قراءة في رسالته الى الملك عبدالله
لماذا تسرّب السعودية رسالة مشعل الى القاهرة؟
محمد فلالي
لقاء وزيرالخارجية سعود الفيصل ورئيس المكتب السياسي
لحركة حماس خالد مشعل في الرياض في يناير الماضي كان يمكن
أن ينظر إليه على أنه بداية صفحة جديدة في العلاقة بين
السعودية وحركة حماس بعد قطيعة دامت سنوات، خصوصاً بعد
العدوان الإسرائيلي على غزة في ديسمبر 2008. أخذت الرياض
على حركة حماس بأنها تقف في معسكر الممانعة، وترفض السير
في خط الاعتدال العربي، ما فرض عليها تحمّل تبعات الحصار
على قطاع غزة والقطيعة السياسية الشاملة مع قيادات حماس.
ورفضت السعودية مجرد الاستماع لوجهة نظر حماس في الخلاف
مع حركة فتح ومع قيادة محمود عباس على وجه الخصوص.
دفعت حماس وغزة ضريبة باهظة إزاء مواقفها، منذ العدوان
الاسرائيلي الغاشم على القطاع، وحرمان أهله من الحصول
على مساعدات لمواجهة آثار العدوان، وإعادة إعمار البيوت
والمباني الحكومية المدمّرة فيما تواصلت سياسة الحصار
الظالم على أهل غزة منذ أن قررت الحكومة المصرية المضي
في بناء الجدار الفولاذي الذي دفع الحكومة الاسرائيلية
للتشفي من الشعب الفلسطيني على أساس أن من يضطلع بدور
الحصار على القطاع ليست اسرائيل بل مصر، الراعي الافتراضي
للقضية الفلسطينية والمصالحة الوطنية بين حماس وفتح.
تحرّكت أقطاب مبادرة التسوية مع الدولة العبرية وتحرّك
ملف المصالحة الفلسطينية، ومع اقتراب موعد القمة العربية
في ليبيا كان لابد أن تفتتح الأبواب مجدداً لمواجهة استحقاقات
التسوية، فقبلت الرياض أن تستقبل خالد مشعل لا لكي تستمع
لوجهة نظر حماس بل لكي تحصل منه على موقف واضح بخصوص موقفها
من المبادرة العربية ومدى استعدادها للإنضمام الى موكب
المهرولين نحو التسوية. كل ما قيل عن سؤال سعود الفيصل
لخالد مشعل عن علاقة حماس بإيران هو تفصيل صغير، ولكنه
يحمل دلالة واضحة بأن كل ما تطلبه السعودية هو الاستفراد
بحماس كيما تقبل بالمبادرة العربية طوعاً أو كرهاً. وقد
سمع مشعل من الفيصل كلاماً ينطوي على تهديد أكثر منه تطمين
أو على الأقل رغبة في الاستماع لوجهة نظر الحركة في الخلاف
مع الرئيس محمود عباس، ولذلك جرى تحضير كل أوراق الضغط
خلال لقاء الفيصل ـ مشعل، حيث كان الرئيس المصري حسني
مبارك يضغط باتجاه تسريع وتيرة إقامة الجدار، وتجاهل كل
الأصوات المطالبة بوقف البناء، فيما كان الفيصل يكرر على
مسامع مشعل والوفد المرافق له بأن إعادة إعمار غزة لن
تتم مالم تقبل حماس بالتوقيع على وثيقة المصالحة الفلسطينية
بالشروط المحدّدة فيها.
مشعل جاء الى الرياض بنية توضيح موقف حماس من قضية
المصالحة إضافة الى شرح رؤية الحركة من كل الموضوعات الخلافية
بما في ذلك علاقة حماس بإيران، ولكن ما خرج به الفيصل
من لقائه، وربما هو ما أراد تكريس اللقاء له هو استعداد
حماس لفك الإرتباط بإيران، والإلتحام بمعسكر المعتدلين،
وهذا يعني تفكيكاً شاملاً للبنية الأيديولوجية والتنظيمية
والعسكرية لحركة حماس. تصريح سعود الفيصل من شرم الشيخ
كان بالغ الدلالة حين طالب مشعل بكلام واضح عن عروبة حركة
حماس، وزعم بأنه سمع كلاماً من مشعل بهذا الخصوص.
