حسّ ميّت وهويّة وهابيّة غالبة!
الوطنية السعودية في الحرب
يحي مفتي
لم تفلح السعودية في تحفيز الحس الوطني (الميّت أصلاً)
للإصطفاف معها سياسياً من قبل المواطنين.
ما إن بدأت الحكومة حربها على اليمن، حتى انبرى بعض
النجديين من المنتفعين من السلطة الى العزف على وتر الوطنيّة،
وتخوين من لا يؤيد الحرب ويدعو لحقن الدماء، أو من لا
يرى في دوافعها الكامنة مشروعية تستدعي الدفاع عنها أو
عن من قام بها من حكام آل سعود المستبدين.
لكن هذا اللحظة الصغيرة المفتعلة من التحشيد الوطني
التي ظهرت في اليومين الأولين للهجوم السعودي، انقلبت
بسرعة الى تحشيد طائفي مقيت، مبني أساساً على محاربة المشركين
الزيود، وموجّه أساساً الى الوهابيين الأقلّويين المشاركين
الأساس في القبض على السلطة النجدية والمستنفعين من مغانمها.
وعليه: لماذا يراد من المواطنين المشركين الآخرين الحجازيين
الشوافع والمالكية والصفوية، وكذا الشيعة في الشرق ومليون
اسماعيلي وزيدي في الجنوب أن يدافعوا عن نظام آل سعود
الموحّد المؤمن؟!
من يشعل نار الطائفية ضد الآخر الخارجي، سبق له أن
أشعلها ضد الآخر الداخلي ولازالت مشتعلة، فأيّ حسّ وطني
ودفاع عن وطن يمكن أن ينمو؟!
الطبقة النجدية الوهابية الحاكمة، اكتشفت صعوبة في
التحشيد الوطني، في بلد يعتبر فيه الوهابيون الوطن وثناً،
ويسمونه (الوثن). الهوية الوطنية قادرة على الحشد، ولكن
ليس في السعودية. ببساطة لأنه ليست هناك هوية وطنية. لا
يوجد إلا الهوية النجدية الوهابية السعودية (وكلها هويات
مركزها والمنتفع منها نجدي) التي مُنحت ـ بلا شرف أو مقدرة
ـ مقعد الهوية الوطنية، وبالتالي كان مستحيلاً ان تستخدم
الهوية الوطنية في التحشيد السياسي وراء النظام في معركته
ضد أية قوة خارجية، فضلاً عن أن تستخدم بالباطل ضد المستضعفين
اليمنيين.
لا غرو أن تظهر شعارات الوهابية التي قتلوا على أساسها
الأبرياء وأقاموا المذابح في الحجاز (تربة والطائف وغيرها):
(هبت هبوب الجنة وينك يا باغيها) لتصبح اليوم شعار الحرب
الوهابية المسعودة على اليمن، وأداة لتحشيد الوهابيين
مجدداً ضد (الكافر اليمني).. وهل خُلقت الجنّة إلا للموحّد
الوهابي، الذي يستشهد على يد المشرك والكافر؟!
يوم الجمعة 13/11/2009، وتأكيداً لعنوان الحرب المذهبية،
أرسلت وزارة الشؤون الدينية الى كل خطباء الجمعة، رسالة
تأمرهم بأن يصطفوا مع النظام في حربه الظالمة، وعدوانه
المستمر على الأبرياء، وأن يدعو للجيش السعودي بالنصر،
ولقتلاه بالعفو والغفران! وبالفعل، كان إمام الحرم، صالح
بن حميد، الذي يوصفه البعض بالإعتدال، تحدث في خطبته الأولى
عن الولاء والبراء، مشيراً الى موالاة آل سعود والبراء
من أعدائهم، والولاء لدين الوهابية والبراء من المشركين
الاخرين غير الوهابيين. ويلاحظ هنا أن مفهوم الولاء والبراء
قد هاجمته الحكومة وعلماء بلاطها حين استخدمته القاعدة
ضد آل سعود الذين يوالون الكفار. وفي الخطبة الثانية حضت
على دعم الجيش السعودي الذي (يحمي المقدسات)! وكأن الذي
يهدد المقدسات ليس اسرائيل ولكن الحوثيين. وفي مساجد الوهابية
الأخرى رفعت الأكف بالدعاء على الحوثيين، سائلين الله
أن ينزل غضبه عليهم وأن يهلكهم.
