العلاقات السعودية الإيرانية الى المزيد من التدهور
ضلوع سعودي في اختطاف عالم نووي إيراني من قبل السي
آي أيه
محمد السباعي
هي حرب تستخدم فيها كل الأسلحة، عدا شنّ الحرب العسكرية
الشاملة. هي حرب إعلامية سياسية استخباراتية دبلوماسية
اقتصادية تلك التي تدور بين إيران من جهة وأميركا وحلفائها
الغربيين والمعتدلين العرب.
واحدة من المعارك تدور رحاها حول الجاسوسية والتجسس،
وواحدة منها سلاح الإختطاف والإغتيالات. وفي هذا الإطار
تمّت تصفية العديد من العلماء الإيرانيين داخل إيران وخارجها،
ممن هم متخصصون في علوم التصنيع العسكري والفيزياء النووية،
أو ممن يديرون مواقع بالغة الحساسية ويمتلكون معلومات
عسكرية بحكم مسؤوليتهم. لقد اختطف الغربيون عدداً من الكفاءات
الإيرانية، سواء في تركيا أو في دول أخرى، ولكن أن يجري
الأمر في السعودية فهذا لم يكن متوقعاً من قبل.
وكما هي الحرب المفتوحة إعلامياً وسياسياً بين إيران
والسعودية، دخلت الأخيرة على خط الإختطاف لعالم إيراني
كان يؤدي مناسك العمرة الصيف الماضي، وهو شهرام أميري.
ولا يمكن أن يكون الإختطاف ـ أياً كانت الجهة التي وراءه،
وهي على الأرجح أميركية ـ قد تمّ بدون معرفة السلطات السعودية
نفسها التي عادة ما تفاخر بالأمن والأمان، فكيف باختفاء
شخص لبضعة أشهر حتى الآن دون ان توفر السعودية أية معلومات
عنه، وما إذا كان داخل السعودية أم خارجها، أو هل غادر
السعودية أو اختطف منها وأخذ الى الخارج الأميركي، فيفترض
أنها تعرف جهة ووجهة الإختطاف.
تجدر الإشارة الى أن السعودية سبق لها أن رفضت القاء
القبض على شخصيات عربية وأجنبية تطالب بها أميركا أو تريد
أن تأخذ منها معلومات، وقيل أن عماد مغنية نفسه كان قد
مرّ ذات مرة في أواخر الثمانينيات الميلادية الماضية بالسعودية
عبر مطار جدة كترانزيت قادماً من السودان ومتوجهاً الى
بيروت، وقد طلب الأميركيون اعتقاله ولكنها رفضت خشية التورّط
أكثر بعد تفجيرات بئر العبد التي استهدف فيها السيد محمد
حسين فضل الله عام 1985م والتي تورطت فيها عبر بندر بن
سلطان والتي أدّت الى مقتل ما يزيد عن ثمانين شخصاً، وقد
كشف أمر تمويل العملية التي نفذتها السي آي أيه، بوب وودوورد
في كتابه (الحجاب) الذي صدر في تلك الفترة.
لكن السعودية هذه المرّة تشترك اشتراكاً كاملاً في
الجهد الإستخباراتي الغربي/ الإسرائيلي المناويء لإيران
وبلا أية تحفظات، وبشكل علني ومكشوف. وأياً كانت أعذار
الحكومة السعودية ومبرراتها، فإنها لا تستطيع أن تتنكر
من مسؤوليتها ان الشخص المختطف كان في السعودية. وقد سبق
للناطق بإسم الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي أن حمل السعودية
المسؤولية في تصريح له قبل بضعة أسابيع. وقال قشقاوي أن
السفارة الإيرانية في الرياض والقنصلية الإيرانية في جدّة،
كما مسؤولي لجنة الحج الإيرانية، قدموا كافة المعلومات
والوثائق المتعلقة باختفاء أميري للسلطات الأمنية المحليّة.
