زيادة وتيرة التسليح الأميركي للحلفاء
التوتير صهر التسليح والنهب!
محمد قستي
بإمكان تصريح سلبي من مسؤول أميركي عن الوضع الأمني
في منطقة الخليج أن يقلب الأوضاع رأساً على عقب، وبإمكانه
أيضاً أن يفتح الطريق أمام القوات الأميركية لتكثيف تواجدها
في المنطقة وتمّهد السبيل لشركات السلاح الأميركية لعقد
صفقات عسكرية بمليارات الدولارات مع دول المنطقة.
ليس هناك ما يدعو للقلق حين تخضع الأوضاع السياسية
والأمنية للفحص الدقيق، ولكن نزعة (التقليق) تجعل ما هو
مستقراً شديد الإضطراب، لأن ثمة إرادة ما تجعله كذلك.
ليس بالضرورة أن يكون الجانب الأميركي وحده من يقوم بذلك،
فهناك تجار السلاح من رسميين وغير رسميين محليين ودوليين
من يروق لهم مثل تلك التصريحات لتحريك (بزنس) السلاح،
وجني الأموال الطائلة في ظل انتعاش سوق النفط وارتفاع
مداخيله. لا نغفل، بطبيعة الحال، الغايات السياسية والاستراتيجية
الأخرى التي تأتي كجزء من رؤية شاملة يتداخل فيها السياسي
والعسكري بالتجاري.
ولكن السؤال يبقى، ماهو موقف دول المنطقة من عملية
(التوتير) المفتعلة التي تأتي على حساب خططها التنموية
واستقرارها السياسي والأمني وسلامها الداخلي؟ بالنظر إلى
أن العوامل الداخلية للإضطراب تبقى غالباً أقل بكثير من
العوامل الخارجية المرتبطة بصراعات النفوذ بين قوى دولية.
يضاف إلى ذلك، أن عمليات (تكديس) الأسلحة لم توفّر في
يوم ما حماية لدول المنطقة، ولم تردع الدول الأخرى عن
تحقيق مآربها، فقد دخلت قوات صدام حسين الى الكويت في
أغسطس 1990 دون حساب لكمية الأسلحة التي بحوزة الكويت
أو السعودية، ما اضطر الأخيرة لطلب استقدام القوات الأميركية
الى المنطقة للدفاع عن حدود المملكة، وتحرير الكويت.
أكثر من ذلك، أن الصفقات التسليحية الضخمة التي عقدتها
السعودية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا
خلال العقود الثلاثة الأخيرة لم تمنحها قدرة على العمل
العسكري المتميّز، فقد خسرت حربها ضد المقاتلين الحوثيين
رغم كونهم يواجهون جيشين نظاميين مع قلة العدّة والعتاد،
بل أظهرت القوات السعودية وهناً مثيراً للشفقة أمام المقاتلين
الحوثيين الذين سيطروا على أربعين نقطة عسكرية داخل الأراضي
السعودية وقرروا الإنسحاب منها بملء إرداتهم، في مبادرة
حسن نيّة لوقف القتال وتجنيب المدنيين ويلات الصواريخ
العشوائية التي تطلقها الطائرات الحربية السعودية للتعويض
عن خسارتها على الأرض.
عدا ذلك، لم يتم استعمال الأسلحة المكدّسة في أي حرب
سعودية مع أي طرف إقليمي أو دولي، فقد أوكلت مهمة الدفاع
عن أراضيها للقوات الأميركية بموجب معاهدة الحماية والدفاع
الاستراتيجي المشترك الموقّعة بين واشنطن والرياض. يتندّر
سكان المملكة إزاء التسلّح الجنوني، حتى صوّر بعض المراقبين
السعودية بأنها مجرد مستودع ضخم لتخزين الأسلحة ما تالبث
أن تصبح بعهدة القوات الأميركية في أي حرب إقليمية. لقد
تعزّزت القناعة بعد التجربة المثيرة للشفقة في حرب اليمن،
بأن السعودية لن تربح أي حرب تخوضها، وأن التدجيج المتواصل
حتى الأسنان، لا ينبىء بحال عن نية تمكين عسكري للدولة
لمواجهة أخطار قريبة أو بعيدة، كما يخبر عن ذلك الأداء
العسكري السيء، وتحوّل القوات المسلّحة إلى ما يشبه (عارضات
أزياء) مصمّمة للعمل في مناسبات محددة (يوم الجيش، أو
اليوم الوطني، أو تخريج دفعات عسكرية..).