وبادر أئمة الضلال الوهابية الى استخدام كل العبارات
المسيئة للحطّ من الزيدية، والى الدعاء على من ينتمي اليها،
في حين أن المفتي السعودي صرح مؤخراً بأنه لا يجوز في
الحج الدعاء على المشركين والكفار، ولا إعلان البراءة
منهم، لأن ذلك (تسييس للحج). نعم يجوز تسييس الحج لصالح
السعودية وحدها. ويجوز تسييس صلوات الجمع الوهابية ضد
أبناء المسلمين، ولا يجوز استخدامها (وقد منعت فعلاً بقرار
رسمي) للدعاء لنصرة غزة أو لبنان أو أفغانستان أو غيرها
ضد المحتلين.
ونعم يجوز إعلان البراءة من الحوثيين، ولا يجوز إعلانها
ضد آل سعود الوهابيين وحلفائهم من الأميركيين والصهاينة.
لا تستطيع ولا ترغب الحكومة السعودية في استخدام اللغة
الإسلامية الجامعة.
ولا تستطيع حكومة آل سعود استخدام اللغة الوطنية، فهي
لا تعرفها، ولا تخدمها.
ولذا لا توجد إلا اللغة الطائفية، والا الخطاب التجزيئي
التفكيكي للمجتمع السعودي نفسه.
لا تجد السعودية نفسها إلا في حروب على أساس مذهبي.
تلك هي صنعتها، وتخصصها، وأداتها في ذلك التكفير لكل من
خاصمها، فرداً أو جماعة، رئيساً أو مرؤوساً، ضعيفاً أو
مستضعفاً.
الطائفية هي سلاح السعودية في حروبها. والدين مطيتها
تسيّره كيفما شاءت. ترى هل آل سعود، الذين يظهرون على
قنوات التلفزيون وعلى صفحات الجرائد ومنابر الإنترنت وهم
يكرعون الخمر، قادة دين أم دنياً؟ ألمثل هؤلاء دين يبعدهم
عن الغي والظلم والتعدّي على حقوق مواطنيهم قبل جيرانهم؟
أمثل هؤلاء يهتمون بدين وكل سلوكهم الشخصي، وسياساتهم
وبرامجهم تصطدم وبديهيات الدين؟.
وهذه الوهابية العمياء، كما مفتوها دائماً، تدافع عن
هكذا نظام، وتراه نظاماً إسلامياً، وتصطف الى جانبه في
ظلمه، كما في فتوى عبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية،
الذي ظهر علينا وكأنه محلل سياسي، ليقول بأن السعودية
لا تعتدي على أحد ولا تظلم أحداً! وليتهم الحوثيين بأنهم
فاسدو العقيدة، وزاد بأنهم يروجون لمعتقدهم الفاسد!
صحيح ما قاله المثل العربي: (رمتني بدائها وانسلّت)!
أين روج الحوثيون المستضعفون المحصورون بين الجبال لسنوات
معتقدهم؟! ولماذا هو فاسد، وليس الوهابية؟! ثم أليست الوهابية
هي التي تروج في كل العالم بأموال النفط، مثلما يروج لها
في اليمن؟
حقاً، إن أقسى من فساد آل سعود، هو فساد علماء بلاطهم!
وصدق الشاعر حين قال:
يا علماء الدين يا ملح البلد/ ما يصلح الملح إذا الملح
فسد؟
وصدق الله العظيم حين قال في كتابه الكريم: (وَاتْلُ
عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ
مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ،
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ
إِلى الأَرْضِ وَاتـَّــبَعَ هَوَاهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا
بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ،
سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا
وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ).
|