بانتظار فتح سفارة إسرائيلية في الرياض
التطبيع بنكهة سعودية
ناصر عنقاوي
تحثّ السعودية الخطى سريعاً نحو خلق بيئة قابلة لإعادة
إحياء المبادرة العربية التي تترنّح للسقوط رغم التنازلات
المؤلمة، وفي جوهرها كارثية، تلك التي منحها السعوديون
للجانب الإسرائيلي، حتى سمعنا من الرئيس المصري حسني مبارك،
باعتباره أحد أضلاع مثلث الاعتدال الى جانب السعودية والأردن،
يختزل الحقوق العربية والفلسطينية الى حد اشتراط التطبيع
مقابل وقف الاستيطان، وقد ردّدت السعودية على لسان مسؤوليها
وبيانات مجلس وزرائها عبارات مشابهة، بما يشبه بيعاً رخيصاً
لأشرف قضايا العرب والمسلمين.
تكثّفت النداءات في الشهرين الماضيين من الجانبين الأميركي
والأوروبي (والى حد ما الإسرائيلي) إلى القيادة السعودية
لأن تمسك بزمام المبادرة وتقود (سلام الخرفان)، من أجل
(إحراج) الاسرائيليين، أيما إحراج، من أجل البدء بعملية
تسوية شاملة ترغم الاسرائيليين بالقبول بتنازلات ثمينة
يقدّمها قادة الاعتدال. وكانت أولى الإشارات المحرجة للغاية
للجانب الإسرائيلي التحرّكات العاجلة التي قام بها الجانب
السعودي لوقف تقدّم تقرير جولدستون حول مجازر غزة الى
مجلس الأمن، لإدانة الكيان الاسرائيلي على ما اقترفه في
عدوانه على القطاع في ديسمبر 2008 ـ يناير 2009.
بدت مفضوحة تلك الرسائل العلنية المطمئنة لجدارة الالتزام
السعودي بالحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني،
فيما النتائج الميدانية توحي دائماً خلاف ذلك. تصريحات
السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل جبير في 22
سبتمبر الماضي قبل لقاء القمة الثلاثية (الأميركية ـ الاسرائيلية
ـ الفلسطينية) في نيويورك وما انبثق عنها، ليست سوى موقف
إعلامي سعودي يراد منه إخفاء حقيقة الضغوطات التي تعرّض
لها الوفد الفلسطيني برئاسة محمود عباس من أجل تسهيل مهمة
الوسيط الأميركي، حيث كشفت مصادر فلسطينية بأن السعودية
طلبت من محمود عباس عدم إثارة موضوع تقرير جولدستون. وبلّغت
السعودية الطرفين الاميركي والاسرائيلي بأن عباس يعبّر
عن وجهة نظر السعودية في القمة، وما يصدر عنها من توصيات
ومقترحات حول تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي.
اللافت في تصريحات الجبير، الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة
مع شخصيات سياسية اسرائيلية تشكّلت منذ سنوات طويلة ورثها
من مرشده وسلفه الأسبق الأمير بندر بن سلطان، أنها تنطوي
على معرفة بطبيعة الموضوعات التي ستكون على طاولة القمة
الثلاثية، ما يشي باطّلاعه شبه التام على ما كان ينوي
الرئيس الأميركي باراك أوباما القيام به بدعوة الدول العربية
الى تقديم كل ما من شأنه تسهيل عملية التسوية. وحين تتحدث
السعودية عن (تنازلات جوهرية) كما جاء على لسان الجبير
ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل فهي لا تخبر عن تفسيرها
لما هو (جوهري)، بالنظر الى أن مبادرة الملك عبد الله،
وخصوصاً بعد تعديلها في قمة الرياض في آذار (مارس) 2007،
قدّمت من التنازلات للجانب الاسرائيلي ما يجعل هامش المناورة،
وخصوصاً في الموضوعات الجوهرية، ضيّقاً للغاية، بعد أن
قبلت السعودية وبعض دول الاعتدال بإخضاع موضوع القدس ومبدأ
حق العودة لمنطق التفاوض والتسوية المرضية، بحسب زعمهم.
