرب الى الفكر الوهابي وأصوله وأكثر
التزاماً بتعاليمه من أولئك المشايخ المنخرطين في سلك
الدولة أو في سلك المؤسسة الدينية من كبار هيئة العلماء
وغيرهم.
هؤلاء القاعديون الذين هم في أكثرهم جاؤوا من مناطق
أخرى غير نجد (المنطقة التي ولدت فيها الوهابية) لا يجدون
حواجز في إعلان مواقفهم وتقرير رؤيتهم وتطبيقها على أي
شخص كان. وهذا الموقف لا يلتزم به إلا النادر من الوهابيين
النجديين، وإذا ما فعلوا ـ كما جهيمان ـ فإنهم يصبحون
ـ بنظر السلطة ومشايخها ـ شاذين وخوارج ومتطرفين وغلاة
وما أشبه. أما الأكثرية فهي مداهنة خلاف ما يأمرها به
المذهب ومعتقداته، وبالتالي فإن مشايخ السلطة وأصحاب المصالح
النجديين المتوهبين، قد وصموا من قبل القاعديين والجهيمانيين
بالنفاق وحبّ الدنيا، والتدليس في الدين.
لهذا كله، وهنا نأتي الى بيت القصيد، لم يجد عبدالله
العسيري حرجاً في محاولة اغتيال محمد بن نايف. هو لم يحسبها
إن كان الأمر في مصلحة نجد أم لا؟ أو أن ذلك في مصلحة
المذهب أم لا؟ هو حسبها بأن ذلك عمل صحيح وواجب عليه القيام
به، إن كان قد تمكن من ذلك. أما متطرّفو نجد ووهابيوها
فشغلهم التحريض والترويج وإصدار الفتاوى التكفيرية، ولكنهم
لا ينفذون ما يرونه إن تعلق الأمر بآل سعود، فهؤلاء لهم
مصالحهم، وحساباتهم السياسية والخاصة. يهمهم حماية المذهب
ورعايته من قبل آل سعود؛ ويهمهم سيطرة نجد وعدم إضعافها،
من خلال الإعتراض على آل سعود. ويكفي للتبرير ـ كما كان
ابن باز يقول ـ بأن (فيهم ـ أي في آل سعود ـ خير كثير)!!
وعموماً، هناك فرق في المدى الذي يصل إليه كل من الوهابي
النجدي، والوهابي الجنوبي، من جهة الإستعداد للمواجهة
والتضحية. هذا الفرق ـ وأياً تكن أسبابه ـ هو الذي يجيب
عن السؤال: لماذا كان الإنتحاري من الجنوب؟!
وهو الذي يجيب أيضاً على سؤال: لماذا كان أول من نظّر
الى حرب الإغتيالات ضمن فريق القاعدة في السعودية وأخرجها
في كتاب مفصل من الجنوب: (تحريض المجاهدين الأبطال على
إحياء سنّة الإغتيال) لفارس بن شويل الزهراني (ابو جندل
الأزدي).
يكفي أخيراً أن نقول بأن ما زرعته الوهابية في جنوب
المملكة، وإن استخدمته فترة لصالحها، فإنه سيعود عليها
بالوبال، فعلى أساس المذهب نفسه، تحاكم الوهابية، كما
يحاكم آل سعود. وكل من يدعو للمحاكمة يدرك بأن مشايخ الوهابية
وآل سعود قد ابتعدوا كثيراً عن أصول المذهب الوهابي الغارق
في التكفير والعنف، والمنضبط بضوابط مصلحة آل سعود ونجد
ومشايخها ونخبها.
|