الصراع الاقليمي بين ايران والسعودية
هيثم الخياط
بالتأكيد ستزيد مسألة تسليم السعودية لواشنطن العالم
النووي الايراني شهرام اميري من حدّة الخلافات بين ايران
والسعودية.
منذ عام 2004 تصاعد الخلاف الايراني السعودي، حين وجدت
السعودية نفسها تخسر مواقعها ونفوذها السياسي الاقليمي
في منافستها المريرة وغير المتكافئة مع ايران.
الوضع العراقي كان الفاتحة، والمنعطف الاول في تدهور
العلاقات بين البلدين.
كان السعوديون الذين فتحوا اراضيهم لشن الحرب لتغيير
نظام صدام حسين، يعتقدون بأن التواجد الأميركي المكثّف
سيشكل ليس فقط حاجزاً يمنع إيران من التمدد السياسي، بل
ويجعلها منكمشة على ذاتها، تخشى من تمدد النفوذ الاميركي
والقوات الاميركية نفسها الى الأراضي الإيرانية. ولكن
بعد أقل من عام، اكتشف السعوديون، بأن إيران قد اصبحت
لاعباً اساسياً في الوضع العراقي، بل اللاعب الثاني بعد
الولايات المتحدة الاميركية نفسها!
|
متى ينفجر الصراع عنيفاً؟ |
لم يفهم السعوديون سرّ قوّة ايران ونفوذها، بالرغم
من مرور تجربة مشابهة في افغانستان حيث خسرت السعودية
مواقعها هناك بعد الاحتلال الاميركي نفسه والذي سبق احتلال
العراق، فيما تقدّم النفوذ الايراني في افغانستان ايضاً
وصارت ايران اللاعب الثاني أو الثالث في ذلك البلد. وكان
من المفترض حسب الرؤية السعودية ان تطوّق ايران من جاريها
العراقي والافغاني بقوات غربية معادية تجعلها تنكمش.
الإيرانيون منذ البداية راهنوا على قوى المعارضة جميعاً
بمختلف تلويناتها، سواء في افغانستان او العراق. لم يكن
يهمهم الايديولوجيا السياسية، ولا الاعتبارات المذهبية.
وحسب تعريف الغربيين فإن ايران لم تراهن على حصان واحد،
بل راهنت على كل الأحصنة، حتى الطالبان نفسها!!
كان من الطبيعي ان يصل أصدقاء ايران من شتى انواع المعارضة
في افغانستان والعراق الى الحكم، فهم القوى المؤهلة للحكم،
وقد دعمتهم جميعاً قبل وصولهم الى مواقعهم السياسية الجديدة..
وواصلت معهم العلاقات والدعم ايضاً حتى بعد ذلك. وبالتالي
أصبح الحكم في كل من كابل وبغداد حليفاً ـ مع التفاوت
بين الاطراف المدعمومة ـ للإيرانيين، ولم يكن بإمكان الغرب
نفسه أن يستخدم هذه القوى وهي على رأس السلطة ضد النظام
في طهران.
عكس ذلك قامت به الحكومة السعودية. فالأخيرة، تخلّت
عن حلفائها وأصدقائها وتركتها وحيدة في الميدان، وفي وضع
لم تكن معه قادرة على الإستغناء عن الدعم الإيراني، ولا
عن التحالف مع ايران. لهذا، يستغرب المرء ـ مثلاً ـ كيف
ان السعودية التي دعمت (المجاهدين الافغان) ضد السوفيات،
ولها سابق علاقة مع كل الأطراف، لم تستطع الاحتفاظ بها،
بل ناصبت أكثرها العداء، حتى الطالبان نفسها، كانت أثيرة
لدى السعودية، ثم تخلّت عنها وسحبت اعترافها السياسي منها
وأغلقت سفارتها!
وفي الوضع العراقي نجد نفس المسألة تتكرر، فالسعوديون
في الأساس لم يقيموا علاقة طيبة لا مع الجناح الكردي (الطالباني
والبرزاني) ولا مع سنّة العراق ومعارضتهم، ولا مع شيعة
العراق الذين يمثلون الأكثرية وقواهم السياسية المتنوعة.