على أية حال، فإن رد السفير السعودي في واشنطن عادل
الجبير على رسالة أعضاء الكونغرس التي بعثوا بها الى الملك
عبد الله وطالبوه فيه باتخاذ خطوة من شأنها بناء ثقة في
المبادرة التي أعلن عنها في قمة بيروت في مارس 2002، كان
متساهلاً، في فحواه على الأقل، حين قال بأن الحكومة السعودية
ليست مهتمة بـ (إجراءات بناء ثقة مؤقتة أو تقديم إيماءات)،
مشيراً إلى أن محادثات مع الجانب الاسرائيلي قد تتم في
أي وقت في حال وافقت (اسرائيل) على (تلبية شروط محددة)،
والتي تتمحور حول مبادىء المبادرة العربية: العودة الى
ما قبل حدود العام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة،
والأخطر هو ما قاله بعد ذلك (توفير تسوية عادلة للاجئين
الفلسطينيين). والكلام الأخير هذا يومىء الى مبدأ (التعويضات)
الذي يثير جدلاً واسعاً بين الشعب الفلسطيني، الذي سيحرم
أهله من العودة الى وطنهم وبيوتهم.
في كلام الجبير ما يشير الى أمر آخر، كان قد اعترض
عليه الجانب السوري، حين طالب بتغيير كلمة (التطبيع الكامل)
في مبادرة الملك عبد الله الى (السلام الشامل)، حيث تمسّك
الجبير بنص المقترح السعودي بقوله أنه في مقابل تلبية
هذه الشروط المحدّدة والجوهرية، حسب زعمه، فإن النتيجة
ستكون على النحو التالي: (ستحصل إسرائيل على اعتراف كامل،
وإنهاء رسمي للصراع، وسلام وأمن وعلاقات طبيعية مع كل
الدول العربية).
|
ما يهم الجانب الأميركي، أن دول الاعتدال الممثلة بصورة
رئيسية في مصر والاردن والسعودية، يجب أن تكون هي من يمسك
بمبادرة التطبيع مع الجانب الاسرائيلي، وهو ما دعى العضوان
في مجلس النواب الأميركي براد شيرمان (ديموقراطي عن ولاية
كاليفورنيا) وإدوارد رويس (جمهوري عن ولاية كاليفورنيا)
الى تولي مهمة كتابة رسالة بإسم الكونغرس إلى الملك عبد
الله، في شهر يوليو الماضي، وحثّه فيها على (القيام بدور
قيادي قوي مع تقديم إيماءة دراماتيكية) إزاء تل أبيب،
على غرار ما فعلته كل من مصر والأردن، عندما أقامتا علاقات
دبلوماسية كاملة مع دولة الاحتلال، الأمر الذي يعني بوضوح
تام أن ثمة دعوات تنطلق في المجالين الأميركي والأوروبي
لأن تكسر السعودية الاجماع العربي وتقود مبادرة التطبيع
بصورة منفردة، وهو في الغالب ما تخشاه دائماً من أجل استدراج
الدول العربية الى أن تحذو حذوها. السعودية التي قبلت
بأن تقود مشروع التطبيعي على مستويات منخفضة إعلامية وثقافية
كما لحظنا ذلك من زيارة صحافية إسرائيلية من صحيفة (يديعوت
احرونوت) الى الرياض في القمة العربية في مارس 2007، ولقاء
تركي الفيصل مع مسؤولين اسرائيليين في مؤتمر بأكسفورد،
ولقاء الملك عبد الله مع حاخامات إسرائيليين في مدريد
في يوليو 2007، ثم مؤتمر حوار الأديان في نيويورك بحضور
رئيس الكيان الاسرائيلي شمعون بيريز في نوفمبر 2008، برعاية
سعودية وفي مؤتمر حوار الاديان في (أستانة) عاصمة كازاخستان
في يوليو 2009، والتي دعا فيها بيريز الملك عبد الله الى
زيارة الكيان الاسرائيلي، أو زيارته للرياض.
