الرياض تحّذّر صنعاء من تضخيم خطر (القاعدة)
الخوف من نموذج أفغانستان ـ باكستان
فريد أيهم
ليس هناك من المراقبين من يملك رؤية واضحة حول ما يجري
في اليمن، وليس هناك قناعة بالتهويل المتزايد حول خطر
القاعدة.. هناك من يرى بأن الحرب على القاعدة تنطوي على
أهداف أخرى، من أبرزها انقاذ نظام علي عبد الله صالح،
وتهيئة أرضية لوجود عسكري دائم في اليمن..
فجأة تبدّل المشهد، ولم تعد معادلة الحرب تحتفظ بعناصرها،
فقد تحوّلت القاعدة هي المشكلة في اليمن، وليست النظام
اليمني ولا الحوثيين أو الحراك الجنوبي بل ولا اليمن برمته
الذي يعيش منذ سنوات أزمة إقتصادية وإنسانية وسياسية خانقة.
إذاً هي القاعدة، الطعم الذي أراد النظام اليمني تقديمه
إلى الإدارة الأميركية كيما تتدخل لإنقاذ النظام اليمني،
ولم يدرك الأخير بأن التدخّل الأميركي لن يكون وفق شروط
يمنية أو سعودية، وإنما ستكون وفق أجندة أميركية خالصة.
لا ريب أن الوجود الأميركي كما أراده السعوديون واليمنيون
هو كما كتب داوود الشريان في صحيفة (الحياة) في 4 يناير
الجاري هو (ان التمرد الحوثي هو الدافع الأول للرغبة الأميركية)،
وهو ما يفهمه الحوثيون أيضاً، ولذلك رحبّت الحكومة اليمنية
بالدعم الأميركي ـ البريطاني المشترك لهذه الغاية. ولكن
ما هو جديد في الأمر، هو ما عبّرعنه نائب رئيس الوزراء
لشؤون والدفاع والأمن وزير الإدارة المحلية في اليمن رشاد
العليمي في 6 يناير الجاري قال فيه (ان أي تدخل عسكري
أميركي مباشر يمكن أن يقوّي تنظيم القاعدة بدلاً من أن
يضعفه)، مؤكداً (تمحور التعاون المنشود مع واشنطن في مكافحة
التنظيم المتطرف حول التدريب والتسليح وتبادل المعلومات).
هذا الموقف اليمني كان سعودياً قبل ذلك، وقد عبّر عنه
الشريان في مقالته بعنوان (أمريكا في اليمن) سالفة الذكر،
حين تعرّض للخطة الأولية لمواجهة تنظيم القاعدة، وأن القوة
المؤلفة من عناصر من القوات الأميركية والبريطانية إضافة
الى وجود رمزي من الجيش اليمني هي الصيغة المبدئية المصمّمة
لمواجهة خطر القاعدة في اليمن. ثم يقول الشريان (لكن التجربة
تقول أن هذه القوة ستصبح وسيلة لزيادة مخاطر الإرهاب في
اليمن). ويشرح ذلك (إذا كان العراق يشكو من تهريب المتسللين،
فإن محاولة ضبط الحدود اليمنية ستكون ضرباً من الخيال.
وبدلاً من سفر بعض الشباب الى البلاد البعيدة للجهاد فإن
القوات الأميركية في اليمن ستكون هدفاً سهلاً).