ومع ان السعوديين فتحوا خط علاقة ضعيف منذ عام 1991 مع
بعض القوى العراقية المعارضة، إلا أنهم ما لبثوا أن تخلّوا
عن الموضوع بعد أقل من عامين، وزادوا في ذلك أن رفض السعوديون
تجديد العلاقة السابقة بعد تغير الاوضاع السياسية، رغم
حماسة العراقيين من مختلف القوى والفئات لكسب السعودية
كصديق. لكن السعوديين ناصبونهم العداء ودفعوهم دفعاً باتجاه
القوى الإقليمية المنافسة تركية او ايرانية أو حتى لقوى
دولية بريطانية واميركية!
وما زاد الطين بلّة، ان السعودية قادت اصدقاءها في
الأردن ومصر وبعض دول الخليج لمحاصرة الحكم الجديد في
العراق، ودعت الى عدم الاعتراف به، دون أن يتوفر لها البديل،
في وقت كان الأميركيون ينصحون السعودية بعدم ترك ساحة
العراق لإيران، لكن تلك النصائح ذهبت أدراج الرياح، وبقيت
السعودية يعتصرها الألم أن خسرت نفوذها هناك، ولم يبق
لها سوى المال والتخريب، ورفع نبرة الصوت ضد ايران!
التحول الثاني الأهم في العلاقات الايرانية السعودية
ما جرى في تموز عام 2006 وما تلاه حتى الوقت الحاضر. فالسعودية
اعتادت أن تعين فريقاً ضد بقية الأفرقاء، ورغم تواجدها
الطويل زمانيا على الساحة اللبنانية ولعقود طويلة، إلا
أنها خسرت الكثير من نفوذها في لبنان. وقوفها مع اسرائيل
في حربها على لبنان وحزب الله، ثم اشعال الحرب الاعلامية
والسياسية ضدّه، واتهامها لإيران بأنها تدعم الحزب وكأن
ذلك تهمة! جعل العلاقات بين البلدين تنحدر الى الأسوأ،
وكان يمكن للسعودية أن تكون أباً لكل الجماعات والطوائف،
ولكن دخولها في المعركة على شكل كسر عظم دون ان تراعي
مراكز القوى وأحجامها جعلها تخسر الكثير من نفوذها لصالح
سوريا وايران.
وحتى مع نجاح فريق الأكثرية في الانتخابات، فإنها عجزت
أن تلغي قوة الآخرين، وفي النهاية استسلمت للمنطق السوري،
وتشكلت الحكومة بوجود ووفق ما يشتهي حزب الله وميشال عون
والآخرين.
لازال هناك الكثير من الألم الممض لدى السعوديين، والتوتر
يتصاعد شيئاً فشيئاً مع ايران!
وتأتي الانعطافة الثالثة، في غزّة، حين خسرت السعودية
جزءً مهماً من الورقة الفلسطينية حين وقفت ضد حماس، وتخلّت
عن الدور المتوازن، والموقف الوسطي بين الأطراف الفلسطينية.
وهنا أيضاً اعتبرت السعودية المشكلة في جوهرها إيرانية!!!
|
صالح يجر عبدالله الى الحرب |
وتصاعدت حدّة الاعلام السعودية وتهجماته، وصار يضرب
باليمين والشمال، دلالة على شدّة الاحباط والألم، الى
حد تمويل محاولة انقلاب سلفية/ وهابية على حماس تبدأ بتشكيل
امارة في رفح! المال من السعودية والسلاح والتدريب في
مصر!
هذه الخسائر المتتالية في غضون أقل من ست سنوات، أوصلت
العلاقات السعودية الايرانية الى الحضيض.
ولولا أن الايرانيين مشغولون بالموضوع النووي، لكان
وجه العلاقات بين البلدين قد تغيّر كثيراً ـ الى الأسوأ.
حتى الآن، فإن معظم الاتفاقيات التي وقعتها السعودية
وايران لم يتم تطبيقها. لم تبق إلا شعرة معاوية وينفجر
الوضع.
بيد أن رهان السعوديين قائم على فشل المفاوضات الايرانية
الغربية حول الموضوع النووي، واعلانهم الاستعداد لتمويل
اي حرب تشن على ايران، حتى ولو كانت من اسرائيل نفسها..
الأمر الذي دفع بوزير خارجية اسرائيل الى القول بأن بلاده
لن تخوض حرباً عن الآخرين بالنيابة، وحسب تعبيره فإيران
لم تحتل جزراً اسرائيلية!!