هذا على المستوى العلني، أما في السر فثمة تقارير أشد
خطورة. فقد كشف مسؤول أميركي، طلب عدم الإفصاح عن هويته،
أن المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل
قد تلقّى (ضمانات سرية) من بعض الدول العربية، الخليجية
والمغاربية، بالسماح للطائرات الإسرائيلية المدنية بالتحليق
فوق أجوائها، وفتح مكاتب لرعاية مصالحها في إسرائيل، ووقف
الحظر على سفر الرعايا الإسرائيليين إلى تلك الدول (إذا
ما عمدت إسرائيل إلى تجميد أنشطتها الاستيطانية).
من جهة ثانية، ذكرت صحيفة (صنداي تايمز) اللندنية في
27 سبتمبر الماضي نبأ اجتماع مسؤولين سعوديين باسرائيليين
في لندن، وجرى الاتفاق على السماح للمقاتلات الاسرائيلية
بالتحليق فوق أراضي المملكة. وقالت الصحيفة بأن الاجتماع
ضمّ رئيس جهاز الأمن الخارجي البريطاني ورئيس جهاز الاستخبارات
الخارجية الإسرائيلية الموساد مائير داغان ومسؤولين سعوديين،
تم الاتفاق خلاله على أن تغض السعودية الطرف عن تحليق
المقاتلات الاسرائيلية في حال قيامها بضرب المنشأة النووية
الإيرانية الجديدة. السعودية نفت نبأ الصحيفة، وليس في
ذلك جديداً، فقد انتشرت أنباء واسعة أميركية وأوروبية
على سماح السعودية للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتحليق
فوق الاجواء السعودية.
ما يلفت الانتباه، أن قصص اللقاءات السعودية الاسرائيلية
بدأت تهيء أجواء التطبيع في الأوساط النجدية، إلى درجة
أن هناك من بات ينتظر رفع العلم الإسرائيلي في الرياض.
وقد كتب أحدهم ما يشبه صورة تقريبية لما سيكون عليه الوضع
فيما إذا قرر الكيان الاسرائيلية افتتاح سفارة له في الرياض.
وكتب أحدهم في موقع (منتدياتنا) المقرّب من الحكومة، والذي
يشرف عليه الكاتب محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، يقول:
ماذا سيحدث لو فتحت إسرائيل سفارة لها في الرياض وأصبح
مقر السفارة في حي السفارات يعج بالمراجعين من السعوديين
طالبين تأشيرة زيارة الأراضي المقدسة في اسرائيل (فلسطين
سابقاً) أو للسياحه في حيفا أو اللد أو تل أبيب وبادلتها
الرياض هذا الشيء وسمحت للإسرائيليين بدخول المملكة للسياحة
والتجارة وزيارة آثارهم الباقية في أرض الحرمين؟. ماذا
سيحدث وماذا سيكون ردة الفعل من أطياف الشعب المتعدده
أطيافه سوف يصدم العلمانيين من هول المفاجئه، وهذا التحول
الرهيب اللذي لم يكونوا يحلموا أن يحدث بهذه السرعه بل
سوف يقيموا الأتراح والليالي الملاح لنصرهم فيما سيخيم
الغضب على المؤسسة الدينية والشعب وسوف تثور ثائرتهم على
هذا المنكر وسوف تضع الدولة نفسها بذلك في موقف لا تحسد
عليه، فلن ينفع في ذلك الوقت فتاوي علماء السلطه ولا أستخدام
القوة العسكريه وملئ السجون لانها سوف تحتاج الى معتقلات
كبيرة مشابهه لتلك اللتي اقامتها القوات النازيه في الحرب
العالمية الثانية وهذا الأمر فيه نهايه لهذه السلطه لانها
ستقف في جهه والشعب في جهه مقابله.