إذاً ليست أخطار أمنية، ولا حروب وشيكة في المنطقة
هي ما يدفع الى ارتفاع وتيرة التسلّح في المنطقة، فقد
أصبحت الصفقات جزءً من عملية انقاذ نموذجية لأزمات مالية
تعيشها شركات السلاح الأميركية، وقد بات من مسؤولية كل
رئيس أميركي وكذلك رؤساء الدول الغربية توفير فرص تجارية
لشركات السلاح مع دول البترودولار، من أجل ضمان حصوله
على دعم لحملاته الانتخابية، وأصوات جمهور الناخبين.
هذا على وجه الدقة ما قام به الرئيس الأميركي الحالي
باراك أوباما، شأن رؤوساء سابقين ولاحقين، حين أعلن عن
زيادة ترسانة أسلحة السعودية. وبحسب ما نقلته صحيفة (واشنطن
بوست) في 31 يناير الماضي عن مسارعة إدارة الرئيس أوباما
لإتمام مبيعات السلاح الى المملكة العربية السعودية لتحسين
الدفاعات حول المنشآت النفطية وغيرها من البنى التحتية
الأساسية في محاولة لإحباط أية هجمات عسكرية مقبلة تشنها
إيران.
وبحسب مسؤولين في الإدارة الأميركية لصحيفة (واشنطن
بوست) فإن هذه المبادرات التي من بينها خطة مدعومة أميركياً
لزيادة حجم قوة الحماية السعودية للمنشآت النفطية، هي
جزء من خطة أوسع تتضمن التنسيق في مجال تعزيز الدفاعات
الجوية وتوسيع المناورات المشتركة بين الجيش الأميركي
وجيوش عربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن قوة حماية المنشآت النفطية السعودية
قوامها 10 آلاف عنصر وأن الخطة الجديدة المدعومة أميركياً
تقضي برفع عديدها إلى 30 ألف، علماً ان السعودية زادت
عديد هذه القوة منذ العام 2007 إلى 35 ألف عنصر. وتنص
الخطط الجديدة على استخدام هذه القوة لردع هجمات تنظيم
القاعدة وأية هجمات محتملة من إيران أو منظمات مدعومة
منها، وستمنح واشنطن للسعودية تجهيزات لتحسين دفاعاتها
وإمكانية للولوج إلى التكنولوجيا الخاصة بذلك.
وأشار المسؤولون إلى ان هذه الجهود هي تنفيذ لالتزامات
قطعتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش لبيع طائرات حربية
وأنظمة مضادة للصواريخ لدول عربية صديقة لمواجهة الترسانة
النووية الإيرانية التقليدية المتنامية. وبذلك ستتصدر
السعودية قائمة الدول التي ستسرّع الولايات المتحدة مبيعات
السلاح إليها.
وأوضح المسؤولون، وكل ذلك بحسب الصحيفة، أن هذه الخطوات
كلها تهدف إلى زيادة الضغط على إيران مع تنامي الخوف لدى
دول الخليج العربية من هجمات إيرانية محتملة رداً على
أية عملية استباقية من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة
على المنشآت النووية الإيرانية. وقال مسؤولون خليجيون
للصحيفة أن تحسين الدفاعات حول منشآتها النفطية والبنى
التحتية الأساسية سيحصل أيضاً بغض النظر عن الدعم الأميركي.
