سيناريوهات توارث السلطة
محمد السباعي
لابد أن يثير نبأ عودة سلطان إلى الديار مسألة الخلافة،
بل من المراقبين من يعتقد بأن عودة سلطان هي في الأساس
محثوثة بهاجس السلطة التي يجري ترتيبها في حال رحيل أحد
اركانها، سواء كان الملك أو ولي العهد. لاريب أن العائلة
المالكة تعيش منذ عام على الأقل سجالاً داخلياً محموماً
حول المحاصصة السياسية بين أجنحتها، خصوصاً مع تزايد احتمالات
رحيل سلطان عن الحياة. لا يبدو هناك إجماع حتى الآن على
ترتيبات ما بعد الملك عبد الله، وحتى سلطان، بسبب تمسّك
بعض الأجنحة بحقها في العرش.
وقد أحدث تعيين نايف نائباً ثانياً صدمة وسط الأجنحة
التي شعرت بالتهميش لأكثر من عقدين، بعد أن أحيا تشكيل
هيئة البيعة آمالاً كامنة لدى أمراء لطالما حملوا تطلعات
بإعادة ترتيب البيت الحاكم على أساس تقاسم متوازن للسلطة
بين أبناء عبد العزيز. ينتاب كثير منهم الآن شعور بالإحباط
بعد إتفاق الملك والأمير نايف على تقاسم السلطة، رغم أنهم
مازالوا يأملون بأن تلعب ذاكرة الملك دوراً في توجيه قراره
حيال ما يجب أن تكون عليه معادلة السلطة. فهو، أكثر من
أي شخص آخر في العائلة المالكة، يدرك تماماً مايعنيه انتقال
السلطة بالكامل إلى الجناح السديري، فقد تعرّض لتحديات
خلال عهدي خالد وفهد، وكاد أن يخسر دوره في خط الوراثة،
بعد أن اتفق فهد وإخوته على مقايضة رئاسة عبد الله للحرس
الوطني مقابل حصوله على منصب النائب الثاني لرئاسة مجلس
الوزراء. ويتذكّر عبد الله جيداً ما جرى بعد أن وصله تقرير
أميركي سري في مطلع العام 1993 يحتوي على طلب من الملك
فهد للأميركيين بدعم ترشيح إبنه عبد العزيز كيما يكون
الملك بعد أبيه، حيث جاءه عبد الله غاضباً وكان يحمل بيده
التقرير، مستنكراً نيّته المبيّتة على إزالته من منصبه
كملك قادم، فحلف الملك فهد برأس زوجته إم عبد العزيز بأنه
لم يفعل ذلك.
على أية حال، فإن تصرّم أعمار الجيل الأول من أبناء
عبد العزيز يرفع من درجة أهمية السؤال عن مصير العرش في
المرحلة المقبلة. فالملك عبد الله يبلغ من العمر 86 عاماً،
يليه سلطان 85 عاماً، مايعني قرب اختفاء أحدهما أو كلاهما
عن الحياة، الأمر الذي يفرض ترتيبات سريعة لمرحلة تكون
فيها العائلة المالكة أمام استحقاقات مصيرية. ورغم أن
القراءة الأولية وربما الواقعية أيضاً تخلص إلى أن الأمير
نايف هو الأوفر حظاً في السباق نحو العرش، فإن الاحتمالات
الأخرى تبقى مفتوحة أيضاً، بالنظر الى ما يضمره الأمراء
الآخرون من نوايا أو تطلّعات، وحجّتهم في ذلك أنهم من
أبناء عبد العزيز، ولهم حق في الحصول على نصيب من كعكة
السلطة التي يحتكرها الآن جناح السديريين دون سواهم.