ما يلفت الإنتباه، أن الموقف اليمني من الحضور العسكري
الأميركي المباشر في اليمن جاء بعد وصول رسالة من الملك
عبد الله الى الرئيس اليمني في 4 يناير الجاري والذي أشير
فيها إلى التعاون الأمني بين الدولتين. في نفس اليوم تبدّل
الموقف اليمني، وأطلق وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي
في 4 يناير تصريحاً خلال زيارة قام بها الى الدوحة، لإعادة
ترميم العلاقة معها بعد إسقاط صنعاء اتفاق الدوحة مع الحوثيين
من جانب واحد، رفض فيه (أي مقارنة بين بلاده وافغانستان
حيث ينتشر تنظيم القاعدة). وقال (هناك إشكالية متعلّقة
بالقاعدة واهتمام دولي بنشاط القاعدة في اليمن، واليمن
قادر على التعامل مع هذه الجماعات)، ثم يحدّد طبيعة الدور
الأميركي المطلوب في اليمن (ولكن اليمن بحاجة لتعاون دولي
في تدريب واعداد وحدات مكافحة الارهاب اليمنية والدعم
التنموي فالمشكلة ايضا تعد مشكلة اقتصادية). قائد جهاز
الأمن القومي اليمني علي الأنسي قلّل في نفس اليوم من
خطر القاعدة على اليمن، وقال بأن ما يقال عن وجود القاعدة
بالبلاد (مبالغ فيه) ويصب في استهداف اليمن.
|
وقعا في المأزق معاً |
مالذي تغيّر إذن حتى تبدّلت، بصورة دراماتيكية، لهجة
الحكومة اليمنية حيال خطر القاعدة الذي أرادته طعماً لاستدراج
القوات الأميركية والبريطانية الى اليمن؟ ولماذا بدأ المسؤولون
اليمنيون حملة نفي واسعة لأي مشاركة أميركية مباشرة في
الحرب ضد القاعدة، بحيث دعت وزير الخارجية اليمني القربي
إلى نفي التقارير التي تحدّثت عن اتفاق صنعاء وواشنطن
على تنسيق أمني للحرب على القاعدة يتيح للأخيرة بمرور
صواريخ موجّهة وطائرات مقاتلة وأخرى بدون طيار لضرب مراكز
القاعدة في اليمن؟ ولماذا صدرت مواقف متزامنة من البيت
الأبيض والحكومة اليمنية من أن التعاون سيقتصر على التدريب
والمعلومات الاستخبارية والمساعدات العسكرية بعد أن كان
الحديث عن تدخّل مباشر، عقب تصعيد خطر القاعدة في اليمن.
يتذكّر المراقبون بأنه في الأسابيع الأولى للحرب ضد الحوثيين
في صعده، كان الجانب اليمني يتولى إطلاق التصريحات حول
وجود اتفاق أمني بين صنعاء وواشنطن فيما كان السفير الأميركي
في صنعاء ينفي وجود مثل هذا الإتفاق، ولكن بعد أن تمّ
(تهويل) خطر القاعدة، وبدأت الولايات المتحدة بتنفيذ خطة
خاصة في مكافحة الإرهاب على طريقتها الخاصة، شعر الجانب
اليمني الرسمي بأن ثمة حاجة لتأطير العون الأميركي، حتى
لا تتحوّل اليمن الى افغانستان أخرى، ويفقد علي عبد الله
صالح زمام السيطرة على الشأن اليمني، وبالتالي يضع السعودية
في مهب اضطرابات واسعة، شأن باكستان. وبدلاً من ذلك، وجّه
القربي خطر القاعدة ناحية السعودية لاستجلاب دعمها المالي
على أن تقدّم الولايات المتحدة دعمها العسكري والاستخباري
وحذّر القربي من أن خطر القاعدة قد ينتشر أكثر في حال
لم تتعاون كل الدول لمواجهته، داعياً في الوقت نفسه إلى
(جهود عربية مشتركة لمواجهة خطر الإرهاب).
لم تكن الدعوة اليمنية للقوات الأميركية بحاجة الى
مبررات كثيرة، خصوصاً وأن الرئيس علي عبد الله صالح هو
من وفّر المسوّغ الأول، لتكرّ سبحة المسوّغات في وقت لاحق،
فطالما أن الحرب على الإرهاب هو ما يطالب به الرئيس علي
عبد الله صالح، فقد توافرت مسوّغات لاحقة تستوجب تعزيز
قدرات عسكرية لمكافحة الإرهاب في اليمن، من بينها محاولة
التفجير الفاشلة التي استهدفت طائرة أميركية في 25 ديسمبر
الماضي وتبنّتها القاعدة في جزيرة العرب التي تتخذ من
اليمن معقلاً لها وتبيّن لاحقاً بأن النيجيري عمر الفاروق
كان قد جاء الى اليمن في وقت سابق والتحق بالتنظيم، ثم
جاءت الاغلاقات المتسلسلة للسفارات الأميركية والبريطانية
والفرنسية على خلفية تهديدات بشن هجمات على بعثات التمثيل
الأجنبية في اليمن.