وبصورة متزامنة، نقلت صحيفة (نيويورك تايمز) في 31
يناير الماضي أيضاً عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس
باراك أوباما تعجّل خطاها في نشر أنظمة دفاع صاروخية في
منطقة الخليج تحسباً لأي هجوم إيراني. ونقلت الصحيفة عن
المسؤولين الذين اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم أن الولايات
المتحدة تعمل على نشر سفن حربية قبالة السواحل الإيرانية
ومنظومة دفاعية في أربع دول عربية، وهي الكويت وقطر والبحرين
والإمارات العربية المتحدة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه الخطوة تأتي في مرحلة حرجة
يحاول فيها أوباما التعاطي مع إيران، مضيفة أنه بعد أشهر
من الدبلوماسية الفاشلة تسعى الإدارة إلى كسب إجماع دولي
لفرض عقوبات ضد الحرس الثوري في إيران بحجة أنه يشرف على
برنامج نووي سري.
وتقول نيويورك تايمز إن الأنباء عن نشر الولايات المتحدة
منظومة صاروخية مضادة – بما فيها النقاش العلني النادر
للجنرال ديفد بتراوس - تبدو وكأنها جزء من الإستراتيجية
المنسقة للإدارة التي تهدف إلى زيادة الضغط على إيران.
ويُقصد من نشر المنظومة الصاروخية، بحسب الصحيفة، مواجهة
الانطباع بأن إيران تخطو بخطى سريعة نحو تحولها إلى أعتى
قوة عسكرية بالشرق الأوسط، وإحباط أي تصعيد إيراني مع
الغرب إذا ما فُرض عقوبات جديدة عليها. الذريعة المعلنة
من نشر الدفاعات الصاروخية هي لردع الإيرانيين، وطمأنة
الدول العربية بحيث لا يشعرون بالحاجة إلى التسلح النووي،
وكذلك تهدئة روع الإسرائيليين.
وكان بترايوس رفض الإفصاح عن هوية الدول العربية التي
ستتلقى الأسلحة الأميركية لأن العديد من دول المنطقة تتردد
في الكشف عن تلقيها مساعدات عسكرية وما يرافقها من جنود
بشكل علني، ولكن طبيعة المنظومة الصاروخية تبقى سرية.
ولكن بعد الكشف عن أسماء الدول الخليجية، لم يبق سوى السعودية
التي كانت القوات الأميركية قد غادرتها الى قاعدة العديد
بقطر في أغسطس 2003. ولكن فيما يبدو، أن الاعلان الأخير
عن تعزيز القدرات الدفاعية لدى السعودية يأتي في سياق
الاتفاقيات الإستراتيجية التي وقّعها الرئيس الأميركي
السابق جورج بوش في 2 ديسمبر 2008 والتي تستمر لمدة عشر
سنوات وتشتمل على إتفاقية أمنية لحماية المنشآت النفطية،
واتفاقية للتعاون في المجال النووي والتقني والتكنولوجي،
إلى جانب اتفاقيات تسليح وتدريب القوات البرية والبحرية.
في سياق التوتير المتصاعد بين واشنطن وطهران، يتم إطلاق
غمامة من التضليل لتحقيق مآرب تجارية وسياسية وعسكرية،
فتحت غطاء الخطر الإيراني تستدرج واشنطن حلفائها لتوقيع
صفقات عسكرية ضخمة. تحدّث بتراوس في مؤتمر بمعهد لدراسة
الحروب في 22 يناير/ كانون الثاني قائلا (إيران باتت بشكل
جلي تهديدا خطيرا لأولئك في الجانب الآخر من الخليج).
وتصريح كهذا من شأنه تبرير زيادة وتيرة التسليح وتكثيف
الحضور العسكري الأميركي في المنطقة.