وقد اعترف السعوديون باختفائه يومها، ولكنهم لم يقدموا
مبررات مقنعة عن دورهم ومسؤوليتهم وما يترتب عليهم فعله.
ولذا استنكر قشقاوي ما أسماه بـ (تلكؤ السعودية في الرد)
على استفسارات المسؤولين الإيرانيين، موضحاً أن (إيران
لم تتلق لحدّ الآن جواباً شافياً) مطالباً بسرعة الرد
والكشف عن مصير العالم الإيراني.
الإعلام السعودي نقل أخبار اختطاف العالم الإيراني
بتفاخر وبتشفي وكأنّ الحكومة السعودية نفسها هي التي نجحت
واختطفت وسجلت نقطة لصالحها على إيران، أو أن ذلك التشفي
كالذي استعرضته الشرق الأوسط يشير الى حقيقة (إن تمسسكم
حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها). ولا شك أن ما
يفرح أميركا وإسرائيل والسعودية ليس هو ما يفرح العربي
المسلم. صحيفة الشرق الأوسط أكدت أن وزير الخارجية الإيراني
متكي أثار مؤخراً موضوع اختطاف أربعة إيرانيين (بينهم
شهرام) ونائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق الذي اختطف
من تركيا في 2006، مع الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك
خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة؛
وزعمت أن إيران قدمت معلومات متناقضة حول عمل شهرام أميري،
متجاهلة أصل الإختطاف من أراضيها، إذ لا يهم إن اعترفت
ايران بأنه عالم نووي أم لا، وجاءت بما يشبه الخبطة الصحفية،
إذ نقلت معلومات تم تسريبها عن عائلته بأنه باحث نووي
في جامعة مالك الأشتر، وأنه متخصص في الإستخدام الطبي
للطاقة النووية.
أما متكي، وزير الخارجية الإيرانية، فأشار بوضوح: (نعتقد
أن أميركا ضالعة في اختفاء الحاج شهرام أميري). وأضاف:
(نعتبر السعودية مسؤولة عن وضع شهرام أميري وان الولايات
المتحدة على ارتباط أيضا بهذا الاعتقال). ولكن السعودية
لم تعلن رسمياً خبر اختفاء العالم الإيراني، ولم تصرح
بأيّة أمرٍ له علاقة بالموضوع لا بالنفي ولا بالإيجاب،
كما لم تشر الى الإختطاف ومن قام بذلك أصلاً. وبسبب ذلك
التلكؤ، اعتصمت عائلته أمام السفارة السعودية في طهران
مطالبة بالكشف عن مصيره.
|
عائلة العالم النووي أميري
تحتج أمام سفارة السعودية بطهران |
وحاولت الشرق الأوسط، الإيحاء بأن شهرام حين قدم للسعودية
للعمرة، فإنه كان يخطط للحصول على اللجوء السياسي؛ وهذه
هي الذريعة التي يتحدث عنها الإعلام الغربي إزاء كل عمليات
الخطف المشابهة للعلماء الإيرانيين، دون أن يتبنّى صراحة
القيام بعملية الخطف، أو يسمح للمختطفين حتى بالإتصال
بأهليهم وأبنائهم (وبالنسبة لعائلة شهرام فإنه منذ 3 يونيو
الماضي لم يتصل بأحد من عائلته). والسعودية نفسها لم تتبنّ
فكرة اللجوء السياسي، ولم تقدّم معلومات عن البلد الذي
لجأ اليه أو سافر اليه من السعودية، ما يعني ان المسألة
كلها افتعال وكذب.