رغم أن الموقف السعودي إقتصر على ما صدر عن سعود الفيصل
من تصريحات صحافية، في ظل صمت الملك عبد الله أو حتى مجلس
الوزراء السعودي حيال ما جرى على وجه الدقة من مناقشات
ماعدا الجمل المعلّبة التي اعتادت البيانات الرسمية عليها
من قبيل (مناقشة العلاقات الثنائية ذات الاهتمام المشترك،
والتأكيد على ثوابت الأمة وقضاياها المصيرية)، فإن التطوّرات
اللاحقة كشفت عن أن السعودية لم تحصل على ما كانت تأمله
من قيادة حماس.
وفيما يبدو، فإن مشعل شكى للرياض بعض آلام حماس بفعل
الضغوطات المكثّفة التي تتعرض لها من جانب القيادة المصرية
وخصوصاً رئيس جهاز الاستخبارات عمر سليمان لجهة القبول
بالتوقيع على وثيقة المصالحة التي تعرّضت للتبدّل مراراً
بإضافة شروط جديدة ملزمة لحماس. في المقابل، لم يسع الرياض
تجاوز الدور المصري في المصالحة الفلسطينية، فأرادت توفير
كل التطمينات للقيادة المصرية بأن السعودية لا تفكّر في
فتح باب خلفي في البيت الفلسطيني كيما تدخل منه بما يخلّ
بدور مصر، ولذلك سعت إلى وضع القيادة المصرية في صورة
كل الموضوعات التي تم التداول بشأنها مع مشعل في الرياض.
كان يمكن أن تبقى تفاصيل اللقاء بين الفيصل ومشعل مكتومة
على الأقل أمام الإعلام، ولكن جاء نشر رسالة خالد مشعل
الى الملك عبد الله بهدف خلط الأوراق، وقلب الطاولة على
حركة حماس لصالح حكومة محمود عباس والقيادة المصرية. لم
تلتزم الرياض بالأعراف الدبلوماسية مع الرسائل السرية
ما أثار سؤالاً عن جهة التسريب، فمن قائل أن الرياض بعثت
نسخة من الرسالة الى القاهرة فقامت الأخيرة بتسليمها الى
جريدة (الأهرام المسائي) المقرّبة من الحكومة التي قامت
بنشرها بصورة كاملة، للإيقاع بين حماس والرياض، ومن قائل
أن النشر تمّ بالإتفاق بين الرياض والقاهرة، للتعبير عن
التنسيق التام بين البلدين، ومن قائل أن نشر الرسالة كان
بقرار من الرياض في رد فعل على إصرار حماس على مواقفها،
وإحراجها أمام حلفائها وأصدقائها وتشويه صورتها، خصوصاً
فيما يتعلق بالنقطة التي تحدّثت عن محاولات متكررة قام
بها مشعل لجهة اللقاء مع الملك عبد الله، وهذا من شأنه
إيصال رسالة الى مصر بأن الزيارة لم تأت بناء على طلب
من الرياض بل من إلحاح متواصل من حركة حماس. وهناك من
قال بأن النشر تمّ بناء على اتفاق بين مشعل والفيصل على
أساس أن الرسالة في نظر الطرفين متوازنة لتوضيح وجهة نظر
حماس من الموضوعات الخلافية، وأيضاً تكشف بإقرار من حماس
أن اللقاء تم بناء على طلب من الأخيرة وليس وفق رغبة سعودية.
|
مشعل في الرياض |
أيا تكن دوافع النشر، فإن المحصلة تبقى واحدة وهي أن
اللقاء الذي جمع سعود الفيصل وخالد مشعل لم يحقق نتائجه،
ولذلك عبّر الأخير بطرق مختلفة عن تمسّك الحركة بخيار
المقاومة ورفض الاعتراف بالدولة العبرية.