هناك شعور بأن نموذج أفغانستان ـ باكستان قد يتكرر
في اليمن ـ السعودية، ففي حال تطاير عناصر القاعدة من
الوكر اليمني ستكون السعودية ساحة الحرب المفتوحة بين
القاعدة والقوات الأميركية، وهذا ما يخشاه الأمراء السعوديون،
ولذلك أبلغوا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بتخفيف
نبرة المطالبة بالتدخل العسكري الأميركي المباشر، خصوصاً
بعد ظهور مؤشرات أميركية وغربية (وخصوصاً بريطانية) تفيد
بأن ثمة نوايا جديّة لناحية التدخّل في الشأن اليمني،
وما المؤتمر الدولي الذي دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني
جوردون براون في ديسمبر الماضي، وحظي بترحيب يمني رسمي،
إلا واحد من تلك المؤشرات البارزة، حيث سيكون مخصّصاً
لمناقشة المسألة اليمنية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والأمنية، وهو ما يخشاه الرئيس اليمني.
مصادر يمنية معارضة ذكرت بأن الرئيس علي عبد الله صالح
إقترف خطأ فادحاً حين ألحّ على استدراج الأميركيين الى
اليمن في سبيل إنقاذ النظام من الانهيار، ونسي أنه قدّم
هديّة مجانية بتحويل اليمن إلى قاعدة عسكرية متقدّمة للقوات
الأميركية.
محاولات الحكومة اليمنية التقليل من مخاطر القاعدة
في اليمن جاءت متأخرة، رغم أن من مصلحة السعودية واليمن
في إطالة أمد النزاع ضد الحوثيين، التي لم يكن لإيران
أي دخل فيها. فقد بدأ النزاع في اليمن باعتباره شأناً
داخلياً بين الحكومة اليمنية والحوثيين في محافظة صعدة
ومرتبطة بوضع إنساني وإقتصادي وسياسي تعيشه المحافظة منذ
العام 2004، ولكن بعد التدخّل العسكري السعودي في نوفمبر
الماضي أخذ النزاع بعداً إقليمياً وجرى إقحام إيران في
النزاع، وفق رغبة يمنية للحفاظ على دعم سعودي مستمر. المراقبون
الأجانب لم يعثروا على دليل يثبت أي دعم إيراني لافت للحوثيين،
بالرغم من الاحتجاجات اليمنية والسعودية.
وبصرف النظر عن المناوشات الإعلامية بين السعودية وايران
من جهة والحكومة اليمنية والحوثيين من جهة ثانية، فإن
تداعيات المواجهات العسكرية كانت خطيرة على الجانبين اليمني
والسعودي، فبعد أن كان النزاع مقتصراُ على محافظة واحدة
أصبح يدور في ست محافظات، فيما تظهر التقارير العسكرية
أن لا القوات السعودية ولا الجيش اليمني إستطاع تحقيق
تقدّم ملحوظ في الميدان، بل على العكس إزدادت الأمور سوءاً
منذ قررت القيادة اليمنية خلط الأوراق بتضخيم خطر القاعدة،
الذي يدرك كل المتابعين للشأن اليمني بأنه خطر مبالغ فيه،
بل ينظر الحوثيون إلى القاعدة في اليمن بأنها منتج يمني
رسمي، وكانت تعمل في خدمة الرئيس علي عبد الله صالح، وأن
بعض عناصر القاعدة جزء من التشكيلات العسكرية النظامية،
وقد شاركوا في الحرب ضد الحوثيين وتلقّوا ضربات موجعة
من الحوثيين اضطرت القاعدة بعدها للنأي عن أية مواجهات
مباشرة معهم. ومع ذلك، تبدو وجيهة أطروحة الحوثيين لمعالجة
الأزمة اليمنية، حين طالبوا بحل شامل يفضي الى احتواء
أية مخاطر سواء جاءت من القاعدة أو من غيرها، وتجنيب اليمن
أية كوارث سياسية وأمنية وإنسانية. ولكن لدى الحكومة اليمنية
التي يقودها الرئيس علي عبد الله صالح معالجة مختلفة،
فهو يريد حلاً يبقي على مافي يده من امتيازات وسلطة، كما
يبقي في الوقت نفسه على مصادر الدعم الخارجية سواء من
السعودية أو الولايات المتحدة. ولذلك، لم تحظَ دعوة الرئيس
اليمني للحوار بقبول قوى المعارضة وتعتبرها مجرد مناورة
سياسية لكسب الوقت، مع الاحتفاظ بتمامية السلطة داخل دائرة
الرئيس والمقرّبين منه.
