الخطير والمزعج في عملية اغتيال محمد بن نايف
حين تصل السكّين الى عنق الأمراء
فريد أيهم
انهالت الشتائم على الإنتحاري القاعدي الذي فجّر نفسه
بغية قتل الأمير محمد بن نايف، وكان لافتاً أن الإعلام
السعودي ركّز على صفة (الغدر) التي يأباها المسلم والعربي!
وكأنّ القارئ المحلّي/ السعودي الذي طفقت وسائل الإعلام
الرسمية تشحنه ضد أتباع الفئة الباغية أو الضالة أو الخارجة،
قد تعلّم صفة جديدة عن أفرادها!
الإعلام الأبله الذي وصم القاعديين بالخارجين عن الإسلام،
وأصحاب ضمائر ميتة، ومصاصي دماء، وذبّاحين، كيف يمكن له
لفت نظر المواطنين بمجرد أن تضاف صفة (الغدر) على أناس
سلبوا حياة مدنيين وقتلوهم؟! وما عساها أن تكون صفة الغدر
تلك إزاء الدماء والأرواح التي أزهقت؟!
لكن صفة الغدر هذه، التي وصم بها صاحب محاولة الإغتيال
الفاشلة، حين جاء مهادناً رمز النظام الأمني من أجل اغتياله،
هي ذات الصفة التي يطلقها رموز تنظيم القاعدة وتحفل بها
ادبياتهم التي تصم رموز آل سعود بالغدر والخيانة، ابتداءً
من مؤسس دولتهم عبدالعزيز وانتهاءً بنايف وابنه بالتحديد.
وفيما يخص محمد بن نايف، فإنه وأباه متهمان بأنهما غدرا
بالعديد من أفراد القاعدة وفتكا بهم وبعوائلهم بعد أن
استدرجاهم وآمناهم. وعموماً فإن صفة الغدر شاعت في آل
سعود، وما أكثر من قتل على أيديهم. وإذا كان المسلم لا
يغدر، والعربي الكريم، وإن لم يكن مسلماً لا يغدر، فإن
هذه الصفة لا تنطبق لا على أفراخ القاعدة الوهابية ولا
على آل سعود.
فيما عدا التركيز على صفة الغدر، فإن ردود الفعل على
محاولة الإغتيال والتي أبداها الإعلاميون الرسميون كانت
شديدة التوتّر منذ اللحظات الأولى للإعلان عن محاولة الإغتيال،
وكما ظهر الأمر حينئذ من تعليقات طارق الحميد على قناة
العربية التي أوردت خبر محاولة الإغتيال. حين يقرأ الباحث
التعليقات والكتابات الضخمة والكثيرة عن محاولة الإغتيال
فإنه يدرك على الفور:
أولاً ـ خطورة الحدث، الذي كشف عنه مسارعة الملك الى
لقاء محمد بن نايف في المستشفى، وأنه زعزع النفوس سواء
داخل الأسرة الحاكمة أو الدائرة المحيطة بها. وقد انعكس
هذا الخوف على الكتاب والصحافيين الموالين، بطريقة أفقدتهم
الرشد. مع أن الأمير محمد بن نايف لم يصبه أذى يذكر، لكن
محاولة الإغتيال ضربت فيما يبدو على الوتر الحسّاس، وأشعلت
ناراً متقدة من الغضب والخوف معاً.
ثانياً ـ يدرك مما كتب عن محاولة اغتيال محمد بن نايف،
أن قلقاً كبيراً على الذات قد انتاب كل المحسوبين على
النظام، بل وتعدّى ذلك الى من حسبوا أنفسهم على الخط الليبرالي،
ولسان الحال يقول: إذا كان هؤلاء العنفيون قد وصلوا الى
أحد رؤوس النظام، بل الى الرأس الأمني الأول، المطوّق
بالحراسات والإستعدادات الأمنية، فكيف سيكون الحال بالنسبة
الى ذواتهم كأفراد بلا حماية ولا احتياطات أمنية، خاصة
وأن عدداً غير قليل من هؤلاء قد دخلوا في مواجهة مباشرة
مع الخط الوهابي بشقيه التقليدي المؤيد للنظام أو المعادي
له كالقاعدة، كما أن عدداً من هؤلاء قد تم تهديدهم بالقتل،
وصدرت فتاوى تكفير بحقّهم من مشايخ تقليديين منضوين تحت
لواء السلطة.