قراءة في الرسالة
نشرت صحيفة الأهرام في 27 يناير الماضي نص رسالة خالد
مشعل الى الملك عبد الله، وقد أكّد موسى أبو مرزوق عضو
المكتب السياسي في حركة حماس وجودها ويأسف لنشرها. تتكوّن
الرسالة من أربع صفحات بعثت بتاريخ 19 يناير 2010، وتم
تسليط الضوء فيها على ما اعتبرته جريدة (الأهرام المسائي)
بمثابة (مناشدة) تقدّم بها مشعل للملك عبد الله كي يستقبله،
وتأتي عقب لقاء مشعل مع الأمير سعود الفيصل.
توضّح الرسالة بأن خالد مشعل كتب مرات عديدة الى الملك
عبد الله للقبول باستقباله (طرقت بابكم مرات عديدة،
وما زلت أطرق الباب حتى يفتح). ويوضح مشعل أسباب إصراره
على ذلك منها قوله (لأني صاحب حق، فأنا حريص على المصارحة
والمكاشفة من قبل جلالتكم، والاستماع لأي عتب كريم منكم،
فأنا رجل لا أخاف من الحقيقة، بل أبحث عنها وأنحاز إليها
مهما كانت مؤلمة، ولدي الشجاعة لكي أقر بالخطأ حين يثبت
ـ علي سبيل الافتراض ـ أنني أو أحدا من إخواني وقع فيه).
وخلص بعد عرض الأسباب الى طلب تحديد موعد قريب للقاء
به، لـ (أهميته وضرورته بالنسبة للشأن الفلسطيني بشكل
خاص والعربي بشكل عام). وحدّد مشعل موضوعين رئيسيين للتباحث
مع الملك عبد الله: إتفاق مكّة الذي رعاه الملك ثم مالبث
أن فشل وفرضت حماس سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، وثانياً:
العلاقة مع إيران.
فيما يخصّ اتفاق مكة، ذكّر مشعل الملك برعايته للإتفاق،
وحرص حماس على تطبيقه على الأرض نصاً وروحاً. ونفى مشعل
أن تكون حماس وراء فشل الإتفاق، وأشار إلى بعض الفصائل
في حركة فتح بأنها هي (التي انقلبت على الاتفاق وتآمرت
عليه، لأن الاتفاق لم يناسب بعضها ولم يعجبها، أو
لأن بعضها الآخر لم يستشر في أصل الاتفاق ومبادرتكم الشجاعة
لرعايته والدعوة إليه، أو لأن البعض الآخر اعتبر الاتفاق
مجرد محطة مؤقتة لالتقاط الأنفاس، فبدأ منذ اللحظة الأولى
يخطط ويحضر للانقلاب عليه).
وجاء عقب ذلك موضوع العلاقة مع إيران الذي يدرك مشعل
حجم القلق لدى الملك والعائلة المالكة من هذا الموضوع،
حيث تحدّث مطوّلاً على الهوية العربية لحركة حماس والقضية
الفلسطينية، ولكنه في الوقت نفسه شكى من صدود الأقربين،
وأوضح بقوله (وقد طرقنا باب الجميع، فمن استجاب لنا
قلنا له شكراً، وهذا هو الذي يحكم علاقتنا مع كل البلاد
العربية والإسلامية، بما فيها إيران، بل مع أي بلد
آخر في العالم شرقاً أو غرباً). وقال بأن الدعم الذي
تحصل عليه حماس هو غير مشروط (ولا يمكن أن نقبل ثمنا لأي
دعم من أي دولة أو طرف كان)، باعتبارها سياسة ثابتة لدى
حركة حماس منذ انطلاقتها. ونفى في الوقت نفسه أن (أن تكون
علاقتنا مع أي طرف في العالم، إيران أو غير إيران،
على حساب أمتنا العربية وأمنها ومصالحها، ولا على حساب
عقيدتنا، عقيدة أهل السنة والجماعة، التي نشأنا عليها،
ونضحي في سبيلها، ونلقى الله عليها بإذنه سبحانه وتعالى).