السعودية الحريصة على تدمير المشروع النووي الإيراني،
مثلما هي اسرائيل والغرب، حتى ولو كان عبر المواجهة العسكرية،
دخلت على خط المواجهة الساخنة مع ايران. ومع أن موضوع
الإختطاف لم يظهر الى العلن إلا مؤخراً، وبعد أشهر من
وقوعه، فإن من المحتمل ان تواجه السعودية ردّاً إيرانياً
بالمثل، كما هي عادة الإيرانيين في مثل هذه الحالات. ولعلنا
ندرك الآن واحداً من أسباب تصاعد التوتر في العلاقات السعودية
الإيرانية، خلال الأشهر الأخيرة، وهو الدخول السعودي الصريح
في الجهد الإستخباراتي الغربي الموجه ضد إيران ومواطنيها
وبالخصوص علمائها. تجدر الإشارة الى أن بعض دول الخليج،
وبالتحديد دولة الإمارات، اتخذت مساراً مشابهاً ولكن ضد
عناصر لبنانية تسعى لتجنيدها للحصول عن معلومات حول حزب
الله بالنيابة عن المخابرات الأميركية والإسرائيلية، مع
التهديد بالطرد كما حدث فعلاً. وقد ظهرت أنباء أخرى من
الإمارات نفسها، حيث أن قنصليات الولايات المتحدة الأميركية
أخذت بابتزاز الإيرانيين الراغبين بالسفر الى أميركا،
ومحاولة مساومتهم وتجنيدهم لأغراض استخباراتية، ولا ننس
في هذا السياق اعتقال ثلاثة أميركيين الشهر الماضي على
الحدود الشمالية الإيرانية العراقية.
وبموازاة الجهد الإستخباراتي والإعلامي والمالي المضاد
لإيران، هناك الجهد السياسي السعودي الذي يمكن توصيفه
بأنه جهد حربي. والجديد فيه، أن الرياض التي لا تشتري
سوى السلاح الغربي، وكل منظومة الأسلحة التي تمتلكها غربية،
قررت شراء أسلحة من روسيا، ولكن من أجل مساومتها على العلاقات
بينها وبين طهران، وبالتحديد من أجل أن تتخلّى موسكو عن
الدعم السياسي لطهران في مجلس الأمن.
نعم بعض السلاح الذي تنوي السعودية شراءه، يتعلق بنظام
روسي متطور للدفاع الجوي، تسعى إيران نفسها لشراء نسخة
حديثة منه وهو أس 300، وذلك لتأمين أجوائها في حال هاجمتها
الطائرات الإسرائيلية أو الأميركية، ومعلوم أن ايران تمتلك
نسخة قديمة وهي اس 200، وقد مارست واشنطن وعواصم غربية
ضغوطاً شديدة على موسكو بعدم بيع المنظومة الأكثر تطوراً
لإيران ونجحت في ذلك حتى الآن. أما السعودية فضمن قائمة
مشترياتها نظام "اس 400" الأكثر تطوراً على الإطلاق.
وتبلغ قيمة الصفقة السعودية التي توشك على توقيعها
أكثر من ستة مليارات دولار، وقد اشترطت أن لا تبيع موسكو
النظام الأقل تطوراً لا لإيران ولا لسوريا! وقال ثيودور
كاراسيك مدير الابحاث في معهد الشرق الادنى والخليج للتحليلات
العسكرية: (السعوديون يفضلون ألاّ يباع هذا النظام الى
إيران أو سوريا). وتشمل الصفقة السعودية 150 مروحية بينها
30 مروحية مقاتلة من طراز (مي 35)، و120 مروحية لنقل الجنود
من طراز (مي 17)، اضافة الى اكثر من 150 دبابة من طراز
(تي 90 اس)، و250 مركبة مدفعية من طراز: بي أم بي 3، فضلا
عن عشرات الأنظمة الدفاعية الجوية.
