الدولة الخرافية
في إطار تصنيع المسوّغات لإعلان الجهاد ضد المناطق
القريبة والبعيدة، وضع الآباء الأوائل للوهابية بدءً بالمؤسس
ونزولاً الى آخر الدعاة في يومنا هذا رواج السحر والشعوذة
بين السكّان بوصفه أحد تمظهرات الشرك بالله سبحانه وتعالى.
الأدبيات السلفية الوهابية خصّصت مساحة واسعة للحديث عن
ظاهرة السحر والشعوذة، لتبرير نشاطها الدعوي، وفعلها القتالي،
ويخيّل للمرء وهو يتأمل في النصوص السلفية في هذا الصدد
وكأن الجزيرة العربية قد أصبحت مرتعاً خصباً لأعمال السحرة،
ما يستوجب استنفاراً دعوياً لإبطال مفعول تلك الأعمال
وإعادة تأهيل المجتمع لناحية الامتثال لأمر الدعوة والدعاة.
ذاك ما سعى النصّ السلفي إلى تصويره، فيما بدا وكأن
ثمة أمراً ثاوياً في الوعي الوهابي يوحي بخلاف ذلك التصوير،
يشبه إلى حد كبير المعالج النفسي الذي يصيبه أحياناً بعض
آثار الجنون، بفعل بقائه لفترات طويلة بين المرضى في المصحّات
العقلية والنفسية. ما يثير في قصة المواجهة بين الدعاة
الوهابيين والسحرة، أن المعركة لم تحسم منذ قرنين على
بدء اندلاعها، أي منذ أعلنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
بل تنبىء القصص المتواترة في العقدين الأخيرين وكأن المواجهة
أخذت منحى خطيراً، وأشد ضراوة، فقد فتح الدعاة جبهات جديدة،
وتسلّحوا بعتاد متطوّر مستمد من التراث السلفي، وحققوا
انتشاراً واسعاً في أرجاء الجزيرة العربية لهذا الغرض.
لكن ما يلفت الإنتباه، أن قصص الدعاة في مواجهة السحرة
والمشعوذين لا تخلو من مسحة خرافية، فقصص البطولات الخارقة
كما يرويها العلماء السلفيون وفريق الدعاة المتخصّصين
في مقارعة السحرة تثير فضولاً من وجوه عدّة. فالقصص التي
لا يمكن أن تخضع لأي معيار علمي، وليست هنا نقطة التشابك،
تجري فصولها خلف الستار، دون شهود ولا شواهد، وتكون النهاية
فيها بانتصار هذا الفريق..فهل من يشرح لنا سر تكاثر السحرة
في هذه البلاد بناء على قصص الدعاة؟!
يعجب المراقب كيف أن دعوة قامت على محاربة البدع والخرافات
والسحر والشعوذة، مصابة بنفس الأمراض التي حاربتها. فما
ينكر مشايخ السلفية وقوعه لدى المخالفين لهم، وما أكثرهم،
يصبح اعتيادياً ومألوفاً بالنسبة لهم. قصص الخوارق لا
تنتهي في مغامرات العلماء والمشايخ، لا سيما المتخصّصين
بإبطال مفعول السحر وفك الطلاسم. للعلم، أو إن شئتم للجهل،
فقد خصّصت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قسماً
لملاحقة السحرة والمشعوذين، وتلقي البلاغات الخاصة بوجودهم،
وقصص البطولات التي خاضها رجال الهيئة لاصطياد السحرة
وإحباط كيدهم. تأخذك القصص في عالم خيالي، لا يتحقق في
أي مكان من العالم سوى في البقع التي يداهمها رجال الهيئة،
فرجل يقع صريعاً في مكتب أحد المشايخ وتوجّه التهمة إلى
الجن، وفعل ساحر، وتضيع خيوط القضية، وإمرأة تطير بمسحاة
من بناء إلى آخر، دون أن يراها أحد سوى رجال الهيئة، ورجل
يدخل في جوف إمرأة ويتحدّث بلغتها، وفجأة يخرج منها مسلماً
موحّداً ملتزماً طريقة السلف الصالح! ورابع يكتشف طلاسم
مدسوسة في تربة بالقرب من قصر الملك عبد الله، والعثور
على حقيبة بداخلها ثعابين بأحجام مختلفة (يعني ساحر شنطة)،
وهلم جرا.
ومن آخر المواجهات بين المشايخ والسحرة، ما طالعنا
به أحد المواقع الخبرية السعودية عن قصة من جبهات القتال
بين الجيش السعودي والحوثيين في اليمن. فبعد أن كان الحوثيون،
بحسب الرواية السعودية، يستعملون القردة للتمويه على الجنود
السعوديين، جاء دور السحر ليدخل الميدان، كأحد التكتيكات
العسكرية الجديدة في الحرب. يقول الموقع الخبري بأن الحوثيين
لجأوا الى سلاح السحر بعد القاء القبض على عدد من (المتسلّلين)
وبحوزتهم طلاسم وأدوات شعوذة. ويضيف الموقع الخبري، بأن
الجيش السعودي استعان بالدعاة والمشائخ لإبطال مفعول ذلك
السحر، بعد أن (تمّ التأكّد من استخدام الحوثيين للسحر
للتمويه على أفراد الجيش السعودي). يضيف الموقع بأن هناك
(تواجد مشرّف لمشائخ ودعاة يشاركون أفراد الجيش في جبل
الدخان ليبطلوا السحر الحوثي) وذكر من بينهم الشيخ عادل
المقبل الذي لبّى (نداء الواجب المنوط به وجهاد الخاص
والعام ..إنطلق ملبيا دعوة الواجب للجهادين الأول جهاد
العدو والثاني جهاد الحروز والتمائم والطلاسم التي تأذّت
منها الأشجار والأحجار، بالاضافه الى ما يتم وشمه على
أجسادهم أي (الحوثيين) ضنا منهم بأنها تقيهم من الرصاص،
و حضر الشيخ وبعض من مرافقيه لعمل اللازم حيال ذلك).
نجزم بأن مثل هذا الخبر لن يجد مكانه في الصحف المحلية
التي تحترم عقول قرّاءها، لأن ذلك فضيحة بكل المقاييس،
فما بالك لو انتهت الحرب وصدر بيان عسكري من القيادة العامة
للقوات المسلّحة يفيد نصاً أو مضموناً بأن الإستعمال المفرط
للسحر هو المسؤول عن انكسار جنودنا، ومنعاَ لسقوط المزيد
من الضحايا، قررنا وقف اطلاق النار. ولو كان للسحر هذا
المفعول الخارق، لماذا لم يحقق العرب انتصاراً واحداً
على عدوهم؟، ولماذا لم ينجح السحر في إبطال مفعول التقدّم
العلمي والتكنولوجي في الغرب؟
ولنفرض صحة وجود طلاسم بحوزة من تصفهم بيانات الجيش
السعودي بـ (المتسللين) وهم من دون شك غير حوثيين، وإلا
لانتهت الحرب في يومين أو ثلاثة لكثرة من وقع منهم أسرى
في أيدي القوات السعودية، فهل يصح وضع تلك الطلاسم في
إطار التكتيكات العسكرية، ولربما في تغيير مسار المعركة
أو مصيرها؟.. رأفة بعقولكم يا جنرالات!
|