ويضيف: إن أمر التطبيع حاصل لا محالة فقد أختاره الملك
عبدالله في مبادرته المشهورة (المبادره العربية) في بيروت
28 مارس 2002 والتي حددت 3 شروط لاسرائيل اذا نفذتها ينتهي
العداء مع اسرائيل ويتم الأعتراف بها ويتم التطبيع الكامل
والشروط هي:
أ - الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما
في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران
1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين
يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم
194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي
الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في
الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ - اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، والدخول
في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع
دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام
الشامل. ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى
والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى
قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقناً
للدماء بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام
جنباً إلى جنب ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمناً يسوده
الرخاء والاستقرار.
يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى
دعم هذه المبادرة .
ثم ينتقل الكاتب الى ما يمكن وصفه بالبنية التحتية
للتطبيع، حيث أخذت الحكومة السعودية عدداً من التدابير
لتحقيق ذلك الهدف:
لم يكن من مخرج للدوله في هذا الوقت، لأن الوقت ليس
في صالحها، ففي أي لحظه يمكن لأسرائيل الموافقه على المبادرة
ووضع المملكه في حرج أمام شعبها الرافض للتطبيع وأمام
العالم لأنها صاحبة المبادرة، لذا كان عليها لزاماً التحرك
بسرعه نحو إيجاد الحل لهذه المعضله والتي تمحورت فكرة
الحل في العمل على التغيير في الداخل لإنشاء ارضية تقبل
بالتطبيع فبادرت الدولة لعمل جبار بدءً بالنشئ ففتحت مجال
الإبتعاث لكل بلاد يمكن لحضارتها أن تحدث تغييراً في توجهات
المبتعث الفكرية وهو بدوره سوف يفرض أو يؤثر بدوره في
أسرته والأسره هي جزء مؤثر بلا شك في المجتمع هذا من جانب،
ولكون العمل يحتاج (إلى) تضحيات أكثر أقرّت الدولة فكرة
المدن الصناعية وهي كانتونات كبيره محمية أمنياً تكون
معامل للتغريب وفرض واقع جديد بحيث تكون نواة للمجتمع
المرغوب الوصول إليه، ففي هذه المدن يسمح بالمحظور خارجها
كالمدارس المختلطه، والعمل المختلط في المنشأت، والسماح
بقيادة المرأة، وأماكن الترفيه، والمطاعم المفتوحه وهو
ما سينعكس على المجتمعات خارج هذه المدن بالتأثير الإيجابي
بحيث يتم تمييع الممانعه بالتعود لتنتقل هذه التغييرات
لها من تلقاء نفسها .
ولكون المجتمع هو مجتمع ديني ويقدّس ويتأثر بالرموز
الدينية لذا وجب صناعة جيل جديد ومؤثر من رجال دين مؤيدين
للسلطه يسهلون عملية القبول بالتغيير بتطبيقها على أنفسهم
وترغيب الشعب بذلك ولن يكون ذلك إلا باستبعاد الرموز القديمه
ووضعهم جانباً بل وتحييدهم وهذا الأمر أصبح ملموساً خلال
السنوات الماضية .
أيضاً، ولما للإعلام من تأثير كبير على الناس، سمحت
الدوله للقنوات الخاصه والمدعومه أصلاً من النظام سراً
بطرح البرامج والمسلسلات والأفلام التي تدعوا للإنفتاح
على الخارج ووصف ذلك بأنه الطريق الحتمي للمستقبل المنشود
البعيد عن الرجعيه والتزمت الديني والعادات الإجتماعية
المعقده .
هذه الأمور في محصلتها ستصنع الأرضية المناسبة لشعب
يقبل التطبيع وقبول الإسرائيلي كسفير وسائح وزائر وصديق..
والسؤال: أمام هذا التصوير شبه الواقعي الذي يجعلنا
أمام واقع يصنع بإتقان لتهيئة مناخ التطبيع، هل بتنا قريبين
من عملية انقلاب قد يطيح أشياء كثيرة بما فيها التاريخ،
لتكون الفوضى العارمة رداً على خيانة القضية الفلسطينية؟
|