لا يحتاج الحوثيون الى تدريب عسكري من الخارج، بالنظر
الى أن معظمهم كانوا في نظام الخدمة العسكرية الالزامية،
ولا يحتاجون الى الأسلحة من الخارج أيضاً، في ظل وجود
أسلحة في السوق السوداء التي شهدت إنتعاشاً بعد الحرب
الأهلية في اليمن العام 1994. الحكومة اليمنية تزعم بأنها
صادرت شاحنة إيرانية تحتوى على أسلحة بالقرب من محافظة
صعدة، ولكن فشل الحكومة اليمنية في عرض الأسلحة المصادرة
جعلت من الصعوبة بمكان تأكيد أو التحقق من مزاعمها. وحتى
بالنسبة للادعاءات حول الدعم المالي الإيراني للحوثيين،
فإن المسؤولين اليمنيين صرّحوا مراراً بأنه قد يكون الحوثيون
يتلقون دعماً من مؤسسات أو شخصيات شيعية غير حكومية. ومع
ذلك، فإن اليمن من الناحية الجغرافية ليست مريحة بالنسبة
لإيران، وأن الوجودات الرمزية للحوثيين في بعض الدول الخليجية
أو الأوروبية لم تحمل مؤشرات على تلقي الحوثيين دعم عسكري
أو مالي إيراني.
ماهو واضح على الأرض حالياً، أن القوة الإقليمية الوحيدة
هي السعودية التي تلعب دوراً فاعلاً وغير مساعد في الحرب
بين قوات علي عبد الله صالح والحوثيين، وأن المزاعم حول
الدعم الإيراني للحوثيين لم تكن تحقق سوى نتيجة واحدة
وهي خلق حرب نيابة التي يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود،
بعد أن عجزت القوات السعودية عن تقدّم عسكري يذكر، بل
هناك من ينظر إلى الإخفاق السعودي بأنه يحمل في طياته
نتائج كارثية على صورتها في الداخل والخارج، وبات ينظر
إليها على أنها مجرد جثّة متحركة. فحركات المقاومة الشعبية
التي تعتمد حرب العصابات نادراً ما تختفي بفعل القوة العسكرية
وحدها. وحيث أن كلا الجبهتين السعودية واليمنية تسجّلان
فشلاً ذريعاً في الإلتزام بأي حل متعادل وطويل الأمد للمسألة
الحوثية، فإن الفرضية تبقى أن الطرفين السعودي واليمني
يعتقدان بأن الحل لن يكون لصالح أحد. مشكلة السعودية تتلخص
في أنها لا تريد أن ترى حركة مقاومة زيدية على حدودها،
تنعم لاحقاً باستقلال ذاتي تدعمه ايران أو ليبيا، اللتان
ترحبان بفرصة من هذا القبيل للضغط على السعوديين. ولكن
الحل لهذه المشكلة يتم من خلال إصلاح سياسي واجتماعي يحقق
الكثير من الاستقرار، وهو ما لا تريده الحكومة اليمنية
وتحاول أن تطيل أمد الأزمة لعلها تعثر على حل ما، لأنها
تريد الحفاظ على حكومة وإن كانت فاسدة وخاوية.
|