ثالثاً ـ وهناك مسألة أخرى لها علاقة بأولئك الذين
يريدون الإصلاحات، والذين انتاب عدد منهم القلق. القليل
منهم رأى في محاولة الإغتيال وسيلة ضغط باتجاه الإصلاحات،
في حين رأت الأكثرية ـ ومن خلال ما عبّر عنه في الصحافة
ـ أن ما جرى سيزيد الأمر سوءً: أولاً، لأن النظام سيبعد
النظام أكثر عن مسار الإصلاحات، وسيزيد من قمعه بحجة الأمن،
حيث سيقوم ـ كما هي العادة ـ بالمزيد من الإعتقالات في
الوسط الإصلاحي، ويتهم أفراده كما فعل مراراً بأنهم داعمون
للإرهاب، ولازال عدد غير قليل منهم في السجون حتى اليوم.
وثانياً، لأن المناخ العنفي لا يشجّع على الإصلاحات من
وجوه مختلفة، ويضعف الحماسة الرسمية باتجاهها إن كانت
هناك حماسة في الأساس. وثالثاً، فإنه من وجهة نظر جمهرة
من المطالبين بالإصلاحات، فإنّ أي انتصار يمكن أن يحققه
تيار العنف الوهابي، لا يخدم الإصلاحات، وان محاولة الإغتيال
وإن كانت فاشلة إلا أنها حققت نجاحاً في مضامير أخرى،
وأرسلت رسالة بأن يد العنف قادرة على الوصول ـ بعد محاولات
ـ الى رؤوس النظام الذي أصابه الهلع فانعكس حتى على الأفراد
العاديين. وبالتالي فإن تيار العنف هو أسوء بديل يمكن
أن يكون لهذا النظام السعودي القائم، ومن هنا كان منبع
القلق.
رابعاً ـ إن أمراء العائلة المالكة قدّروا بأن ذواتهم
مصونة، وأنه ليس هناك إجماع داخل التيار العنفي فضلاً
عن التيار الوهابي التقليدي على ممارسة حرب الإغتيالات
ضد أمراء آل سعود ـ وهي حرب مارستها القاعدة بتوسع في
العراق وغيره ـ ولهذا كان الأمراء يتجولون بارتياح ليس
في داخل السعودية فحسب، بل وأيضاً في كل أصقاع العالم
وبينها دول للقاعدة نفوذ فيها، دونما خشية من اغتيال أو
تعرض بأذى. ذلك أن الأمراء الكبار حسبوها على أن الإغتيالات
سقف أعلى لم يصل بعد إليه أحد، حتى مع وجود اشتباك قاعدي
دموي مع أدوات السلطة (مخابرات ورجال أمن) وحتى مع وجود
اعتقالات مكثفة بالآلاف للمواطنين تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
هذا التقدير بأن يد العنف ستكون بعيدة عن رؤوس العائلة
المالكة، كسرته محاولة الإغتيال الأخيرة، لهذا جنّ جنون
رؤوس النظام وحاشيتهم، وكأنّ محاولة الإغتيال ستفتح الأبواب
مشرعة لما يليها من أعمال، بعد أن شرعنت ومورست العملية،
وبعد أن كسر الإتفاق الضمني الذي يحمي الأمراء الكبار
من التعرض للقتل. ومن هنا كانت محاولة الإغتيال خطيرة
ومزعجة.
|