الآن، هناك أكثر من سيناريو يرتسم حول مستقبل وراثة
العرش السعودي، بعضها ينبني على توقّعات، والآخر مطالبات
محلية وخارجية، وبعض ثالث على آمال. وتبقى جدارة كل سيناريو
متوقّفة على ما يمكن أن يشكّله كل سيناريو من قوة على
الأرض أو ما يحرزه من توافق داخل العائلة المالكة، أو
ما يحظى منه برغبة الحلفاء الغربيين، وخصوصاً الولايات
المتحدة التي طالما عبّر بعض رؤسائها عن رغبة تولّي الجيل
الثالث مهام العرش، على خلفية كون أبناء هذا الجيل قد
تعلّموا في الجامعات الغربية وتشرّبوا قيم الليبرالية
والديمقراطية. قد لا يشاطر كثيرون في الداخل هذه الرؤية
لدى المسؤولين الغربيين، ربما لأنهم يرون ما لايرى الغائب
(الأجنبي)، بل يعتقد هؤلاء بأن أمراء الجيل الثالث قد
ولغ في الفساد أكثر من الجيل الأول، الذي رغم فساده يتمتّع
بحكمة تحول دون انفراط عقد الاستقرار في الدولة. على أية
حال، تبقى السيناريوهات مجرد قراءات ذات أبعاد متعدّدة،
وإن شكّلت أساساً يمكن البناء عليه لفهم خارطة الأجنحة
المتصارعة على العرش، وكذلك استشراف مستقبل يغيب عنه أقطاب
طالما حكموا البلاد عقوداً من الزمن.
السيناريو الأول: موت الأمير سلطان قبل الملك عبد الله.
بالرغم من التقارير الرسمية بأنه بصحة جيدة، إلا أن ثمة
اعتقاداً واسعاً بأن ولي العهد سلطان يعاني من مرض عضال
لا يمكن، بحسب التقارير الطبيّة وسنن الحياة، أن يخرج
منه معافى أو ينجو من الموت الوشيك، فمن غير المحتمل أن
يبقى فترة طويلة على قيد الحياة. وفي حال موته قبل عبد
الله، فإن الملك سيجد نفسه تحت ضغط شديد من إخوانه الكبار
لتعيين وزير الداخلية الأمير نايف ولياً للعهد. ومن الناحية
النظرية، فإن مثل هذه الخطوة، لابد أن تحظى بتأييد هيئة
البيعة، ولكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان سيتم
ذلك بسهولة. ومع بلوغ الملك عبد الله السن السادسة والثمانين
هذا العام، فإن نايف الذي يعاني من مرض لوكيميا في سن
السادسة والسبعين، فإن تقاسم القيادة لن يطول كثيراً.
ولكن إذا مات عبد الله لاحقاً، فإن نايف سيصبح ملكاً.
ولكن السؤال الكبير القادم من هو ولي العهد المرشّح في
حال وصول نايف الى العرش؟ فهل سيكون سديرياً، وليكن الأمير
سلمان، واذا كان كذلك هل سيختار نائبه الثاني من الجناح
السديري أيضاً، أم سيجعلها في عهدة هيئة البيعة، كما فعل
الملك عبد الله.
السيناريو الثاني: في حال موت عبد الله مع بقاء سلطان
على قيد الحياة، ما لم تفد مجموعة من الخبراء الطبيين
المعينة من قبل هيئة البيعة بأن الأخير غير مؤهل من الناحية
الطبيية لأن يصبح ملكاً، بذلك سينصّب سلطان من نفسه ملكاً.
وعند هذه النقطة، فإن العقبة الوحيدة بأن يصبح ملكاً هي
رفض الأمراء الآخرين تقديم البيعة له. وسيقوم هو بتعيين
الأمير نايف، شقيقه، ولياً للعهد الذي سيصبح ملكاً في
حال موت سلطان. وهنا أيضاً ستندلع مواجهة داخل العائلة
المالكة، كون عملية التنصيب لكل من الملك وولي العهد تمّت
عن طريق غير توافقي داخل العائلة المالكة، ما لم ينجح
سلطان ونايف في إقناع أو بالأحرى شراء أكبر عدد من أصوات
أعضاء هيئة البيعة.
السيناريو الثالث: مرض الملك عبد الله وولي العهد:
فإذا ما واجه كلاهما مشاكل صحيّة خطيرة، فمن الناحية النظرية
فإن هيئة البيعة ستعيّن مجلساً انتقالياً مؤلفاً من خمسة
أشخاص يدير شؤون الدولة بصورة مؤقتة. في غضون ذلك، ستختار
الهيئة المرشح المناسب كيما يكون ملكاً. إن تركيبة هيئة
البيعة تملي بقوة بأنه لن يتم اختيار نايف كملك قادم.