وأكّد في المقابل، فيما يشبه رمي الكرة في ملعب السعودية
(نرغب ونأمل أن يكون الدعم العربي لنا هو الأساس وله الأولوية).
تسبّب نشر الرسالة في الصحيفة المصرية في إحداث بلبلة
ولغط كبيرين، كونها أولاً خرقت الأعراف الدبلوماسية، وثانياً
أنها تطلبت توضيحاً من قبل حركة حماس بخصوص الموضوعين
اللذين أثارهما مشعل في الرسالة بما قد يثير حساسية لدى
الأطراف المعنية. فبعد تأكيد نائب رئيس المكتب السياسي
لحركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق صحة الرسالة، قال بأن
الحركة أرادت شرح وجهة نظرها في عملية المصالحة وتوضيح
موقفها من اتفاقية مكة المكرمة، لأن هناك شبه قطيعة بين
حماس والسعودية منذ الاتفاق، وظلت الأخيرة تستمع لرواية
فتح أو بالأحرى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس،
فكان طلب اللقاء لإزالة اللبس حول هذا الموضوع. لم يتطرق
أبو مرزوق لموضوع العلاقة مع إيران، وربما فضّل أن يترك
الأمر لخالد مشعل كيما يخفف وطأته على الجانب الإيراني.
على أية حال، فإن ما فهمه قادة حماس من عملية التسريب
كان واضحاً وبحسب أبو مرزوق (لا شك أن تسريب الخطاب إلى
الإعلام له مغزى، وهو قطع الطريق على المصالحة بين حماس
والمملكة العربية السعودية، ذلك أنه في العرف السياسي
لا يوجد ما يدعو إلى نشر رسالة خاصة بين طرفين في الإعلام
إلا بالتوافق بين الطرفين على أنها رسالة عامة ولا مانع
من نشرها، ولذلك نحن نستغرب نشر هذه الرسالة في وسائل
الإعلام المصرية).
ما يلفت في القراءات الصحافية، وخصوصاً المصرية، لرسالة
مشعل أنها انطوت على نزعت تهكمية لا تخلو من دلالة، حيث
تم النظر الى مطالبة مشعل بلقاء الملك عبد الله بأنه (خطاب
استجداء) بحسب صحيفة (الأهرام المسائي)، تأسيساً على الرسائل
المتكررة التي بعث بها مشعل الى الملك والتي يناشد فيها
الملك عبد الله على اللقاء معه والاستماع الى وجهة نظر
حركة حماس. في المقابل، هناك من اعتبر تأكيد مشعل على
سنيّة حماس في سياق الحديث عن العلاقة مع إيران بأنه يعكس
(لغة طائفية).
على أية حال، فإن مابدا واضحاً، أن السعودية لم تشأ
أن تلعب دوراً موازياً أو متعارضاً مع الدور المصري، حيث
ينظر الرئيس مبارك الى التوتّر الحاصل مع حركة حماس باعتباره
جزء من ملف الأمن القومي، ما فرض على الرياض (شفافية)
واضحة مع الجانب المصري، وتأكيد دوره في ترتيبات الوضع
الفلسطيني، وكأنما جاء تسريب الرسالة لتأكيد أن الرياض
تسلّم وبصورة كاملة للقاهرة ملف القضية الفلسطينية.
ما كان مستغرباً هو الهجوم الواسع الذي شنّته صحيفة
(الأهرام المسائي) على حركة حماس في مقدمة الرسالة التي
تنفرد بنشرها، فما جاء في الرسالة متطابق مع رؤية حماس،
ولكن استعمالها كوثيقة لإدانتها والتحامل عليها، هو ما
جعل مراقبين يتوقفوا عند مغازي الهجوم، في وقت تتواصل
فيه أعمال تشييد الجدار الفولاذي حول غزة لخنقها، فيما
انكفأت الرياض عن التعليق على نبأ النشر، وكأنها تقول
في أحسن الفرضيات لم أسعَ إليها ولم تسؤني.
|