ولاحظ محللون أن السعودية ودول خليجية أخرى اشترت بمليارات
الدولارات أنظمة دفاع جوية غربية/ أميركية، ونصبت عشرات
المنصات لصواريخ باتريوت، في خطوة لتشكيل مظلّة حماية
لدول الخليج كما تقول واشنطن. والسؤال: لماذا تريد السعودية
أنظمة دفاع جوي روسية، لو لم يكن الهدف هو ابتزاز موسكو
سياسياً، وإضعاف إيران أمام أية احتمالات دفاع في حال
الهجوم عليها؟
ولاحظ محلل غربي بأن الصفقة السعودية المحتملة لم تثر
سخط أحد في واشنطن أو العواصم الأوروبية، وأن السعودية
من الناحية العملية ليست بحاجة إليها، بل هي بحاجة الى
منظومة مضادة للصواريخ وليس للطائرات، إن كانت المخاوف
من ايران محتملة. ولكنه استدرك بأن الصفقة قد لا تعدو
(عملية ذات أهداف سياسية بحتة).
ميدان آخر للمساومة السياسية السعودية، ولكن هذه المرة
مع دمشق. فطالما طالبت أميركا دول الإعتدال وخاصة السعودية
بجرّ دمشق بعيداً عن طهران، ولكن السعودية تأتي دائماً
في الوقت المتأخر وبعد أن تخسر. لقد رفضت الأمر قبل نحو
ثلاث سنوات، ورأت ضرورة إسقاط نظام الحكم في دمشق، ومولت
انقلاباً عبر الأمير بندر بن سلطان، الذي عمل على خط آخر
وهو تمويل قبائل بعينها في شمال سوريا للقيام بمهام تخريب
تم كشفها. ولما انقلب الوضع السياسي في الشرق الأوسط كلياً
(فلسطين بانتصار حماس، وحزب الله ضد اسرائيل، ونصف الهزيمة
الأميركية في العراق) وكادت السياسة الخارجية السعودية
أن تنهار، بدأ التراجع السعودي في قمة الكويت، وبانتخابات
لبنان وفوز فريق السعودية، انتشت الأخيرة وأرادت استثمار
ذلك في الضغط على دمشق فلم ينجح الأمر، وها هي الأمور
تعود الى سابق عهدها بزيارة بشار للسعودية ومن ثم زيارة
الملك عبدالله لدمشق.
واحدة من موضوعات الزيارة هو العلاقات السورية الإيرانية،
وقد أفهم السعوديون السوريين (القدس العربي، 13/10/2009)
بأنهم يريدون انعكاساً فورياً لزيارة الملك على شكل تسهيل
سوريا تشكيل حكومة لبنانية بزعامة السيد سعد الحريري،
وابتعاد سوريا عن ايران، تماما مثلما ابتعدت كليا عن نظام
صدام والوقوف في المعسكر الخليجي اذا امكن، ولكن الحكومة
السورية تتريث، وتريد حصر زيارة العاهل السعودي في ميدان
توثيق العلاقات الاقتصادية فقط في هذه المرحلة.
وتقول القدس العربي بأن الاوساط الاعلامية السعودية
شبه الرسمية بدأت تبدي تذمراً مكبوتاً، وتوجه رسائل (ملغومة)
الى القيادة السورية مفادها انه اذا لم تلب هذه القيادة
المطالب السعودية في الابتعاد عن حزب الله وايران، فإنها
(قد تخسر المملكة العربية السعودية الى الابد). وتدلل
الصحيفة على ذلك التذمر بالقول أنه بعد اقل من ثلاثة ايام
على انتهاء زيارة الملك السعودي لدمشق بدأت صحف سعودية
في انتقاد سورية، او ابداء امتعاضها من استمرار تحالفها
مع ايران، وتأجيل تشكيل الحكومة اللبنانية، مذكرة بان
السعودية لن تضحي بمصالحها في لبنان وتملك اوراقا قوية
فيه.
الخلاصة هي أن كل الجهد السعودي الدبلوماسي والسياسي
والإقتصادي والإستخباراتي والعسكري والإعلامي والديني
موجّه الى طهران وحلفائها من أجل إضعافها ومن ثمّ مهاجمتها
اسرائيلياً وأميركياً لإسقاط نظام الحكم فيها.
هذا ما تأمله السعودية واسرائيل على الأقل.
|