ثمة إشارة لافتة وردت في صحيفة (نيويورك تايمز) تقول
أن قبول الدول العربية بالأسلحة الأميركية والجنود المرافقين
لصيانتها يكشف عن القلق المتزايد في المنطقة من القدرات
والطموحات النووي الإيرانية. إشارة كهذه تحمل إيحاءً بأن
قرار التسليح والحضور العسكري لم يكن أميركياً محضاً،
بل هو نابع من مخاوف دول خليجية من الخطر الإيراني. في
المقابل، سمعنا تصريحات من أكثر من مسؤول خليجي (الكويت
والبحرين مؤخراً) ينفي وجود خطر إيراني محدق، فيما يكرر
الإيرانيون السياسيون والعسكريون تصريحات سابقة بأن ليس
هناك ما يدعو دول الخليج للقلق من إيران، أو على حد وصفهم
بأن واشنطن تشنّ حرباً نفسية لتخويف دول المنطقة من إيران.
وكانت صحيفة (دايلي تلغراف) قد نشرت مقالاً في 32 نوفمبر
الماضي عن سباق التسلح الخليجي تحسّباً لإيران، وقالت
الصحيفة بأن التوترات الناجمة عن برنامج إيران النووي
قد أثارت سباق تسلح في الخليج تمخّض عنه التفاوض بشأن
اتفاقات دفاع فاقت مثيلاتها. وقالت الصحيفة إنه بعد أن
كانت السعودية أكبر مشتر للأسلحة في المنطقة منذ زمن طويل
لحقت بها دول صغيرة نسبياً مثل الإمارات بما أنهما تتقاسمان
خوفهما بحكم الجوار من القوة العسكرية المتنامية لجارتهما
الشيعية.
ولسبب ما معروف، أوردت الصحيفة نبأ صفقة الأسلحة بين
شركة بي آي أي سيستمز، أكبر شركة بريطانية لتصنيع الأسلحة،
التي تقوم حاليا بتسليم طلب للسعودية يشمل 72 طائرة مقاتلة
من طراز تايفون إيروفايتر التي تشكل جزءا من الاتحاد الأوروبي.
وقالت الصحيفة من المتوقع أن يزيد إنفاق الدفاع في المملكة
من 43.52 مليار دولار هذا العام إلى 47.4 مليارا عام 2010.
وبالرغم من أن صفقة الأسلحة بين شركة بي آي إي سيستمز
مع السعودية قد جرى الحديث عنها قبل سنوات، أي قبل ارتفاع
نبرة التوتر بين الغرب وايران، وتأتي، أي الصفقة، إستكمالاً
لصفقة اليمامة المثيرة للجدل والتي أبرمت في العام 1985
والتي وصفت حينذاك بـ (صفقة القرن)، إلا أن ما تشير إليه
الصحيفة البريطانية المقرّبة من الحكومة أن موضوع التهديدات
الإإيرانية بات صالحاً للإستعمال في تبرير سباق التسلح
الجاري بين الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب عموماً
من جهة ودول الخليج النفطية من جهة ثانية.
خلاصة ما يمكن قوله هنا أن الأحاديث المتواصلة عن زيادة
التسليح في المنطقة، وكثافة الحضور العسكري الأميركي والغرب
عموماً في منطقة الخليج من شأنه إحداث خلخلة واسعة للأوضاع
الأمنية، وليس تحقيق الإستقرار في المنطقة بالغة الحساسية.
تدرك حكومات الخليج، والسعودية على وجه الخصوص، بأن مبررات
التوتّر ليس كما تعكسها تصريحات المسؤولين الأميركيين
ولا الإعلام الغربي، وأن حقيقة الأمر تتلخص في: أن هناك
مالاً وفيراً لابد من الحصول عليه عبر صفقات تسلّح، وأن
هناك فرصة ـ ذريعة وهي الخطر الإيراني المتخيّل ولابد
من تكثيف الحضور العسكري في المنطقة.
|