قضاءٌ يستحق الرجم!
محمد فلالي
قيل مراراً أن القضاء السعودي فاسد، والكثير من القضاة
مفسدون ولصوص ومجرمون ومتخلفون.
واشتكى المواطنون من الإجراءات القضائية البطيئة، ومن
تعدد المرجعيات القضائية، ومن الأحكام القضائية الغريبة
التي يصدرها بعض القضاة، وكل القضاة وهابيون، فقد أصبح
القضاء وكل المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية والأمنية
والإقتصادية والتعليمية إقطاعاً نجدياً وهابياً.
وكانت حكومة آل سعود قد وعدت المواطنين بإصلاح جهاز
القضاء، ورصدت لذلك مئات الملايين من الريالات، ولكن كيف
يمكن أن يصلح القضاء بوجودهم، والمال لا يصلح النفوس إن
لم يزد في خرابها؟!
فهم ـ آل سعود ـ أصل الفساد، وهم من أرسى قواعد التدخل
في الجهاز القضائي منذ ولادته، وهم من يستخدم القضاء والقضاة
ضد خصومهم. لا عجب أن ترى الآلاف من المعتقلين على خلفيات
سياسية وأمنيّة. ولا غرابة أن تجد الكثير من الإصلاحيين
في غرف السجون لمجرد أنهم رفعوا مطالبة بإصلاح الأوضاع.
وهناك ما يقرب من ثمانية آلاف معتقل بتهم أمنيّة لم يقدّموا
الى المحاكمة رغم مضي سنوات على اعتقالهم، بسبب وزارة
الداخلية التي تجاوزت كل القواعد التي وضعتها هي للقضاء
الوهابي العجيب!
القضاء الوهابي الذي يطلّق رجلاً من امرأته ويشتت شمل
عوائل بأطفالها رغماً عن الزوجين بحجة عدم تكافؤ النسب
القبلي، أو بحجة اختلاف المذاهب، هو قضاءٌ فاجر مفسد،
وليس متخلفاً فحسب.
والقضاء الوهابي الذي يتوارى وراءه الإستبداد السياسي،
ويشرّع الظلم ولا يحمي من يلتجيء اليه من المصادرة حقوقهم
المدنيّة والسياسية، هو قضاء غير جدير بالبقاء، ورجاله
يجب أن يرحلوا، كما أسيادهم السياسيون من آل سعود.
والقضاء الذي يستخرج أحكاماً حسب الطلب، ويسجّل الأراضي
والممتلكات المنهوبة من قبل الأمراء، ويعتمد الرشاوى،
تحت مظلّة الشرع الشريف، هو قضاءٌ غير عادل ورجاله في
النار كما في الأحاديث الشريفة.
والقضاء الذي حوّر القضايا في قتل العديد من المواطنين
على يد رجال هيئة المنكر، واستباح دماء الناس، لأجل المحافظة
على وجه المؤسسة الدينية الكالح، هو قضاءٌ غير مؤتمن،
ولا يشكل رجاله من مشايخ وهابية ملاذاً من الطغيان، إن
لم يكونوا هم من صنف الطغاة أصلاً.
والقضاء الذي خرج علينا بأحكام آلاف الجلدات على مواطنين
غير مسبوقة في التاريخ، وتعزيرات لم نرَ لها نظيراً في
أية دولة لا في القديم ولا في الحديث، هو قضاء جالب للسخرية
وليس للتقدير والإحترام.
وهذه واحدة من قضايا القضاء الوهابي العادل والنظيف.
مواطن إسمه أحمد بن عايض القحطاني، باع آخر هو أحمد
بن سعيد القحطاني، أسهماً بقيمة تزيد على عشرة ملايين
ريال، واستلمها المشتري ولكنه لم يسدد المبلغ. فجاء الحكم
العادل من شيوخ الوهابية بأنه لا يجب سماع الدعوى، أي
عدم قبولها في الأساس، ما يعني حكماً أن الرجل المشتري
لن يدفع شيئاً، ولا أن يعيد الأسهم الى صاحبها!
تتطور الدعوى لتصل الى ديوان المظالم، أعلى محكمة في
الدولة الوهابية، فيجلس أربعة قضاة ليعيدوا نفس الحكم.
والذي ينص على التالي:
(وحيث أنه، وبصرف النظر عن مدى صحة دعوى المدّعي من
عدمها، لاشتمالها على المطالبة بثمن مبيع ثبتت حرمته شرعاً،
وذلك لكون الأسهم المباعة صادرة عن بنوك ربوية، صدرت الفتاوى
الشرعية بتحريم المساهمة فيها اكتتاباً أو بيعاً أو شراءً،
وذلك لتأسيس هذه البنوك وقيامها على الربا المحرم بكتاب
الله وسنة رسوله وإجماع المسملين مما تنتهي معه الدائرة
الى عدم سماع هذه الدعوى).
ويضيف نص الحكم: (ولا ينال من ما انتهت اليه الدائرة
القول بأن هذه البنوك التي أسهمها محل هذه الدعوى قد تم
تأسيسها وفقاً لأنظمة الدولة، وبالتالي يجب العمل بها
وتطبيقها... الخ. ذلك أن هذا القول مردود.. الخ).
ويتابع: (وحيث أن دخول الدائرة في موضوع هذه القضية
ومناقشة صحة دعوى المدعي من عدمها ينطوي على إقرارها للمدعي
على ما قام به من بيع محرم في حال قبول دعواه موضوعاً
أو إقرار المدعى عليه (المشتري) على شرائه المحرم في حال
رفض دعوى المدعي وهذا ما لا تقرّه الدائرة).
وينتهي الحكم الى القول: (.. أن القاضي إذا رأى حسب
اجتهاده أن ذلك النظام أو إحدى مواده المطلوب تطبيقها
على القضية المعروضة عليه تتعارض مع الكتاب أو السنّة
فله أن يمتنع عن تطبيق ذلك، وهذا ما يتفق مع ما انعقد
عليه الإجماع... وحيث الأمر ما ذكر، وبعد الدراسة والمدوالة
والتأمل، حكمت الدائرة: بعدم سماع دعوى المدعي أحمد بن
عايض القحطاني، ضد المدعى عليه/ أحمد بن سعيد القحطاني،
لما هو مبيّن بالأسباب).
والمعنى: اذهبا الى مكان آخر فتقاضيا هناك! ولكن أين؟!
وأي محكمة تقبل بذلك بعد رفض ديوان المظالم النظر فيها؟!
|