على أية حال، من المحتمل أن يقاوم نايف التحدي الذي يفرضه
حكم الهيئة الذي يحول دون اعتلائه العرش. ولكن كم من مناورته
سيكون مشهوداً يبدو غير واضح، فاجراءات الهيئة ستكون سريّة،
ولكن كوزير داخلية، فإن نايف يقود أجهزة أمنية وعسكرية
وإن تعبئة مثل هذه القوات قد يتطوّر إلى مستوى القيام
بعملية انقلاب، ولا يجب استبعاد ذلك كاحتمالية، وقد لوّح
نايف باستعمال هذا الخيار في العام 2007 من أجل إرغام
الملك عبد الله على تعيينه نائباً ثانياً، وأبلغ رسالة
واضحة إلى الملك بأنه يملك قوة كافية للسيطرة على البلاد.
وقد يختار نايف شقيقه السديري سلمان، حاكم الرياض، ولياً
للعهد، بالرغم من معارضة أخوانه غير السديريين لمثل هذه
الخطوة).
السيناريو الرابع: قد يبرز إجماع على اختيار إبن أصغر
لابن سعود ملكاً. من أجل تحاشي رسم خط الوراثة كل عامين
أو ثلاثة، فإن عديداً من الأخوة الكبار يتم إقناعهم بالتنازل
عن مطالبهم بالعرش من أجل إعطاء رجل أصغر فرصة.
ويشار إلى الأمير مقرن، المقرّب من السديريين، الذي
يعتبر منافساً للأمير نايف الذي قد يتنازل عن العرش له
لمواجهة المعارضة داخل العائلة المالكة. فالأمير مقرن،
هو الإبن الأصغر لإبن سعود، وهو طيّار سابق في سلاح الجو،
وحاكم منطقة سابق، والرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات العامة،
ولكن لكون إمه غير سعودية، فإن ذلك قد يجلعه غير مؤهل
لتولي العرش.
وحتى يونيو 2009، لم يكن واضحاً من سيخلف الملك عبد
الله في حال موته. فالصورة بالغة التعقيد مع تقدّم سن
وتدهور صحة كبار الأمراء في السعودية والنظام غير القابل
للتنبوء بموتهم، وافتقار المعرفة بشأن كيف أن أبناء ابن
سعود الباقين سيشكّلون إجماعاً، والمدى غير المعروف الذي
يمكن لهيئة البيعة المتشكّلة حديثاً أن تلعب دوراً. فجميع
الأبناء العشرين لإبن سعود هم فوق الخمس والستين عاماً
ـ أي بما يتجاوز سن التقاعد في معظم أجزاء العالم. من
بين هؤلاء، ثمانية في السبعين من العمر، وستة في الثمانين
من العمر.
ومع وجود سابقة مؤسسة في المملكة بخصوص العمر، فإن
عمليات انتقال متعدّدة قد تتم في فترة زمنية قصيرة، على
غرار ما حصل في السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي.
وسواء كان النظام قادراً على تحمّل موت سلسلة من الملوك
في فترات متقطعة قريبة يبقى مورد تساؤل، بالنظرالى السياسة
الخاصة بتعيين ولي عهد جديد وخليفة ظاهر في الوقت ذاته.
السيناريو الخامس: أن يقرر أبناء عبد العزيز بأن الخلافة
تنتقل الى الجيل الثاني، ولكن السؤال الكبير: من هم المرشّحون؟
مع التذكير بأن كثيراً من أحفاد ابن سعود، أصبحوا أجداداً،
وبعضهم لديه سنوات من الخبرة الحكومية. فنحن أمام عدد
كبير جداً من أحفاد عبد العزيز، وبعضهم قد يملك مواقع
حساسة في الجهاز البيروقراطي للدولة، فيما يعيش آخرون
على هامش الحياة السياسية. فأبناء الملك خالد، على سبيل
المثال، لا يمسكون بمناصب هامة في السلطة، ولن يتم حسابهم
في معادلة الاختيار. وإن الإبن الأهم للملك فهد هو محمد
بن فهد، حاكم المنطقة الشرقية منذ منتصف الثمانينات، ولكن
لم يتم ذكر إسمه كمرشح لأن يكون ملكاً، وحتى عبد العزيز
بن فهد، الذي حاول إبوه إقناع الأميركيين بدعم ترشيحه
كولي العهد، تضاءلت أهميته، رغم توليه منصب وزير دولة
في عهد الملك عبد الله.