ويأتي اختطاف العالم الايراني من داخل السعودية وأثناء
ادائه العمرة ليصب الزيت على النار! وقبله حدثت انعطافة
اخرى في العلاقات حين أقدمت السعودية على خرق الخطوط الحمراء
المتفق عليها مع ايران، وعمدت الى الاتصال وتمويل المعارضة
الايرانية وبالتحديد مجاهدي خلق الذين يسميهم الايرانيون
(المنافقين)، وكذلك تمويل تنظيم جند الله البلوشي الذي
قام بعمليات اغتيال وتفجير أكثر من مرة، مع تغطية اعلامية
سعودية من قناة العربية. أضف الى ذلك، اغلاق قناة العالم
من عربسات وغيره..
كل هذه الأمور تبدو وكأنها تقرّب من ساعة المواجهة
الايرانية السعودية.
تبقى (الطائفية) العلامة الفارقة في الصراع الإيراني
السعودي.. فالسعودية لا تستطيع مواجهة ايران ولا تغيير
وجهة الصراع العربي مع اسرائيل الى ايران إلا بالعزف على
الوتر الطائفي من أجل حشد الأنصار والمؤيدين، وتحويل المعركة
بين أكثرية سنية وأقلية شيعية. ضعف الأداء السياسي السعودي
هو الذي يجعل المسؤولين السعوديين يتشبّثون بكل ورقة لها
علاقة بالطائفية. وما حرب اليمن إلا واحد من عشرات الأدلة
على ذلك.
فالحوثيون زيديون، وكان الزيديون حلفاء للسعوديين منذ
الستينيات الماضية، ولازال كثير منهم كذلك مع التناقص
بسبب الموقف الطائفي الجديد والحاد، بل لاتزال قيادات
زيدية تقيم في السعودية وبينهم بقايا اعضاء العائلة المتوكلية
الحاكمة في اليمن قبل ثورة عام 1962م.
ومع هذا، ومع أن بدر الدين الحوثي يعتبر أكبر عالم
زيدي في اليمن، إلا أن السعودية واعلامها يصرّون على أن
الحوثيين تحولوا عن مذهبهم الزيدي! وبالتالي هناك رسالة
ضمنية تبيح قتالهم وقتلهم والتدخل عسكريا في الشأن اليمني!
لا يريد السعوديون ان يسمعوا بأن الحوثيين هم زيود
بل قادة الزيود دينيا وسياسياً وعسكرياً! وذلك بغرض تحويل
الصراع الى الوجهة الإيرانية.
ذات القضية تكمن في مسألة الدعم الايراني العسكري للحوثيين..
وهي مسألة لم يقطع بها علي عبدالله صالح نفسه! لكن السعوديين
يصرّون كمبرر للتدخل العسكري على أن لإيران ضلعاً في ذلك!
مع العلم ان الإيرانيين كمسؤولين لازالوا حريصين على العلاقة
مع علي عبدالله صالح، ويعلنون انهم مع الوحدة وضد الانفصال،
ووزير خارجيتهم ينتظر اشارة من صنعاء لزيارتها وتأكيد
ان لا تدخل لهم في الأمر.
عدا الاستثمار الاعلامي للقضية الحوثية ضد السعودية،
فإن ايران ـ حسب المصادر الحوثية نفسه ـ لم تقدم دعماً
بإبرة واحدة!، بل أن الحوثيين لا يرحبون أساساً بأيّ دعم
ايراني!
ولكن الورقة الإيرانية هي التي روجها علي عبدالله صالح
لإقحام السعودية في المعارك بعد أن فشل في حسمها. والسعوديون
تستهويهم التحليلات العقدية اكثر مما يستهويهم المعلومات
والوقائع والأبحاث، فوقعوا في مطبّ الحرب بسذاجة متناهية!
ولهذا السبب أضيفت اليمن الى خارطة المنافسات الإقليمية،
خاصة بين السعودية وايران.
الشيء الملفت في هذا كلّه، أن الأميركيين أعلنوا صراحة
بأنه لا يوجد دليل على تدخل ايراني!
هنا ثار بعض المتعصبين الوهابيين فقالوا: (هذا دليل
على وجود تواطؤ أميركي ايراني)!
في كل الأحوال فإن مساحة المنافسة والصراع بين ايران
والسعودية تتسع يوماً بعد الآخر. وهي اذا ما أخذت هذه
الوتيرة من التسارع فإن السعوديين سيقتحمون التابوهات
وقد يقدموا على خطوات خطيرة تضرّ بهم أولاً وقبل أي أحد.
حتى الآن فإن الإيرانيين استوعبوا التجاوزات السعودية،
ولكنهم قد لا يسامحونهم في المستقبل، خاصة فيما يتعلق
بتسليم العالم النووي شهرام أميري الى الأميركيين.
|