في مناقشة الجيل الشاب، تجدر الملاحظة بأن أبناء الملوك
السابقين لا يستحق ذكرهم عادة، لأن حظوظهم تتضاءل مع موت
آباءهم، ويخرجوا من حلبة المنافسة. فمن بين خمسين إبناً
ومثلهم من البنات لدى الملك سعود، هناك عدد قليل جداً
من يتولى مناصب عامة.
أبناء الملك فيصل ـ سعود وخالد وتركي ـ ورغم ذكرهم
المتكرر من قبل السفراء الأجانب، إلا أنهم غير محبوبين
داخل عائلة آل سعود بسبب اعتقادهم بتفوقهم الفكري، وفي
تقرير موجز لوزارة الدفاع البريطانية العام 1985 أشارت
الى سعود بأنه مشّع ولكن ليس بقدر تفكيره. يحظى سعود الفيصل
بمعرفة واسعة في الخارج، كوزير خارجية، ولكنه يعاني من
مرض في ظهره وكذلك مرض الباركنسون، ولذلك فإنه يستبعد
نفسه من حلبة المنافسة على العرش على أرضية صحية. يذكر
في هذا السياق، زهده في إقامة مجلس مفتوح أمام الناس،
واستقبال شكاويهم، فضلاً عن أنه ليس معروفاً بكرم الضيافة.
خالد حاكم مكة، وفنان، وصديق الأمير تشارلز، الوريث لتاج
الملكة في المملكة المتحدة. وتركي المعروف دولياً بأنه
تولى رئاسة الاستخبارات العامة، وكذلك السفير في لندن.
ولذلك، فإن المجموعة الأخرى التي يمكن وضعها في الاعتبار
مؤلفة من أبناء الملك عبد الله وأبناء الأمراء السديريين
الكبار: سلطان، نايف، سلمان.
الأبن الأكبر للملك عبد الله، متعب، يدير الحرس الوطني
منذ يونيو 2009، فيما عيّن إبنه عبد العزيز مستشاراً له،
وهو أيضاً عضو الهيئة الإدارية في جامعة الملك عبد الله
للعلوم والتكنولوجيا. وفي 2009، عيّن إبنه مشعل حاكماً
على نجران. وإبنه فيصل رئيس جمعية الهلال الأحمر السعودي،
وإبنه الأصغر بدر، مازال في سن السابعة.
أبناء نايف، سعود، سفير السعودية في أسبانيا، ومحمد،
مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، والذي حصل على سمعة
باركة في مواجهة جماعات القاعدة.
من أحفاد إبن سعود، هناك الأمير المعروف في الخارج،
الوليد بن الأمير طلال. وكونه من أب مثير للجدل، وأن جدّته
غير سعودية، وأم لبنانية، بما يحرمه من فرص الفوز بالعرش،
رغم أنه يطمح لأن يصبح ملكاً في يوم ما في حال عرض عليه
ذلك.
من أبناء ولي العهد سلطان، يبرز خالد بن سلطان، مساعد
وزير الدفاع، وهو الذي يدير وزارة الدفاع حتى قبل أن يسافر
والده الى الولايات المتحدة العام 2008 للعلاج الطبي.
أما الأمير بندر بن سلطان، المعروف بتوليه منصب سفير بلاده
في واشنطن لفترة طويلة فهو أيضاً يحمل طموحاً غير خافٍ.
ومنذ العام 2005، أصبح بندر الأمين العام لمجلس الأمن
الوطني، ولكنه بقي مخفّضاً بصورة لافتة طيلة تلك الفترة.
العائق الأكبر أمام وصول بندر الى العرش هو أمه الأفريقية
التي كانت تعمل كخادمة في بيت والده. وسرت شائعات بعد
محاولته الانقلابية ضد عمه الملك عبد الله، بأنه خرج من
معادلة السلطة بصورة نهائية، على الأقل في عهد الملك الحالي.
أبناء سلمان، سلطان، رجل الفضاء السابق في رحلة ديسكفري
العام 1985، والمسؤول حالياً عن هيئة السياحة، وفيصل الذي
يدير مركز البحوث السعودية.
لا يبدو خيار انتقال السلطة الى الجيل الثالث سهلاً،
رغم كونه متعارضاً مع تقاليد العائلة المالكة التي تضع
عامل السن محدّداً أساسياً في اختيار الملك، ولكن التبدّلات
السريعة في وجوه السلطة بسبب عامل السن، يجعل الباب مفتوحاً
على كل شيء، حتى على الحرب العلنية بين أجنحة الحكم.
|